ماذا يجري بسوريا..؟ - الحلقة الثالثة


امال الحسين
2024 / 12 / 18 - 23:45     

سوريا ليست استناء

من طبيعة الدولة قمع الشعب والحروب في ظل الإمبريالية حروب الحكومات على الشعوب كما قال لينين، لكن أفظع الدول في العصر الحالي هي الدول العربية ذات الصفة القبلية، هي مسألة التخلف التي أصابت الشعوب العربية والتي أدت إلى استعمارها، الذي استمرار بتوقيع الدول العربية معاهدات استغلال الثروات الطبيعية للبلدان العربية، وزادها ذلك تعقيدا فشل حركة التحرر الوطني بشمال إفريقيا والشرق الأوسط.

ويعتبر عامل الدين الذي تم استغلاله وتكريسه في الأيديولوجي والسياسي في أوساط الشعوب، هي عملية معقدة تستعصي الحل بين استغلال الشعوب والثروات في ظل الرأسمال المالي وهيمنة العقلية القبلية في علاقات الإنتاج.

هكذا هي معظلة البلدان العربية دولا وحكومات وشعوبا وحتى مناضلين في أغلبهم مع الأسف الشديد، الكل يتعلق بالمستعمر في البحث عن الحلول مما زاد الحياة بالبلدان العربية تخلفا مع تطور وسائل الإنتاج وتخلف الحركة الثقافية يوما عن يوم، مما زاد غطرسة الحكام وتشبثهم بالسلطة الإدارة فسادا، هذا المرض الاجتماعي الذي يستشري في العلاقات في جميع المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهلك التعليم الذي يعتبر قاطرة التقدم فأصبح أدة للضبط الاجتماعة بفعل علاقات الفساد التي تنخره، وتحول إلى وسيلة لتمرير السياسات الطبقية والهيمنة الأيديولوجية والسيطرة السياسية.

هي معضلة لن تحل بالحروب والصراعات السياسية في ظل الحروب اللصوصية التي يتحكم فيها بارونات وشركات الحروب بالدول العربية، التي توظف الأموال المنهوبة في السيطرة على الشعوب بتمويل الحروب الطائفية بهذه البلدان، منذ الحرب الأهلية بلبنان إلى الحرب على الشعب السوري، التي بلغت التمويل فيها من طرف دول الخليج ما يقدر ب 137 مليار دولار، لو وظفت في التربية والعليم والصناعة لخرجت الشعوب العربية من التخلف الذي أصابها.

من الصعب جدا أن نتحدث عن الخلاص من هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل السياسات الطبقية المعقدة، لكون العالم اليوم يدخل مرحلة أشد تعقيدا في ظل هيمنة الدول الاحتكارية على جميع المستويات، وأخطرها التأثير السلبي على الحياة المدنية للفرد والمجتمع، حيث تعيش الشعوب العربية مخاضا عسيرا بين انشدادها بقيود الماضي المتخلف وجذبها بالتطور العلمي الهائل، مما زاد نسب الهوة بين الطبقات الحاكمة التي تتلقى تعليما عاليا متطورا للتحكم في الاقتصاد والسياسة، وانغراس الشعوب في الأيديولوجية الدينية التي ترى فيها ملادا للهروب من واقها المعاش المتسم بالتخلف، جاهلة أن معاناتها ليست مجردة من العلاقات الاجتماعية الطبقية التي جعلتها في المراتب الدنيا في المجتمع، وأن هذه العلاقات لا يمكن حلها بالرجوع إلى الحياة الصوفية مما يسهل على بارونات الحروب المسيطرين على الدول العربية أن توظفها في الحروب الطائفية.

لقد أثر على هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غطرسة الإمبريالية بعد فقدان التوازن الحاصل في النصف الأول من القرن 20، خاصة بين الحربين الإمبرياليتين الأولى والثانية، وما نتج عنهما من هبات شعبية بالبلدان العربية في ظل حركة التحرر الوطني التي ساندها الاتحاد السوفييتي، لكن فشلها في بناء دولة وطنية ديمقراطية جعل صعود البرجوازيات الهجينة المكونة من البرجوازية التجارية المتعلقة بالرأسمال والملاكين العقاريين الكبار ذي الجذور الإقطاعية، يفرز تشكيلة دول ذات الجذور القبلية هيمنت على السياسي والاقتصادي على شكل عائلات حاكمة مدعومة من طرف الاستعمار، وجعل الشعوب العربية بعيدة عن تقرير مصيرها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ويتم استغلالها سياسيا وضرب أسس حياتها المدنية.

ودون حركة ثقافية تقدمية يشارك في بنائها المثقفون خارج السياسات الطبقية التي ينتجها التعليم الرسمي، ستستمر هذه الأوضاع المزرية في التعقيد ولن تحل بحمل السلاح كما يعتقد بعض النشطاء خاصة اليساريين، حيث الحروب الوطنية الثورية أشد تعقيدا في ظل هيمنة الإميريالية وتسخيرها للدولة العربية في كبح جماح حركات المقاومة والتحرر الوطني بهذه البلدان.