من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ما العمل - لينين 16
عبدالرحيم قروي
2024 / 12 / 18 - 15:09
الحلقة السادسة عشر
ب. العمل الحرفي والاقتصادية
ينبغي لنا أن نتناول الآن سؤالا يدور في خلد كل قارئ بالتأكيد. هذا العمل الحرفي بوصفه مرض نمو يلازم الحركة بمجموعها، هل يمكن أن يقرن "بالإقتصادية" باعتبارها أحد تيارات الاشتراكية-الديموقراطية الروسية؟ نعتقد أن ذلك ممكن. إن نقص الإستعداد العملي، إن عدم المهارة في العمل التنظيمي هو في الحقيقة شيء عام بالنسبة إلينا جميعا، حتى الذين تمسكوا منذ البدء بوجهة نظر الماركسية الثورية. ولا يمكن لأحد بطبيعة الحال أن يلوم المشتغلين في الميدان العملي لنقص الإستعداد بحد ذاته.
ولكن مفهوم "العمل الحرفي" يتضمن، فضلا عن نقص الإستعداد، شيئا آخر: هو ضيق نطاق العمل الثوري كله بوجه عام، وعدم فهم أن منظمة ثوريين جيدة لا يمكن أن تتكون على أساس هذا العمل الضيق، وأخيرا، وهو الأمر الأهم، محاولات تبرير هذا النطاق الضيق ورفعه إلى مقام "نظرية" خاصة، أي تقديس العفوية في هذا الميدان أيضا. ومذ ظهرت هذه المحاولات لم يبق شك في أن العمل الحرفي مرتبط "بالإقتصادية" وأننا لن نتخلص من ضيق نشاطنا التنظيمي إذا لم نتخلص من "الإقتصادية" عموما (أي من المفهوم الضيق للنظرية الماركسية ولدور الاشتراكية-الديموقراطية ولمهامها السياسية). والواقع أن هذه المحاولات برزت في اتجاهين. فقد أخذ بعضهم يقول: إن جمهور العمال لم يطرح هو نفسه بعد مهام كفاح سياسية واسعة كالتي "يفرضها" عليه الثوريون، ولا يزال عليه أن يناضل من أجل المطالب السياسية المباشرة وأن يقوم بـ"النضال الإقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة" (وهذا النضال الذي هو في "متناول" الحركة الجماهيرية تلائمه، بصورة طبيعية، منظمة هي في "متناول" حتى الشبيبة الأقل إعدادا). وأخذ آخرون من الذين هم بعيدون عن كل "تدرجية" يقولون: يمكن ويجب "القيام بالثورة السياسية"، ولكن ذلك لا يتطلب البتة إنشاء منظمة ثوريين قوية تربي البروليتاريا على النضال الحازم العنيد، بل يكفينا لذلك أن نتشبث جميعنا بالهراوة المألوفة التي في "متناولنا"، وإذا لم نلجأ إلى التشابيه، نقول أن علينا أن ننظم الإضراب العام، أو أن نهيج بواسطة "إرهاب تهييجي" حركة العمال "الخاملة". هذان التياران، الإنتهازيون و"الثورويون"، يستسلمان أمام العمل الحرفي السائد ولا يؤمنان بإمكان الخلاص منه ولا يدركان مهمتنا العملية الأولى التي لا تقبل التأجيل: إنشاء منظمة ثوريين قادرة على أن تؤمن للنضال السياسي القوة والثبات والإستمرارية. لقد أثبتنا آنفا كلمات ب- ف: "نمو حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها". إن لهذا "النبأ القيم من مراقب عن كثب" (من تقريظ هيئة تحرير "رابوتشييه ديلو" لمقالة ب- ف) أهمية مزدوجة في نظرنا. فهو يبين أننا كنا على حق عندما رأينا السبب الأساسي لأزمة الاشتراكية-الديموقراطية الروسية الحالية في تأخر القادة (من "إيديولوجيين"، وثوريين، واشتراكيين-ديموقراطيين عن نهوض الجماهير العفوي. وهو يبرهن أن جميع هذه الأقوال لواضعي الرسالة "الإقتصادية" ("الإيسكرا"، العدد 12)، ب. كريتشيفسكي ومارتينوف، بصدد خطر التقليل من أهمية العنصر العفوي والنضال الجاري المعتاد والتكتيك-الحركة، الخ.، ليس غير تمجيد للعمل الحرفي ودفاع عنه. فهؤلاء الناس الذين لا يستطيعون النطق بكلمة "نظري" دون أن يكشروا عن أنيابهم باحتقار، والذين يطلقون على سجودهم أمام نقص الاستعداد لأمور الحياة ونقص التطور اسم "حس الحياة" يكشفون في الواقع عن عدم فهم لمهامنا العملية الأكثر إلحاحا. إنهم يصرخون بالناس المتأخرين: وحدوا الخطى! لا تسبقوا! أما بالناس المصابين بنقص الهمة والمبادرة في العمل التنظيمي، المصابين بنقص "المشاريع" للعمل الجريء الواسع، فيصرخون: عليكم بـ"التكتيك-الحركة"! أن ذنبنا الأساسي هو الهبوط بمهامنا السياسية والتنظيمية إلى مستوى مصالح النضال الإقتصادي الجاري المباشرة "الملموسة" "الحسية"، ومع ذلك لا يفتأون يتحفوننا بأغنية: ينبغي أن نضفي الطابع السياسي على النضال الإقتصادي نفسه! نكرر: إنه حقا "حس حياة" أشبه بحس بطل الأسطورة الشعبية الذي أخذ يصرخ وقد رأى موكب جنازة: "إن شاء الله دايمة!" تذكروا كيف أخذ هؤلاء الحكماء يعظون بليخانوف بعنجهية لا تضارعها غير عنجهية "نرسيس"(86)، قائلين: "إن المهام السياسية بمعنى الكلمة الحقيقي، العملي، أي بمعنى النضال العملي المعقول والناجح من أجل المطالب السياسية، ليست بوجه عام (كذا!) في متناول حلقات العمال" ("جواب هيئة تحرير "رابوتشييه ديلو""، ص 24). ثمة حلقات وحلقات، يا سادة! فالمهام السياسية ليست طبعا في متناول حلقة من "الحرفيين"، ما لم يدرك هؤلاء الحرفيون أنهم يعملون على الطريقة الحرفية، وما لم يتخلصوا منها. وإذا ما أظهر هؤلاء الحرفيون فضلا عن ذلك، هياما بطريقتهم الحرفية، وإذا ما أخذوا يكتبون كلمة "عملي" بالحرف العريض على الدوام ويتصورون أن الروح العملية تتطلب منهم الهبوط بمهامهم إلى مستوى فهم أكثر فئات الجماهير تأخرا، عندئذ يتضح أن مرض هؤلاء الحرفيين مستعص وأن المهام السياسية بوجه عام ليست، فعلا، في متناولهم.
يتبع