بهجت العبيدي البيبة
الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 15:48
المحور:
الادب والفن
هناك شعور واحد قادر على أن ينقل الإنسان من عالم الأرض المحدود بأبعاده، إلى عالم لا نهائي يسبح فيه الحالمون بين الأماني العذاب والأحلام الجميلة، ذلك هو الحب. إنه المعجزة التي تجعل من البسيط ملكًا، ومن الفقير غنيًا، ومن العالم مكانًا مختلفًا، لا تراه العيون كما هو، بل كما يتخيله قلب المحب ويرسمه له وجدانه.
إن الحب ليس مجرد شعور يختبره الإنسان، بل هو ارتقاء روحي يصعد به إلى سماء أخرى لا تُقاس بالمسافات، بل بالإحساس. إنه رحلة بين الكواكب الخفية التي لا يراها إلا المُحب، حيث المحبوب يصبح مركز الكون وعنوانه. إنه الكائن الذي يصنعه الخيال، يزينه ويرفعه حتى يصبح أقرب إلى الملائكة جمالاً، بل ربما يفوقها فتنة وروعة.
فما الذي يجعل المحبوب فريدًا، لا شبيه له ولا ند؟ إنها تلك الصورة التي يرسمها الحالمون في قلوبهم، ذلك الإطار الذي لا يستطيع أي مخلوق آخر أن يشاركه فيه. في الحب، يصبح المحبوب مخلوقًا أسطوريًا، تكسوه هالة من الجمال والكمال، حتى لو كان إنسانًا بسيطًا بين الناس. أليس ذلك ما حدث لقيس، الذي جعل ليلاه رمزًا للعشق الخالد؟ أو جميل الذي رفع بثينة إلى مقام النجوم؟ أو حتى أنطوني الذي تخلى عن إمبراطوريته من أجل عيني كليوباترا؟
إن قصص العشق تلك لم تكن مجرد حكايات، بل كانت حياة عايشها هؤلاء العشاق، حياة جعلتهم يتفوقون على أنفسهم، بل على كل البشر، ليصبحوا أيقونات لا يمحوها الزمن. ففي كل مرة يُذكر فيها قيس، تحضر ليلى؛ وفي كل بيت من شعر جميل، نجد بثينة حاضرة. إن هؤلاء المحبوبات لم يكنّ مجرد نساء، بل كنّ عوالم متكاملة، خلقها الحب من أجلهن وأجلهن وحدهن.
إن الحب ليس سعيًا نحو اللقاء فحسب، بل هو التعلق بأمل اللقاء. إنه حالة الانتظار التي تجعل المحب يعيش بين الحلم والواقع، بين الحقيقة والأسطورة. إنه ذلك الشعور الذي يأسر القلب ويطلق الروح، فلا يعود الجسد سوى قيد يحاول المُحب أن يتحرر منه.
هكذا هو الحب، ذلك الساحر الذي يجعلنا نعيش في عالم سماوي، حيث الأحلام تسبق الحقائق، وحيث يتفوق الخيال على كل ما هو حقيقي. هو عالم يصنعه المُحبون، ويرسمون فيه لوحات من العشق الخالد، لوحات لا يمحوها الزمن، بل تبقى لتكون شاهدة على أن الحب هو أعظم ما يمكن أن يعيشه الإنسان.
#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟