|
ف2غ من كتاب أ. د. ديان ميروفيتش كوسوفو فلسطين نظام ترابط الأزمات، الحلقة العشرة (الأخيرة)
جعفر عبد المهدي صاحب
متخصص أكاديمي في شؤون منطقة البلقان
(Jaffar Sahib)
الحوار المتمدن-العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 08:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش، الحلقة العاشرة (الأخيرة) هل حقاً أن الناتو يحمي الإسلام والمسلمين ويدافع عنهم في منطقة البلقان ! وبنفس الوقت الصهاينة يذبحون الأطفال ويقتلون النساء والشيوخ ويكسرون عظام الشباب في فلسطين. لقد نشرنا تسع حلقات من الفصل المذكور وهذه هي الحلقة العاشرة منه. ولابد أن نذكر في مقدمة هذه الحلقة أن البروف الدكتور ميروفيتش له موقف مشرف تجاه قضيتنا المركزية وهي قضية فلسطين، رغم أنه تعرض للمضايقة داخلياً (صربيا تسعى للانضمام للمجموعة الأوروبية وهي لا ترغب اثارة مثل هذه الأمور) وبالإضافة الى ذلك أن موقفه قد أثار حفيظة السفارة الإسرائيلية في بلغراد حيث استدعته فرفض الاستجابة وتجاهل طلبها. الناتو يقدم نفسه كحامي حمى الإسلام في البلقان!!! صرح (ياب دي خوب سخفير) الأمين العام لحلف الناتو، في مارس 2006 بعد اجتماعه مع القيادة الأمريكية فقال: " لا زال الناتو فعال في كوسوفو، ومن المهم أن نبقى هناك لأن المفاوضات بشأن مستقبل الوضع القانوني للإقليم مازالت مستمرة . إن حلف الناتو قد أعلن تضامنه وحمايته للأغلبية الألبانية المسلمة وأن الناتو كما هو الحال في أفغانستان يمد يده للمسلمين في مناطق مختلفة من العالم وهذا هو المهم " . وقد أعدت مجلة ( دي زيت ) الألمانية تقريراً صحفياً عن كوسوفو وميتوخيا وفي شهر مارس أيضاً جاء فيه: " أمامنا حالة في العالم، الانطباع الأول يشجع على : قطعة ارض فيها (1.8) مليون مسلم، يطلقون على أحد شوارعهم بيل كلينتون، والذين يحبون الدنماركيين، وعموماً لا يهتمون بالصور الكاريكاتيرية للرسول محمد ( ص )" . في ابريل 2006 : قال مدير قسم دراسات أوروبا الشرقية في معهد ولسون في واشنطن(مارتين شليزنجر): " شكلت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، في موضوع الوضع القانوني لكوسوفو وميتوخيا توضيحاً منطقيا،ً إذ فسرت رغبة الحكومة الأمريكية التي حاولت أن تعمل شيئاً ايجابياً تقدمه لشعوب الدول الإسلامية، لكي نغطي على الحالة الكارثية في الشرق الأوسط" . إذن عندما نعرف مقدماً أن المفاوضات التي ستكون تحت إشراف اهتساري ستكون مسخرة، فقد استمرت طيلة عام 2006، وكان معظمها في فينا والتي ظهر فيها اهتساري صقيعاً بشكل جعله أن يقول: " إن الصرب مذنبون كشعب ". قال هذا الكلام أمام ليون كوهين مستشار الرئيس الصربي وعضو الوفد الصربي المفاوض. أصبح واضحا للجميع بأن الأمريكيين والبريطانيين أعلنوا في نوفمبر 2006 بوضوح بأنهم إلى جانب استقلال إقليم كوسوفو وميتوخيا على العكس من موقف روسيا بوتين. تم إصدار دستور جديد بتوجيه من واشنطن وعبر عملائها والذين وضعوا كوسوفو وميتوخيا ضمن دستور صربيا، كجزء من سياسة ذر الرماد بالعيون، إذ توافق ذلك قرب بدء الانتخابات في صربيا. لأنهم يعملون بأن اختطاف كوسوفو بالقوة سيؤدي إلى نتائج وخيمة تنعكس على القوى الموالية للغرب في البلاد. إن كل تلك التحركات تريد أن تصنع توازناً مع مشكلة الشرق الأوسط. قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف دايان بات في مطلع يناير 2007: "إن كوسوفو وميتوخيا ينبغي أن تحصل على الاستقلال وهذا يكون نصراً للديمقراطية الإسلامية". وقالت مادلين أولبرايت وهي تعلق على إحراق دور العبادة الارثدوكسية من قبل المتطرفين الانفصاليين الألبان: " كانت هناك جوامع في السابق دمرت وهي مسيجة بالأسلاك، وألان جاء الدور للكنائس الأرثدوكسية" . البوسنة والهرسك دايتون 2: تستخدم الولايات المتحدة، وعلى بعد (100) كيلومتر خط جوي بين كوسوفو والبوسنة والهرسك، مبادئ ومعايير مختلفة تماماً (سياسية وقانونية). يشكل الصرب حسب المعلومات الأمريكية (37 %) من سكان البوسنة عام 2000 ( وفي جمهورية صرب البوسنة يشكلون 90%) لم يسمح لهم بإقامة دولة مستقلة في حين أن الألبان يشكلون اقل من (17%) من سكان صربيا والجبل الأسود عام 1991 يمكن لهم ذلك. لعل من ينظر إلى الموضوع نظرة خاطفة سيقول لا يوجد تعليل منطقي لهذا التناقص ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع في إطاره العولمي عند ذاك سنرى بوضوح لماذا اتخذت واشنطن موقفاً كهذا. ظهرت الولايات المتحدة منذ بداية القرن الحادي والعشرين بأنها"حامية الإسلام في البلقان". وكذلك فعلت في البوسنة والهرسك. ( ومن الملفت للنظر حقيقة أخرى هي وجود كروات البوسنة الذي يشكلون (14 %) من مجموع السكان هم ضد وحدة البوسنة والهرسك وهم يرغبون بإقامة دولتهم التي يطلقون عليها هرسك-بوسنة). إذن فرضت واشنطن قيام دولة البوسنة خلافاً لكل مبادئ الديمقراطية لأن ذلك ضد رغبة أكثر من ( 50%) من السكان والذين لهم رأي في التنظيم الداخلي للدولة. مناورة في الإحصائيات: تمتلك المؤسسات الصربية في البوسنة والهرسك واحدة من المعلومات المهمة جدا تقول بأن في مرحلة ما بعد الحرب لم تجر إحصائيات سكانية للبوسنة والهرسك. ولو جرت مثل تلك الإحصائية لانكشفت حقيقة يجري التعتيم عليها وهي أن الصرب يشكلون أكبر نسبة من ضحايا الحرب الأهلية لأنهم واجهوا قتالاً جماعياً في إقليم الفدرالية. ستكون هذه الحقيقة مهمة بالنسبة لمن يقارنها مع الوضع في كوسوفو وميتوخيا. وهناك في كوسوفو أيضاً لم تجر إحصائية سكانية، ولم يعرف بالضبط كم هو عدد الألبان في الإقليم. وهذا يفسح المجال مرة أخرى للمناورة الأمريكية لأن واشنطن تعمد إلى تضخيم عدد الألبان في كوسوفو وميتوخيا. وفيما إذا لو أعلنت الإحصاءات السكانية رسمياً في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو وميتوخيا عند ذاك من السهل أن يقترب عدد الألبان في كوسوفو وميتوخيا من عدد الصرب في البوسنة والهرسك. عند ذاك يطرح السؤال من جديد: على أي أساس يحق للألبان في إقامة دولتهم ولا يحق للصرب نفس العمل ؟ ترتيب البوسنة: لم يكن تزامن الأحداث صدفة، فعندما بدأت واشنطن في بث التوتر في البوسنة والهرسك فإنها في نفس الوقت نشطت في تفعيل فتنة مستقبل الوضع القانوني لكوسوفو. هكذا أصبحت مسالة قادة صرب البوسنة، كاراجيتش وملاديتش من جديد القضية العالمية الرئيسة وبشكل لا يتناسب مع الأهمية العالمية للأحداث التي وقعت في البوسنة . على سبيل المثال وضعتهما وسائل الإعلام الغربية عام 2003 ( أي ملاديتش وكاراجيتش) بمرتبة واحدة مع "صدام حسين المختفي وابن لادن غير المقبوض عليه" في حين أن هذه المقاربة غير صحيحة ولأسباب واضحة لا تتطلب الحديث عنها بإسهاب.فكيف يمكن ذلك؟ لقد كان لصدام حسين تأثير مهم وكبير في العالم العربي (ويمكن الأكبر بعد عبد الناصر وخصوصاً عندما أصبح ضحية للمطاردة الأمريكية). أما بن لادن فقد نجح في تنفيذ أول أكبر هجوم على الأرض الأمريكية بعد أكثر من (200) سنة (منذ الهجوم على واشنطن عام 1812). لم توضح وسائل الإعلام الغربية كيف يمكن المقارنة بينهم. المهم في الموضوع أن التشابه المصنع الوحيد هو : وكما تذكر وسائل الإعلام الغربية "في هذه اللحظات ترغب واشنطن أن تظهر، للعالم العربي خصوصاً بأن القانون الدولي لم يستخدم فقط في حالة أفغانستان أو العراق " . لذا حاول نيكولاس بيرنس أن يؤثر على مشاعر العالم العربي وبشكل يساعد على امتصاص الغضب والكراهية تجاه الولايات المتحدة، وبعد إلقاء القبض على الرئيس العراقي صدام حسين) فقال في هذا الصدد: "بعد صدام حسين فأن كاراجيتش وملاديتش على الدور ". وقد صرح هولبروك عدة مرات بأقوال من هذا النوع كقوله: " لا يمكن للاستقرار أن يستتب بدون حبس أسامة بن لادن وصدام حسين (الأوروبيين)". ويقصد كاراجيتش وملاديتش. وأقدمت واشنطن تحت غطاء هذه الحملة الإعلامية الغربية وبصورة خادعة ومنافقه في اتخاذ بعض الخطوات لاستغلال هذا الحدث من أجل تعديل اتفاقية دايتون. ( نشير،قبل كل شيء،أن هذه الاتفاقية من تأليف الأمريكيين وليس غيرهم). يرى مثلاً "باحث" من الولايات المتحدة من أمثال رئيس ما يسمى حركة دايتون للسلام، الأستاذ(بروس هيتشز) بان: "إن المحتوى الاجتماعي السياسي لاتفاقية دايتون قد تجاوز إطاره الضيق الخاص بالسلام. وإن الخداع الذي حصل في أثناء -بوسنة دايتون- لا يمكن أن ينتج لبنة مقبولة يمكن تقبلها ضمن البناء الأوروبي، من دون أن يجري ترقيع إضافي للمعاهدة، باعتبارها مشروعاً أمريكياً، والمطلوب الآن أن يجري التغيير على الصياغة فقط،على سبيل المثال، تشمل التغيرات توسع صلاحيات الحكومة المركزية في سراييفو. ولقد انشغل بال واشنطن بقضايا عالمية أخرى وبقيت الأمور على ما كانت عليه غرب البلقان. إن المصلحة الأفضل لحكومة واشنطن أن تنتهي الأمور المتعلقة بالبوسنة. ولا يمكن لإدارة بوش هذه أن تعزل نفسها من عملية بناء الأمة البوسنية، ذلك الهدف الذي شاركت الولايات المتحدة بانطلاقه في البداية وضحت من أجله، فلابد أن يستكمل الآن، إذ لا تعرف كيف ستكون النتائج من غير مساهمتها" . لقد أوصى قائد قوات الناتو في البوسنة الجنرال الأمريكي (ستيفين شوك) أن يكون جيش واحد في البوسنة والهرسك ولا يريد بقاء جيش جمهورية صرب البوسنة . وصرح سفير الولايات المتحدة في البوسنة (دالاس ميكخلين) عام 2005 بأنه لابد من إنهاء عملية توحيد البوسنة والهرسك وإزالة جيش وشرطة صرب البوسنة. في حين نظم معهد واشنطن للسلام حلقة نقاش بشأن البوسنة والهرسك، وفي هذا اللقاء قال (دونالدهيز) -المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية- بأن اتفاقية دايتون للسلام قد تجاوزها الزمن . وقد أوصى السياسي الذي يقود عملية استقلال كوسوفو وميتوخيا نيكولاس بيرنز بأن تكون البوسنة والهرسك دولة موحدة . السلابون*: لقد تعددت المخادعات ووصلت الحالة إلى أسوء أنواع السلب تلك التي حدثت في يونيو عام 2005، وذلك عندما تلاعبت واشنطن وبطريقة غير شريفة بإعداد القتلى في سريبرنتسا. (لقد استخلصت واشنطن جريمة الحرب هذه من سياق الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك، وعاودت الصمت عن بقية جرائم الحرب التي ارتكبت من بقية الأطراف خلال حرب 1992 - 1995). وهكذا تعمل الولايات المتحدة وفق مصالحها العالمية معتمدة على طرح الصورة من طرف واحد وتختلق حولها الأكاذيب. كان دور واشنطن وحلفائها موجها بشكل خاص من أجل النفاق فقد تزايد نشاطها في يونيو عام 2005 وقد تزامن هذا التاريخ مع الاحتفال بالذكرى السنوية لضحايا (بوتشاريما) من الصرب وهي من قرى البوسنة وقعت فيها معارك طاحنة أثناء الحرب الأهلية. ويقصد من ذلك التحريض لحرب جديدة في البوسنة ومن أجل التغطية على جرائمهم في الشرق الأوسط. ولكي تكتمل المسخرة فأن السياسيين الأمريكيين والبريطانيين(بول وولفيز و جيك سترو) وبدون حياء قدما أنفسهما "كحماة للإسلام" في بوتشاريم. ولهذا السبب فإنهما اتهما الصرب ظلماً وافتراءً بارتكاب الجرائم. وساعدهم في هذا التلفيق (تيودور ميرون) الدبلوماسي الصهيوني السابق وممثل إسرائيل في الأمم المتحدة (وبهذه المرة جاء دور رئيس المحكمة الدولية الخاصة في لاهاي) والذي أوصى عبر لاقط الصوت بأن الصرب مجرمون ومدانون لقيامهم بأعمال الإبادة مع وجود اشدون و هولبروك في هذا الملتقى. كان يتابع هذا المشهد الغربي ممثلو البلدان العربية والإسلامية، من بينهم وزير الشؤون الإسلامية السعودي ومساعد وزير الخارجية الإيرانية. ووصلت الضجة التي خلقتها وسائل الإعلام العالمية المتنفذة مرة أخرى إلى مستوى مرحلة التسعينيات وأعلنت بأن عدد القتلى (في الطريق من الغرب للشرق الأوسط) حسب نظام المحاكم الخارجية، تم تضخيمه عدة مرات. وقد قدرتها (عرب نيوز) السعودية (000 10) قتيل مع إدانة برلمان صربيا وطالبت بمعاقبة كل مجرمي الحرب وقد تناست ما أحدثته (العاصفة ، الخاطف ، براتونس ، كليتشكا وغيرها من العمليات)* على أراضي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية السابقة . إذن ينبغي النظر إلى الجرائم التي ارتكبت ضد الصرب وليس فقط بما حصل في سريبرنتسا . أخذت وسائل الإعلام السعودية تلقن نفسها ذاتياً بالأكاذيب والافتراءات التي تنشرها واشنطن، ولم يتردد السعوديون في تسويق التخرصات الأمريكية حتى وصل الأمر أن تتهم كل الشعب الصربي بالإجرام وعدم السماح له بالدفاع عن الاتهامات الخطيرة التي نسبت إليه. لقد عاد تصعيد الغضب ضد الصرب من جديد في كل العالم العربي والإسلامي. مطاردة صرب البوسنة: قام هولبروك بالتحريض لمطاردة المتهمين بالإضافة إلى اتهامه الكنيسة الأرثدوكسية بحجة تعاونها الإعلامي مع الشياطين من قادة صرب البوسنة الذين يمارسون الاضطهاد. وأعلن جورج بوش مطالبته بإلقاء القبض على قادة صرب البوسنة. وبهذا قامت الإدارة الأمريكية بنشر أكاذيبها لتضخم ما حصل في الحرب الأهلية بالبوسنة وبشكل تجعله يفوق على ما حصل من جرائم الإبادات الجماعية التي ارتكبها واشنطن في فيتنام ولبنان والعراق وأفغانستان وفلسطين ورواندا. في سبتمبر 2005 : قامت وسائل الإعلام البريطانية بوصف الأعمال الإرهابية التي حصلت أثناء تفجيرات لندن بأنها تساوي أعمال قادة صرب البوسنة. إذ إنها تهدف بذلك إلى تحريض كل المسلمين ضد الصرب، ولتقول للعرب أن عدوكم الأول صربيا وليس الغرب الذي " دافع " عن المسلمين في البوسنة . عادت مطاردة الصرب خلال خريف 2005. وفي أكتوبر سنة 2005 صرح هولبروك قائلاً: " سوف تحرك الوزيرة كوندوليزا رايس وفريقها سلسلة من النشاطات التي من شأنها تقوية البوسنة والهرسك ( هذه الإجراءات سميت "دايتون 10 ") . نظمت كوندليزا رايس في نوفمبر 2005 "اتفاقاً" في واشنطن بين الأطراف الثلاثة. وأعربت الوزيرة الأمريكية عن رغبتها في تعديل اتفاقية دايتون وذلك بهدف زيادة قوة السلطة المركزية في البوسنة والهرسك وقالت: " أظهرت الدولة ضعفها بسبب تقسيمها وأن اتفاقية دايتون كانت ملائمة للأوضاع التي كانت سائدة عام 1995 ولكن في عام 2005 فأن البلاد بحاجة إلى تقوية مركزية الدولة". وقد أوضح نيكولاس برينز بان: " الولايات المتحدة لا تتحمل إلا أن ترى الجميع مواطنين بوسنيين". روجت وسائل الإعلام الغربية مقدماً لسياسة واشنطن وكالعادة، كما هو الحال في أزمة كوسوفو، فكتبت "(النيويورك تايمز) مقالاً قالت فيه: "أصبحت اتفاقية دايتون تقف حجر عثرة أمام تقدم البوسنة" وذلك لعدم وجود سلطة مركزية فعالة " لذا أوصت سكان البوسنة أي الصرب والكروات بأن أول خطوة مطلوبة منهم هو تقبلهم فكرة مستقبلهم الموحد الذي ينتظرهم والمتمثل في توحيد أنشطتهم في ظل سلطة مركزية" . وبدأ "الخبراء" الأمريكيون بصياغة دستور جديد للبوسنة والهرسك والذي كان مخطط له أن يعتمد عام 2006 . وقد نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية الخطة التي أطلقت عليها اسم "دايتون 2" . وتتضمن هذه الخطة إنهاء الكيانات وإقامة سلطة مركزية قوية، ورئاسة وزراء، وإنهاء مجلس الرئاسة الثلاثي، وتخفيض حقوق المؤسسات القومية وزيارة الحقوق الفردية (أي تفضيل أكثر الشعوب عدداً في البوسنة والهرسك). وأضافت ( الغارديان ) أن مبدع (دايتون 2) أي مصمم البوسنة من الداخل هو الدبلوماسي الأمريكي دونالد هيز "الباحث" في معهد بروس هايتشنر. وقد صرح السفير الأمريكي ميكليخيني في ديسمبر 2005 بأن البوسنة والهرسك يجب أن تكون "صوت واحد" من أجل أن تتوحد مؤسساتها أكثر مما هي عليه أما دولاند هيسز فأوصى "بأن دور الدولة يجب أن يكون قوياً . الدمى: أعلن بأنه سيعين في نهاية العام ممثل سامي جديد للبوسنة والهرسك (كريستيان شوارتس شيلينلغ)، وهو واحد من جوقة الموظفين الفاسدين لدى ما يسمى المجتمع الدولي . لقد نال سوارتس شيلينغ منذ ديسمبر، أي قبل تسمية لإشغال هذا المنصب، دروساً في الطاعة الأمريكية، ولكي يكون مستمراً بهذه الوظيفة لوقت طويل عليه أن يعمل من أجل تحديد صلاحيات الكيانات ويعطي لهذه المسالة أولوية في عمله الجديد وأن لا يسمح بأن تكون جمهورية صرب البوسنة أداة لسياسة بلغراد أو " اليد الضاربة " الصربية . إن شدة شوارتس شيلينغ لا يظهرها عندما يطلب منه توضح وجود منظمات المتطرفين الوافدين إلى البوسنة والهرسك من الشرق الأوسط. إن موضوع كهذا يتم ترتيبه من قبل الدوائر التي لها مصلحة بذلك . لقد اثبت شيلينغ بأنه منافق . أحداث البوسنة والهرسك خلال عام 2006: استمرت في يناير 2006 الإجراءات التي تهدف إلى إنشاء البوسنة والهرسك من الداخل. ففي بداية هذا العام حث السفير الأمريكي(داغلاس ميكليخيني) على الاتفاق بشأن طرق تبادل المسؤوليات بين عمل البرلمان ومجلس الرئاسة في البوسنة والهرسك. واتصل نيكولاس بيرنس، خلال الاجتماع المنعقد في يناير بسراييفو، بالمجتمعين هاتفياً وضغط عليهم (وكان ممثلو الكروات أيضاً ضد إعادة صياغة تشكيل مجلس رئاسة البوسنة والهرسك) . لقد تمثلت هذه المهزلة في اتصال السفير الأمريكي (ميكليخيني) الذي وجهه إلى المجتمعين بأسلوب مخاطبته الغريب إذ قال: "على الأغلب لم تسمعوا بأن أسعار النفط قفزت اليوم مرة أخرى وأن السيد نيكولاس بيرنس بالرغم من كل مشاغله لكنه يمتلك الوقت للجلوس معكم، الآن سوف تتناقشون معه" وانتهى بالقول " الآن ستتم التعديلات لصياغة الدستور بوجود المختصين المحليين والأجانب وبمساعدة الأمريكيين . بدأت المحكمة الدولية النظر في قضية اتهام جمهورية يوغسلافيا الاتحادية بجرائم الإبادة في البوسنة والهرسك (المحكمة برئاسة قاضي بريطاني) فقدمت الشكوى منذ عام 1993 ولكن لم يفصل في الوقت المحدد الاعتيادي (8) سنوات بل أعلن إن توقيت إصدار الحكم بداية 2006. وذهب المندوب السامي البريطاني( بيدي أشدوان) إلى برلمان البوسنة والهرسك وطلب تبديل الدستور. أما السفير البريطاني (ميتايو رايكروفت) فقد دعا إلى إلغاء الكيانات من أجل إلغاء شرطة صرب البوسنة وهي شبه نداءات الحرب خلال تسعينيات القرن الماضي. أوصى مفتي البوسنة (مصطفى سيريتش) رئيس الوزراء (حارس سيلاجيتش) قائلاً: "يا حارس إذا كنت تريد أن تدعمنا وتقدم أفضل خدمة للبلد فعليك أن تعمل من أجل أن تكون البوسنة والهرسك من غير كيانات. اكتب دستور البوسنة والهرسك، بهذا الشكل عندها ستذكرك الأجيال كما تذكر محمد الفاتح وغازي خسرو بيك وعلي عزت بيغوفيتش . قام (مارتين شيلزنغر) ، مدير معهد دراسات أوروبا الشرقية، في ابريل عام 2006، بذكر المصالح الحقيقية للولايات المتحدة بالبوسنة، إذ يقول إن البوسنة واحدة من علائم إدارة بوش العالمية. وبذلك أن متابعة تغيير الدستور وتقوية سلطة الدولة في الداخل ممكن أن يكون واحدة من الوسائل التي نكسب بها العالم الإسلامي . وبعد مده قصيرة فاز خلال انتخابات أكتوبر عام 2006 المتطرف حارس سيلاجيتش، وهو يسير على تلك السياسة التي وصفتها الكلمات التي قالها الحسين عماد أبو حمزة المحارب الذي ساهم في الحرب البوسنية والذي كان في السابق ضمن فصيل المجاهد. فقد صرح في أكتوبر عام 2006 قائلاً " إن حارس سيلاجيتش الرجل الوحيد في البوسنة والهرسك الذي نستطيع التحدث معه. يستقبلنا في أي وقت ونطلب فيه الحديث معه. وهو يعتبرنا من مواطني البوسنة والهرسك بشرط أن لا نخرق القانون وهو مستعد أن يدافع عنا إذا حاول أحد أن يعتدي على حقوقنا . جوهر المشكلة: لقد حلل الدكتور- دايان جونستون وهو أستاذ جامعي سابق وصحفي- أحداث البلقان قائلاً: " ساعدت الولايات المتحدة مسلمي البوسنة في عام 1992 ة من أجل تقوية العلاقة الجيوستراتيجيه لواشنطن مع الدول الإسلامية الغنية بالنفط . ورغبت واشنطن بالتظاهر بأنها لا تود تخريب علاقتها مع إسرائيل ولا الحرب على العراق عام 1991 ولم تتردد في دعمها المسلمين الآخرين، وإيجاد دولة واحدة مسلمة في البلقان باستطاعتها أن تساعد على تكسير العزلة الحقيقية المفروضة على إسرائيل الدولة الدينية الوحيدة في أقصر فترة ممكنة". وكتب( ويلي ويمير) نائب رئيس البرلمان في مجلس التعاون والأمن الأوروبي قائلاً: " إن كثير من الأمور تتحدث بأن وضع الأمريكيين في البلقان هو نوع من أنواع التعويض لما يحدث في الشرق الأوسط" . ونشرت الكاتبة الأمريكية(يوليا غورين) مقالاتها في(الواشنطن تايمس) و (لوس انجلس تايمز) و (يفريسكا رفيا) إذ قدمت من خلالها تحليلاً دقيقاً حول "جوهر الحقيقة في البلقان " دون أن تتدخل عاطفتها فذكرت الحقائق كما هي ولم تخف الأسباب الحقيقية لأزمة البلقان التي تراها حصلت من أجل الكسب الرخيص ولغرض التستر على جرائم الحرب الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط. وتعترف غورين بان الولايات المتحدة الأمريكية ودول الوحدة الأوروبية وحلف الناتو يصفون حساباتهم تحت الطاولة مع منظمة القاعدة في البلقان والقارة القديمة، لأنهم حسبوا الحساب لأن الخسارة السياسية التي تأتي من جراء الهجوم على صربيا هي أقل من الحساب العام مع المسلمين في كل أرجاء العالم. لماذا الصرب حصلوا على لقب الشعب الذي ارتكب الإبادات الجماعية في حين أن جيش سراييفو في البوسنة والألبان في كوسوفو تم اعتباره أبرياء من ذنوب الحرب". وترى غورين أن الغرب بخططه الإمبريالية الضيقة ينظر إلى الوطن العربي منبع الطاقة الرخيص غير الناضب والسوق الاستهلاكية لمليار من البشر(يتبعهم المسلمون غير العرب) واليد العاملة الرخيصة. ولم يرغب الغرب أن يجد أمامه مليار مقاتل إسلامي غاضب لأن ذلك سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. ولذلك لا يرغب الغرب أن يعلن الحرب علناً ضد الإسلاميين لا في البوسنة ولا في كوسوفو، لذا فإنه مستعد أن يحمل الذنب في رقاب عشرة ملايين من الصرب ليكسب عواطف مليار من البشر. وبالنسبة للرئيس بوش فأن الحرب ضد العالم العربي* سيكون مشروع مجازفة كبير، بينما الحرب ضد الشعب الصربي يعد صراعاً أقل حدة و لا يترتب من ورائه سوى مجازفة بسيطة. وحسب رأي غورين فأن الولايات المتحدة تسلك سياسة متناقضة تجاه صربيا و كوسوفو، لأن الحرب ممكن أن تحدث في كوسوفو وهذا الأمر لا يحتاج إلى أدلة من وزارة الخارجية الأمريكية وجهاز المخابرات المركزية والمنظمات غير الحكومية. وتختتم غورين القول أطمئنكم بأنه في حالة التطرق إلى البلقان أو صربيا فأن إسرائيل دائما موجودة بوضوح في الصورة. وذلك أن مشكلة الأمريكيين مع الفلسطينيين ممكن أن تكون أكثر تعقيداً من مشكلة الصرب مع البوشناق والألبانيين .
#جعفر_عبد_المهدي_صاحب (هاشتاغ)
Jaffar_Sahib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش، كوسوفو فلسطين نظام ترابط الأزم
...
-
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش، كوسوفو - فلسجين نظام ترابط الأ
...
-
فصل من كتاب كوسوفو فلسطين الحلقة السابعة
-
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش: كوسوفو فلسطين، نظام ترابط الأز
...
-
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش - الحلقة الخامسة
-
فصل من كتاب د. ديان ميروفيتش - كوسوفو فلسطين نظام ترابط الأز
...
-
فصل من كتاب - الحلقة الرابعة
-
الحلقة الثانية: الإسلام وفق الفهم الأمريكي :
-
الحلقة الثالثة: فصل من كتاب دايان ميروفيتش هبوط سعر النفط خل
...
-
الحلقة الأولى: فصل من كتاب (كوسوفو فلسطين – نظام ترابط الأزم
...
-
عندما تتناغم القيادة الحكيمة والتجاوب الشعبي جمهورية صربيا ن
...
-
من أوراق مذكراتي الليبية - موقف محرج ومهلك من الوزن الثقيل
-
وداعاً أيها المفكر والأكاديمي والمناضل اليساري والناقد الأدب
...
-
رحيل مفكر عربي كبير وأستاذ جامعي مرموق
-
مداخلتي في ندوة الحوار الديني والإنساني
-
في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الخالد مظفر النواب
-
درس في المعاملات - كيف تقلب عدواً الى صديق؟
-
الذكرى الثانية عشر لرحيل العلامة الأستاذ الدكتور فوزي رشيد
-
حذاري من مستنقع الطائفية البغيض هل صحيح أن سفير العراق في صر
...
-
من عشاق اللغة العربية البروفسور الصربي د. رادى بوجوفيتش
المزيد.....
-
شاهد.. أمريكية تستعرض مهاراتها وتوازنها بأداء رقصة الشمعدان
...
-
السعودية تتسلم مواطنا مطلوبا دوليا لمحاكمته بجرائم فساد من ر
...
-
أردوغان: تطورات المنطقة تفرض علينا الانتقال إلى نظام عالمي أ
...
-
وزارة الدفاع الروسية تعلن تدمير 10 صواريخ -أتاكمز- و3 راجمات
...
-
مراسلنا: أكثر من 50 قتيلا باستهداف إسرائيلي لمنزل في مشروع ب
...
-
مصادر عسكرية تكشف لـRT تعداد قوات الجيش اللبناني التي ستنتشر
...
-
بوريل معترفا: الصراع في أوكرانيا سينتهي بمجرد وقف المساعدات
...
-
بوريل يعلق على الهدنة بين لبنان وإسرائيل
-
منظمة دولية تدعو أوكرانيا إلى التخلي عن الألغام الأمريكية ال
...
-
بولتون عن ترامب: كلام الليل يمحوه النهار
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|