أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أكرم شلغين - بين الفطرة والتطرّف














المزيد.....

بين الفطرة والتطرّف


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 22:47
المحور: قضايا ثقافية
    


حاجة الإنسان إلى العقائد تنبع من أعماق وجوده، فهي فطرية تتأصل في ذاته منذ لحظة وعيه الأولى. العقيدة، بوصفها تجربة روحية، تتجاوز كونها مجرد طقوس، لتصبح صلةً تربط الإنسان بالغيب وبالمعنى الذي يبحث عنه في عالم يكتنفه اللغز. لا شك أن التربية تلعب دورًا جوهريًا في تعزيز هذه الحاجة أو كبحها، لكنها ليست العامل الوحيد. فحيرة الإنسان أمام أسئلة الحياة والموت والكون تدفعه إلى البحث عن إجابات تُهدّئ من قلقه الوجودي، وتمنحه شعورًا بالأمان والطمأنينة.
لكن متى يتحول المعتقد من علاقة روحانية خالصة إلى حالة من التشنج أو التطرف ؟ المعتقد، والديني منه على وجه التخصيص، في أرقى حالاته هو رحلة داخلية تأخذ الإنسان نحو عمق ذاته، ليجد فيها سلامًا مع نفسه ومع الآخرين. إنه تلك اللحظة التي يشعر فيها المؤمن بشعور خاص يصفه البعض بأنه قرب من الخالق، بعيدا عن صخب العالم وضغوطه. في هذه الحالة، يصبح التدين قوة دافعة للرحمة، التسامح، والمحبة، حيث يرى الإنسان في الآخرين انعكاسا لذاته، ويجد في الكون تجليات للمعنى الأسمى.
ولكن هذا التدين قد يتحول إلى تشنج عندما يفقد طبيعته الروحانية، ويصبح وسيلة للهروب أو أداة للتعبير عن مشاعر مكبوتة أو ضغوط متراكمة. الإنسان المأزوم سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا يجد في الدين ملاذًا يعبر من خلاله عن قلقه أو غضبه. في لحظات القهر، يبدو الدين كالسفينة التي يلجأ إليها الغارق، ليس فقط بحثًا عن النجاة، بل أيضًا كوسيلة للرفض أو التمرد على الواقع المرير.
لكن هنا يكمن الخطر: حين يُستغل التدين للتنفيس عن الأزمات الشخصية أو الجماعية، يتحول أحيانا إلى حالة من التشدد. يصبح التدين أداة لفرض السيطرة أو إثبات الذات أمام الآخرين، بدلًا من أن يكون علاقة شخصية وروحانية مع الله. هذا النوع من التدين يعكس حالة من الاضطراب الداخلي، حيث تتحول المعتقدات إلى سلاح ضد كل من يخالفها.

التشنج في التدين ليس حالة تلقائية، بل يرتبط بالظروف التي يعيشها الإنسان. إذا كان الفرد يعيش في بيئة مستقرة، حيث تتوفر له احتياجاته الأساسية من طعام، وأمن، وكرامة، فإنه يميل إلى ممارسة دينه بهدوء وسلام. أما إذا كان محاطًا بالضغوط أو يشعر بالتهميش، فإنه قد يلجأ إلى الدين كوسيلة للبحث عن القوة أو العدالة المفقودة.
ومع ذلك، هناك حالات يكون فيها التشنج نتيجة لعوامل نفسية داخلية، مثل الشعور بالنقص أو الحاجة إلى إثبات الذات. في مثل هذه الحالات، قد يتحول التدين إلى حالة مرضية تُستخدم لاستعراض القوة الروحية أو لفرض رؤية ضيقة على الآخرين.

يمكننا أن نميز بين التدين الصحي والتدين المرضي من خلال الأثر الذي يتركه على الفرد والمجتمع. التدين الصحي هو الذي يخلق إنسانًا متوازنًا، رحيمًا، وقادرًا على العيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين. أما التدين المرضي، فهو الذي يؤدي إلى الانغلاق، التعصب، والرغبة في إقصاء الآخر.

الدين، في جوهره، هو رحلة للبحث عن المعنى، وللعيش في حالة من الانسجام مع الكون ومع الخالق. لكنه قد يتحول إلى عبء أو إلى أداة للقهر إذا فقد أبعاده الروحانية وأصبح رهينة للظروف أو الأزمات. من المهم أن نعيد التفكير في كيفية تقديم الدين وتعليمه، بحيث يكون وسيلة لتحرير الإنسان من قيوده، وليس أداة لتقييده. عندما نفهم أن التدين الحقيقي يبدأ من الداخل، من القلب والعقل، يمكننا أن نحميه من التشدد الذي يحوله من نعمة إلى نقمة.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -صموئيل بيكيت: انعكاسات عبثية على الوجود الإنساني-
- هويتنا المفقودة
- لقاء لأجل الجواب عن سؤال -ما العمل!؟-
- إلى أين نحن ذاهبون
- طفل الاغتصاب
- فانتازيا لامرئي
- حروف مفقودة وأمنية
- بحور الحياة: رحلة أبو نجوان بين زمردة الأمل وألم الوداع
- عبور الزمن: عندما يعود الماضي ليطارد الحاضر
- ناقد كاتب وشاعر: وقفة قصيرة مع المثقف مصطفى سليمان
- قمر، ولكن...!
- والمال بدّل أيديولوجية مسرحية تاجر البندقية
- بانتظار الغريبة
- لا يكفر من يصرخ من شدة الألم!
- أهو ذئب في ثوب حمل؟
- نموذج إنجليزي لتفادي المشاكل الاجتماعية السياسية
- إذلال
- مواجهة
- يحيى ويحيى
- حب أو حرمان


المزيد.....




- جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال ...
- الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا ...
- فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز ...
- سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه ...
- مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال ...
- جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
- البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة ...
- مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
- -الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أكرم شلغين - بين الفطرة والتطرّف