الولايات المتّحدة : وليدة إبادة جماعيّة ، و داعمة لإبادة جماعيّة في غزّة
شادي الشماوي
2024 / 12 / 11 - 21:53
آلان غودمان ، جريدة " الثورة " عدد 882 ، 9 ديسمبر 2024
www.revcom.us
تتحرّك إسرائيل بشراسة و إجرام و نسق عنيف إلى سجن الفلسطينيّين و الفلسطينيّات الناجين في غزّة في معسكرات إعتقال صغيرة .
و قد كان الجيش الإسرائيلي يبنى قاعدة تمرّ على كامل عرض وسط غزّة ، مقسّما إيّاها إلى نصفين . و هذه القاعدة تمتدّ من البحر الأبيض المتوسّط في الغرب إلى الحدود مع إسرائيل في الشرق . هذا ما تسمّيه إسرائيل ممرّ نتساريم . و هذا الممرّ الذى وقعت عسكرته نُحت في غزّة من خلال تحطيم المنازل و فندق مصيف و جامعة و محكمة . جميعها جرى تفجيرها و تحويلها إلى ركام ثمّ دفعتها الجرّافات بعيدا لتوفّر المجال لهذا الممرّ . (1)
قبل 7 أكتوبر 2023، كان شمال غزّة موطن معظم سكّان غزّة بما في ذلك ما كان أكبر مدينة في قطاع غزّة (مدينة غزّة). و الآن ، ممرّ نتساريم قسّم غزّة إلى قسمين محاصرين ، الشمال و الجنوب .
و يخدم الممرّ هدفين إباديّين جماعيّين :
أوّلا ، حاصر الناس في شمال غزّة حيث تنفّذ إسرائيل سياسة " قتل أيّ شيء يتحرّك " . و حاصر الناس الذين فرّوا من الشمال إلى الجنوب ، مانعا إيّاهم من محاولة العودة إلى ديارهم .
و ثانيا ، يخدم الممرّ كطريق سيّارة عالية السرعة تسمح لمدافع إسرائيل و حاملات الجند المدرّعة و الجنود بالضرب بسرعة ناشرة الموت و الرعب و التدمير في الشمال و في الجنوب ، عبر غزّة .
التقسيم و غلق غزّة :
في 2 ديسمبر 2024 ، جاء في تقرير لجريدة " النيويورك تايمز " أنّ في الأشهر السابقة ، وسّعت إسرائيل و عسكرت أكثر ممرّ نتساريم . و يشمل هذا شبكة واسعة من المخافر المجهّزة بأبراج إتّصالات و تجهيزات عسكريّة . و للقيام بذلك ، حطّمت إسرائيل أكثر من 600 مبنى إضافيّ .
و هذا التوسّع السريع و الكبير لممرّ نتساريم ترافق بمطالب من السياسيّين الإسرائيليّين السامين بأنّه يتعيّن على سيطرة الجيش على غزّة أن تعبّد الطريق لإستيطان يهودي جديد هناك .
أمير أفيفي ، جنرال متقاعد له صلة وثيقة مع أعلى المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين، صرّح لمراسلين صحفيّين بأنّ عديد القادة العسكريّين الإسرائيليّين يعتقدون الآن أنّ " الانسحاب و الفصل لم يعودا من الخيارات " . و عدم " الانسحاب " يترجم إلى إحتلال عسكري إسرائيلي مستمرّ . و عدم " الفصل " يعنى شكلا ما من الإلحاق لغزّة بإسرائيل ، دون أيّ محاولة لزعم إحترام القانون الدولي الذى يحدّد غزّة كأرض فلسطينيّة محتلّة بصفة غير قانونيّة من قبل إسرائيل .
و مشيرا إلى ممرّ نتساريم ، أفصح أفيفي ، " لهذا يقومون ببناء كلّ هذا . و في نهاية النهار ، الوقائع ستتكلّم بإسمهم ".
التجويع الجماعي كسلاح للتطهير العرقيّ :
حتّى و إسرائيل تتحرّك لتسييج شمال غزّة ، تسعى إلى جعل شمال غزّة غير قابل للحياة . كلّ المساعدات الغذائيّة مُنعت لأشهر !
و التقرير التالي المؤرّخ في 27 نوفمبر 2024 و الصادر عن وكالة الغوث أوكسفام Oxfam يعرض صورة للوضع :
" إسرائيل في الأطوار الأخيرة من التطهير العرقي لمحافظة شمال غزّة ، قالت أوكسفام . طوال 50 يوما ، منعت إسرائيل أوكسفام و شركائها و وكالات إنسانيّة أخرى من تسليم مساعدات منقذة للحياة للآلاف الجائعين في شمال غزّة .
أميتابه بيهار ، المدير التنفيذي لأوكسفام ، أفاد : " فرقنا في غزّة حاولوا بيأس طوال حوالي شهرين لبلوغ المدنيّين الجائعين لكن حال دونهم الجيش الإسرائيليّ . و نعلم أنّ عديد الأطفال محاصرين و سيجوعون حدّ الموت ."
" التطهير العرقي في محافظة شمال غزّة يثبت مرّة أخرى أنّها تتحرّك بلا رادع من ما يفرضه القانون الدولي . وهي تقيم بنية تحتيّة لحضور عسكري طويل المدى – إلحاق فعلي للأرض – و تحرق أيّ أمل في حلّ عادل و سلميّ . "
" و يظلّ المجتمع الدولي عاجزا و ، في بعض الأحيان ، متواطئا كلّيا . هذه صفحة سوداء من التاريخ حيث تعرّض إسرائيل آلاف الرجال و النساء و الأطفال إلى التجويع كسلاح حربيّ بينما ينظر قادة العالم بوعي تام و يختارون عدم القيام بأيّ شيء " ، قال بيهار .
و هنا عليّ أن أدمج تعليقا . " المجتمع الدولي " الذى هو " متواطئ كلّيا " هو بصفة طاغية حكومة الولايات المتّحدة التي تواصل تسليح و تمويل و التمكين من كلّ هذا . و يستطرد تقرير أوكسفام :
" حوالي 50 إلى 75 ألف إنسان محاصرين [ في شمال غزّة ] دون الحصول على الغذاء و الماء أو الطاقة . و تزعم إسرائيل أنّهم مقاتلون لأنّهم لم يغادروا و كانوا يقدرون على ذلك . و من المستحيل معرفة كم عدد الناس الذين يظلّون على قيد الحياة هناك أو كم عدد الذين يموتون ، بما في ذلك جرّاء سوء التغذية .
الهجوم على مستشفى كمال عدوان :
لقد حاصر الجيش الإسرائيلي المستشفى الوحيد الذى لا يزال يعمل ( لكنّه مشلول ) في شمال غزّة .
في 6 ديسمبر ، هاجمت القوّات الإسرائيليّة مستشفى كمال عدوان في القسم الشمالي من غزّة ، قرب الحدود الإسرائيليّة . و حسب شهود عيان ، أطلقت مسيّرات إسرائيليّة النار على أناس داخل المستشفى . و يبيّن شريط فيديو من المستشفى المرضى اليائسين و العاملين هناك يحاولون معالجة ضحايا المجازر الإسرائيليّة في حقّ المدنيّين الجارية في أماكن قريبة.
إسرائيل تصدر أوامر " المغادرة أو الموت " في شمال غزّة و تطلق النار على من يحاول المغادرة :
تطرد إسرائيل الفلسطينيّين الذين ظلّوا على قيد الحياة رغم التجويع و التدمير و غياب الرعاية الصحّية ، إلى خارج شمال غزّة . و قد ورد في تقرير مؤرّخ في 27 نوفمبر 2024 ، أصدرته وكالة إغاثة أوكسفام ، المذكور أعلاه :
" حوالي 100 ألف إنسان قد فرّوا في المدّة الأخيرة من شمال غزّة في ظلّ التهجير القسريّ الإسرائيلي . و قد إستمعت فرق أوكسفام التي كانت تسعى إلى تقديم المساعدة لهم إلى شهادات عن عمليّات سلب . قال الجنود الإسرائيليّون للناس الفارّين " لا تحلموا مرّة أخرى بشمال غزّة " و قدّموا وعودا كاذبة بالغذاء المتوفّر في نهاية مسيراتهم القسريّة إلى خارج المنطقة تلك . و قد وصف رجل من بيت حانون الحياة في مدرسة متضرّرة مع إبنه الصغير ، و كان عليه أن يستخرج الحشرات من الطحين ليقوم بعجينة و يشعل نارا داخل قسم خشية جلب إنتباه مسيّرات الجيش في الخارج . "
و قال شخص آخر لأوكسفام : " كان هناك شيخ في كرسي متنقّل علق كرسيّه في الرمل . فأمرنا الجنود بمواصلة السير من دونه . "
و إسرائيل تقتل الناس الذين يحاولن الفرار ! في الخامس من ديسمبر 2024 ، نشر قناة " الجزيرة " شريط فيديو يُظهر ناسا في شمال غزّة بمدينة جبالية ، و قد أمرهم جنود إسرائيليّون ب " المغادرة أو الموت " و تاليا أطلقت عليهم القوات الإسرائيليّة و المسيّرات الحاملة للأسلحة النار بينما كانوا يحاولون المغادرة .
ما الذى حصل إلى الهنود الحمر بداكوتاس ؟
التجويع و الموت المفروض بواسطة الأمراض و الترهيب و القتل و مسيرات الموت القسريّة للفلسطينيّين خارج شمال غزّة ، جميعها تحمل أوجه شبه مذهلة لأحداث مشابهة في تاريخ الولايات المتّحدة .
في مقال نُشر في 5 ديسمبر ، طرح الصحفيّ سايمور هيرش مصدرا شخّصه على أنّه مسؤول أمريكي ، هذا السؤال :" ما الذ1ى سيجرى لمليونين أو حوالي مليونين من الفلسطينيّين الذين لا يزالون تحت القصف بالقنابل و لا يزالون مجوَّعين و محرومين من المياه النظيفة أو أيّ شيء يشبه السكن اللائق و الصرف الصحّي ، بلا علامة عن الدعم من العالم العربي و الغربي و لا سبيل لمغادرة غزّة ."
و إعتبر هيرش الجواب الذى حصل عليه من المسؤول الأمريكي على أنّه سؤال أعيد إليه : " ما الذى حصل للهنود الحمر الأمريكيّين في سهول داكوتاس ؟ "
الولايات المتّحدة وليدة إبادة جماعيّة تدعم إبادة جماعيّة :
ما الذى حصُل فعلا للهنود الحمر الأمريكيّين في سهول الداكوتاس ؟
قبل وصول المستوطنين الأوروبيّين ، السكّان الأصليّون الأمريكيّون المنتمون إلى قبائل داكوتا كانوا يعيشون عبر ما صار يسمّى اليوم ولايات مينيسوتا و شمال داكوتا و جنوب داكوتا .
و مع إستيلاء المستوطنين الأوروبيّين على أرض داكوتا بالقوّة أو بالخداع ، كانوا يمضون معاهدات تعد بترك بعض الأرض لشعب داكوتا . و قد تمّ دوس كلّ المعاهدات . و الأرض المنهوبة من السكّان الأمريكيّين الأصليّين أضحت أصغر فأصغر. و مع بداية الحرب الأهليّة في الولايات المتّحدة ، تُرك شعب داكوتا دون أرض أو موارد ضروريّة للبقاء على قيد الحياة . و عندما كانوا يغزون مزارع المستوطنين من أجل الغذاء ، كان جيش الولايات المتّحدة يقتلهم . و قد نفّذ حكم الإعدام في المئات من داكوتا جون محاكمات ، مع الموافقة الشخصيّة للرئيس أبراهام لنكولن .
و خلال شتائ 1862-1863 ، جرت محاصرة 1600 من النساء و الأطفال و الشيوخ من داكوتا في معسكرات إعتقال تابعة للولايات المتّحدة . و سرعان ما إنتشرت الأمراض قاتلة المئات . و في أفريل 1863 ، تنكّرت الولايات المتّحدة لجميع المعاهدات مع الداكوتا. و بُعيد ذلك ، مرّر الكنغرس قانونا مجرّما عيش شعوب الداكوتا في منيسوتا .( المصدر : " حرب الولايات المتّحدة – داكوتا سنة 1862 " ، مشروع جامعة محرقة / هلوكوست منيسوتا و دراسات الإبادة الجماعيّة ) . و ظلّ ذلك القانون الإبادي الجماعي في الكتب إلى يومنا هذا .
جرائم وحشيّة عبر تاريخ الولايات المتّحدة ، وصولا إلى اليوم :
في رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي ، الثورة عدد 44 ، تحدّث القائد الثوري ، بوب أفاكيان ، عن الصلة بين الإبادة الجماعيّةالإسرائيليّة ضد الفلسطينيّين و الفلسطينيّات ، و أسس بناء الولايات المتّحدة على الإبادة الجماعيّة . و الآن قبل أن أتقاسم معكم هذا ، أودّ أن أتحدّى الناس الذين يعتقدون أنّ دعم الولايات المتّحدة للإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة خيانة لما تقوم عليه أمريكا . لا ، إنّه مثال مناسب تماما لما تقوم عليه أمريكا .
هذا من الثورة عدد 44 : " إسرائيل تواصل الإبادة الجماعيّة ضد الفلسطينيّين – و جو بايدن يواصل دعم هذه الإبادة الجماعيّة " المنشور في ماي 2024 :
" بايدن وُوجه بواقع أنّ الإبادة الجماعيّة التي تقترفها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، بمساعدات عسكريّة ضخمة و " تغطية دبلوماسيّة " توفّرهما الولايات المتّحدة ، فضحت الطبيعة الفعليّة المصّاصة للدماء ليس لإسرائيل وحسب بل للولايات المتّحدة أيضا . و هذا يسلّط ضوءا ساطعا على الجهود المنافقة التي يبذلها إمبرياليّو الولايات المتّحدة في تقديم أنفسهم على أنّهم قوّة في خدمة كرامة الإنسان و الديمقراطيّة و الحرّية و ما إلى ذلك – في تعارض مع أولئك الحكّام " الأوتوقراطيّين " الفظيعين في بلدان مثل روسيا و الصين ، الذين يقمعون شعوبهم الخاصة و يكرّسون عنفا مدمّرا ضد بلدان أخرى ! إنّه لمن المهمّ جدّا بالنسبة إلى الطبقة الحاكمة لهذا البلد الإمبريالي ( " الولايات المتّحدة الخيّرة " ) أن تسعى إلى التغطية على جرائمها الوحشيّة الخاصّة ، عبر تاريخها وصولا إلى يومنا هذا ، كما يظهر ذلك الآن في دعم الولايات المتّحدة لإسرائيل في حربها ضد الشعب الفلسطيني ..."
خارطة إبادة جماعيّة :
إنّ العرض التفاعلي " خارطة إبادة جماعيّة – غزّة " يقدّم نظرة عامة حيويّة إستنادا إلى خارطة المذابح الإباديّة الجماعيّة الإسرائيليّة في غزّة . و فيما يلى بعض المعلومات من العرض ، و نشجّع القرّاء على دراسة و تشارك العرض بأكمله .
- 90 بالمائة من السكّان وقع ترحيلهم من مكان إلى آخر :
لقد أصدر الجيش الإسرائيلي أوامرا بالإخلاء ل 84 بالمائة من غزّة ، بما في ذلك أكثر مناطقها كثافة سكّانيّة ، و عمليّا حاصر معظم السكّان في قسم صغير من المنطقة .
- الحجز داخل " منطقة إنسانيّة " :
مع تقدّم الجيش الإسرائيلي عبر غزّة ، تدمير المنازل و البنية التحتيّة يدفع السكّان إلى منطقة ناقصة إن لم تكن عديمة الموارد ، منطقة الموا صى .
- مجاعة متعمّدة :
70 بالمائة من الأراضي الفلاحيّة تمّ جرفها . و 45 بالمائة من البيوت المكيّفة تمّ تحطيمها . و عمّال الإغاثة و الشاحنات و نقاط التوزيع هُوجمت أكثر من 300 مرّة . و هذا ينضاف إلى المجاعة المتعمّدة .
- بنية تحتيّة لإحتلال طويل الأمد :
ماذا يمكن أن يقول لنا تدمير غزّة عن طموحات إسرائيل للمستقبل ؟ من وسط الأنقاض أخذت الخطوط العريضة للنظام الجديد " للسيطرة على الفضاء " تظهر إلى العيان .
هامش المقال :
1. الممرّ الإسرائيلي يحتلّ الآن حوالي 18.5 ميل مربّع ، تقريبا سُبُع المساحة الجمليّة لغزّة .