أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي الابراهيم - مدّة الحياة














المزيد.....

مدّة الحياة


رامي الابراهيم
كاتب، صحفي، مترجم، لغوي، سينمائي

(Rami Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


(حكاية من حكايات الأخوين غريم ترجمها عن النسخة الإنكليزية إلى العربية القياسية المعاصرة رامي الإبراهيم)

عندما خلق الله الكون وكان على وشك أن يُحدد لكلِّ مخلوقٍ مدةَ حياته، جاء الحمار من بين المخلوقات وسأل خالقه عن المدة التي حددها له ليعيش. "ثلاثون عاماً.. هل يرضيك ذلك؟ " كان جواب الخالق. "أوه يا سيدي! إنَّ ذلك طويلٌ جداً. فكِّر بالفترة الطويلة من العذاب التي سأقضيها خلال حياتي وأنا أَحملُ الأسفار من الصباح حتى المساء، وأَجرُّ أكياسَ القمح إلى الطاحونة لكي يأكل غيري الخبز وكي يبهجوا ويفرحوا ثم لا ينالني مقابل ذلك كله سوى الضرب والرفس. ارحمني واعفني من جزءٍ من هذه الحياة". أشفق الخالقُ على الحيوان المسكين وأعفاه من ثماني عشرة سنة فذهب الحمار مرتاحاً وقد زال عنه الغم.
حضر الكلبُ بعد ذلكَ أمامَ خالقه فبادر الخالقُ بسؤال الكلبِ عن المدَّة التي يريدها لنفسه: "إنَّ ثلاثين سنة كثيرةٌ بالنسبة للحمار لكنها ستكون مناسبةً لك فما هو قولك.. كم تريد أن تعيش أنت؟".
"سيِّدي..إذا كانت هذه مشيئتك فانظر كم سيكون عليَّ أن أركض! سوف لن تقوَ أقدامي على الركض كل تلك السنين؛ ثمَّ أي نفع سيكون في ركضي من زاويةٍ إلى أخرى بعد أن أفقد صوتي فلا أعود قادراً على النباح وتهوي أسناني فلا أعود قادراً على العض، وكل ما أستطيع فعله عند ذلك أن أهمُرَ بصوتٍ منخفض". نظر الخالق في الأمر فوجد الأمر صحيحاً فأعفى الكلب من اثنتي عشرة سنةً.
حضر القرد بعد ذلك وقال له الخالق: "أنت بلا شكٍّ ستقنع بالعيشِ ثلاثون عاماً فليس بك حاجةٌ لأن تعمل كالحمار والكلب بل ستقضي الوقت في إمتاع نفسك".
" أوه يا سيدي.. إنَّ الأمر ليس كما يبدو عليه، وإنَّما على العكسِ تماماً! فعندما يُغدِق عليَّ الناسُ بعصيدةِ الذُّرة لا يُرفقون ذلك بملعقة آكلُ بها. ثمَّ إنَّه علي دائماً أن أقومَ بالحِيلِ المسلية والتي تدفع الناس إلى الضَّحك وعندما يعطوني تفاحةً أجدُ أنَّها حامضة. كثيرةٌ هي الحالات التي يختفي فيها الحزن والبؤس خلفَ السعادة والمرح، وأعتقد أن ثلاثين سنةً فترة طويلةٌ ولا أقدر على تحملها. كان الخالق كريماً فأعفى القردَ من عشرة سنين.
ظهر الإنسان أخيراً أمام الخالق قوي الجسمِ صحيحَ البدنِ ممتلئاً بالطاقةِ والفرح وطلب من الخالق تحديد الفترة الزمنية التي سوف يعيشها.
"سوف تعيش ثلاثينَ عاماً" قال الخالق.
" كم هي قصيرةٌ حياتي إذاً: فما إن أبني بيتي وتشتعل النارُ في موقدي وأزرعُ الأشجار التي تزهر ثم تحمل الثِّمار، ما إن أفعل ذلك كلَّه وأستعدُّ للتمتُّع بحياتي حتى يَحين موعد موتي. أرجو منك يا سيدي أن تُطيلَ حياتي ".
"سأضيف إليها الأعوامَ الثمانية عشر التي ضحَّى بها الحمار" قال الخالق.
"ذلك ليس كافياً!" قال الإنسان.
"تأخذ إذاً الأعوام الإثني عشر التي تنازل عنها الكلب".
"لا يزال ذلك قليلاً!" قال الإنسان.
"سأعطيك إذاً الأعوام العشر التي ضحَّى بها القرد، لكن لن يكون هناك أيُّ زيادةٍ على هذا".
ذهب الإنسان بعد ذلك غير قانعٍ بذلك.

يعيش الإنسان إذاً سبعين عاماً. تنقضي السنوات الثلاثون الأولى بسرعة ويكون بعدها سعيداً وفرحاً يعمل بسعادةٍ ويتمتع بصحَّة البدن، يتلو ذلك السنواتُ الثماني عشرة والتي أخذها من الحمار حيث تُلقى على أكتافه أعباءُ الأسرة والأولاد ويتوجب عليه حملٌ القمح والحبوب إلى البيت ليطعم أفراداً آخرين في حين يكون الضرب والرفس جزاءه على خدماته وإخلاصه. تأتي بعد ذلك السنوات الإثنتي عشرة التي أخذها من الكلب حيث تتساقط أسنانه ولا يعود قادراً على الأكل بشكلٍ جيد وإنما يستلقي في الزاوية ويبدأ بالتذمُّر. عندما تنقضي هذه الأعوام لا يبقى لدى الإنسان سوى الأعوام العشر التي أخذها من القرد عندما يصير المرء خرفاً ويقوم بالعديد من الأشياء الحمقاء والسخيفة التي تضحك الأطفال وتسليهم.



#رامي_الابراهيم (هاشتاغ)       Rami_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسمار
- المرأة العجوز في الغابة
- اللغز
- القمر
- القطة و الفأرة في منزل واحد
- الضوء الأزرق
- الإوزة الذهبية
- لعبة المكان و الزمن
- دقيقةٌ من وقت الزّمان ووقفةٌ في ذهول
- غبار الطّلع
- قلا تجي
- أحلام اللحظة..و الشوق طليقٌ.. و الماضي توثب!
- انتماء
- فستان شعبي جداً
- هيكل لإله الحروف
- أحلام غرابة اللون..و العري
- يا عجاج الدير رفقا
- صباح الخير نوشاتل
- أحب أحب نوشاتل
- رحلة الروح الواعية


المزيد.....




- فلسطين تلهم فنانا ثمانينيا لإقامة معرض يجسد نضال غزة
- السرد المزدوج بين عمر وغابرييل.. رواية جون وايت -غزة: هذه ال ...
- بريطانيا.. القبض على نجمة -نتفلكس- بتهمة تهريب 40 كغ من المخ ...
- المرآة تتصدر قائمة أفضل الكتب مبيعًا في نيويورك تايمز
- فلسطينيون في شمال قطاع غزة: نعيش -فيلم رعب حقيقيا-
- -كُتاب المغرب-يستنكر -التشويش-على عقد مؤتمره الوطني الاستثنا ...
- في اليابان.. الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان يعزز جسور التباد ...
- “سجل الآن“ اعلان توظيف وزارة الثقافة والفنون 2024 بالجزائر و ...
- الحب كحلم بعيد المنال.. رواية -ثلاثية- لأديب نوبل يون فوسه
- المسرح الروسي يزين مهرجان قرطاج


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي الابراهيم - مدّة الحياة