هل يمكن التوافق حول الاضراب؟
أحمد بيات
2024 / 12 / 31 - 11:10
في يوم 23 اكتوبر 2024 قدمت الحكومة مشروع قانون الاضراب الى لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب* وسرعان ما سحبته بعد صدور بيانات الشجب والاستنكار من طرف كل المركزيات النقابية واصفة ما اقدمت عليه الحكومة بتجاوز المنهجية التوافقية وتغييب قيم المقاربة التشاركية، والاضرار بتنظيمات الوساطة وفضيلة الحوار. واعتبرت النقابات هدا السلوك اخلالا بمخرجات اتفاق 30 ابريل 2022 الدي يقضي بضرورة التوافق حول مشاريع القوانين الاجتماعيىة المقبلة. فهل فعلا يمكن التوافق حول مشروع قانون الاضراب بين الأطراف الساعية الى تنظيمه؟ وكيف ترى هده الأطراف الى الاضراب؟ وما هي خلفياتها ومنطلقاتها؟
بعد تحييد المجتمع من مساهمته في النقاش حول موضوع الاضراب وحرمانه من مشاركته في صنع القرار، تبقى الأطراف الأساسية التالية: الدولة، الباطرونا، الشغيلة.
تعتبر الدولة الاضراب اداة تشويش على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي فهي تسعى الى ضبطه وفق مقاربة أمنية تلغي كل امكانات تأثيره. وترى الباطرونا في الاضراب أداة تعرقل مراكمة أرباحها، وتقييده، أوتحييده بالنسبة اليها، يعتبرمسألة حيوية، من أجل دفع الشغيلة لقبول واقعها والتكيف معه في صمت ودون (ضجيج). أما الشغيلة فترى في الاضراب اوكسيجين العمل النقابي، الاضراب بالنسبة اليها هو المعادل الموضوعي للحرية النقابية، فبدون اضراب لا توجد حرية نقابية وبدون حرية نقابية ينتفي الاساس الموضوعي لوجود النقابة، لدلك تبغي الشغيلة احاطة هدا الحق بكل الضمانات القانونية والواقعية الممكنة.
منطلقات متباينة وأهداف متناقضة، يجعلان الحديث عن التوافق حول الاضراب مجرد حديث تضليلي، يوهم بوجود مصالح مشتركة بين الشغيلة ورأس المال، والأخطر هو تكوين وعي مزيف لدى القسم الأعظم من الشغيلة، دفعها الى الاستنكاف عن النضال ورهن مصيرها بتوافق كان عنوانا ولا يزال لتمرير أخطر القوانين والاجراءات الاجتماعية الدي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة. لقد تحول التوافق من أداة منهجية لتسوية الخلافات في بعض القضايا التي تستدعي هده الأداة، الى اطار موجه، وحاكم لمجمل العملية التفاوضية. وهنا يكمن مأزقه المنهجي، ومثالية الرؤية السياسية التي تؤطره.
لا وجود للتوافق في قضية الاضراب، وادا وجد فانه لن يخدم الا الطرف الأقوى، هدا هو منطق الأشياء. التوافق هنا لا يعني شيئا اخر سوى تحميل الشغيلة أكلاف تدبير الأزمة الاجتماعية والاقتصادية. التوافق كما رأيناه في الواقع هو الاستخفاف بالقيادات النقابية وتركها تنتظر حوارا يأتي ولا يأتي،والتعامل معها بدونية أفقدت التنظيمات النقابية هيبتها وكرامتها.
في قضية الاضراب أيضا لا يمكن الحديث عن حوار، لأن الحوار يستدعي بالضرورة منطلقات ومصالح مشتركة تؤطر الخلاف القائم بين المقاربات ووجهات النظر، الأمر الدي ينتفي هنا.
في قضية الاضراب يتعلق الأمر بالية التفاوض بين الأطراف، وهي الية لا تعترف بحسن النوايا، ولا تقوم على الأخلاقيات، ولا دخل للتوافق بشأنها. في المفاوضات يكون النصر من نصيب من أعد العدة له. المفاوض الدي يملك أوراق القوة، ويحسن توظيفها، هو الدي يحسم العملية التفاوضية. فهل تتوفر قياداتنا النقابية على أوراق قوة يمكن استعمالها؟ وهل تملك خطة متكاملة لادارة العملية وتحسين موقعها التفاوضي؟ هدا ما ستبديه لنا الأيام.
*تمت المصادقة على المشروع بمجلس النواب يوم 24 دجنبر 2024، بعد تعديلات لجنة القطاعات الاجتماعية.