نوبة القتل الإسرائيلي في لبنان تستمرّ في ظلّ ما يسمّى - إيقاف إطلاق النار - – ليست - إنتهاكات - – الإتّفاق التي توسّطت فيه الولايات المتّحدة يعطى إسرائيل حقّ مواصلة الهجمات على لبنان
شادي الشماوي
2024 / 12 / 13 - 18:22
نوبة القتل الإسرائيلي في لبنان تستمرّ في ظلّ ما يسمّى " إيقاف إطلاق النار " – ليست " إنتهاكات " – الإتّفاق التي توسّطت فيه الولايات المتّحدة يعطى إسرائيل حقّ مواصلة الهجمات على لبنان
جريدة " الثورة " عدد 882 ، 9 ديسمبر 2024
www.revcom.us
في 27 نوفمبر 2024 ، إيقاف إطلاق نار في حرب دامت أكثر من سنة بين إسرائيل و منظّمة حزب الله اللبنانيّة ، بوساطة من الولايات المتّحدة و فرنسا ، دخل حيّز التنفيذ .
و يدعو إيقاف إطلاق النار إسرائيل و حزب الله لإيقاف هجماتهما . و على الجيش الإسرائيلي الذى غزى جنوب لبنان أن يتراجع خلال الستّين يوما القادمة . و حزب الله التي لطالما هيمنت قوّاته و تحرّكت في جنوب لبنان عليه أن ينقل قوّاته إلى حوالي 18 ميل شمالا ، بعيدا عن الحدود اللبنانيّة مع إسرائيل ( لا تطالب إسرائيل بنقل قوّاتها بعيدا عن حدودها مع لبنان). و الجيش اللبناني المدعوم من الولايات المتّحدة و بعض قوّات الأمم المتّحدة سينتشر في المناطق الحدوديّة في جنوب لبنان بمهمّة منع حزب الله من العودة . و ستشرف الولايات المتّحدة و إسرائيل تطبيق الإتّفاق ، إلى جانب فرنسا و بلدان أخرى.
و قد قال بايدن إنّ هذا الإتّفاق " يذكّرنا أنّ السلام ممكن . قولوا هذا مرّة أخرى : السلام ممكن ."
السلام ؟ منذ إعلان إيقاف إطلاق النار ، هاجمت إسرائيل أهدافا في لبنان أكثر من مائة مرّة ، و قتلت ما لا يقلّ عن 12 شخصا في لبنان . و في 30 نوفمبر 2024 ، قصفت إسرائيل بالقنابل ما إدّعت أنّها خدمات و مؤسّسات تابعة لحزب الله على الحدود اللبنانيّة – السوريّة و في جنوب لبنان . و في 2 ديسمبر 2024 ، قصفت إسرائيل مواقعا " عبر لبنان " ، قاتلة 10 أشخاص و جارحة 3 . و في 3 ديسمبر 2024 ، قتلت إسرائيل أكثر في جنوب لبنان .
إيقاف إطلاق نار يعطى إسرائيل " حقّ " مواصلة قصف لبنان بالقنابل :
في ظلّ " إيقاف إطلاق النار " هذا يُسمح لإسرائيل بمواصلة مهاجمة لبنان لأنّ هذا الإتّفاق كتبته الولايات المتّحدة و إسرائيل خدمة لأهدافهما و أجندتهما . (1)
و قد أوضح بايدن هذا عندما أعلن الإتّفاقيّة . ندّد بحزب الله على أنّ÷ منظّمة إرهابيّة و وبّخها على الحرب ، حتّى و إن كانت إسرائيل هي التي صعّدت راديكاليّا ما كان نزاعا منخفض المستوى إلى حرب شاملة في 17 سبتمبر من هذه السنة .
و قد شدّد على أنّ أيّ محاولة يقوم بها حزب الله لإعادة التسلّح أو إعادة بناء بنيته التحتيّة ، التي دمّرت جزءا كبيرا منها إسرائيل ، سيكون عبارة عن دوس لهذه الإتّفاقيّة ( التي كتبت بالتشاور مع إسرائيل و فرنسا ) : " ما بقي من حزب الله و المنظّمات الإرهابيّة الأخرى لن يُسمح له – لن يُسمح له أشدّد على ذلك – بتهديد أمن إسرائيل مرّة أخرى ... لن يُسمح بإعادة بناء البنية التحتيّة الإرهابيّة لحزب الله في جنوب لبنان ."
و لم يطلب مثل هذه الأشياء من إسرائيل و هياكلها العسكريّة المسؤولة عن إرتكاب جرائم حرب و إبادة جماعيّة في غزّة و الضفّة الغربيّة ، و كذلك في لبنان .
و واصل بايدن ليقول ، " لنكن- كي أكون واضحا : إن خرق حزب الله أو أيّ تنظيم آخر الإتّفاقيّة و مثّل تهديدا مباشرا لإسرائيل ، عندها تحتفظ إسرائيل بحقّ الدفاع عن نفسها ..." (2)
بكلمات أخرى ، إذا إتّخذ حزب الله أيّ خطوات ليبقى ناشطا و يعيد تجميع قوّاته أو يعيد بناءها ، سيُعتبر ذلك خرقا للإتّفاقيّة و سيكون لإسرائيل " حقّ " الهجوم . و مرّة أخرى ، لم يُطلب من إسرائيل ما طُلب من حزب الله .
و الفقرة الثانية من الإتفاقيّة تشدّد على هذا . تطالب المجموعات اللبنانيّة ( مثل حزب الله ) أن توقف " أيّ عمليّات ضد إسرائيل " . لكنّها لا تفعل سوى وضع قيود على قيام إسرائيل بأعمال " هجوميّة " . و بكلمات أخرى ، طالما أنّ إسرائيل تزعم أنّها تتحرّك دفاعا عن النفس ، يمكن أن تستمرّ في مهاجمة أهداف داخل لبنان و هذا لا يمثّل خرقا للإتّفاقيّة ! (3)
و هذا بالضبط ما كانت إسرائيل تزعمه لتبرير هجماتها المستمرّة على لبنان . و في نوفمبر 2024 ، قصفت إسرائيل موقعا على الحدود اللبنانيّة مع سوريا و إدّعت أنّ حزب الله " يستخدمه بنشاط " لنقل الأسلحة . و قالت إسرائيل إنّ هذا خرق لإيقاف إطلاق النار . و في اليوم ذاته ، هاجمت مواقعا ثلاثة في جنوب لبنان لأنّ من يُزعم أنّهم أعضاء من حزب الله كانوا " يقتربون من هياكل لحزب الله " أو يشحنون أسلحة في عربات ، أو ينخرطون في " نشاط إرهابي " في مؤسّسة تابعة لحزب الله . و تدّعى إسرائيل أنّ مثل هذه الهجمات دفاعيّو و ليست أعمالا هجوميّة . (4)
إيقاف إطلاق نار رُسم لخدمة أهداف الحرب و مصالح إمبرياليّة الولايات المتّحدة و إسرائيل :
بدأت هذه الحرب في 8 أكتوبر 2023 ، عندما شرع حزب الله وهو منظّمة أصوليّة إسلاميّة رجعيّة مدعومة من إيران ، إطلاق قنابل الروكيت على شمال إسرائيل ردّا على شنّ إسرائيل إبادتها الجماعيّة في غزّة قبل يوم من ذلك . و كانت إسرائيل تردّ على النار بالنار ، إلاّ أنّها في 17 سبتمبر شنّـ حربا شاملة – في الحقيقة مذبحة – ضد حزب الله و الشعب اللبناني . و قد قامت بهذا بدعم تام من الولايات المتّحدة و أسلحتها و مخابراتها .
و كانت العذابات رهيبة : في 27 نوفمبر 2024 ، قُتل إلى حينها حوالي 4000 لبناني و جُرح 16.500 و نزح أكثر من مليون من ديارهم ، و تمّ إضعاف حزب الله بقدر كبير . ( و قد قُتل أيضا مائة إسرائيليّ و إضطرّ زهاء 60 ألف على مغادرة ديارهم .)
عقب قصف إسرائيل حزب الله و لبنان ليستسلما (5) ، رسمت الولايات المتّحدة و شريكها فرنسا و إسرائيل " إيقاف إطلاق النار " هذا و في الأساس فرضوه على حزب الله و الحكومة اللبنانيّة .
الكتب أحمد ألدين يسمّه " إيقاف إطلاق نار " فقط إسميّا ، ملاحظا " قراءة عن كثب للإتّفاقيّىة تبيّن أنّها رُسمت كوسيلة لهيمنة الولايات المتّحدة و إسرائيل على لبنان المتصدّع و الضعيف تساعد في ضمان حصانة لا نهاية لها لإسرائيل ".
و كما كتبنا على موقع أنترنت revcom.us في الأسبوع الماضي ، تهدف إتّفاقيّة إيقاف إطلاق النار هذه لإصباغ الشرعيّة على القتل الإجرامي للمدنيّين ، و تحصين مكاسب المعركة في لبنان و تعزيز تأثير إمبرياليّة الولايات المتّحدة و إسرائيل في لبنان . لكنّها ترمى أيضا إلى مساعدة إسرائيل على إنهاء إبادتها الجماعيّة في غزّة ، و تنفيذ حملتها العنيفة من التطهير العرقيّ للضفّة الغربيّة الفلسطينيّة ، و السماح لها بأن تركّز على عدوّها الأساسيّ في المنطقة ، إيران .
و لا شيء من هذا له صلة بجلب " السلام " أو وضع نهاية لفظائع الحرب في لبنان أو أيّ مكان آخر في الشرق الأوسط .
لماذا تتصرّف الولايات المتّحدة بمثل هذا الخداع و بمثل هذا الإجرام ؟
الإجابة القصيرة : النظام الرأسمالي – الإمبريالي .
إمبرياليّو الولايات المتّحدة بنشاط يسلّحون و يموّلون و يدعمون المذابح الإسرائيليّة في لبنان لأنّهم يرون أنّ ذلك يخدم مصلحة إمبراطوريّتهم العالميّة : يريدون إخضاع حزب الله و داعمته إيران ، و يحاولون جعل الولايات المتّحدة و إسرائيل اللاعبين المهيمنين في لبنان – و ليس حزب الله .
لماذا ينوون قتل الآلاف – و الكذب بهذا الصدد – لتعزيز إسرائيل و التحكّم في لبنان ؟ لأنّ إسرائيل كلب هجومهم الأساسي في الشرق الأوسط و لأنّ التحكّم في لبنان جزء من التحكّم في كامل الشرق الأوسط . و التحكّم في الشرق الأوسط ، ببمخزونه الكبير من الوقود الأحفوري ، و طرق تجارته الحيويّة ، و أهمّيته العسكريّة – في مفترق طرق أوروبا و آسيا و أفريقيا – أمر حيويّ لفرض و الحفاظ على نظامهم الرأسمالي – الإمبريالي العالمي للنهب و الإستغلال و الإضطهاد – حتّى و إن عني ذلك المخاطرة بحروب إقليميّة و حتّى عالميّة من أجل ذلك .
بما يخبرنا كلّ هذا ؟
إنّ القائد الثوري بوب أفاكيان على حقّ عندما قال :
" نحن ، شعوب العالم ، لم يعد بوسعنا السماح لهؤلاء الإمبرياليّين أن يواصلوا الهيمنة على العالم و تحديد مصير الإنسانيّة . و إنّه لواقع علميّ أنّ الإنسانيّة ليس لزاما عليها أن نعيش على هذا النحو . "
و البديل :
" نحتاج و نطالب ب : " النظام الرأسمالي – الإمبريالي القائم و مؤسّسات الحكم في هذه البلاد يجب أن يُقضى عليها و أن تُفكّك – و تُعوّض بنظام جديد ، إشتراكي يستند إلى " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا ". "
هوامش المقال :
1 – يقول مسؤولو الولايات المتـّحدة و وسائل إعلامهم إنّ إيقاف إطلاق النار يمثّل تقدّما باعثا للأمل ، وإنّ" الإختراقات " عاديّة . " بعض الإختراقات للهدنة و بعض التصعيد للعنف ، يمكن توقّعها ، يقول المحلّلون ، و لا تعنى بالضرورة أنّ الإتّفاقيّة ستنهار و أنّ الحرب ستستأنف في أيّ وقت قريب " ، هكذا كتبت جريدة " النيويورك تايمز " . و هذه أكاذيب ترسم لتغطية الطبيعة الفعليّة ل" إيقاف إطلاق النار " هذا . ( " لماذا لا تزال إسرائيل و حزب الله يطلقون النار وسط إيقاف إطلاق النار ، " النيويورك تايمز " ، 3 ديسمبر 2024 ).
2- Remarks by President Biden Announcing Cessation of Hostilities Between Israel and Hezbollah, White House, November 26, 2024.
3- "فخّ إيقاف إطلاق النار : كيف تمكّن الإتّفاقيّة التي توسّطت فيها الولايات المتّحدة لجرائم الحرب و الاحتلال الإسرائيليّين"، أحمد ألدين ، 1 ديسمبر 2024 . و ال NPR تؤكّد هذا التحليل ، موردة في تقرير لها " تُطالب حكومة لبنان بمنع حزب الله أو أيّ مجموعات مسلّحة أخرى تتحرّك في لبنان ، من القيام بعمليّات قتاليّة ضد إسرائيل ، بينما يُنتظر من الجيش الإسرائيلي لإنهاء عمليّاتها الهجوميّة ضد أهداف داخل لبنان ، سواء منها المدنيّة أو العسكريّة " ، معتبرا ذلك " المعيار الأساسي من إيقاف إطلاق النار " . و تستطرد NPR لتقول ، " من المهمّ ملاحظة أنّ هذا لا يمنع لا اللبنانيّين و لا الإسرائيليّين من ممارسة حقّ الدفاع عن النفس المضمون في القانون الدولي " . لكن إعتبارا لنصّ إيقاف إطلاق النار و الهيمنة و الأهداف العسكريّة للولايات المتّحدة و إسرائيل ، هذا " الحقّ " إفتراضيّا لا معنى حقيقيّ له .( " إسرائيل و حزب الله أقاما إتّفاقيّة إيقاف إطلاق النار . هذا ما تقوله هذه الإتّفاقيّة " NPR، 28 نوفمبر 2024 .)
4- Israel Strikes Sites in Lebanon Amid Fragile Cease-Fire, New York Times, Nov. 30.
5- يزعم حزب الله أنّه كسب إنتصارا كبيرا ، لكن هذا كذب محض ؛ فمعظم قيادته وقع إغتيالها ، و عديد عناصره قُتلت ، و معظم أسلحته و بنيته التحتيّة تدمّرت .