آلية دولية للعلاقات العامة تشجع على الإبادة الجماعية


سعيد مضيه
2024 / 12 / 20 - 10:59     

ترجمة سعيد مضيه
"العفو الدولية والإبادة الجماعية وألية العلاقات العامة الإسرائيلية" علائق تجذب اهتمام بينوي كامبمارك ، المحاضر بجامعة ملبورن، تتجسد فيها ومن خلالها مأساة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتشجع على نقل التجربة الى الضفة.. هناك جريمة وشهود على الجريمة وجهود محمومة للتغطية على الجريمة وتبرئة المجرم. من بين الجهود المبذولة لتبرئة إسرائيل من الإبادة الجماعية "أساليب تقطع حماس وحربها مع إسرائيل عن اي سوابق تاريخية، أقلها حقيقة أنها تلقت المساعدة والدعم والمساندة من إسرائيل لسنوات عديدة لدى تصديها لحركة فتح بالضفة الغربية"، يقول الأكاديمية كامبارك:
كان لا بد أن يحدث، مع استمرار العمليات في غزة، واعمال العنف المتزايدة الجارية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، قيام منظمات حقوق الإنسان بإجراء تقييمات تتزايد حدتها لقضية إسرائيل المحاربة. وبينما ينتظر العالم النتائج التي ستتوصل إليها محكمة العدل الدولية بشأن ما إذا كانت الحملة الإسرائيلية، كما تدعي جنوب أفريقيا، ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، فقد توصلت منظمة العفو الدولية بالفعل إلى الاستنتاج.
في تقرير مؤلف من 296 صفحة بعنوان "تشعر وكأنك مجرد من إنسانيتك "، حددت هيئة حقوق الإنسان، بعد النظر في الأحداث التي شهدتها غزة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوليو/تموز 2024، "نمط سلوك" يشير إلى نية الإبادة الجماعية. وشملت هذه الهجمات، من بين أمور أخرى، الهجمات المباشرة المستمرة على المدنيين والأملاك “والضربات العشوائية المتعمدة على مدى فترة تسعة أشهر، ما أدى إلى القضاء على عائلات بأكملها، والتي تم توقيتها بشكل متكرر حيثما الضربات تهلك الأعداد الكبيرة من الضحايا". طبيعة الأسلحة المستخدمة، سرعة وحجم الدمار الذي لحق بالأملاك والبنية التحتية المدنية (المنازل والملاجئ والمرافق الصحية والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والأراضي الزراعية)؛ استخدام الجرافات وعمليات الهدم المنتظمة؛ إصدار أوامر “إخلاء غير مفهومة ومضللة وتعسفية".
يركز التقرير كثيرًا على التصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين إلى الجنود العاديين يتبين منها الحالة العقلية اللازمة لكشف الإبادة الجماعية. فقد صدر102 من تصريحات أدلى بها أعضاء الكنيست ومسؤولون حكوميون وقادة رفيعو المستوى "جردوا الفلسطينيين من إنسانيتهم، أو دعوا إلى أعمال الإبادة الجماعية ضدهم، أو برروها مع غيرها من الجرائم من منظور القانون الدولي". كذلك تحرّى التقرير 62 من مقاطع فيديو وتسجيلًات صوتيًة وصورًا فوتوغرافية منشورة على الإنترنت تظهر جنودًا إسرائيليين جذلين حيال "تدمير غزة أو حرمان الناس في غزة من الخدمات الأساسية، أو يحتفلون بتدمير منازل الفلسطينيين ومساجدهم ومدارسهم وجامعاتهم، بما في ذلك عمليات هدم متعمدة، وفي بعض الحالات دون أي مبرر حربي.
استمدت آلة العلاقات العامة الإسرائيلية من عالمها البديل، أي متخصصيها في مجال الدعاية والتحريض، ممن عملوا على تشويه لغة التقرير. الصيغة مألوفة: مهاجمة كتّاب التقرير اولا، وليس هيئاتهم. “من جديد قدمت منظمة العفو الدولية المزدراة والمتعصبة رداً ملفقاً يستند بالكامل إلى الأكاذيب”. هكذا صرخ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورستاين.
أساليب أخرى للتجريم تقطع حماس وحربها مع إسرائيل عن اي سوابق تاريخية، أقلها حقيقة أنها تلقت المساعدة والدعم والمساندة من إسرائيل لسنوات عديدة لدى تصديها لحركة فتح بالضفة الغربية. إن عزل حماس باعتبارها انحرافًا إرهابيًا يساعد أيضًا في التعامل معها على أنها معادية، كيان أجنبي مصطنع، وليست جزءًا من حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي الخانق.
انهم، وفقًا لهذ الطرح، مرتكبو الإبادة الجماعية؛ والتصدي لهيئة من هذا القبيل لا يمكن بأي حال أن يكون إبادة جماعية. منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية المؤيدة لإسرائيل، إذ تلتزم بهذا المنطق، تطلق على تهم الإبادة الجماعية الموجهة لإسرائيل بأنها “تقلب رأسا على عقب النية الفعلية والراسخة لحماس وحلفائها (بما في ذلك راعيتها إيران)، لمحو إسرائيل من على الخارطة".
أما الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل وراعيتها، فقد برهنت على قدرة تنبؤ لدى رفض ما توصلت اليه العفو الدولية بينما لم تزل تدعي احترام المنحى الإنساني. فقد أعرب فيدانت باتيل، النائب الأول للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، عن عدم موافقته “على استنتاجات مثل هذا التقرير؛ قلنا سابقًا وما زلنا نجد أن مزاعم الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة. على كل حال جامَلَ باتيل "الدور الحيوي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني مثل منظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية في توفير المعلومات والتحليلات فيما يتعلق بغزة وما يحدث". تقييم حيوي، لكنه توقف عند نقطة محددة.
يمكن العثور على تقييمات أقل حذراً بكثير في مجال الثرثرة الأميركية المؤيدة لإسرائيل. هذه تتبع النمط المعتاد؛ تفسير واضح يقدمه أوردي كيتري، أحد كبار مسئولي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو الاسم الذي لا يمكن إلا أن يعني ضمنا أن الجرائم المرتكبة في مثل هذه القضية لا بد أن تكون مبررة؛ يقول إن منظمة العفو الدولية "تشوه بشكل منهجي ومتكرر كلاً من الحقائق والقانون". يقترح كيتري تشويهه من خلال ترديد ببغاوي لمقولة الجيش الإسرائيلي الزاعمة أن حماس "زادت من أعداد الضحايا من خلال الاستخدام غير القانوني للدروع المدنية الفلسطينية ومن خلال إخفاء الأسلحة ومقاتلي الحرب داخل المنازل والمستشفيات والمساجد وغيرها من المباني وتحتها". يتجاهل هذا بصورة لائقة نقطة مفادها أن الأرقام ليست بالضرورة دليلاً على نية الإبادة الجماعية، رغم أنها قد تساعد.
يلاحظ التقرير أيضًا أنه حتى لدى مواجهة مثل هذه التكتيكات من قبل حماس، فإن إسرائيل لا تزال "ملتزمة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لإنقاذ حياة المدنيين وتجنب الهجمات التي قد تكون عشوائية أو غير متناسبة".
مع هذا فتقرير منظمة العفو الدولية إضافة أخرى للأدبيات المنتجة قاتمة حول هذا الموضوع. أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش، في نوفمبر/تشرين الثاني، إلى انتهاكات قوانين الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتدابير مؤقتة أصدرتها محكمة العدل الدولية تحث إسرائيل على مراعاة الالتزامات المفروضة بموجب ميثاق الأمم المتحدة بصدد لإبادة الجماعية لعام 1948. أقرت لمنظمة بيتسيلم لحقوق الإنسان، في أكتوبر/تشرين الأول، بعبارات لا لبس فيها أن "إسرائيل تعتزم تهجير سكان شمال غزة قسراً من خلال ارتكاب البعض من أخطر الجرائم بموجب قوانين الحرب".،
الدخول في مناكفات بصدد النوايا فيما إن كانت الحملة تعتبر إبادة جماعية يمكن أن تكون بمثابة ملهاة، حقل مراوغات للمتحذلقين على الورق. لدى البرهنة، يتوجب جلاء "القصد المحدد" بشكل لا لبس فيه، بما يتجاوز اي استنتاج معقول آخر. وبذلك يتم نشر ستار من الدخان يخاطر بإخفاء النطاق الأوسع لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. غير انه ما من تحذلق او خلاف بمقدوره كبت الشعور بأن سلوك إسرائيل القاتل، أياً كانت العتبة التي يبلغها في القانون الدولي، موجه نحو تدمير ليس مجرد حياة الفلسطينيين، بل وكل إحساس جدير بسيادة قابلة للحياة. رغم رفض العفو الإسرائيلية الادعاء المركزي لتقرير المنظمة الأم، إلا أنها قدمت تنازلًا واحدًا: رد الفعل الشرس من جانب البلد بعد 7 أكتوبر 2023 "قد يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي".