من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية -عن منتديات يساري - 11
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 27 - 02:33
الحلقة الحادي عشر
ما هي حقيقة مايريده غورباتشوف ؟
لقد ثبت ما لغورباتشوف من دور هام في التطورات التي حدثت في دول أوربا الشرقية من خلال دعمه العلني لليبراليين البرجوازيين الذين تسلموا زمام الأمور إثر التغييرات الدموية و غير الدموية. كيف لغورباتشوف أن يتكلم باسم الاشتراكية من جهة، و يدعم سلطات الثورة المضادة من جهة أخرى؟ و هذا بمثابة لغز بالنسبة للكثير من الناس. حتى إن البعض حاول بالاعتماد على التحليلات العلمية جداً (!) فهم و إفهام ماهية ((مفهوم غورباتشوف الاشتراكي)) و الأكثر من هذا كانت لفظة ((اللينينية)) التي لم ينزلها غورباتشوف عن لسانه، كافية للإمعان في هذه الأخطاء. ما شوهد من خلال هذا، و من تقييم غورباتشوف أن الاستشهاد بلينين في كل طرح سياسي رأسمالي إصلاحي، أو استخدام كلمات مثل ماركسية لينينية اشتراكية ... في كل حديث لن يوصل إلى مكان. الحياة تعطي دروساً عميقة جداً، و هي أكبر معلم. و لفهم الشخصية البورجوازية لسياسة غورباتشوف ثمة ضرورة للنظر إلى التطورات الجارية و العلاقات و المتناقضات المنتجة بشكل متكامل بالدرجة الأولى، أي إلى الحياة نفسها. كلما توضحت التطورات المادية و المواقف العملية إزاء هذه التطورات تتبلور البنية النوعية و شخصية هذه التطورات أكثر. و تبرز الهوية الأوضح ((لحقيقة ما يريده غورباتشوف)) شاخصة على مرأى العالم(*).
لقد وصل غرباتشوف إلى المرحلة التي حضّر لها منذ فترة طويلة، و حقق عبرها هدفه بنسبة كبيرة. الأفكار التي كانت تخبأ بين السطور، و تذكر من خلال الأحاديث غير الرسمية طرحت بوضوح في اجتماع اللجنة المركزية الذي سبق المؤتمر الثامن و العشرين للحزب. نحن نؤمن أن الوجه الرأسمالي الإصلاحي لنهج غورباتشوف لم يظهر بشكل واضح إلى هذا الحد في أية مقالة أو أي حديث حتى تاريخه .
إذا استجمعنا ما وصلت إليه المرحلة بخطوطها العامة نجد حزباً شيوعياً لا يناضل ضد التيارات البرجوازية التي أصبحت أقوى، بل على العكس ينكر دوره الطليعي ويعطي لهذه التيارات إذناً بالتنظيم، و سلطة تقوي البرجوازية من خلال كافة الإجراءات التي تتخذها على الصعيد الدولي و تخون حروب التحرر الوطني، و تصفق للثورات المضادة في الدول الاشتراكية، و تدوس الأممية بالأقدام. عندما يقيّم نهج غورباتشوف على ضوء الحقائق المعاشة سيفهم أنه تيار أيديولوجي بورجوازي، ويتوافق مع الاشتراكية الديمقراطية بمضمون مناهض للاشتراكية .
حركة الاتحاد السوفيتي بقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي وفق منظور اشتراكي ديمقراطي و تنظيم الإصلاحات الرأسمالية بخطوات سريعة لا تعني دخوله المعسكر الرأسمالي في هذه المرحلة، و إن الانحراف نحو تقييم كهذا، أو على الأوضح، الابتعاد عن الفهم العميق للجدلية المادية يعني ممارسة السياسة في المياه الإقليمية اليمينية. و يحمل التكوين نفسه في عدم وصول غورباتشوف إلى هدفه الحقيقي بأي شكل من الأشكال على الرغم من حصوله على سيطرة قيادة اشتراكية ديمقراطية في حزب شيوعي، و عدم سقوط الاتحاد السوفيتي في وضع ألبانيا و رومانيا، و تشيكوسلوفاكيا. هذا التكوين هو امتلاك الاتحاد السوفيتي لمخزون و قيم اشتراكية بسلبياتها و إيجابياتها على مدى سبعين عاماً .
إن قول (يسير غورباتشوف على طريق الاشتراكية الديمقراطية لكنه لم يصل بعد)) أكثر صحة من قول (إنه لم يستطع الوصول بسبب القوى المقاومة)). و يفهم من التطورات السريعة للأحداث أنه يجب ألا يُعلق الأمل على القوى المضادة .
لضرورة خطه السياسي الاشتراكي كان غورباتشوف المطبق الطوعي للترميم الرأسمالي في البلد. و خطا على هذا الطريق خطوات هامة، و يقترب خطوة خطوة من هدفه الذي يتخذ من النموذج السويدي مثلاً له .
كان غورباتشوف عبر غلاسنوسته و برويسترايكاه على مدى خمس سنوات مشغولاً بتسهيل ما أمامه. في النقطة التي وصل إليها انطلق بشكل أقوى لحمل المكتسبات التي حصل عليها إلى مرحلة أكثر تقدماً، و فتح أوراقه. ليس ثمة ما هو مكتوب في هذه الأوراق ليوضع في خانة الاشتراكية .
ولكن من المعروف أن القصور الأيديولوجية التي بناها غورباتشوف بهذه الأوراق ستهدم عاجلاً أم آجلاً بعواصف حروب الشعوب المظلومة التي ستشنها على الإمبريالية و تجعلها هباءاً منثوراً. و الانتصارات التي سيحققها المعسكر الاشتراكي ستعرضها مرة أخرى ((للذاهب و القادم)) و للعدو و الصديق .
لا ننهي هذه الفقرة هنا، لأنه ثمة ما نريد إضافته
عندما تؤخذ بعين الاعتبار موقعية الاتحاد السوفيتي عالمياً، و أهميته استراتيجياً سيفهم بسهولة عدم فتح السياسة الرأسمالية الإصلاحية لغورباتشوف أمام تطورات الترميم الرأسمالي بخطوات سريعة في الاتحاد السوفيتي فقط. نعم لن تبقى الأضرار التي أوقعها غورباتشوف في الاشتراكية في حدود الاتحاد السوفيتي أكبر مواقع الاشتراكية. لقد صرف جهداً كبيراً لإكساب سياسته بعداً جديداً من خلال روابطها الخارجية و علاقاتها و تناقضاتها و وصل بنسبة كبيرة إلى هدفه كثمرة لخياراته السياسية على الصعيد الدولي. إن الأهداف التي وصل إليها غورباتشوف بدون شك جعلت الاشتراكية تدفع ثمناً غالياً، و جعلتها تخسر خسارة كبيرة، و قوت الإمبريالية على الصعيد العالمي مع نتائجها المادية .
(*) قال دبرتخوف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في 11 شباط 1990 في لقاء مع جريدة الملييت (استخدم غورباتشوف مصطلح التعددية الاشتراكية قبل عدة سنوات في أثناء لقائه مع مجموعة من المثقفين الفرنسيين)) لكن الغريب في الموضوع هو عدم تصريح غورباتشوف رسمياً بهذا، و انتظاره كل هذه الفترة، و استمراره بالتحضير في هذا الاتجاه بشكل سري .
هل تستطيع الإمبريالية تغيير أسسها عن طريق الإصلاحات ؟
تعتمد أفكار غور باتشوف حول الوضع الدولي على نظرية التقارب بين الاشتراكية والرأسمالية عن طريق الإصلاحات .
ستتقارب الاشتراكية والرأسمالية من خلال الإصلاحات المتبادلة . وسيجعل مبدأ (( التسابق السلمي )) مهيمناً على النظامين . وستنتج حلول مشتركة (( للقضايا العامة )) التي تعيشها الإنسانية . وستتبادل المتناقضات أمكنتها عبر الإصلاحات . وهكذا سيعيش العالم بمأمن بعيداً عن خطورة الحرب وسيتقدم بسرعة نحو الرفاه. يقترح هذا غورباتشوف، وفي أثناء ذلك يقول: الهدف هو الإنسانية ككل، وفي وجهة تحقيق التصالح بين النظامين على الصعيد الدولي لذلك تم الدخول قبل كل شيء في العمل من أجل إكساب الاشتراكية (حسب تعبيره) بنية ((إنسانية)). وقد أبرزنا سابقاً أن مفهوم ((الاشتراكية الإنسانية)) ليس إلا فتح الباب للرأسمالية. ومن أجل فهم التخريبات التي أحدثها هذا المفهوم في الاشتراكية، يكفينا استعراض الحقائق المعاشة.
إذا كان لسياسة التصالح بين النظامين قدمين فقد ثبت أن أولهما يمكن أن تتحقق بتخريب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية. حسن، ولكن كيف يمكن أن تصبح القدم الأخرى للتقارب بين النظامين حقيقة؟ أو بمعنى آخر، كيف ستدجن الإمبريالية؟ وهل يعمل غورباتشوف في هذه النقطة سوى تقديم النيات الحسنة و التمنيات، والأهم من هذا تقديم الإمبريالية بشكل لطيف في صفوف الاشتراكية، وتقويتها على الصعيد التكتيكي؟ جوابنا: لا، كبيرة جداً. لأنه من أجل تأييد هذه النظرية العبثية يجب الدفاع عن كون الإمبريالية خرجت عن إمبرياليتها. ليس ثمة طريق آخر. لكن غورباتشوف لايعمل هذا. إنه يدافع عن إمكانية تغيير أسس الإمبريالية عن طريق الإصلاحات، وعن طريق تحقيق ((إمبريالية بعيدة عن العسكرة)) و ((إمبريالية عادت عن الاستغلال))
(( لأن فكرة تغيير الإمبريالية من أساسها خديعة، و(نية حسنة) فيذهب ممثلو بورجوازية الشعوب المسحوقة خطوة إلى الوراء، ويمدحون الإمبريالية تحت ستار العلمية. في الحقيقة إن هذا (منطق) جميل )) (لينين - ص134)
هاهو منطق غورباتشوف. إنه ((منطق)) مديح الإمبريالية تحت غطاء العلمية. لكن قبل كل شيء يجب ألا ننظر إلى منطق غورباتشوف العلمي جداً (!) وكونه (في الحقيقة جميل) (!) بل إلى الحقيقة التاريخية للإمبريالية.
الإمبريالية هي المرحلة الأخيرة والذروة للرأسمالية، وبتأسيس رأس المال الاستثماري باتحاد الاحتكارات الكبيرة واقتسام أراضي العالم تصل إلى نهايتها. وهذا ماظهر في بداية القرن العشرين.
أو بقول أوضح، إن الإمبريالية هيه الرأسمالية التي بدأت بالتفسخ وعلى شفا الموت. والعصر الذي ظهرت في الإمبريالية هو عصر الدماء والحروب الطاحنة، وقد ولَّد حروب استعباد الشعوب والسيطرة واقتسام الأسواق، وهذا أسس الظروف المادية لانتصار ثورات البروليتاريا، وانتصرت هذه الثورات.
في أثناء تعداد لينين للخصائص العامة للإمبريالية من خلال عناصر وجودها المحددة لها، جابه المفاهيم المجردة للمضمون الحقيقي للإمبريالية في المرحلة التي عاشها. وانتقد بشدة هذه المفاهيم التي تشكل بمعنى من معانيها بدايات النهج الغورباتشوفي وأشار إلى منبعها، وإلى ما تخدمه هذه المفاهيم.
إن نظرية ما فوق الإمبريالية لكوتسكي المكتسبة جماهيرية واسعة في العصر الحالي تضيّق نظرة الطبقة العاملة، وتعكر نضالها. لأن كاوتسكي يقول في نظريته: إن إمكانية السلام متوفرة دائماً. وبالتالي يبعد النظر عن المتضادات في الصراع الطبقي. وقدم لينين هذه التنبيهات حول نظرية مافوق الإمبريالية :
(( إن إثارة الإحساس بوجود إمكانات السلام داخل الرأسمالية باستمرار يؤدي إلى إبعاد النظر عن المتناقضات الحادة ليومنا وقضاياه الكبرى، وإلهاء الجماهير بتوجيههم نحو آمال كاذبة لحلمية مافوق الإمبريالية في المستقبل. ليس في نظرية كاوتسكي سوى خداع الجماهير)) (المصدر السابق -ص143)
وبالشكل نفسه فإن فكرة ((استقامة)) الإمبريالية تعني التوجه إلى الأهداف الحلمية نفسها. لهذا السبب، وطالما استمرت الإمبريالية كنظام، فسيبقى الاستغلال والقمع والوحشية والصراع الطبقي بشكل لامفر منه.
بقي أن نضيف: لافائدة من إهمال حقيقة الإمبريالية كتكوين مادي، و عدم رؤية أبعادها الحقيقية، و تفريغها من محتواها. في تلك الفترة تم تحويل الحرب بين الماركسيين، و جعل الموقف المناهض للإمبريالية من أهم المواقف و خاصة أنه في تلك الظروف تحولت الحرب ضد الإمبريالية إلى مهمة أساسية و توضح خداع الجماهير بنظرية كاوتسكي حول ما فوق الإمبريالية، و وجهت هذه الجماهير .
إن الموقف الاشتراكي الشوفيني هذا سقط فيه مرتدوا الأممية الثانية و الاشتراكيون الديمقراطيون. الهدف بعد تشويه البروليتاريا و بقية الكادحين أن يقال: الإمبريالية تتطور، و تكتسب هوية سلمية، و تكتشف حيويات إمكانيات تقويمها، و حتى يدافع عن إمكانية تغييرها بالإصلاح .
ناضل لينين ضد هؤلاء دون كلل أو ملل، و بسبب إزالة ضغط السلطة المالية و التنافس الحر لفت النظر إلى الرجعية، و الاضطهاد الوطني الذي تنفثه الإمبريالية في كل مكان. لهذا السبب فالإمبريالية لا يمكن أن تكون تقدمية، و لا يمكن تسوية أسسها عن طريق الإصلاحات .
طرح هذه القضايا في عصر يرفع الإمبرياليون حدة عدوانيتهم على الشعوب المسحوقة، و حركات التحرر، و الدول الاشتراكية لا يؤدي إلا إلى تشويه وعي الجماهير المسحوقة، و إضعاف النهضة في وجه الإمبريالية .
يأخذ غورباتشوف نظريات كاوتسكي و بقية مرّتدي الأممية الثانية، و يسخنها كطعام بائت و يضعها أمام البروليتاريا العالمية. إن هذا يشبه الأطروحات المناهضة للماركسية اللينينية التي أدينت في ما مضى، إنه يفكر بالإمبريالية دون عسكرة و علاقات استعمار جديد، و إمبريالية ذات ((نية حسنة)) و يهدف إلى التعاون معها في كافة المجالات. يريد غورباتشوف تغيير أسس الإمبريالية بالإصلاحات. و يدعي أن هذا التعاون سينعكس على الساحة التقنية الاقتصادية، و بقدر ماتفتح الدول الاشتراكية أبوابها للإمبريالية، ستحل قضية السوق الإمبريالية و تزول شخصيتها العدوانية .
لهذا السبب فإنه بالنسة إلى غورباتشوف الحرب ضد الإمبريالية ليست حلاً. يجب تحقيق التعاون و التصالح. لهذا فإن غورباتشوف يعمل على كسر حدة الحيويات التي تبرز في مواجهة الإمبريالية، و يعمل على جعل المفهوم التصالحي الذي أرسى أسسه حاكماً .
بالطبع لايمكن تقييم مفهوم غورباتشوف هذا بمعزل عن الرؤية الإمبريالية للعالم. و في هذه النقطة يدافع عن التصالحية تحت غطاء ادعاءات فارغة مثل ((الحيلولة دون وقوع الحرب))،((الحيلولة دون إزالة العالم)). كأن غورباتشوف يكتشف الإمبريالية مرة أخرى، و تفرغ نظرية لينين حول الإمبريالية من محتواها و يقول: يمكن تحويلها إلى إمبريالية غير مضرة و غير عدوانية .
نقول إنه لا حاجة إلى العودة للماضي السحيق. يجب أن يذكرنا احتلال بنما ببعض الأمور. أينما كان هنالك قفزة تقدمية ثورية مثل نيكاراغوا و السلفادور و الفلبين و غرينادا، فهنالك تدخل إمبريالي. و عدم رؤية هذا عماء سياسي .
الإمبريالية ((حسنة النية)) و ((غير العدوانية)) ضرب من ضروب الخيال. العدوان و الاستغلال و الحرب و المجازر و الغزو و الوحشية من طبيعة الإمبريالية و هذه هي الخصوصيات التي جعلت الامريالية إمبريالية. لا يمكن لنا التفكير بإمبريالية دون هذه الأمور. لا يمكن لنا تفسير الحقائق المادية ((بالنيات الحسنة)). لنعد إلى لينينين مرة أخرى :
((.. إذا كان الإمبرياليون يتقاسمون العالم فهذا غير نابع من أحاسيسهم الخيانية، بل إن المستوى المكثف الذي وصلوا إليه هو الذي يدفعهم إلى هذا الطريق. يتقاسمون العالم ((الرأسمال)) حسب نسب قواهم، لأنه لا يمكن أن يكون ثمة قسمة من نوع آخر في وسط رأسمالي، و نظام إنتاج مادي)) (المصدر السابق –ص09) .
لهذا السبب فهم لا يقتسمون العالم دون أية أسباب، بل نتيجة صراع حاد بينهم. إن الكثافة الكبيرة للرأسمال المتوفر بين أيديهم يدفعهم إلى تصديره، و توجيه الربح إلى حده الأعلى. لهذا فإن كل فترة جديدة، يواجهون العالم بمداخلات جديدة تشبع توقهم للربح، و يستمرون بالاستغلال وفق أساليب جديدة .
إثر حرب الاقتسام الثانية، و بعدد خسارتها قسماً آخر من أسواقها عملت الإمبريالية على إيجاد تطبيق الاستعمار الجديد إلى جانب عسكرة الاقتصاد داخلياً. و كانت الحدود الضيقة للسوق الموجودة تدفعهم إلى عمل كهذا .
أما تجاهل كل هذا، و عدم تقييمه، و ادعاء أن الإمبريالية تغيرت أمر مضحك ؟ بقي إضافة أن المستعمرات شرط وجود الإمبريالية. لايمكن التفكير بإمبريالية دون استغلال. إن الاستعمار الجديد شكل السيطرة الإمبريالية الراهن، و على الرغم من خطورة ((الانفجار الاجتماعي)) يعتبر أسلوباً لزيادة الاستغلال .
يحقق التجييش و عسكرة الاقتصاد زيادة القوة في مواجهة المعارضة الاجتماعية، و مواجهة النظام الاشتراكي، و صناعة الحرب إلى جانب تخفيف ((الأزمات الاقتصادية)). و بقوة كهذه شمرت الإمبريالية لتعمل دركية العالم القوية .
استطاعت الإمبريالية المحافظة على ((ما بين أيديها)) بهذه الوحشية العدوانية. مع أنها دائماً تنتهز الفرصة لتهاجم المستعمرات الجديدة، و تدخل في احتلالات علنية، و الثورات المضادة من نتاج هذا الأمر. لم تنس الحرب القذرة في فيتنام، و لا احتلال غرينادا. يجب أن يبين لنا الكثير التدخل الوقح بهذه القوة الهائلة في أية منطقة من العالم حيث توجد نهضة .
لهذا فالإمبريالية لا تستطيع ترك التجييش لأنها ترى فيه أسلوبا لفتح أية أزمة اقتصادية، و ورقة رابحة في أية عملية عدوانية. التجييش و المستعمرات الأجنبية الجديدة جانبان لشرط الوجود الإمبريالي. لهذا فإن قول: (من الممكن أن تعود الإمبريالية عن التجييش و المستعمرات الجديدة ) عدم المعرفة بالماركسية اللينينية، و عدم رؤية طروحات لينين الأساسية .
ترتبط استمرارية الوجود الرأسمالي بالاستغلال، و هذا من طبيعته، إضافة إلى هوس الربح و الغزو الأهوج. و بما أن الإمبريالية هي إيصال هذه الصفات إلى الحد الأقصى، فسيستمر الاستغلال، و هوس الربح و الغزو الأهوج بوحشية أشد، و تستمر الإمبريالية بوجودها.و زوال هذه الأشياء لا يتحقق إلا بزوال الإمبريالية كنظام .
لهذا السبب، فإن كافة الإصلاحات و الإجراءات الغورباتشوفية المستهدفة ((تغيير أسس الإمبريالية)) لا تحمل أي جانب جدي. لا يمكن تغيير أسس الإمبريالية بالإصلاحات، فليس ثمة ما يزيل أسس الإمبريالية، و يخرجها عن كونها إمبراطورية العالم إلا بإزالتها بواسطة الثورات. أي أن الحل يعتمد على الثورات و حروب التحرر الشعبية .
إلى أين يريد غورباتشوف الوصول بسياسته هذه الخارجة عن الواقع؟ إن طروحات غورباتشوف مليئة بحلول و مقترحات تطيل عمر الإمبريالية. إن الدفاع عن نظريات التصالح و نهج سياسة تنطلق من مفاهيم إصلاحية لم يجعل الإمبريالية تتراجع، بل على العكس هذا ما سيطيل عمرها .
و صل الخلاف هنا إلى نقطة فرض الخيار بين الإصلاحات أو الثورات. في هذه الحالة ماذا يريد أن يفعل غورباتشوف بسياسته الإصلاحية هذه؟ ماذا يريد أن يؤسس؟ لنعرج على هذا الآن .
يتبع في الجزء الثاني