نستوضح مسارنا: نحو إجابات اشتراكية من السودان وإليه

مزن النيل
2024 / 12 / 14 - 12:58     


تهدف الاشتراكية إلى إلغاء جميع أشكال الاستغلال والاضطهاد، الهدف الذي يُعد نبيلاً للغاية إلا أنه مبهم للغاية كذلك عندما لا يستند إلى رؤى مفصلة تُصور الواقع المنشود عقب إنهاء مراحل الاستغلال وتوضح معالم طريق تحقيقه.

لا تقتصر التحديات التي يواجهها الاشتراكيون في السودان اليوم، في ظل واقع الحرب الرهيبة الدائرة في البلاد، على مهمة توضيح المسار الاشتراكي وتفصيل أهداف الحرية والعدالة (من خلال إلغاء الاستغلال والاضطهاد) فحسب، ولكنهم يواجهون هذه المهمة في واقع يتسم بالاضطهاد الشديد والعنف والقتل الجماعي للناس.

في واقع الحرب هذا، حيث تشتد الحاجة إلى الاشتراكية، وحيث يشعر الناس بعمق بغياب الحرية والعدالة، تظل الحقيقة هي أنه إلى جانب القتل، ألهبت الحرب الدعاية والسرديات الرجعية، مما زاد من تحديات النهوض بالرؤية الاشتراكية التقدمية، وإقناع الجماهير بصلاحيتها، وبأن الإجابة والمسار الاشتراكيين ليسا واقعيين فحسب، بل يعتبرا الطريق الوحيد للخروج من الواقع الذي شكلته جرائم القتل إلى واقع يتشكل بهدف الحياة.

ليس بعيد عنا عندما هتف الشعب السوداني مناداةً بالحرية والسلام والعدالة والرعاية الصحية المجانية والتعليم والسلطة سلطة شعب. تؤكد هذه المطالب أن الثورة السودانية كانت بالفعل ثورة شعبية، تدعو إلى تلبية احتياجات السودانيين وتدعم مصالحهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الأهداف تتطابق مع الأهداف الاشتراكية، إلا أن ذلك لا يجعلها منها ثورة اشتراكية، ويجب أن تكون هذه الصورة واضحةً لنا، حتى نتمكن من إجراء تحليل سليم لنجاحنا وإخفاقاتنا. خاصة وأن التوق إلى إلغاء الظلم ما هو إلا نتيجة منطقية للتجربة التي يعيشها المستَغَلون والمضطَهَدُون.

ورغم تطابق هذه الأتواق والأهداف مع أهداف اشتراكية إلا أن ذلك لا يجعل منها ثورة اشتراكية وذلك ما يجب أن يكون واضحاً إن أردنا تقديم تحليلات سليمة لمواقع فشلنا ونجاحنا. الرغبة في إزالة القهر والظلم نتيجة منطقية لتجربة الحياة تحت القهر والاستغلال. من شأن الاشتراكية دعم هذه الرغبات من خلال الحجة العلمية، بأن هذه الرغبات لن تتحقق دون سيطرة المضطهَدين على الأدوات التكنولوجية والاجتماعية للإنتاج والسلطة، وأن أهازيج الحرية والعدالة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال سلطة الشعب وإزالة سيطرة الطبقة الحاكمة الحالية.

أصبحت هتافات الحرية والعدالة الآن شيئًا من الماضي في السودان، إذا كنا نراقب واقعنا الحالي ونوثقه بصدق. في الأسابيع الأولى التي أعقبت اندلاع القتال بين الجيش والجنجويد (الدعم السريع) ساد شعور عام بالطابع المؤقت بين جماهير الشعب السوداني، بما في ذلك الأجسام السياسية، مع توقع انتهاء الحرب قريباً، في غضون أيام أو أسابيع أو عدة شهور قليلة.

ومع انتشار الإدراك بطول أمد الحرب بين السودانيين، تدفعهم الحاجة الإنسانية لإيجاد حلول نحو التفكير بشكل أعمق في الرؤى المطروحة. ومن المؤسف أن هذا البحث يجري في بركة من الرؤى الرجعية التي إما تدعو إلى المزيد من القتل أو إلى حكم القتلة، في حين تغيب الرؤية الاشتراكية المصممة لدعم الحياة.

بالرغم من أن مطالب ثورة الشعب السوداني كانت لديها احتمال قوي للتطور إلى مشروع اشتراكي قائم على سلطة الشعب، إلا أن هذه الاحتمالات تضاءلت بشكل كبير. ويمكننا أن نجد أحد العوامل القوية المؤدية الى ذلك في تصرفات أولئك الذين يختارون إهمال مطالب الشعب وإعطاء الأولوية لدعم أحد الأطراف المتحاربة. رأينا هذا التوجه بين عامة الناس كما رأيناه من العديد من الأجسام والأفراد الناشطين وهو توجه يفتقد لأي مبرر منطقي بمعطيات الواقع. لم تتراجع الطبقة الحاكمة، بما في ذلك الجيش والجنجويد، عن تصرفاتها بغرض حماية مصالحها، ولم تستجب لكارثة الحرب التي يعيشها شعب السودان بإعطاء الأولوية لحياة الناس، وزيادة الإنفاق العام على الرعاية الصحية أو إطعام الجياع أو إسكان أولئك الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الحرب.

لم تتخلص الطبقة الحاكمة، بما في ذلك الجيش والجنجويد، من سيطرتها على الثروة والأراضي والأصول لتوفير الرعاية لضحايا الحرب والمجاعة الذين يدعون أنهم يقاتلون من أجلهم. على النقيض من ذلك، تُستغل نفس الحرب التي زادت من معاناة شعب السودان لتبرير خفض أولوية احتياجاتهم، بل وفي بعض الأحيان حتى حياتهم، إذا كان من المقرر مهاجمة موقع قريب للعدو وقبول الخسائر في الأرواح كأضرار جانبية ضرورية. وبالتالي، بما أن حرب المضطهِدين والمضطهِدون الأقدم لا تزال نشطة على الرغم من الحرب بين فصائل الأوليغارشية (الطغمة الحاكمة)، وبما أن مصالح المستغِلين تظل أولوية بالنسبة لهم، فلا توجد أسباب منطقية تدفع المستغَلين لإهمال مصالحهم وخفض أولويتها.

إن مهمة الاشتراكيين الديمقراطيين الثوريين هي حراسة هذه المصالح والدفاع عنها، ولكن لم يعد العديد من الرفاق الذين شاركوا هذه الرؤية ذات مرة يولونها نفس الاعتبار. في مراجعة للآراء التي قدمها أولئك الرفاق الضالون، نواجه انحرافات من عدة أشكال. فنجد من بين رفاق الأمس أولئك الذين يتخيلون عالماً لا تؤثر فيه الحرب على ظروف النضال، وأننا لا نحتاج سوى أن ننجو من الحرب بأي وسيلة ممكنة، ومن ثم نعود بعد ذلك إلى ظروف ما قبل الحرب ونواصل النضال المؤجل. نطلب من هؤلاء الرفاق الركون إلى التفكير النقدي لتقييم تراكم القوة الإضافية التي تراكمت لدى الطبقة الحاكمة على نحو مباشر من خلال أسلحتهم وعنفهم، وعلى نحو غير مباشر من خلال انتشار خطابهم ورؤيتهم في النقاش العام في ظل غياب خطابات ورؤى تقدمية بديلة.

هناك آخرون من رفاق الماضي الذين استسلموا لدعوات الوحشية الرجعية والفاشية الوطنية أو العرقية، ونرى فيهم، تماماً كما نرى في العديد من عامة الناس الذين يختارون مساراً مشابهاً، ضحايا فشلنا في تقديم الرؤية والمشروع الاشتراكي المتفوق والسليم. كما نجد بين أولئك الرفاق من لا يزال متمسكاً بفهم تقدمي لمعاناة المستغَلين والظلم الذي ألحقته بهم الطبقة الحاكمة الاستغلالية في الحرب والسلم. ومع ذلك، فإنهم مشلولون جراء الافتقار إلى الفهم والالتزام الاشتراكي بقوة الشعب. ف يبدو أن هؤلاء الرفاق، الذين حادوا عن جادة الطريق، متمسكون بأحلام العدالة، والذين لا يؤمنون بقوة الشعب، لا يجدون منفذاً لأحلامهم سوى البحث عن قوة نخبوية لتحقيق المستقبل المنشود.

انطلاقاً من هذه النقطة الجوهرية، تختلف مساراتهم وفقاً للقوة النخبوية التي يختارونها، حيث يسعى البعض إلى تحقيق العدالة والحماية لمن يعانون الاضطهاد عبر الأجسام المسلحة التي يستخدمها المستفيدين من الاضطهاد. بينما يطمح بعض آخر إلى تحقيق العدالة والحماية من خلال هياكل الطبقة الحاكمة التكنوقراطية، والبعض الآخر يسعى إلى تحقيق العدالة والحماية للشعب من خلال التدخلات الإمبريالية للأنظمة الدولية. وهذه اختلافات سطحية تحمل في داخلها تناقضات مشتركة بين الهدف المنشود والأساليب الرجعية، فضلاً عن الانحراف الجذري المشترك المتمثل في إهمال قوة الشعب.

فيما يخص قضية الحماية المسلحة للشعب، هناك بالفعل حجج ودراسات ومناقشات اشتراكية صالحة يجب إجراؤها. سيكون من السذاجة بمكان تصور إلغاء الاستغلال دون مواجهات عنيفة مع المستفيدين من الاستغلال، وبالتالي لا تعتبر المقاومة المسلحة مرفوضة من حيث المبدأ. غير أن المقاومة المسلحة للمضطهَدين لا يمكن ولا ينبغي أن تتخذ شكل الاضطهاد المسلح للطبقة الحاكمة.

يجب أن يستند تصور المقاومة المسلحة للمضطهَدين إلى أساس تصور التنظيم الديمقراطي للمضطهَدين، ويجب أن يأخذ في الاعتبار أيضاً الحيلولة دون حدوث أي وضع يمحور العنف، لأن هذا لن يؤدي إلا إلى إعادة تأسيس حكم أقلية مسلحة جديدة. يمكن أن تنتج هذه الدراسة والتصور العديد من الإجابات الجديرة بالنقاش في واقع السودان وضمن إطار المبادئ الاشتراكية. إلا أن أياً منها لا تدعو إلى العسكرة والحجة المتناقضة لصالح طريق تحقيق العدالة بالتشارك أو بالتعاون مع الأجسام المسلحة التي يستغلها المضطهِدون. وتُعد مهمة توضيح هذه الإجابة، في حقيقة الأمر، جزء حاسم من توضيح المسار الاشتراكي، وهي أيضاً تكليف نناشد إليه رفاقنا الضالين بأن يسخروا طاقتهم التي تشتد الحاجة إليها، بدلاً من إساءة استخدام فكرهم في محاولة تبرير العسكرة والتحالف المؤقت مع الطبقة الحاكمة المستغِلة.

إن الدعوات إلى استخدام أدوات الاستغلال، سواء كانت أدوات مسلحة أو بيروقراطية، تشترك في انحراف عام في فهم العلاقة بين المضطهَدين وأدوات المضطهِد، وهي علاقة يجب تحديدها أولاً قبل الانخراط في تصور جيش الشعب أو دولة الشعب.

نفهم نحن الاشتراكيون، أن المستغَلين في سعيهم إلى إلغاء الاستغلال، سيتعين عليهم السيطرة على أدوات القمع واستخدامها بهدف تمكين العبور الثوري إلى عالم لا يُسمح فيه بالاستغلال ولا توجد حاجة إلى مثل هذه الأدوات، بما في ذلك الدولة.

ولكننا مع ذلك، ندرك أيضاً أن دولة الشعب هي التي سيتعين عليها استخدام بعض أجزاء ومخلفات دولة المضطهدِين. ولكنها لا تحمل سمات أي تشابه في التصميم أو الاستراتيجية أو الأهداف مع هذه الأخيرة. يقودنا هذا التعريف إلى أهمية فهم مكونات وإجراءات وأنظمة الدولة القائمة، فقط من أجل انتقاد تصميمها المؤيد للقمع، والتنظير والمناقشة والمشاركة في كيفية استخدامها تحت سيطرة الشعب ولمصالحه، إلى جانب مسألة كيفية تحقيق تلك السيطرة.

وفي تنفيذ هذه المهمة، يتعين علينا أن نتأكد من أنه لا يمكن استخدام أقوالنا وأفعالنا كذخيرة دعائية للمستفيدين من الاضطهاد في تلميع دولتهم الفاشلة والاستغلالية. يجب أن نستخدم خطابنا كاشتراكيين فيما يتعلق بأزمة الدولة الحالية كأداة لنقد النظام وفهمه، واستنهاض الشعب وتوعيته بطبيعة النظام القمعية والتعجيل بإسقاطه، من خلال التنظير والانخراط في أشكال التنظيم اللازمة التي تفضي إلى تحقيق سيطرة المضطهَدين على أدوات القمع وإلغاء الاستغلال.

لن تصمد العديد من تصرفات الرفاق الضالين أمام الاختبار المذكور أعلاه، والذي يتلخص في ما إذا كانت أقوالهم محصنة بما فيه الكفاية من خلال النقد الاشتراكي الجذري الذي يمنع استخدامها في الدعاية لهياكل الاضطهاد والمستفيدين منها. تقف هذه التصرفات على حدود ما يمكن تصنيفه كنشاط فكري اشتراكي إلى حدود حماية الاستغلال بكلمات اشتراكية. ومع ذلك، فإن هذا ليس سوى أحد عيوب مناقشاتنا وتنظيراتنا الحالية بين الاشتراكيين السودانيين وكذلك التقدميين السودانيين بشكل عام.

وتتضح من بين عيوبنا الأساسية وتقصيرنا أيضاً العيب الكامن في ابهام كلماتنا، وهي كلمات لم ترتكز بعد على رؤى وفهم مفصلين للواقع السوداني ومن أجله. أليس من العار، أيها الرفاق الأعزاء، أننا ما زلنا نشير إلى المجموعات التي يسعى مشروعنا السياسي إلى تعزيز مصالحها من خلال استخدام كلمات غامضة ومبهمة من شاكلة “الشعب” و “الجمهور السوداني” و “المضطهِدين”؟ ومن العار حقاً أن نفشل في إجراء دراسة علمية للبنيان الحالي والتاريخي لإنتاج وتوزيع السلطة والثروة وتوضيح أساليب استغلالها لنا وللجمهور، والمستفيدين منها والذين يعانون تحت وطأتها. إن العبارات العامة مثل “الشعب” إما أن تربك فهم الحد الفاصل بين المضطهِد والمضطهَد، أو يمكن أن يستخدمها الفاشيون لتبرير انقسام قائم على الجنسية واتحاد بين المضطهِدين والمضطهَدين على أساس كونهم جميعاً أبناء الشعب والبلد، مما يتناقض مع الوحدة الثورية للمضطهَدين عبر الحدود ضد جميع مضطهِديهم.

ومن العار أيضاً أننا ما زلنا نستخدم المصطلح العام “المضطهَد” دون تفصيل ما يعنيه في الواقع السوداني، أولا يمكننا إنكار بعض الدراسات النادرة والقيمة، وعلى رأسها كتيب يوسف عبد المجيد (أُجَراء الريف)، حيث أجرى هذه الدراسة على العمل الزراعي المأجور من حيث خلق القيمة وتوزيعها. ألا إن مثل هذه الدراسة لابد وأن نجريها على كافة أنشطة الأعمال الرئيسية واعمال انتاج الثروة التي يقوم بها شعب السودان؛ إذا أردنا أن نفهم علمياً أي مجموعات شعب السودان يثبت أنها مضطهَدة. وأن نفهم أيضاً أي من هذه المجموعات تتمتع بالقدرة الثورية على قيادة النضال والإطاحة بنظام القمع بوصفها فاعلًا ثوريًا؟ وما المجموعات الأكثر تمكيناً استناداً إلى الظروف المادية لقيادة مهمة التنظيم وبأي أشكال؟ وما هي المجموعات الحليفة للنضال والتي هي بطبيعتها معادية للمشروع الاشتراكي؟ كل هذه أسئلة أساسية لمشروع اشتراكي ثوري، ومرة أخرى هي جزء من مهمة التوضيح التي يجب أن نعمل عليها بجدية.

تتطلب هذه الجدية أيضاً ألا نسلك الطريق السهل والمغري المتمثل في استخدام المصطلحات الراسخة التي لا تعكس واقعنا. ومن الأمثلة على ذلك إسناد مهمة تنظيم المضطهِدين إلى “الطبقة العاملة السودانية” وحدها، دون إجراء دراسة نقدية وافية لأنماط خلق الثروة الاستخراجية في البلاد، ودون فهم كاف وعلمي لمستويات الاستغلال الطبقية على مجموعات مختلفة من العمال – الرسميين وغير الرسميين – من قبل مجموعات مختلفة يمكن تعريف بعضها أيضاً على أنها بالعمال المأجورين، ودون الاستفادة من الأشكال التنظيمية التي تتولد في الوحدات السكنية لتقديم الخدمات للمضطهدين ومن قِبلهم.

وكثيراً ما يتكرر أن المشروع الاشتراكي نحو إلغاء الاستغلال والاضطهاد هو مهمة تتطلب تنظيم المضطهَدين (في النقابات أو غيرها من أشكال التنظيم)، فضلاً عن التنظيم الثوري (الحزب الثوري هو أحد الأمثلة على ذلك)، الأمر الذي يظل صحيحاً عالمياً في التاريخ المعروف. يُعد التنظيم الثوري الاشتراكي ضرورياً لإضفاء الوعي الثوري بين المضطهدين، ولا بد من انتظام المضطهَدين حتى يكون هذا النضال ديمقراطيًا حقاً.

ومع ذلك، بالنظر إلى واقع حركتنا الاشتراكية السودانية البدائية – على الرغم من تاريخها الطويل – كما يتضح من جميع القضايا الأساسية التي لم تتضح بعد، فإن مهمة بناء التنظيم الثوري الضروري تتطلب، في الوقت الحالي، الإجابة على تلك القضايا والأسئلة الأساسية. يبدو أننا لم نصل بعد إلى نقطة معالجة مسألة “ما العمل” أو “من أين نبدأ” بل مسألة “ما هو المسار؟”.

ندعو الرفاق الاشتراكيين أن يأخذوا على عاتقهم مهمة توضيح هذا المسار، وفهم أشكال الاستغلال التي تحدث في السودان وفهم إمكانات واستكشاف تحديات التنظيم المجتمعي الذي يحدث في البلاد ومن قبل شعبها، وإمكانيات زيادة القوى المنتجة للبلاد وتحقيق العدالة في توزيع الثروة المنتجة، ندعوهم لمعالجة هذه الأسئلة، من بين أسئلة أساسية أخرى ورد العديد منها في هذا المقال.

من شأن هذا التوضيح أن يوفر للجمهور الحلول الاشتراكية البديلة، وهنا من المفيد الإشارة إلى أن المبرر الذي تستخدمه بعض فصائل الرفاق الضالين في دعمهم للأدوات الرجعية والنخبوية للطبقة الحاكمة – المسلحة أو البيروقراطية – التي تكرر أن الأداة النخبوية التي يختارونها هي اختيار الشعب، ويعتبرونها بالتالي التمثيل الفعلي للمسار الاشتراكي المتمحور حول الشعب. في هذا، يجب القول إن دور الاشتراكيين الثوريين لم يكن أبداً دعم التوجهات الأكثر رجعية بين المضطهَدين بل دورهم تقديم التحليل الاشتراكي التقدمي النقدي والسعي لإقناع المضطهَدين، مع الحفاظ على تفكير نقدي متواصل تجاه ردود فعل المضطهدين والتغيرات في الحالة المادية. وهو ما يختلف تمامًا عن تبني نُهج رجعية، والتراجع عن الكفاح ضد رواية الطبقة الحاكمة التي تشوش عقول المضطهدين، بينما تضع عبء هذا الاختيار على المضطهدين أنفسهم.

ولابد أيضاً توضيح أساسيات المشروع الاشتراكي في السودان بوصفه جزء من مهمة بناء المنظمة الثورية الاشتراكية. ومن خلال هذا التوضيح، سنحدد موقع رفاقنا المستقبليين ونعمل معهم لبناء التنظيم، وسيكون بعضهم من رفاق الماضي بالمثل.

إن مهمة التوضيح والتنظير الثوري يضطلع بها حالياً بعض الرفاق المقدرين ونادري الوجود، ومع ذلك فهي أبعد ما تكون عن أن تمثل التركيز الأساسي لنسبة جيدة من القادرين، ناهيك عن أن تصبح هي التركيز الأساسي للنقاش العام كما ينبغي أن يكون.

يجب إيلاء هذه التوضيحات الجدية اللازمة، ويفضل أن يشمل كل من المناقشات الداخلية لمجموعات وخلايا الرفاق الذين يتطلعون إلى مواجهة هذه التحديات، وكذلك النشر العلني للمواقف والنصوص الاشتراكية، والمراجعات المتبادلة والنقد. مثل هذه الخطوات من شأنها أن تسلحنا بالجدية النظرية اللازمة والالتزام التنظيمي والمساءلة تجاه الجمهور. وكل هذه خصائص ضرورية للبناء المنشود للتنظيم الثوري، ودعم تنظيم المضطهدين وتوضيح مسارنا نحو الحلول الاشتراكية من الشعب السوداني المضطهد ومن أجله.

———————————–
مراجع
روزا لوكسمبورغ: كتيب يونيوس (1915)
فلاديمير إ. لينين: من أين نبدأ؟ (1901).
فلاديمير إ. لينين: ما العمل؟ (1902)
روزا لوكسمبورغ: الميليشيا والعسكرة (1899)
لينين: الدولة والثورة (1917)