|
سوريا المختلفة في يومها الأول...جردة حساب
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تجدر الإشارة بداية إلى أن العدو الصهيوني اختار يومًا شهد تحوُّلًا تاريخيًّا في سوريا الشقيقة والمنطقة، بغض النظر عن تعدد الرؤى بشأنه وتباينها، أي الثامن من كانون أول 2024، ليرتكب عدوانًا غير مسبوق منذ حرب تشرين المجيدة 1973. مئة غارة جوية تركزت على مستودعات أسلحة نوعية، كي لا تقع في أيدي تنظيمات المعارضة المسلحة. العدوان لا يستهدف النظام السابق أو بديله، بل يستهدف سوريا ذاتها، انتقامًا منها لدورها التاريخي في مواجهته، وبالذات المشاركة الفاعلة لجيشها الباسل في حرب تشرين المجيدة. بالتزامن، أقدم العدو على احتلال المنطقة العازلة في الجولان، وبالذات أعلى قمة في جبل الشيخ، في غطرسة طالما عُرف بها ومخالفة وقحة للقانون الدولي. وتقدر المساحة التي احتلها العدو بما يقارب مساحة قطاع غزة. الرسالة المطلوب إيصالها ليفهمها كل أعمى بصر وبصيرة أو يتعامى عنها، اسرائيل تعلنها صريحة مدوية أنا عدوكم أيها العرب كلكم من دون استثناء، أيَّا كانت مدارسكم الفكرية ومهما اختلفت انتماءاتكم المذهبية والطائفية. ومن المؤسف في المقابل، أننا لطالما تبارينا ليصم بعضنا البعض الآخر ب"التعامل مع العدو"، وبما هو أكثر من التعامل. وعليه، أكاد أجزم أن تشبث أنظمة الحكم في بلداننا بكراسي الحكم ولو على خوازيق التبعية المُذلة، ناهيك بعدم النضوج الفكري والسياسي المتفشي بيننا وضيق أفق الكثيرين منا وأنماط التفكير القروسطية المتحجرة المنتشرة في واقعنا، تضافرت كلها معًا لتسهم في جعل الكيان الشاذ اللقيط على هذا النحو من الغطرسة والعدوانية والتجرؤ علينا. بالعودة إلى مجريات الأحداث في سوريا العزيزة على قلوبنا، نرى أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لفك ألغاز بعضها. ثمة أسئلة ما تزال معلقة تبحث عن إجابات، منها، كيف ولماذا اختفت اثنتا عشرة فرقة عسكرية لم تُطلق رصاصة واحدة؟! دور روسيا في سوريا انكمش، ودور ايران تضاءل، وقد يكون في طريقه إلى التبخر. هاتان الدولتان دفعتا أثمانًا كبيرة في حماية النظام السابق، ولضمان بقائه في الحكم كل هذه المدة. فهل تخلتا عنه فجأة لأسبابهما ضمن توافق دولي مثلًا، أم توصلتا إلى قناعة بأن بقاءه لم يعد ممكنًا ولا طائل من الإستمرار في دعمه؟! منذ أن بدأ تحرك فصائل المعارضة المسلحة، ثم دخولها حلب وحماة وحمص، أيقن كثيرون أن النظام زائل لا محالة. لكن أحرار الحرب وضعوا أيديهم على قلوبهم خوفًا على سوريا، الدولة العربية العريقة بتاريخها وإرثها الحضاري والثقافي. سوريا، ملاذ أحرار العرب في مختلف المراحل بغض النظر عمن كان يحكمها. في هذا السياق، أكد الأشقاء السوريون للعالم كله أنهم شعب جدير بالحياة الحرة الكريمة، شعب على رفعة في المستوى الحضاري والسلوكي. لم تُرَق نقطة دم واحدة، ولم يتعرض أيُّ محل أو مصلحة للنهب والسلب، رغم الظروف القاسية التي ألقت بظلالها الداكنة عليهم منذ 2011. سمعنا عن محاولة لاقتحام البنك المركزي في العاصمة دمشق، كانت السيطرة عليها بسرعة لافتة. لم يقتحمم المسلحون مؤسسات الدولة ودوائرها، بل شهد العالم كله آخر رئيس وزراء في حقبة عائلة الأسد يوجه كلمة للناس عبر الشاشات السورية، نقلتها الفضائيات لمتابعيها. كان الرجل يتحدث من منزلة مهندمًا وبكامل لياقته، وإن بدا متلعثمًا بعض الشيء، ربما لأنه لم يكن يصدق أن رأسه ظل فوق كتفيه، كما حصل في بلدان شقيقة حدث فيها شبه ما جرى في سوريا أخيرًا. لقد تفوق السوريون عن جدارة على الكثيرين من أشقائهم على مستوى الرقي في التعامل مع بلدهم، وكأنهم يقولون للقاصي والداني، الدولة دولتنا والبقاء لها أما الأشخاص فزائلون. بدت جموع السوريين وهم يتجولون داخل "قصر الشعب"، كما لو أنهم هناك في جولة سياحية. لم يكسروا لوح زجاج أو كأس ماء، ولم يعتدوا على محتويات القصر ولا على أثاثه الفاخر، بل سمعنا تعليقات عبرت بوضوح لا تشوبه شائبة لمن يريد أن يتعامل بالعقل ومعايير الحق والحقيقة مع أسباب ما جرى ويجري في سوريا الشقيقة. على سيرة القصر الجمهوري، المكون من عدة بنايات، ما حاجة الحاكم العربي لكل هذه الأبهة والمنظَرَة على شعبه؟! نعتقد أن تكلفة إنارة هذا المبنى الضخم الفخيم لشهر واحد فقط، تكفي لإطعام مئات السوريين المحتاجين والمستورين. وللحقيقة المرة بطعم العلقم، ليس الرئيس السوري السابق وحده بين الحكام العرب من "كان" يقيم في قصر كهذا، بل هناك من لا يزال تحت تصرفه أكثر من قصر ربما أفخم وأوسع، كَلَّفَت الدولة وشعبها المُغَيَّب المغلوب على أمره مليارات الدولارات. فيما كانت الشاشات تُطلع مشاهديها على تفاصيل "قصر الشعب" في دمشق، أول ما استحضرت الذاكرة شقة أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا السابقة، الواقعة في حي شعبي في برلين. ونحن على ثقة أن منزل مجرم الحرب نتنياهو، مجرد زاوية أكثر من متواضعة في بحر "قصر الشعب". يحرص الحاكم العربي أن يحيط نفسه بكل مظاهر "الهيبة" و "الأبهة" و "الفشخرة" الفارغة من أيَّة مضامين. هذا الثالوث، ينهض دليلًا دالًّاًعلى عُقد نقص كثيرة بمسيس الحاجة إلى مقاربات علم التحليل النفسي الفرويدي للإحاطة الشاملة بمدلولاتها. ونرى أن هذا الذي نقول إنما ينهض حجة دامغة على عقلية الحاكم العربي، منذ معاوية بن أبي سفيان مرورًا بهارون الرشيد وحتى يوم الناس هذا، في تعامله مع الدولة كأنها مزرعة خاصة له ولأولاده. أما ما يُسمى "المواطنون"، فهم رعايا بنظره وليسوا مواطنين أصلًا، والفرق بين هؤلاء وأولئك كبير. وماذا عن التشبث بالسلطة حتى الممات وتوريثها؟!!! في هذا الجانب، نحن الأمة الوحيدة تقريبًا في القرن الحادي والعشرين المعروفة بهذه الظاهرة القروسطية الجذور والممارسة. ما حصل في سوريا وفي بلدان عربية غيرها وما يزال يحصل، يؤكد أن الحاكم العربي لا يثق بشعبه، وغير مستعد للتنازل لصالحه. لكن لا مشكلة لديه أن يكون في "منتهى اللين والرقة والنعومة" مع القوى الدولية والإقليمية الضامنة لكرسي حكمه. ولا تثريب عليه بنظر حاشيته وفقهاء السلطان خاصته أن يتنازل لأميركا واسرائيلها، إذا استدعت ضرورات بقائه في السلطة. وهناك من هم جاهزون غب الطلب لتزوير الحقائق ومكيجة التنازل ليبدو كما لو أنه "تكتيك عبقري" يصب في صالح "الشعب والدولة". ما جرى في سوريا، وقبله في دول شقيقه كالعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر، خلال العقدين الأخيرين يؤكد ما قلنا من دون الغوص في تفاصيل لا بد أن أكثرها معلوم في عصر الفضاء المفتوح، ويسهل العودة إليه لمن يريد أن يقرأ ويتعلم ويفكر بمعايير العلم وشروط المنطق، ويتعظ. نتمنى أن يكون العرب المحكومون والمثقفون منهم خاصة، قبل الحاكمين قد أفادوا مما حصل ويحصل، على صعيد أنماط التفكير وكيفية التعامل مع الأحداث وفهمها واستيعاب دروسها في عصر سريع التغير والتحول. مهما كابرت بقايا النظام الرسمي العربي، فعليها أن تفهم أن معاندة التاريخ مستحيلة، فضلًا عن أن نتائجها وخيمة ونهاياتها فضائح معيبة، بل ومخزية. نتمنى لسوريا العزيزة على قلوب العرب وأحرارهم كل خير، وأن تخرج من ظروفها الصعبة أقوى وأقدر على تخطي التحديات. المهم أن تظل سوريا الدولة بشعبها العريق سوريا.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نراهن على عراقة الشعب السوري وانتمائه لعروبته
-
لماذا يحن بعضنا لزمن الخلافة العثمانية البائس؟!
-
هل كان المسلمون الأوائل يقدمون الدين على السياسة؟!
-
مرجعيات الإبادة العرقية في السرديتين الغربية والتوراتية الصه
...
-
من وحي كابوس يحدث على الأرض !
-
في ضوء ما يجري في حلب وادلب
-
هل من أساس لشرعية دينية للحاكم في الإسلام؟!
-
ما أصعب الحياة من دون نصفنا الآخر !
-
متى يتخطى الإعلام الأردني أسلوب الفزعة؟! حادث الرابية مثالًا
-
الكيان يعربد ويقتل لكن هزيمته ممكنة
-
هكذا هم الأقوياء يا بني قومي !
-
وهمُ الدين الصحيح !!!
-
الاسلام السياسي في تركيا وعند العرب
-
المقاومة تفرض إيقاعها
-
يخافون اسرائيل أكثر من عزرائيل !
-
قمة الضعف وقلة الحيلة
-
ليبيا تعلن فرض الحجاب !
-
الإحتجاج بالنص الديني دليل أزمة وجودية
-
قراءة في كتاب -الحرب- (4) والأخيرة. عرب يدافعون عن اسرائيل ع
...
-
حكماء العرب
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|