أزمة خطيرة تهددّ وجود منظمتنا العتيدة : الاتحاد العام التونسي للشغل : الجذور، الأسباب، الحلول


سفيان بوزيد
2024 / 12 / 21 - 02:55     

من المهمّ تناول موضوع التطورات المتصاعدة الجارية حاليا داخل المركزية النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل و خاصّة منهم المنضوين تحت لواءه عن طريق تشكيلاته خاصة النقابات الأساسيّة ، إضطررت تماما لكتابة هذه الشذرات إيمانا منّي بأن المناضل العضوي دائما ما يكون ملتحما بجماهير الطبقة العاملة ، و توضيحا لبعض المسائل أمام ما نشهده من جزر للعمل النقابي و انحساره و غيبوبته
و أمام خطورة الأوضاع الداخليّة داخل الإتحاد العام التونسي للشغل، و خاصّة أنّ النظام السياسي القائم الغارق في الشعبويّة بترسانته القانونية و البوليسيّة يسعى بصفة محمومة للقضاء على المنظمات المهنية و الحزبية و النقابية منها الاتحاد العام التونسي للشغل، رغم تغنّي الرئيس في كثير من الأحيان بوطنيّة العمل النقابي، من المهمّ الإشارة إلى أنّ الأزمة التي يعيشها الاتحاد العام التونسي للشغل هي أزمة غير مسبوقة، بإعتبار أن المنظمة الشغيلة كانت تغوض معركة الإستقلالية عن السلطة و محاربة تدجينها و ربطها بدوائر حزب الحاكم آنذاك و ليس وجودها كمثل اليوم الذي أضحى جليّا ان سلطة قيس سعيد ناصبة رماحها لتفكيك الإتحاد و ذلك لسببين على الأقل : أولا النظام القاعدي الذي تراه السلطة بديلا عن الاجسام الوسيطة و هو تحليلها لبنية المجتمع و تطوره و ما تفرزه من بنى فوقية، و ثانيا هو أنّ تونس موقعة بكما إتفاقيّة أغرقت البلاد في الديون و ارتبطت هيكليا بمقررات للهيئات المالية الدولية على غرار اتفاقية الاليكا، اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاوروبي، اتفاقيات مع هيئات التنمية الدولية على غرار وكالة التعاون الالماني التي اضحى تدخلها في شركتنا سافرا و بل انها اضحت تضع ايظا قوانين و معايير تقنية في الكهرباء، شروط صندوق النقد و البنك الدوليين... و حتى تكون السلطة في طريق لا ينغص مسلكه أحد: فلا بدّ من الانتهاء من الاتحاد !
فالإتحاد العام التونسي للشغل في أزمته الخانقة و الخطيرة اليوم، لم يعد يدافع ، كما أسلفنا الذكر، عن استقلاليته، او في مستوى تمثيلته في الشركات او المؤسسات، او في التفاوض الاجتماعي بل لا الاتحاد اضحى جليّا للعيان أنهّ مهددّ بانقسامه على شاكلة ما حصل في الثمانينات إثر طرد سبعة أعضاء من المكتب التنفيذي وظهور “الاتحاد الوطني” (UNTT) و دلالة ذلك هو القيادة الحالية انقسمت الى شقين : فريق عشرة و فريق خمس (مكونّا من الاخوة : أنور بن قدور،منعم عميرة و الطاهر البرباري و صلاح الدين السالمي وعثمان الجلولي)، و جرّوا بذلك المكتب التنفيذي و الاتحادا الجهوية و الهياكل القطاعية (جامعات و نقابات عامة)، و الخطير أنّ كافة المؤشرات تؤّشر الى انقسام الاتحاد بمباركة من السلطة و من ارباب العمل و من الرجعيات الاسلامية و الاحزاب الليبرالية حيث انهم اضحوا يغذون الخلافات الداخلية لاضعافه و الهائه بمشاكله، عوض التصدي لميزانية التفقير و حشد الطاقات للتصدي لمشاريع الخوصصة و تحقيق الدعم و الزيادة في الاجور.
نشر الرفيق بالمكتب التنفيذي للاتحاد أنور بن قدور -عضو المكتب التنفيذي الوطني- رسالة للرأي العام النقابي و الوطني
مشيرا الى الملفات و القضايا الحارقة تقتضي حتما انعقاد الهيئة الادارية الوطنية او مؤتمرا استثنائيا في الربع الاول من سنة 2025 عوضا عن فيفري 2027 و لم تلبث ان ردت المعارضة النقابية داخل الاتحاد على انور بن قدور و اعلنت عن رفضها لدعوة المؤتمر الاستثنائي و اعتبرت انه لا يمكن الثقة في من مارس الانقلاب على المنظمة سابقا و دعت الى رحيل كامل المكتب التنفيذي الحالي و اسقاط كل المقررات و القوانين التي ادت للانقلاب على ديمقراطية المنظمة
في خضم ذلك، يعاني أغلب الشغالين من التفقير الممنهج في ظل الغلاء الفاحش للاسعار، و ندرة بعضها، مع غياب الأمان الإجتماعي و الصحيّ، هذا في ظرف تتفاقم فيه البطالة و اشكال التشغيل الهشّ (منها وضعية زميلتنا عاملة النظافة مثلا)، و ارتفاع نسبة الفائدة على قروض الاستهلاك الخ...
ان المشكلات التي تعصف بالاتحاد ليست خلافات فردية او سياسية بل هي مشكلات هيكلية اساسا دلت عليها غياب الانسجام داخل القيادة النقابية (و قد فسر بن قدور في رسالته تحايل قيادة نور الدين الطبوبي في المجلس الوطني المنعقد في سبتمبر 2024: القرارات المتسرعة وغير الموزونة في استعجال رفع أشغال المجلس الوطني والإقدام على التصويت دون توفر النصاب القانوني والمرور بقوة كان نتيجة تقديرات خاطئة للتطورات التي ستنجم عن ذلك) و عدم وجود رؤية واضحة للتعامل مع السلطة تكتيكيا و استراتيجيا و التلاعب بالقانون الداخلي من خلال تعديل الفصل 20.
إن الاتحاد اليوم وأكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى خيارات وسياسات جديدة تقوم على استقلاليته حيال السلطة والقوى الرجعية وعلى التسيير الديمقراطي صلبه وعلى الكفاحية في الدفاع على مطالب الشغالين المادية والمعنوية. وهو اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى قيادة جديدة تتبنى هذه الأرضية وتكرسها في عملها لأن الفريق الحالي فقد كل أهلية للقيام بذلك عبر إصلاحات داخلية: إنهاء الصراعات واحترام النظام الداخلي، بما في ذلك معالجة مسألة الفصل 20 و تحديد دوره الوطني: تحديد موقف واضح من السلطة والعودة إلى دوره كمدافع عن القضايا الديمقراطية والاجتماعية.
سفيان بوزيد - جبنيانة 20 /12 /2024