أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ضد الإنسانية















المزيد.....

سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ضد الإنسانية


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8188 - 2024 / 12 / 11 - 15:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إلى ضحايا سجن صيدنايا وأشباهه ومرادفاته وسلالاته

تشكل دراسة نفسية الجلاد نافذة على الدوافع العميقة التي تدفع الأفراد إلى ممارسة التعذيب وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. إذ لا تهدف هذه الدراسة فقط إلى فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الأفعال، بل تسلط الضوء على الآليات التي تجعل العنف الممنهج جزءًا من أدوات السيطرة والهيمنة، كما حدث في العديد من الأنظمة القمعية حول العالم، بما في ذلك النظام السوري.
الجلاد ليس بالضرورة فردًا "منحرفًا" أو "استثنائيًا" بطبيعته. بل قد يكون إنسانًا عاديًا وقع تحت تأثير بيئة تُحوّله إلى أداة قمعية. فهم تكوين شخصية الجلاد يتطلب دراسة العوامل الاجتماعية، النفسية، والسلوكية التي تؤثر فيه. فالقسوة غالبًا ما تتشكل نتيجة لتأثير البيئة الاجتماعية المحيطة. في سياقات مغلقة كالسجون أو الوحدات العسكرية، يصبح التعذيب جزءًا من "السلوك المعتاد". الفرد يتعلم تسويغ أفعاله من خلال الاندماج في قيم المجموعة. العمل ضمن أجهزة أمنية أو عسكرية يمنح شعورًا بالسلطة والتحكم. يرى الجلاد نفسه مجرد منفذ للتعليمات، مما يخفف عنه عبء المسؤولية الشخصية عن أفعاله.
وإنه مع تكرار ممارسات العنف، يتضاءل الشعور بالصدمة. يبدأ الجلاد بأفعال يراها غير مألوفة أو مزعجة في البداية، ولكنه مع مرور الوقت يطور درجة من اللامبالاة تجاه معاناة الآخرين. الدعم من الزملاء أو الإشادة من القادة يُحفزه على الاستمرار، حيث يُنظر إلى التعذيب كأداء للواجب أو "إنجاز" يُكافأ عليه.
تفويض المسؤولية أحد العوامل المركزية التي تُقلل من الشعور بالذنب لدى الجلادين. حين تُصدر الأوامر من مستويات عليا، يرى الجلاد نفسه مجرد أداة تنفيذية، غير مسؤولة عن النتائج. في الأنظمة الشمولية، يُعد القمع ضرورة لحفظ "الأمن القومي"، ما يجعل الانتهاكات جزءًا من واجبات الوظيفة.
التسويغ الأخلاقي يأتي عبر نزع الإنسانية عن الضحايا. يتم تصويرهم كخونة أو أعداء يُهددون الأمن، ما يُسهل ممارسة العنف ضدهم دون شعور بالذنب. يقتنع الجلاد بأن أفعاله القاسية تخدم هدفًا ساميًا، كحماية الدولة أو استقرار النظام، مما يسمح له بتجاهل الآثار الكارثية لتصرفاته.الكثير من الجلادين يعيشون إحساسًا بالعجز ضمن منظومة قمعية أكبر. فالخوف من العقاب أو فقدان الامتيازات يجعلهم عاجزين عن التمرد على الأوامر، حتى وإن كانوا يدركون البُعد الأخلاقي لتصرفاتهم. هذا الشعور يدفعهم إلى الانصياع، ما يعمق دورهم في سلسلة القمع ورغم القسوة الظاهرة، يعاني الجلادون من اضطرابات نفسية طويلة الأمد. الشعور بالذنب والندم يُلاحقهم، مما يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، والاكتئاب. البعض يفقد الثقة بالنفس ويعيش حياة مليئة بالصراعات الداخلية، حيث تتحول ذكرياتهم إلى أعباء يصعب التخلص منها.
إن فهم سايكولوجيا الجلاد يكشف كيف تسهم العوامل النفسية، الاجتماعية، والسياسية في تشكيل أفراد يتحولون إلى أدوات للعنف الممنهج. التعذيب ليس مجرد فعل فردي، بل هو نتاج شبكة معقدة من التأثيرات التي تُفقد الإنسان إنسانيته. معالجة هذه الظاهرة تتطلب بناء مجتمعات تتبنى قيم العدالة والمساواة، وترفض جميع أشكال القمع، مع التركيز على إعادة تأهيل الضحايا والجلادين على حد سواء.

سلوكيات الجلادين
تتعدد أساليب الجلادين في تنفيذ التعذيب، وتشمل استخدام أدوات وطرق متباينة تهدف إلى إلحاق أقصى درجات الألم الجسدي والنفسي بالضحايا. أدوات التعذيب قد تتضمن: الهراوات، الصواعق الكهربائية، القيود الحديدية، وأحيانًا آلات مخصصة لإلحاق الأذى الجسدي. أما طرق التعذيب فتتنوع بين الضرب المبرح، الحرمان من النوم، الصدمات الكهربائية، الإيهام بالغرق، والتعليق من الأطراف لفترات طويلة. غالبًا ما يتم استخدام هذه الأساليب بشكل منهجي بهدف تدمير نفسية الضحية، وكسر إرادتها، أو إجبارها على الاعتراف.
صورة الجلاد تتشكل في أعين الضحية وأسرته والمجتمع بطرق متناقضة؛ فهو يُرى كرمز للخوف والقسوة والظلم. الضحية غالبًا ما ينظر إليه كوحش تجرد من الإنسانية، بينما تعاني أسرته من مشاعر مختلطة بين الخوف والاحتقار. أما المجتمع، فقد ينقسم بين من يراه أداة للنظام لا أكثر، ومن يعتبره شريكًا مباشرًا في القمع. هذه الصورة تسهم في تعميق العزلة الاجتماعية للجلاد وعائلته، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالنبذ أو حتى الاستفادة من الحماية التي يوفرها النظام.
تصبح القسوة أقل صدمة مع التكرار. يبدأ الجلاد بتصرفات قد يراها غريبة في البداية، لكنه مع مرور الوقت يتأقلم مع القسوة ويصبح غير مكترث بآلام الضحايا. الإشادة من قبل الزملاء والقادة تعزز ثقة الجلاد بنفسه. يصبح التعذيب "إنجازًا" يُكافأ عليه، ما يدفعه إلى الاستمرار في هذا النهج. إذ يلعب مفهوم "تفويض المسؤولية" دورًا مركزيًا في تخفيف الشعور بالذنب لدى الجلادين. عندما تُصدر الأوامر من قيادات عليا، يُصبح الجلاد مجرد أداة في يد النظام. يشعر بأنه غير مسؤول عن أفعاله، وأن اللوم يقع على المؤسسة التي يتبعها. في الأنظمة الاستبدادية، يُعتبر القمع جزءًا من "الحفاظ على الأمن القومي"، مما يُبرر الانتهاكات ويُسهل ارتكابها.
أجل. إن لتسويغ الأخلاقي هو أداة رئيسة لتجنب الشعور بالذنب. وتتجلى هذه الظاهرة عبر تصوير الضحايا كأعداء أو خونة، ما يُزيل عنهم صفة الإنسانية. إذ يتم التعامل معهم على أنهم تهديد يجب القضاء عليه. حيث يعتقد الجلاد أن أفعاله، مهما كانت وحشية فإنها تخدم غاية نبيلة مثل حماية الوطن أو الحفاظ على النظام. هذا الاعتقاد يسمح له بالتغاضي عن النتائج المدمرة لتصرفاته.
وإنه في كثير من الأحيان، يشعر الجلاد بأنه عالق في نظام أكبر منه. وأن الخوف من العقاب أو فقدان الامتيازات يجعله غير قادر على مقاومة الأوامر. هذا العجز يُسهم في استمراره بتنفيذ الأفعال القمعية رغم إدراكه لخطورتها الأخلاقية.
وعلى الرغم من القسوة الظاهرة، يعاني العديد من الجلادين من اضطرابات نفسية على المدى البعيد. الشعور بالذنب والندم يُلاحقهم، ما يؤدي إلى ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والقلق، والاكتئاب. في بعض الحالات، قد يفقد الجلاد ثقته بنفسه ويعيش حياة مليئة بالتوتر الداخلي.
فهم سايكولوجيا الجلاد يُبرز الدور الذي تلعبه العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية في تحويل الأفراد العاديين إلى أدوات للعنف. التعذيب ليس فعلًا فرديًا معزولًا، بل هو نتيجة لنظام معقد من التأثيرات التي تُجرد الإنسان من إنسانيته. معالجة هذه الظاهرة تتطلب بناء مجتمعات ترفض القمع بجميع أشكاله، وتعزز من قيم العدالة والكرامة الإنسانية.

*خلاصات ونتاج صورة انطباعية و مصادر ومراجع أنترنيتية متعددة!
المصطلحات الواردة مستخدمة من قبل دراسات ومختصين-على نحو مسبق- ولا ابتكار فيها من قبل الكاتب

يتبع: في واقع السجون في سوريا
ومن ثم إضاءة على واقع نشوء المنظمات الإرهابية



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تكن رئيساً دكتاتوراً لئلا يُداس ضريحك!
- تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة:ازدواجية المعايير في المشهد ...
- من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟
- مهجرون أم رهائن: لماذا يمنع عودة كرد عفرين المهجرين؟
- شجاعة الكتابة في زمن الفوضى: بين وضوح الرؤية وتحديات المجهول
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟ أي مصير ينتظر سوريا والسوريين؟
- سقط الأسد: أي مصير ينتظره؟
- مأساة سري كانيي وتل أبيض: الوجه الآخر للتهجير في أوج التجاهل
- إطلاق النار الاستباقي ووسائل التواصل الاجتماعي مقاربة نفسية ...
- الشائعات في زمن الحرب: بين التضليل والتحقق
- أردوغان متذاكياً مجرم محتل في صورة ملاك!
- قوافل العودة إلى عفرين: حين يصبح الحنين إلى- المنزل الأول- م ...
- مصطلح الثورة في ترجمات القتلة وأشباههم!
- الكرد وحق الاستقلال و مواجهة مخططات الإبادة
- سوريا على مفترق طرق.. من أطلق النصرة من قمقمها؟
- عابرون في مهمة عابرة.. في منفذي المخطط
- سوريالية المشهد السوري: بين لعبة المصالح وتفكيك الجغرافيا
- انتفاضة نساء- كاخري-
- ضابط المخابرات منيرالحريري: ستوب...!
- الحرب الإلكترونية الأولى في دهاليز الإنترنت!


المزيد.....




- جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال ...
- الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا ...
- فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز ...
- سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه ...
- مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال ...
- جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
- البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة ...
- مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
- -الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد ...


المزيد.....

- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ضد الإنسانية