|
المقاومة الفلسطينية في الواقع والخطاب الاستعماري 2-2
قادري أحمد حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 09:35
المحور:
القضية الفلسطينية
المقاومة الفلسطينية في الواقع وفي الخطاب الاستشراقي الاستعماري.
(2-2)
*” إننا محكومون بالأمل . وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ “.
سعد الله ونوس.
إن غياب الرؤية الوطنية الإستراتيجية في معظم أقطار المنطقة العربية، التابعة التي لا يجرؤ البعض من السياسيين في الحديث عنها، أي تجاه كل ما يتم من استلابٍ للإرادة، ومن سيطرة على أرضك/ أرضنا، هو الذي يجعلك/ يجعلنا في هذا الموقع والموقف الضعيف، ومن الهوان ومراراة الإذلال، ومن التفاهة، التي تجردك/ جردتك، من كل معنى سياسي وطني، وتحرري وديمقراطي، بعد أن وصلنا في اليمن إلى تشكيل “تكتلات سياسية”، تلبيةً لمصالح قوى إقليمية ودولية ، وتحت إشرافها المباشر، ونماذج كهذه لا يمكن التعويلُ عليها وعلى خطابها، في أن تكون لها رؤية سياسية، وطنية داخلية، أو رؤية قومية استراتيجية تجاه كل ما يجري في المنطقة ، ومنها حرب الإبادة في غزة/ فلسطين.
بعض الإخوة من الكتبة اليمنيين والعرب، ما يزالون يقرؤون ويتحركون ضمن التصورات الذهنية والأيديولوجية، بل وحتى النفسية، التي صدرها لنا الاستشراق في طبعته الأيديولوجية الاستعمارية الجديدة، في فهمه لنفسه ولواقعه ولتاريخة، ويحاولون استناداً إلى ذلك تطبيقها على أحوالنا وأوضاعنا العربية وكأنها حقائق ومسلمات مطلقة، وهؤلاء، لا يدرون أو يدرون أنهم يكررون لوك مفردات ومفاهيم الاستشراق الإمبريالي الاستعماري، ويتجاهلون أن ليس كل ما هو عقلاني، هو أخلاقي وإنساني بالضرورة، فالكثير من المفاهيم" العقلانية"، الرأسمالية الاستشراقية، قادت البشرية- وما تزال- إلى حروب كونية ولا إنسانية كان حصادها المر عشرات الملايين من القتلى، ومثلهم من الجرحى، في الحربين العالميتين، الأولى، والثانية .. حروب مدمرة لمعنى القيم والمبادئ الإنسانية الكلية، وما يحصل في غزة/ فلسطين اليوم وفي لبنان، ، هو أحد وجوه هذه "العقلانية" الإمبريالية/ الرأسمالية، وهنا يبرز ويظهر خلل التفكير الذي يفصل بين المنطقي والعقلاني والتاريخي والإنساني، في النظر إلى قضايا تطور حياة المجتمعات والشعوب والدول.
إنهم - أقصد الاستعمار الاستشراقي- يمارسون إشاعة وتعميم مناخ معاد للعقل والعقلانية لتسويد حضور "ثقافة المعلومات"، على حساب "ثقافة المعرفة"، " ثقافة المقاومة", وضداً على التعليم الحديث العقلاني/ التنويري، الذي يُوسًعُ نطاق معرفتك بنفسك وبالآخر، وبالوجود الإنساني من حولك ، والأهم في هذا السياق الذي نتحدث عنه، محاولتهم تسفيه فكرة وقضية التحرر الوطني، من هنا تركيز نقدهم تحديداً على فكرة ومعنى المقاومة، بعد وضعها بين قوسين، ". المقاومة ", وهنا تلتقي مراكز الأبحاث الأيديولوجية والسياسية والأمنية الاستعمارية، تلتقي "الوكالة الأمريكية للتنمية" و"المعهد الديمقراطي الأمريكي"، و"بيوت الخبرة" لترويض البعض، ومنصات ، ووسائل التواصل الاجتماعي المحتكرة بيد اللوبي اليميني الصهيوني/ المسيحي في عمقه الاستعماري الاستشراقي الجديد، وكلها هدفها تخريب بنية الوعي والثقافة والتعليم والفكر التحرري التنويري المقاوم، كانت بدايتها المعاهدة "الساداتية"، ولن تكون نهايتها التطبيع الإبراهيمي المجاني، الذي تجمد - مؤقتاً - بفعل انتفاضة السابع من أكتوبر 2023م، ومن هنا عداوة أنظمة "البترودولار"، وحقدهم على هذا اليوم، لأنه يذكرهم، بنقصانهم، وبخيانتهم لقضاياهم الوطنية، والقومية العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وبأن لا خيار سوى المقاومة الوطنية والقومية التحررية في مواجهة الاستبدادين الداخلي، والخارجي الاستعماري، بما فيه مواجهة المشروع الإيراني، القومي/ المذهبي، بمشروع قومي/ عربي تحرري وديمقراطي، بديل، على أن يأتي ويكون ذلك ضمن وفي سياق رؤية فكرية/ سياسية شاملة للمقاومة، وللتنمية الإنسانية، وقضية الحريات، والديمقراطية السياسية، وليس ضمن وفي اتجاه تصفية حسابات صغيرة مذهبية، لبعض الأنظمة العربية المتصهينة، مع إيران، وبدون رؤية، ولا موقف، للتحرر الوطني والقومي، يكون نتيجتها كما هو حاصل تبعية كاملة للشرط الاستعماري الاستشراقي، ومحاولة تصفية ما تبقى من مقاومة.
إن العقل / السياسي الاستعماري الاستشراقي، يرى أن بداية الحرب الجارية في غزة/ فلسطين، وسببها، إنما يعود إلى "مغامرة عدوان حماس"، على دولة الكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر 2023م، ومن أن حدث أو فعل السابع من أكتوبر هو الذي سوَّغ وَبرَّرَ وشرعن لردة الفعل الصهيوني في صورة حرب الإبادة التي تمت وما تزال تتم في غزة / فلسطين، بل وفي لبنان منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر، مع أن الأمين العام اللأمم المتحدة، انطونيوغوتيرش، قال في خطاب واضح ومعلن، إن ما حصل هو رد فعل على الاحتلال وعلى العنف الذي عمره أكثرُ من نصف قرن، فكان الهجوم اللاعقلاني الاستعماري الاستشراقي/ الصهيوني، عليه بسبب هذا الخطاب، حتى مطالبة السفير الصهيوني في الأمم المتحدة باستقالته واتهامه بأنه معاد للسامية، وهنا نرى الفارق النوعي بين خطابين عقلاني، وموضوعي/ تاريخي، وجد نفسه مصطفاً مع الحقيقة التاريخية، وخطاب استعماري استشراقي، يحاول جاهداً أن يختصر القضية الفلسطينية في تاريخيتها الوطنية والقومية التحررية التي تمتد لأكثر من مائة عام، إلى ما جرى في السابع من أكتوبر 2013م، وهي رؤية ليست مناقضة للعقل الموضوعي، والتاريخي بل ونقيضة للسيرورة السياسية والاجتماعية التي كانتها القضية الفلسطينية، كما هي في الواقع، وفي التاريخ، وفي وثائق وقرارات الأمم المتحدة، وفي قرارات مجلس الأمن ،والأخطر أنها رؤية تخدم تأبيد الاحتلال، وتشرعن نظام الفصل العنصري ..والتهجير القسري الذي يجري يومياً في كل الأرض الفلسطينية.. رؤية تؤكد وتكرس المصالح الاستعمارية، ضد حق شعب محتلة أرضه ، ويتعرض ليس للفصل العنصري، بل والإبادة الجماعية في صورةعلنية وفاضحة، ومع ذلك يعجز العقل الاستعماري الاستشراقي في رؤية كل ذلك، مكتفياً بالحديث عن حق المستعمر في الدفاع عن نفسه.
لم يمر على فعل أو انتفاضة السابع من أكتوبر 2023م، الإ ساعات معدودة حتى كانت الآلة الأيديولوجية والسياسية والإعلامية بل وحتى الدبلوماسية الاستعمارية الاستشراقية تشتغل على ما جرى في السابع من أكتوبر بأنه عدوان إرهابي ، تم فيه قتل أكثر من ألف مدني صهيوني، تم خلاله قتل الأطفال واغتصاب وحشي للنساء ، اشترك في هذه الآلة الدعائية الإعلامية الرئيس الأمريكي، جون بايدن، وغيره ولم تتوقف خلالها الرحلات المكوكية لرؤوساء الدول، ووزراء الدفاع والخارجية إلى تل أبيب، ولم يوقف الخطاب الاستشراقي الاستعماري، حملته السياسية والإعلامية ضد المقاومة حول هذه المسألة، إلا بعد أن استكمل دوره التحريض والدعائي، وبعد أن بدأت تظهر الحقيقة بالصوت والصورة بما ينفي ما روَّج له الاعلام الأيديولوجي والسياسي الاستعماري ضداً على القضية الفلسطينية ومقاومتها البطلة، التي دأب البعض على وضعها بين قوسين، لأسبابه الخاصة، " المقاومة", بعد تحميلها وزر خذلان وهوان النظام السياسي العربي المتصهين، الذي يتجنبون الحديث عنه بكلمة نقد واحدة.
وكل ما يمكنني قوله، هو: إن التحالف الصهيو/ أمريكي، العدواني على الشعب الفلسطيني ، بقدر ما يملك أبشع وأشرس وأعنف أدوات إرهاب الدولة العسكرية، فإنه – كذلك- يمتلك ويهيمن ويحتكر ويسيطر على معظم وسائل الإعلام، ومنصات ومراكز التواصل الاجتماعي، ما يجعل صوت القضية الفلسطينية ومقاومتها خافتاً، إن لم أقل غائباً، وغير مرئيٍ ، في ظل صمت عربي، ومشاركة خائبة وخائنة في صورة بعض الكتابات التي لا هم َّلها سوى نقد المقاومة الإسلامية المذهبية المغامرة، ووكيلة إيران في المنطقة!!.
علماً أن موقفي الفكري السياسي النقدي من المشروع الإيراني الأيديولوجي/ السياسي، واضح لا أخفيه وأعلنه في كل ما اكتب، دون أن أتجاهل أو أنسى أن العدو الاستراتيجي الأول هو الكيان الصهيوني، والاستعمار الإستشراقي المشارك في جرائم حرب الإبادة القائمة في فلسطين ولبنان.
إن المقاومة الفلسطينية، واللبنانية في حرب الإبادة الجارية، إذا لم تنكسرا، وما تزالان مستمرتين في المقاومة، حتى في حدوده الدنيا، رغم حرب الإبادة فهي قطعا ًمنتصرة ، أما الكيان الصهيوني رغم أسلحته الفتاكة المدمرة التي يحرم ويجرم القانون الدولي، وقوانين الحرب استخدامها في مثل هكذا معارك/ حروب فإنه إذا لم يحقق أهدافه العسكرية والسياسية المعلنة "بالنصر المطلق", كما أعلنها، نتنياهو، فهو مهزوم، وهو ما تقوله حقائق الواقع، بعد أن توجهت آلتهُ العسكرية الوحشية في قتل المدنيين ، من الأطفال والنساء، وتدمير البنية التحتية للدولة والمجتمع في فلسطين ولبنان.
مع أنني - مع الأسف- أقرأ كيف تكتب وتتابع بعض الكتابات ما يجري في فلسطين، ولبنان، وهي متلهفة وفي شوق عظيم لرؤية هزيمة المقاومة، وكأنها قضيتهم الشخصية!!
إن القتل والتدمير الوحشي العشوائي لكل ما في الأرض، بدون أهداف سياسية، لا يصنع نصراً.
إننا حقاً ، أمام عقلية استعمارية استشراقية في طبعة إمبريالية جديدة، وهذا ما يحصل على الأرض الفلسطينية واللبنانية.
يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً أنني لست ضد الاستشراق كظاهرة بالإطلاق، ذلك أن للاستشراق وجهين وبُعدين، وجه استعماري قبيح، وهو ما نرفضه ونقاومه، وبعدٌ معرفي ثقافي حضاري إنساني، ساهم في رفد وتنمية المعرفة، والتراث الثقافي الإنساني بالكثير من مصادر المعرفة المغيبة، وقدم إضافات معرفية غنية بالكثير من المعاني والمفاهيم والقيم الفكرية والروحية النبيلة.
إن الاستشراق، في وجهه الاستعماري، هو الذي نقاومه، وهو اليوم مجمع صناعي عسكري/ مالي، هو أيديولوجية، وإعلام، هو مؤسسات أبحاث مختلفة التسميات، هو كتاب، وكتابة أيديولوجية رسمية مدولة ومعولمة، موزعة على خارطة العالم كله كنمط ونموذج لكتابة واحدة يحاولون فرضها على العالم كله بقوة الحروب؛ بفعل هيمنة نظام القطب الواحد على العالم، الذي يقاتلون بتوحش لعدم تغييره لصالح نظام عالمي جديد، متعدد القطبية، وليس بعض الكتابات التي تطالعنا بين الحين والآخر، التي تشتغل ضد القضية الفلسطينية، من خلال خطاب نقد المقاومة" المغامرة"، سوى واحدة من تمظهرات، وتجليات هذه المؤسسة الاستعمارية الاستشراقية.
إن التفكير العقلاني ليس منحصراً في التفكير في ضوء المصالح المادية المجردة “البرجماتية”، فقط، بل وفي ضوء المبادئ، والقيم الأخلاقية والإنسانية الكلية، والقوانين الناظمة للعلاقات الدولية المتوازنة والسلمية ، وهي هنا مقاصد الشريعة الإنسانية العليا، سواء، دينية أو وضعية دولية، وهو ما تقفز عليه الممارسات الاستعمارية، التي استعاضت عن دور الجيوش بالصورة القديمة، “المرحلة الاستعمارية الأولى المعاصرة"، بالحروب الاقتصادية، وبجيوش منصات الاعلام"، والكتبة المؤدلجين من داخل دوائر الأبحاث الإستشراقية الاستخبارية، ومعهم الكتبة الملحقون بهم الذين يشتغلون في ذات الاتجاه، متجاهلين – بعضهم - أن النوايا الطيبة في السياسة تقود إلى جهنم – هذا أن افتراضنا حسن النية – وما نعيشه اليوم في فلسطين / غزة، وفي لبنان- والقائمة مفتوحة- هو هذا الجهنم/ القيامة، الذي تقدمه لنا بعض الكتابات اليمنية والعربية، على محدودية تأثيرها، في قولهم: إن حرب الإبادة الجارية في غزة/ فلسطين ليس إلا نتيجة من نتائج العقل المغامر والعاطفي للمقاومة، أو نتيجة للعقل الثوري اليساري المغامر ، الذي يراهن على الحتمية التاريخية"، والهدف السياسي من مثل هذا الخطاب، هو تبرئة ساحة الاستعمار الصهيو/ أمريكي، من جريمة حرب الإبادة!!. وتحميلها " للمقاومة الإيرانية", حسب زعم البعض، وهو قمة البؤس الأخلاقي قبل السياسي في التفكير الذي يلتقي أويتقاطع مع أللاعقلانية الإستشراقية الاستعمارية.
وجاء قرار محكمة الجنايات الدولية، بنص قرارها الاستثنائي والتاريخي، ليقدم نقضاً قانونياٌ وإنسانياّ، للممارسات الاستعمارية، والخطاب السياسي الاستشراقي معاً.
إن أمريكا وأوروبا - أقصد الأنظمة السياسية وليس الشعوب - تقولان وتقدمان فكرة لاعقلانية ولا أخلاقية ولا إنسانية، في أنه من حقِّ المحتل أن يدافعَ عن نفسه، وتحصر هذا الحق بدولة الكيان الصهيوني المدججة بالسلاح في أحدث تقنياته التدميرية المعاصرة، في صورة آخر ما وصل إليه العقل الفاشي/ النازي الاستعماري في الإبادة الجماعية للسكان الأصليين الفلسطينيين، ويمنع هذا الحق في أبسط حدوده عن الشعب الفلسطيني صاحب الأرض المحتلة، في صورة مقاومته البسيطة والمحدودة، وخطابُنا العربي الرسمي، والكتبة الملحقون بهم لا يتوقف حديثهم عن نقد" مغامرة المقاومة"، وخطاب المقاومة العاطفي الديني، أو الشوفيني القومي، في مواجهة المحتل.
علماً أن المقاومة هي آخر ما تبقى لنا من أدوات فعل الحرية المقاوم، عن آخر ما تبقى من الأرض، ومن الكرامة، وهي المقاومة الفلسطينية، واللبنانية، التي تعادبها وتتأمر عليها الأنظمة العربية المتصهينة، بذريعة أنها ادوات إيرانية، دون أن يساءل هذا البعض أنفسهم، أين هي الادوات العربية المقاومة؟!، التي يتم حصارها وضربها، فقد صرفت هذه الأنظمة أكثر من( ٤٥٠ مليار دولار في يوم واحد ), لتمرير " صفقة القرن", التي رعاها الرئيس" ترامب"، الذي حول القدس لعاصمة لدولة الكيان الصهيوني، واعترف بمرتفعات الجولان السوري، ارضاً صهيونية.
يمكنني القول جازماً، إن أفضل أيام الشعوب لن تكون أجمل إلا بالمقاومة المحكومة بالأمل ، وبالإرادة الحرة للناس، وليس بالنقد السلبي لها، وبدون رؤية، كما هو حالنا مع بعض الكتبة.
إن خطاب هؤلاء الكتبة في ممارستهم للنقد الخائب والخائن للمقاومة الوطنية والقومية التحررية، إنما يتعمدون - احيانا- قصداً الخلط بين المقاومة التحررية وبين "قطيع" الجماعات الإرهابية والمغامرة، من "القاعدة" و"داعش" و"النصرة"، إمعاناً في تشويه صورة ومعنى المقاومة!! خدمة للعقل السياسي الاستعماري الاستشراقي.
إن شعار حق دولة الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسها، إنما يكشف ويعكس خلل الجدل التناقضي مع معنى العقلانية، ومع العقل السليم في عمقه الإنساني، والذي يتماشى ويتكامل مع الواقع الكائن، أي مع ما يجري على الأرض، وتحديداٌ في بنية الخطاب الأيديولوجي/ السياسي الاستعماري، الذي وظف" العقلانية"، والعلم، ووسائل التكنولوجية الحديثة، لخدمة أللاعقلانية ، وضداً ليس على العقل السليم، بل وضداً على كل القوانين الدولية، وضد المفاهيم والقيم الإخلاقية والإنسانية الراسخة، تحول معه الضحية الفلسطينية إلى جلاد، والقاتل / مجرم الحرب، إلى ضحية مطلوب التعاطف معه، والذي يجسده ويعبر عنه النقد الخائب والخائن للمقاومة، وهو حقيقة ليس سوى أحد الأدوات “الناعمة”, التي تشتغل في هذا الاتجاه .
إننا أمام منطق تفكير استشراقي استعماري يَدَّعي العقلانية الزائفة في مواجهة حقائق تاريخية، وقيم أخلاقية ومبادئ إنسانية راسخة، راكمتها البشرية طيلة قرون سحيقة كمنجزٍ للعقل الإبداعي الإنساني ، يعبث بها العقل الأيديولوجي والإعلامي الاستشراقي الاستعماري، وهو ما نراه أمامنا يتدمر ويتفكك ، ويجد من يبرر له ذلك من الكتبة، ومن السياسيين في منطقتنا، من خلال لوك جمل إنشائية فارغة من المعنى، هي مجرد تمارين لفظية كلامية تقول كل شيء ضد المقاومة الفلسطينية ولا تقول شيئاً له معنى عن الاحتلال والتهجير القسري، وعن جريمة حرب الإبادة الجماعية في غزة، بل ولا كلمة عن النظام السياسي العربي المتصهين، الشريك الأساسي في كل هذا العبث والتفتيت والتقسيم الجاري في المنطقة!!
إن الخطاب الأيديولوجي/ السياسي الاستشراقي الاستعماري يبحث عن مصالحه في العالم، ويحاول فرضها بالحديد والنار، وما يجري في غزة/ فلسطين،, في لبنان هو جزء لا يتجزٌأ من اللعبة الاستعمارية ضمن صراع اقليمي ودولي كبير وخطير، كما تم الإشارة إلى ذلك في مفتتح الفقرة الأولى من المقال، حول الممانعة السياسية والعسكرية لميلاد نظام عالمي جديد متعدد القطبية.
والسؤال :أين تكمن مصالح النظام السياسي العربي التابع والزمر الأيديولوجية/ السياسية الملحقة به من الكتبة العرب، الذين يرفضون ثقافة” القطيع”, كما يقولون؟ حيث القطيع في نظرتهم الإستشراقية الاستعمارية، هم من يدافعون عن الحق في المقاومة تحت كل الشروط والضغوط والظروف!!.
والسؤال مرة ثانية : لماذا يشترك هؤلاء الكتبة في تبرير وشرعنة حرب الإبادة هذه ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، تحت ذرائع واهية، منها قولهم، بالفارق بين الحق في المقاومة، والقدرة المنعدمة لذلك، ومنها ـ كذلك ـ أنها ـ أي المقاومة ـ أذرع إيران في المنطقة كتخريجة سياسية تعبر عن فشلهم، وعجزهم في مقاومة ورفض ونقد كل ما يجري على الأرض، من فساد سياسي واقتصادي، ومن استبداد ، بعد أن تحولت بلداننا إلى دول فاقدة للسيادة والاستقلال الوطني، ومصادر ثرواتنا منهوبة، أو محاصرة بيد قوى اجنبية، وهذا القول ينطبق على معظم أقطار المنطقة العربية، بدرجات متفاوتة، من العراق إلى اليمن ألى سوريا وليبيا والسوادن، ومعظم دول الخليج.
إن من لا تقنعه وقائع وحقائق حرب الإبادة القائمة، وخرق الكيان الصهيوني، لجميع المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية والإنسانية في صورة ما يجري في غزة/ فلسطين ، التي تعترف بها المحاكم الدولية، والعالم كله في إدانة الكيان الصهيوني، فلن يتمكن أي عقل أو تفكير عقلاني سوي بإقناعه بصواب فعل المقاومة في الدفاع عن نفسها وأرضها تحت كل الشروط والضغوط !!.
ادعاء العقلانية الزائفة، والواقعية التلفيقية المبتذلة، لتبرير جرائم ضد الإنسانية، - بقصد أو بدون قصد- هو حقيقة أكثر من جريمة سياسية وقانونية، هو باختصار سلوك لا أخلاقي ولا إنساني، يتحول معه الضحية المتلفزة، في صورة بعض الكتابات، ليس إلاَّ مجرد صورة عابرة على التلفاز، بل وإلى جلاد، ويتحول مجرم الحرب إلى مجرد إنسان عقلاني، وواقعي مجرد من العواطف، يدافع عن حقه في فرض استعماره على الشعب الأصلي المحتلة أرضه!!، كما في الخطاب التابع / المهجوس فقط, بإدانة المقاومة، حين يجد أن لا وظيفة معرفية وأخلاقية وقيمية له، سوى تدعيم أللاعقلانية الاستشراقية الاستعمارية القائمة.
وصدق الشاعر، محمود درويش حين كتب عن غزو وتدمير بيروت واحتلالها في العام 1982م، وصولاً إلى اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، حيث كتب درويش قائلاً : "فالاجتياح ليس حدثاً عابراً في تاريخ شعبي وأمتي"،
بعد أن دخلت الدبابات والقوات الصهيونية، إلى قلب بيروت، وارتكبت المحازر والفظائع في قلب احياء بيروت، وصولا لإرتكاب مجازر " صبرة", و" شاتيلا", وكان ضحاياها في يوم واحد أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شهيد فلسطيني، وفي قلب أحياء بيروت، وكان بعضنا شهود عيان على ذلك.
واليوم تتحول حرب الإبادة الجماعية، والتهجير القسري لشعب كامل- كذلك- إلى مجرد صورة عابرة في التلفاز، وبدون أي مواقف سياسية عملية، بل وحتى بدون بيانات شجب ورفض عربية وإسلامية!! ، بل نقد خائب وخائن للمقاومة.
حرب إبادة تواجه اليوم بمقاومة باسلة، على الفارق الذي لايقاس بين عدة وعتاد المقاومة، وبين القوة الصهيو/ امريكية.
ولا أجد ما أقوله في هذا السياق، ومع مثل هؤلاء الكتبة، سوى قول: الشاعر، الجاهلي عمرو بن كلثوم," ألا لا يجهلنا أحد علينا/ فنجهل فوق جهل الجاهلينا".
إنها أللاعقلانية الصهيو/ أمريكية حين تفرض ظلها الكئيب على العالم، يصبح معه الاستعمار الاستشراقي هو قمة العقل والعقلانية والواقعية، وهنا تتحول حرب الإبادة إلى مجرد صورة عابرة في التلفاز سببها، "مقاومة مغامرةة!!.
هناك من يقرأ العقل والعقلانية، والتفكير العقلاني بمعزل عن القيم الأخلاقية والإنسانية الكبرى، كما هي في بعض اتجاهات التفكير الرأسمالي الإمبريالي، التي تخدم مصالح، المجمع الصناعي العسكري/ المالي”, في صورة كتابات البعض التي تحاول أن تفصل العقل والعقلانية عن القيم الأخلاقية وعن المبادئ والقيم الإنسانية الكلية، متجاوزة “الميكافيلية”، إلى الفاشية، والنازبة في طبعتهما المعاصرة، في التفكير، وفي الدفاع عن المصالح الصغيرة الهوياتية، والخاصة جدا، من خلال منطق تفكير تعسفي، يلوي عنق حقائق الواقع،, والتاريخ، لصالح أيديولوجيته، ويجاهد عبثاٌ، لفصل المنطقي عن الواقعي وعن التاريخي، وعن الإنساني وهو ما تمارسه بعض اتجاهات الكتابة الاستشراقية الاستعمارية التي يتبناها ويحاول الترويج لها- بعض الكتبة - في منطقتنا، وهم قلة قليلة- من الكتبة, لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة الذين لا يدخلون، أو لا يندرجون، ضمن منطق "القطيع"، حسب تعبيرهم الذين يعيشون حالة اغتراب فكري، ونفسي، ووطني/ قومي، بل واغتراب إنساني عن ذواتهم وعن واقعهم ، وعن تاريخهم، فقط، مصالحهم الذاتية الصغيرة، ولا ملاذ أوخلاص لهم إلا في مواطن الاستشراق في معناه الوجودي/ الجغرافي والأيديولوجي الاستعماري، وفي كلامي في السياق المذكور والمبحوث، تبعيض وليس تعميماٌ اجتماعياٌ/ لغوياٌ/ فكرياٌ .
وللحديث صلة مع كل تطور في هذا الشأن، إن شاء الله.
#قادري_أحمد_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الفلسطينية في الواقع وفي الخطاب الإستشراقي 1-2
-
المقاومة الفلسطينية بين الببطولة والنقد الخائن 3-3 الحلقة ال
...
-
المقاومة الفلسطينية بين البطولة والنقد الخائن 1, 2 من 3
-
محمد المساح إنسان فوق العادة
-
الثورتان اليمنيتان سبتمبر وأكتوبر الحلقة الثانية 2-2
-
جدلية السياسي والتاريخي في الثورة اليمنية 1-2
-
اليمن التاريخ والهوية الحلقة الأخيرة 4-4
-
لمناسبة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة الحلقة الأولى 1 -2
-
لمناسبة8 مارس يوم المرأة العالمي الحلقة الثانية والأخيرة
-
اليمن التاريخ والهوية 3-4
-
اليمن التاريخ والهوية الحلقة 2-4
-
عن الكتاب والدولة العميقة والثورة
-
النظام العربي المتصهين مشارك بالصمت في حرب الإبادة ضد الشعب
...
-
فصل المقال في القضية الفلسطينية وفي التطبيع
-
- حقيقة التطبيع من السادات الى محمد بن سلمان الحلقة الثانية
...
-
حقيقة التطبيع من السادات الى محمد بن سلمان 1-2
-
الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م، وتحدياته
-
المقاومة الفلسطينية في مواجهة حرب الإبادةوالتهجير والعنصرية
-
القضية الفلسطينية على مذبح التصفية السياسية والعسكرية
-
ثورة 14 أكتوبر بين الكفاح المسلح والتسوية السياسية 2-2
المزيد.....
-
بروس ويليس في صور عائلية -مؤثرة- بمناسبة عيد الشكر
-
إصلاح كابل اتصالات يربط بين فنلندا وألمانيا بعد انقطاعه في ب
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ غارة جوية أخرى على جنوب لبنان
-
فيديو يظهر لحظة دخول قوات المعارضة السورية مدينة حلب
-
روسيا تواصل جمع البيانات حول استخدام كييف للأسلحة الكيميائية
...
-
فالنسيا تبدأ عملية إزالة 120 ألف مركبة تضررت جراء فيضانات إع
...
-
المعارضة السورية تسيطر على أحياء بحلب
-
يزن الجبوري: القبض على السياسي العراقي بعد تسريب فيديو نٌسب
...
-
عشرات القرى يحظر على اللبنانيين العودة إليها في جنوب لبنان
-
مجلس التعاون الخليجي: لماذا تأسس؟ ولماذا لا يضم العراق واليم
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|