من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ما العمل - لينين 14
عبدالرحيم قروي
2024 / 12 / 15 - 16:14
الحلقة الرابعة عشر
و) مرة أخرى "مفترون"، مرة أخرى "مشعوذون"
هذه الكلمات اللطيفة صدرت، كما يذكر القارئ، عن "رابوتشييه ديلو" التي أجابت بهذه الصورة على اتهامنا لها "بتمهيد التربة بصورة غير مباشرة لتحويل حركة العمال إلى أداة للديموقراطية البرجوازية". وقد قررت "رابوتشييه ديلو"، لسذاجة نفسها، أن هذا الإتهام ليس غير نزوة من نزوات الجدال. فقد خطر لها: أن جامدي العقيدة الأشرار هؤلاء قد صمموا على أن ينسبوا لنا مختلف الأشياء غير المستحبة، وهل يمكن أن يكون هناك للمرء شيء أشد إزعاجا من أن يكون أداة للديموقراطية البرجوازية؟ وهكذا نشرت بالخط العريض "تكذيبا": "إفتراء سافر" ("مؤتمران" ص 30)، شعوذة" (ص 31)، "مسخرة" (ص 33).
إن "رابوتشييه ديلو"، على غرار جوبيتر (وإن كانت قليلة الشبه به)، تغضب بالضبط لأنها على غير حق، مبرهنة بإسراعها إلى الشتائم، أنها عاجزة عن فهم مجرى تفكير خصومها.
ومع ذلك لا يحتاج المرء إلى تفكير طويل لكي يدرك السبب الذي يجعل بالضبط من كل تقديس لعفوية الحركة الجماهيرية، من كل هبوط بالسياسة الاشتراكية-الديموقراطية إلى مستوى السياسة التريديونيونية، بمثابة تمهيد التربة لتحويل حركة العمال إلى أداة للديموقراطية البرجوازية. فالحركة العمالية العفوية بحد ذاتها تستطيع أن تنشئ (وهي تنشئ حتما) التريديونيونية فقط؛ وما السياسة التريديونيونية للطبقة العاملة غير السياسة البرجوازية للطبقة العاملة. واشتراك الطبقة العاملة في النضال السياسي وحتى في الثورة السياسية لا يجعل إطلاقا بعد من سياستها سياسة اشتراكية-ديموقراطية. ترى ألا يخطر على بال "رابوتشييه ديلو" أن تنكر ذلك؟ ألا يخطر على بالها في النهاية أن تعرض أمام الجميع بصراحة ودون لبس أو إبهام، مفهومها عن القضايا الملحة في الاشتراكية-الديموقراطية العالمية والروسية؟ - كلا، لن يخطر لها أبدا ببال أي شيء من هذا القبيل، إذ أنها تتمشى بدقة مع الطريقة التي يمكن أن تسمى بطريقة "لا عين رأت ولا أذن سمعت".
دعوني وشأني، لا علاقة لي بالأمر، نحن لسنا "باقتصاديين"، إن "رابوتشايا ميسل" ليست "بالإقتصادية"، و"الإقتصادية" بوجه عام لا وجود لها في روسيا. وهي طريقة لبقة جدا و"سياسية" ليس فيها غير عيب واحد صغير: فقد جرت العادة أن يطلق على الجرائد التي تطبقها لقب: "أمر؟ خدمة؟"(81). يخيل إلى "رابوتشييه ديلو" أن الديموقراطية البرجوازية بوجه عام ليست في روسيا غير "شبح" ("مؤتمران"، ص32)•. ما أسعد هؤلاء الناس! فهم كالنعامة يخبئون رؤوسهم تحت أجنحتهم ويتصورون أن كل ما يحيط بهم يزول بذلك. كتاب ليبيراليون يعلنون على الملأ كل شهر عن فرحهم المظفر بانحلال الماركسية وحتى تلاشيها؛ جرائد ليبيرالية ("سانت بيتربورغسكيه فيدوموستي"(82)، و"روسكيه فيدومستي"(83) وجرائد أخرى كثيرة) تشجع أولئك الليبراليين الذين يحملون إلى العمال المفهوم البرينتاني عن النضال الطبقي(84) والمفهوم التريديونيوني عن السياسة؛ - كوكبة من نقاد الماركسية، كشف "Credo" بوضوح عن حقيقة اتجاهاتهم وانتشار بضاعتهم الأدبية وحدها في أرجاء روسيا بدون عائق، بدون ضرائب ولا رسوم؛ - انتعاش الإتجاهات الثورية غير الاشتراكية-الديموقراطية ولا سيما بعد حوادث شباط (فبراير) وآذار (مارس)؛ - كل ذلك، على ما يبدو، ليس غير شبح! كل هذه أمور لا علاقة لها على الإطلاق بالديموقراطية البرجوازية! ينبغي لـ"رابوتشييه ديلو" كما ينبغي لواضعي الرسالة "الإقتصادية" في العدد 12 من "الإيسكرا" أن "يعملوا الفكر فيما يلي: لماذا أفضت حوادث الربيع إلى انتعاش الإتجاهات الثورية غير الاشتراكية-الديموقراطية هذا الإنتعاش الكبير، بدلا من أن تفضي إلى رفع نفوذ ومكانة الاشتراكية-الديموقراطية"؟ - ذلك لأننا لم نكن أكفاء للمهمة، لأن نشاط جماهير العمال قد فاق نشاطنا، لأنه لم يكن لدينا قادة ومنظمون ثوريون مُعَدّون إعدادا كافيا ويعرفون حق المعرفة مزاج جميع الفئات المعارضة ويحسنون الوقوف في رأس الحركة وتحويل المظاهرة العفوية إلى مظاهرة سياسية وتوسيع طابعها السياسي، الخ.. وإذا ما استمرت هذه الحال فسيستغل تأخرنا حتما الثوريون غير الاشتراكيين-الديموقراطيين، الأشد حركة والأبعد همة؛ أما العمال، فمهما أظهروا من تفان وهمة في المعارك ضد الشرطة والجيش ومهما أظهروا من الروح الثورية، سيبقون مجرد قوة تساند هؤلاء الثوريين، سيبقون مؤخرة الديموقراطية البرجوازية، لا الطليعة الاشتراكية-الديموقراطية. خذوا الاشتراكية-الديموقراطية الألمانية التي لا يريد "إقتصاديو"نا أن يقتبسوا منها غير جوانبها الضعيفة. لماذا لا يقع حادث سياسي واحد في ألمانيا دون أن يقوي أكثر فأكثر من نفوذ الاشتراكية-الديموقراطية ويرفع من مكانتها؟ ذلك لأن الاشتراكية-الديموقراطية هي دائما أول من يعطي التقدير الأكثر ثورية لهذا الحادث، وأول من يسند كل احتجاج على الاستبداد. فهي لا تعلل النفس بآراء مآلها أن النضال الإقتصادي يصدم العمال بمسألة حرمانهم من الحقوق، وأن الظروف الملموسة تدفع حركة العمال بصورة جبرية إلى الطريق الثوري.
إنها تتدخل في جميع ميادين وجميع قضايا الحياة الإجتماعية والسياسية: تتدخل عندما لا يصادق غليوم على انتخاب رئيس بلدية من البرجوازيين التقدميين (لم يجد "إقتصاديو"نا بعد الوقت الكافي لأن يعلموا الألمان أن هذا في الجوهر مساومة مع الليبرالية!)، وعندما يصدر قانون ضد الكتب والصور "الخليعة"، وعندما تمارس الحكومة ضغطها أثناء انتخاب الأساتذة الخ.، وهلم جرا. في كل مكان يتقدم الإشتراكيون-الديموقراطيون الصفوف، مستثيرين الإستياء السياسي في جميع الطبقات، هازين النيام مستحثين المتأخرين، مقدمين مواد تتناول جميع الميادين بغية تنمية وعي البروليتاريا السياسي ونشاطها السياسي. والنتيجة أن هذا المناضل السياسي السائر في الطليعة يكتسب الإحترام حتى من أعداء الاشتراكية الواعين. وليس بنادر أن نرى وثيقة هامة لا من المحيط البرجوازي وحده، بل وحتى من محيط الدواوين والبلاط، تقع، لا ندري بأية معجزة، في مكتب تحرير "Vorwârts"• هنا سر "التناقض" الظاهري الذي يفوق درجة فهم "رابوتشييه ديلو" بحيث يجعلها ترفع يديها إلى السماء وتصرخ: "مسخرة"! تصوروا من فضلكم: نحن، "رابوتشييه ديلو"، نضع في المقام الأول حركة العمال الجماهيرية (ونطبع ذلك بالحرف العريض!) ونحذر الجميع وكلا بمفرده من التقليل من أهمية العنصر العفوي!) نحن نريد أن نضفي الطابع السياسي على النضال الإقتصادي نفسه، نفسه، نفسه، نحن نريد أن نبقى على صلة عضوية وثقى بالنضال البروليتاري! فيقولون لنا أننا نمهد التربة لتحويل حركة العمال إلى أداة للديموقراطية البرجوازية.
ومن يقول لنا ذلك؟ أناس "يساومون" مع الليبرالية بتدخلهم في كل مسألة "ليبيرالية" (ويا له من عدم فهم "للصلة العضوية بالنضال البروليتاري"! وباهتمامهم اهتماما كبيرا بالطلاب وحتى (ويا للهول!) بالزيمستفويين! أناس يريدون بوجه عام أن يكرسوا نسبة أكبر (بالقياس إلى "الإقتصاديين") من قواهم إلى العمل بين طبقات السكان غير البروليتارية! ألا ترون أن هذه "مسخرة"؟؟ مسكينة "رابوتشييه ديلو"! هل يسعفها الحظ في يوم فتكتشف سر هذا الأمر العويص؟
يتبع