أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - شمالاً حتى شيانغ راي (3)















المزيد.....

شمالاً حتى شيانغ راي (3)


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 22:14
المحور: الادب والفن
    


من محاسن الصدف أن تعرفنا نحن الثلاثة ، إلى ثلاثة من أبطال العراق في لعبة المواي تاي (الملاكمة التايلاندية) ، وهم كل من حسين علي ويحيى عامر ومقداد كاظم. كانوا يقيمون في بتايا ويحرزون فيها البطولات تلو البطولات ، حتى على أهل اللعبة وموطن نشأتها! وكنتُ قبل الجائحة تعرفتُ إلى اللاعب مصطفى التكريتي ، المتُوِّجُ بطلاً للعالم في لعبة المواي تاي مرتين ، وذلك في صالة انتظار مستشفى (Pattaya Bangkok Hospital) الخاص بالسيّاح والمقيمين الأجانب وميسوري الحال من التايلنديين. ولو كان بوذا حياً حتى اليوم ، وعَلِمَ بما يجري من فساد في أقسام هذا المستشفى وصالات العمليات ، لشقَّ جيبه على موت الضمير ، بعدما تنكر البعض من الأطباء والممرضين وشركات التأمين ، لتعاليم بوذا في الحقائق الأربع النبيلة والمسار الثُماني * ، وراحوا يفرغون جيوب المرضى من السيّاح بلا رحمة!
في ضحى اليوم السابع وبينما كنا نُركنُ الدراجتين ، على الشاطئ المزدحم بالسيّاح الروس ، سمعنا ثلاثة من الشبّان يتحدثون باللهجة العراقية ، فهفتْ إليهم قلوبنا وبادرناهم بالسلام. قالوا إنهم يقيمون في بتايا ويمارسون لعبة المواي تاي ، ويتدربون على أيدي مدربين تايلنديين محترفين. ثم شكوا إلينا من عدم دعم الحكومة والإعلام لهم ، أو وزارة الشباب والرياضة. وعدتهم بزيارة الوزارة خلال زيارتي القادمة إلى العراق ، وعرض شكواهم على المسؤولين فيها ، فعسى أن يحصلوا على الدعم المطلوب.
بعد يومين التقينا بهم في مطعم بالسوق الليلي ، دعانا حسين إلى حضور نزال يخوضه بعد أيام قليلة ضد لاعب من ألمانيا. لبينا الدعوة وكنا أول الحاضرين الشرفيِّين تقديراً لنا من قبل الإداريين التايلنديين ، باعتبارنا من أصدقاء اللاعب. علقوا على صدورنا (باجات) وخصصوا لنا مكاناً في الصف الأول قرب الحلبة. ولم نكن نعلم أن القاعة الكبرى ستمتلئ بعد قليل ، بذلك العدد الغفير من محبي اللعبة والمشجعين. وتبين أن أغلبهم كانوا من السيّاح الصينيين! ولم تكن سياحة أولئك ، أو هكذا بدا لي الأمر ، للوقوف على التجربة التايلندية الفضائحية في شارع جهنم. أو كثرة أعداد بائعات الهوى ، تايلنديات وأجنبيات وقوفاً وجلوساً على طول الشاطىء حسب، بل كل ما هو مثير من الأماكن الترفيهية ، إلى الطبيعة الاستوائية ، إلى نزالات المواي تاي وغيرها!
ما أن أطلَّ حسين من وراء كواليس المسرح ، الذي نصبتْ فيه شاشة كبيرة لعرض صور الأبطال وأسمائهم وأعلام بلدانهم، وسار على الجسر الضيق الذي يربطه بالحلبة ، مُحيِّياً الجمهور، حتى انتابتني قشعريرة ، من النوع الذي تصيب المغترب عن بلاده عقوداً طويلة ، حينما يلتقي بأحد مواطنيه في بلد ثالث ، مصارعاً بطلاً أجنبياً على أرض غريبة ، وليس له بين المئات من المشجعين سوى 6 أشخاص ، حامد وفلاح وأنا ، وثلاثة من زملاء حسين في اللعبة. هبَّ فيَّ الشاعر الذي كرس معظم قصائده للتغني ببلاده. والكاتب الذي لا يني يسهر على حروفه ، حتى إذا بزغ فجر جديد رأى أن كل ما كتبه يلهج باسم العراق. والمغترب الذي لا يداني حب العراق في نفسه حب البلدان جميعا!
رحتُ أشجع بطلنا الشاب منذ بدء الجولة الأولى
- عفيه حسوني!
- فُوتْ عليه لا تنطيه مجال!
- بالقاضية وأنت كَدها وكَدود!
- لا ألماني ولا أمريكي أنت عراقي بطل العالم وسيد العالم!
- عفيه حسوني لا تنطيه مجال أبدا!
في الجولة الخامسة صرعه حسين بالضربة القاضية ، فنهضتُ من الكرسي مُحيِّيا وصائحا مرات ومرات بأعلى صوت
- عاش العراق العظيم .. عاش العراق العظيم .. عاش العراق العظيم.
ما أن رفع الحكم يد حسين معلنا فوزه ، حتى ركضَ فرحاً إلى زاوية الحلبة المقابلة ، صعد فوق حبالها وحيّاني فطفرتْ الدموع من عينيَّ. ثم توجه إلى الزوايا الثلاث وحيّا الجمهور.
- جزء من فوز حسين يرجع لتشجيعك أستاذ!
قال مقداد
- هو البطل وكلكم أبطال وعاش العراق.
قلت لمقداد
في صالة الاستقبال التقط عدد من المشجعين صورا مع حسين ، بينهم صينيون وتايلنديون وأنا، عانقته بحرارة وهنأته ، ثم دسستُ بيده هدية مادية رفض بكل العنفوان العراقي أن يأخذها ، فرجوته أن يأخذها فأخذها.
ما زلنا حسين وأنا أصدقاء ونتواصل في العالم الافتراضي حتى كتابة هذه السطور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الحقائق الأربع النبيلة هي حقيقة المعاناة وسبب المعاناة ونهاية المعاناة والطريق إلى نهاية المعاناة. المسار الثماني عبارة عن مجموعة من المبادئ التوجيهية لعيش حياة عطف و حكمة . ويتضمن الرؤية الصحيحة ، والنية الصحيحة ، والكلام الصحيح ، والعمل الصحيح ، والمعيشة الصحيحة ، والجهد الصحيح ، والوعي الصحيح ، والتركيز الصحيح.
***
وجدنا أنفسنا في اليوم التاسع عشر في فندق مريح ، يقع في منطقة نانا الشهيرة في العاصمة بانكوك ، المزدحمة بالسيّاح العرب ، وأغلبهم خليجيون. كان الفندق بإدارة شبّان هنود من طائفة السيخ.
سألت أحدهم فقال
- نعم نحن في الأصل هنود لكننا مولودون في تايلاند!
لم نؤجر دراجتين ناريتين ليس لأن قيادتها صعبة في العاصمة ، ونسبة التلوث مرتفعة. لكن لا حاجة لهما ، فلم يبقَ للصديقينِ سوى خمسة أيام حتى يقفلا عائدين إلى العراق. أما وسائط النقل في العاصمة فهي متوفرة وبثمن زهيد ، ابتداء من عربة (التك تك) وانتهاء بالقطار المعلق، الذي تعاقدت الحكومة العراقية على مثله مؤخراً ، مع شركات أسبانية وفرنسية وألمانية ، ليكون مكملاً لمشروع المترو متأملين فيهما خيراً للعاصمة العراقية.
لفت انتباهي في نانا ازدياد عدد المطاعم. وتفنن الشحاذين بما يُذكِّر بشخصية زيطة صانع العاهات في رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ! وافتتاح مكاتب جديدة لتقديم الخدمات السياحية والطبية وبيع الأعشاب. ومكاتب التصدير عبر البحار. وكثرة بائعات الهوى من بلدان عربية. ومحلات المساج ، التي تجلس في أبوابها شابّات تايلنديات ، ينادينَ على المارَّة من العرب
- مساج .. مساجّ
ثمة في ممر ضيق مقابل مطعم مندي يمني ، سبعة أو ثمانية من محلات تصريف العملة ، بإدارة مسلمات تايلنديات محجبات ، يتحدثن العربية بلكنة خليجية لكن بصعوبة بالغة. وقفتْ على أبواب المحلات تايلنديات محجبات ، يستجدينَ الخارجين منها بعد التصريف. البعض منهنَّ تحملنَ أطفالاً رضَّعاً لكسب المال بالإسترحام! ومنهنَّ من حملنَ صناديق كارتونية صغيرة كُتبَ عليها
- تبرعوا لبناء جامع. مع آيات قرآنية مكتوبة بخط الرقعة.
في اليوم الثالث وبينما كنا عائدين إلى الفندق ، من مول (سيام باراغون) ويُعَدُّ الأكثر شهرة في العاصمة ودول جنوب شرق آسيا ، اعترض طريقنا رجل ثلاثيني بدا شكله هنديا بلحية إسلامية ، مرتدياً دشداشة المطاوعة السعوديين القصيرة. طلب مني التبرع بمبلغ من المال لبناء جامع!
قلت له
- نعم سوف أتبرع بما تطلبه ولكن
- ولكن ماذا؟
- هل تقبل مني المبلغ وأنا رجل عراقي شيعي؟
صُدم الشيخُ وجاءه هاتف من باطن عقله فقال مستنكرا
- شيعي؟!
- نعم شيعي!
فرد بدون تفكير مع تقطيبة حاجبين
- لا أريد منك مالا ولا يمكن لي أن أطيل الحديث معك!
قهقه الصديقان طويلا ملء شدقيهما
قال حامد
- حسنا فعلتَ ، حتى نفهم حقيقة أن كراهية بعض المسلمين المتعصبين للمسلمين الشيعة ، وصلت إلى أقاصي العالم البعيدة!



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمالاً حتى شيانغ راي (2)
- شمالاً حتى شيانغ راي (الجزء الأول)
- احتفاء بالدكتور #خزعل_الماجدي في العاصمة النرويجية أوسلو
- اللمسة الحنون في فيلم Her (هي)
- لماذا لا يتعلم مذيعو الفضائية العراقية من مذيعي قناة الجزيرة ...
- قفص مرمي في ضواحي بغداد
- إهداء كتابي (الطريق إلى الناصرية) إلى روح أبي
- إلى محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. أوقفوا التعامل السيء مع ...
- السيد رئيس الهيأة العامة للآثار والتراث المحترم
- مصطفى والجسر والزلزال
- عن اللغة والفردوس والمنفى
- جدلية الصراع بين الخير والشر في فيلم شجرة الحياة
- جسر الزيتون
- فيلم طعم الكرز (Taste of Cherry - 1997) للمخرج عباس كيارستمي
- عراقيات (1) وادم حجاز كار يوسف عمر
- شارع جهنم (كتاب الرحلات الآسيوية)
- حقوق الحيوان في النرويج
- جفاف الفراتين!
- إليكِ عني أيتها الحرب
- جيمس ويب ثورة كوبرنيكية في علم الفلك


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - شمالاً حتى شيانغ راي (3)