في ذكرى ثوره ديسمبر المجيدة ....... حول مفهوم الثورة المستمرة


رانية عبيد احمد
2024 / 12 / 21 - 20:21     

الثورة ثوره مستمرة احدى شعارات ثوره ديسمبر المجيدة(السودان) هذا الشعار ليس شعارا اعتباطيا انما شعار عميق نظريا وقوي عمليا. اثبت الثوار خلال سنوات الثورة المجيدة ان ثورتهم ثوره مستمرة ولن تتوقف حتى تحقيق كل مطالبها كما نادوا وصدحوا في الشوارع والميادين، رغم القمع المفرط الذي تعرضوا له فقد استمر الحراك الثوري في تصاعد عملي في الشارع ونظري بتطوير المواثيق المختلفة. مفهوم الثورة المستمرة هو أحد المفاهيم الاشتراكية الأساسية وسأحاول هنا ان أقدم هذا المفهوم مع محاوله ربطه بالثورة السودانية .قد يتساءل البعض عن كيف يتم الحديث على الثورة في وقت الحرب الكارثية التي تهدد بانهيار السودان كدوله وانسان ولكنني هنا اتفق الى حد كبير مع ما يراه عضو لجان المقاومة وعضو الحراك السلمي جنوب الخرطوم، المعز محمد، حيث يقول "أن ثورة ديسمبر لن تنطفئ بفعل الحرب؛ لأن الجميع يؤمنون أن القتال سينتهي يومًا بين الجيش والدعم السريع، وتبقى أهداف الثورة قابلة للتنفيذ دون سقوط بالتقادم"1.
المُنظر الرئيسي لمفهوم الثورة المستمرة هو الكاتب الروسي الماركسي ليون تروتسكي (25 أكتوبر 1879 - 21 أغسطس 1940). ويعتبر تروتسكي من المنظرين الاساسيين في الماركسية وتعتبر نظريه الثورة المستمرة احد انجازاته بجانب العديد من الكتابات الأخرى2. انضم تروتسكي للحزب البلشفي في 1917 وقد كان من القادة المنظمين لثوره اكتوبر وعين بعدها بعدد من الوظائف كما كان عضوا في المكتب السياسي وفي اللجنة المركزية. بعد عام 1923 شكل معارضه قوية ضد استالين وذلك لنمو البيروقراطية داخل الحزب وجهاز الدولة، في عام 1927 نفي خارج موسكو حيث تنقل في عدد من الدول الى ان اغتيل في عام 1940 في المكسيك. بدا تروتسكي صياغه نظريته حول الثورة الدائمة في مقال بعنوان نتائج وتوقعات وذلك في خلال فتره وجوده في السجن إثر اعتقاله في 1907 بعد فشل الثورة في روسيا2. يتحدث تروتسكي في مقدمه هذا الكتاب انه يعتبر خلاصه لتجارب الثورات الروسية الثلاث كما للموضوع اهميه كبيره داخل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وفي الأممية الشيوعية كما له دور في تطور الثورة الصينية. ويقول تروتسكي "إن الثورة الدائمة، بالمعنى الذي أضفاه ماركس على هذا المفهوم، تعني ثورة لا تساوم على أي شكل من أشكال الحكم الطبقي، ولا تتوقف عند المرحلة الديمقراطية، بل تنتقل إلى التدابير الاشتراكية والحرب ضد الرجعية من الخارج؛ أي ثورة تتجذر كل مرحلة لاحقة منها في المرحلة السابقة لها ولا يمكن أن تنتهي إلا بالقضاء الكامل على المجتمع الطبقي"2.
تقوم نظريه الثورة المستمرة لدى تروتسكي على ثلاث محاور اساسيه المحور الاول وهو ان الماركسية قدمت نظره مختلفة عن الديمقراطية البرجوازية (الليبرالية) فقد طرحت طريق مختلف للتغيير وهو طريق التغيير الثوري والجذري على عكس التغيير الليبرالي الذي يتبنى تغيير تدريجي واصلاحي. ان الماركسية تؤمن بان الثورة التي تقودها الطبقة العاملة قادره على تغيير بنيه المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تغيير كامل وتحويل المجتمع الى مجتمع لا طبقي. ان الثورة هي عباره عن سلسله غير منقطعة من المراحل حيث تعتمد كل مرحله فيها على المرحلة السابقة الى ان يتم تحقيق الاشتراكية لذلك هي ثوره مستمرة اي انها في حاله تطور دائم2. اما المحور الثاني فهو ان المجتمعات الإنسانية في حاله من التطور والتغيير الدائم فان هذه المجتمعات تتعرض للعديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الشيء الذي يجعلها في حاله من عدم التوازن على سبيل المثال فان اغلب المجتمعات في النظام الرأسمالي تنتقل من مراحل الحروب الى مراحل السلم ومن مراحل النزاع الى مراحل الاستقرار. وهذه التحولات العميقة في المجتمعات تفرض على نظريات التغيير ان تكون متلائمة ومناسبه لحاله التغير المستمر هذه. لذلك فان الثورة الاشتراكية هي ثوره في حاله تغيير مستمر لان الاشكالات والتحديات التي تواجهها في تغيير مستمر تبعا لعمليه التغيير المستمر في المجتمعات2. المحور الثالث من نظريه الثورة المستمرة وهو ان الثورة الاشتراكية لا يمكن ان تتحقق كل غاياتها الا في الإطار العالمي. تبدا الثورات الاشتراكية في دول بعينها ولكن لا يمكن ان تكتمل هذه الثورات في اطارها الوطني فلابد ان تتبعها ثورات اقليميه وعالميه لكي تكتمل مهام الثورة الاشتراكية. ان المنظومات الاشتراكية في دول بعينها تؤدي الى مرحله حاده من التناقضات الداخلية والصراعات الخارجية التي ستؤدي بالضرورة الى انهيار هذه التجارب كما رأينا في حاله الاتحاد السوفيتي. لذلك فان الحل الوحيد لانتصار الاشتراكية هي ان تقدم بشكل عالمي وان تتوحد الثورات الوطنية مع ثوره عالميه تقتلع النظام الرأسمالي. لذلك فان الثورة الاشتراكية هي ثوره عالميه ايضا تتم في شكل دائم وذلك بان تكتمل حلقات الثورة الاشتراكية في كل الدول مع الوضع في الحسبان احتماليه تعرضها لبعض الانتكاسات والانحدارات2.
بدأت ثوره ديسمبر في اواخر عام 2018 في شكل مظاهرات في مختلف المدن السودانية وقد كان ما يميز هذه الثورة انطلاقتها من المدن الصغيرة مثل عطبرة والدمازين وليس من العاصمة الخرطوم التي وصلها الحراك في اواخر ديسمبر. استمر الحراك متصاعدا الى ان توج بالاعتصام امام مبنى القيادة العامة في السادس من أبريل 2019 وبعد ايام معدودة سقط نظام عمر البشير. منذ اول ايام الثورة رفع الثوار شعار الثورة المستمرة تحدثوا في مختلف منابرهم ان ثورتهم مستمرة الى ان يتم اسقاط النظام بشكل كامل وليس راسه فقط والى ان يتحقق التغيير الجذري. فقد كان هذا الوضوح في اهداف الثورة معلم من معالمها الأساسية. وقد اثبت الثوار في السنوات التالية تمسكهم بهذا الشعار. حيث استمرت المظاهرات رغم القمع المفرط ورغم الفض الوحشي لاعتصام القيادة حيث خرجت الجماهير في مليونيات في ال 30 من يونيو رافضين حكم العسكر ويطالبون بالمدنية. واصل حراك في الشارع متصاعد حتى في اثناء فتره الحكومة الانتقالية وذلك بمطالبتها بتحقيق مطالب الثورة. وكانت النقطة الفاصلة لهذا الحراك بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 حيث قام البرهان وحمتدتي بانقلاب على الحكومة الانتقالية وبعد ساعات من اعلان الانقلاب وفي ساعات الصباح الاولى خرجت المظاهرات في كل مدن السودان مطالبه بعوده الحكم المدني. بعد انقلاب اكتوبر رفعت المجموعات الثورية على راسها لجان المقاومة الشعار العبقري لا تفاوض لا شراكه لا شرعيه. هو شعار يرفض كل اشكال المساومة على عمليه التغيير الجذري انما وحتى يرفض مجرد تفاوض والجلوس مع القتلة. أصر الثوار على شعارهم رافضين اي شكل من اشكال المساومة الشيء الذي دفع قوه الثوره المضادة لإشعال حرب شامله لإيقاف هذا الحراك في ابريل 2023. في خلال هذه السنوات (2018 – 2023) استمر الحراك الثوري في تصاعد يومي ليس فقط في ترتيب المظاهرات اليومية انما ايضا في طرح رؤية سياسية لكيف يحكم السودان التي ظهرت تجلياتها في المواثيق المختلفة.
لا اعتقد ان الثورة السودانية ثوره اشتراكيه رغم ان شعارات العدالة الاجتماعية كانت واحده من اهم شعاراتها وقد ظهر هذا بشكل واضح في المواثيق ومنها الميثاق الثوري لسلطه الشعب4، ولكن اظن ان الثورة تبنت مفهوم الثورة المستمرة في عدد من النقاط اولها قام الثوار بمتابعه عملهم الثوري خلال سنوات عديده وعدم الركون للخيارات البسيطة واليسيرة انما أصروا ان تتحقق كل مطالب ثورتهم واهمها التغيير الجزري والشامل. ثانيا تجربه لجان المقاومة التي تعتبر من التجارب الهامة جدا في مسار الثورة بانها اجسام قاعديه استطاعت ان تكتسب الملايين من السودانيين اما ليكونوا في صفوفها او جزء من حراكها. هذه التجربة خير دليل على شعبيه الثورة التي انخرط فيها الالاف إذا لم نقل الملايين من السودانيين، ان لجان المقاومة ليست اشكال نخبويه انما كانت اجسام تتقبل الاختلاف فيما بينها كما استطاعت استقطاب العديد من السودانيين بمختلف مشاربهم. كما نلاحظ ان لجان المقاومة تمكنت خلال هذه السنوات من ان تغير من تكتيكاتها حسب الأوضاع. في بداية الثورة اهتمت بتنظيم التظاهرات وفي بداية الفترة الانتقالية اهتمت بتوفير الاحتياجات الأساسية واليومية كما تابعت بنائها القاعدي، بعد انقلاب اكتوبر صعدت من عملها الثوري في التظاهرات والسياسي في انتاج المواثيق. هذه الفاعلية والديناميكية تدل على قدره اللجان على التعامل بشكل عملي مع التغييرات المجتمعية والسياسية المختلفة، كما اكسبتها هذه التجارب قدرات مختلفة للتعامل في ظل تعقيدات متعددة. الان وفي ظل الحرب فقد تكونت لجان الطوارئ التي تهتم بتوفير متطلبات الحياه الأساسية من مأكل ملبس ومسكن للنازحين والمحتاجين في اماكن السودان المختلفة. كما يلاحظ انه ورغم ظروف الحرب فان لجان المقاومة لم تقم بحل نفسها او تغيير تشكيلها او عملها فما زال وجودها السياسي واضح من خلال رؤيتها لوقف الحرب وعملها على التخفيف من معاناة الجماهير.
اما في المحور الاخير والثالث فاعتقد ان لجان المقاومة لم تكن مهتمة كفاية بخلق تشبيكات وعلاقات مع الجماعات المقاومة في دول الجوار والاقليم اوالعالم. فقد كانت اللجان تتحفظ في شكل علاقاتها الخارجية وذلك لأسباب عديده قد لا يسع المجال لذكرها ولكن اتفق مع مزن النيل في طرحها ان النضال الجماهيري الداخلي غير كافي لمواجهه القوى الداخلية التي تعمل بتنسيق كبير مع القوى الخارجيه3. ان النظام الرأسمالي يقوم على شكل التحالفات مع القوى "الوطنية" ويدفع بأجندته لتحقيق مصالحه والسودان ليس باستثناء. لذلك لابد من الاهتمام بان تتم اشكال من التنسيق والتحالفات بين قوى المعارضة والمقاومة المختلفة وذلك لضمان فعالية اكبر للحراك في مواجهه السياسات العالمية النيوليبراليه.
في الذكرى السادسة لثوره ديسمبر وفي ظل هذه الحرب الكارثية لابد ان نكون اكثر تمسكا بشعار الثورة المستمرة. لابد ان يلتف الثوار حول هذا الشعار عمليا بخلق جبهة واسعه لإيقاف الحرب وبناء دوله السلام والعدالة والحرية. لابد في هذا الوقت بالذات ان نرفض اي شكل من اشكال المساومة. ولابد ان يفسر الشعار بان الثورة يجب ان تستمر ولا تتوقف عند مرحله الديمقراطية، بل تسعي لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية. ولابد في هذا الوقت ان نكون أكثر وحده خلف شعارات الثورة المجيدة. لابد ان نواصل عملنا المطالب الذي يتناسب مع هذه المرحلة ومع استيعابنا وان الثورة المستمرة هي ثوره في حاله تغيير مستمر أيضا. لابد لنا من ان نستصحب كل اخطاء الحراك الثوري منذ 2018 والى اليوم لاستعاده ثوره أكثر قوه واعمق اثر. الثورات لا تسير في طريق مستقيم انما تتعرض دائما للنكسات والانحدارات وما اصعب انتكاستنا اليوم، ولكن ما زال الامل باقي باستعادة الثورة وتحقيق كل مطالبها.
ثورتنا.......... ثوره مستمرة
ثورتنا.......... ثوره مستمرة



المراجع
1- محمد حلفاوي (19-ديسمبر-2024) شباب شاركوا في ثورة ديسمبر لـ"الترا سودان": انتكاسة مؤقتة قبل العودة
سياسة- موقع الترا سودان الإلكتروني.
2-ليون ترتسكي (1965) نتائج وتوقعات والثوره الدائمه ترجمه بشار ابو سمره منشورات دار الطليعه بيروت.
3- مزن النيل (27 أكتوبر 2021) ماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية.
4-الميثاق الثوري لسلطه الشعب (2022) – السودان - نسخه للتداول الجماهيري