من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ما العمل - لينين 17
عبدالرحيم قروي
2024 / 12 / 19 - 15:44
الحلقة السابعة عشر
ولكن المهام السياسية بكل معنى هذه الكلمة الحقيقي، بكل معناها العملي، هي في متناول حلقة أقطاب من أمثال ألكسييف وميشكين وخالتورين وجيليابوف، وذلك بالضبط لأن دعايتهم الحارة تجد صدى في الجماهير المستيقظة بصورة عفوية، وبقدر ما تجد هذا الصدى؛ ولأن همتهم المتأججة تؤيدها وتدعمها همة الطبقة الثورية، وبمقدار ما تؤيدها وتدعمها. لقد كان بليخانوف ألف مرة على حق عندما لم يكتف بالإشارة إلى وجود هذه الطبقة الثورية، ولم تكتف بالبرهان على أن يقظتها العفوية أمر محتوم لا مفر منه، بل وضع أمام "حلقات العمال" مهمة سياسية سامية كبرى.
أما أنتم فتستشهدون بالحركة الجماهيرية التي انبثقت منذ ذلك الحين لكيما تهبطوا بهذه المهمة، لكيما تضيقوا نطاق نشاط "حلقات العمال" وتضعفوا همتها. وكيف نسمي ذلك إن لم نسمه بهيام الحرفي بطريقته الحرفية؟ تتبجحون بروحكم العملية، ولكنكم لا ترون الواقع الذي يعرفه كل من ساهم في الحركة الروسية، لا ترون المعجزات التي تستطيع الإتيان بها في العمل الثوري همة أشخاص منفردين فضلا عن همة الحلقة بمجموعها. هل تحسبون أن حركتنا لا تستطيع أن تنجب أقطابا كأقطاب سنوات العقد الثامن؟ ولماذا؟ ألأن استعدادنا قليل؟ ولكننا نستعد وسنستعد وسنصبح مستعدين! حقا لقد نبت عندنا، لسوء الحظ، الطحلب على مستنقع "النضال الإقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة"، لقد ظهر أناس يجثون على ركبهم ويتعبدون العفوية ويتأملون بخشوع (حسب تعبير بليخانوف) "دبر" البروليتاريا الروسية. ولكننا سنستطيع الخلاص من هذا الطحلب. فالثوري الروسي الذي يسترشد بنظرية ثورية حقا ويستند إلى طبقة ثورية حقا تستيقظ بصورة عفوية، يستطيع في هذا الوقت بالذات، يستطيع في النهاية - في النهاية! - أن ينتصب بكل قامته ويطلق كل قواه العملاقة. وهذا لا يتطلب غير شيء واحد: هو أن تستقبل كل محاولة من محاولات الهبوط بمهامنا السياسية وتضييق نطاق عملنا التنظيمي ببسمة سخرية واحتقار من قبل جمهور المشتغلين في الميدان العملي ومن قبل الجمهور الأوسع منه، جمهور الذين يحلمون بالنشاط العملي منذ أن كانوا على مقاعد الدراسة. سنتوصل إلى ذلك، فاطمئنوا أيها السادة! لقد كتبت ضد "رابوتشييه ديلو" في مقال "بم نبدأ؟" قائلا: "خلال 24 ساعة يمكن تغيير تكتيك التحريض في مسألة معينة من المسائل، التكتيك الذي يرمي إلى تحقيق عنصر معين من عناصر التنظيم الحزبي. أما أن يغير المرء نظراته لا في 24 ساعة، بل حتى في 24 شهرا، بصدد ما إذا كانت هنالك حاجة بوجه عام، حاجة دائمة وأكيدة، لمنظمة كفاحية وللتحريض السياسي بين الجماهير، فهو أمر لا يستطيعه غير أناس لا مبادئ لهم". وقد أجابت "رابوتشييه ديلو" قائلة: "إن اتهام "الإيسكرا" هذا، الوحيد من بين الإتهامات التي تدعي لنفسها بالطابع العملي، لا يقوم على أي أساس. فقراء "رابوتشييه ديلو" يعرفون حق المعرفة أننا منذ البدء لم نقتصر على الدعوة إلى التحريض السياسي دون أن ننتظر ظهور "الإيسكرا""… (قائلين آنذاك أن "إسقاط الحكم المطلق لا يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى أمام حركة العمال الجماهيرية" فضلا عن حلقات العمال، وأنه لا يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى غير النضال من أجل المطالب السياسية المباشرة، وأن "المطالب السياسية المباشرة تصبح في متناول الجماهير بعد إضراب أو عدة إضرابات على أكثر تقدير")… "بل إننا أوصلنا كذلك من الخارج بواسطة مطبوعاتنا مادة التحريض السياسي الاشتراكية-الديموقراطية الوحيدة إلى الرفاق العاملين في روسيا"… (علما بأنكم، في مادتكم الوحيدة هذه، لم تقتصروا على ممارسة أوسع تحريض سياسي على صعيد النضال الإقتصادي وحده، بل لقد بلغ بكم تفكيركم في النهاية حدا أعلنتم معه أن هذا التحريض الضيق هو الذي "يمكن استعماله بأوسع شكل". ألا تلاحظون، أيها السادة، أن حججكم لا تبرهن إلا على ضرورة ظهور "الإيسكرا" - ما دام هذا هو نوع المادة الوحيدة" - وإلا على ضرورة نضال "الإيسكرا" ضد "رابوتشييه ديلو"؟)… "ومن الجهة الأخرى، إن نشاطنا بوصفنا ناشرين قد مهد في الواقع لوحدة الحزب التكتيكية"… (وحدة الاعتقاد بأن التكتيك هو سير نمو المهام الحزبية التي تنموا مع نمو الحزب؟ ما أثمنها من وحدة!)… "ومهد بذلك لإمكانية إنشاء "منظمة كفاحية" عمل "الإتحاد" كل ما في طاقة منظمة في الخارج أن تبذله عموما لإنشائها" ("رابوتشييه ديلو"، العدد 10، ص 15). عبثا تحاولون التملص! أما أنكم بذلتم كل ما في طاقتكم، فهو أمر لم أفكر بإنكاره قط. فقد أكدت وأؤكد أن حدود "متناولـ"كم يضيقها قصر نظركم، بل أنه من المضحك الحديث عن "منظمة كفاحية" للنضال من أجل "المطالب السياسية المباشرة" أو من أجل "النضال الإقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة". ولكن إذا كان القارئ يريد أن يرى درر الهيام "الإقتصادي" بالعمل الحرفي فينبغي له أن يتوجه طبعا من "رابوتشييه ديلو" الإختيارية وغير الثابتة إلى "رابوتشايا ميسل" المستقيمة والحازمة. فقد كتب ر.م. في "الملحق الخاص"، ص13: "سنتناول الآن بكلمتين من يسمون بالمثقفين الثوريين بالذات: لقد برهنوا حقا غير مرة من خلال العمل أنهم مستعدون كل الإستعداد "لخوض المعركة الفاصلة ضد القيصرية". ولكن المصيبة، كل المصيبة، هي في كون مثقفينا الثوريين الذين تلاحقهم الشرطة السياسية دون رحمة، قد حسبوا النضال ضد الشرطة السياسية نضالا سياسيا ضد الحكم المطلق.
يتبع