من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية -عن منتديات يساري -9
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 24 - 16:47
الحلقة التاسعة
جعل المكافآت المادية أداة أساسية لزيادة العطاء جعل الاشتراكية تتحلل
كتب على راية الاشتراكية ( من كل شخص حسب إمكانيته، ولكل شخص حسب عمله )) ودون تقييم النقطة التي تميز هذا الشعار عن شعار (من كل شخص حسب إمكانيته، ولكل شخص حسب حاجته )) من غير الممكن فهم الكنز)) الذي سيحصل عليه الإنسان من خلال الانتقال من المجتمع الاشتراكي إلى المجتمع اللاطبقي. إذا لم يفهم هذا(( الكنز )) سيغدو هدف المجتمع اللاطبقي ليس أكثر من يوتبيا لايمكن الوصول إليها.
أولاً: مازالت إمكانيات الإنسان الذي يعمل في ظل الاشتراكية محدودة، ولم يُحل كاملاً التناقض بين الجهدين العضلي والعقلي، لذلك لم تصرف طاقة الإنسان كاملة في العطاء لخدمة الإنسانية.في هذه الحالة يجب أن يكون من أهداف الاشتراكية تطوير إمكانيات الإنسان. لهذا السبب يجب تحرير الثقافة والتعليم من كونها حكراً على أقلية من المجتمع، وجعلها عنصراً تقدمياً على أساس تكافؤ الفرص أمام الجميع.
ثانياً: لم يخصص الإنسان الاشتراكي إمكاناته المكتسبة للمجتمع بكل معنى الكلمة. أن كافة العادات المتأتية من المجتمع الرأسمالي، والتي هي في وضع يؤدي إلى تغريب الإنتاج بشكل مباشر ستظهر نفسها بهذا الشكل أو ذاك في المجتمع الاشتراكي. ولايمكن تحقيق تقديم الإمكانيات كلها في الانتاج دون النضال ضد عادات الإهمال في العمل، والإبطاء فيه، والتهرب منه... ودون فهم مضمون هذه العادات الموروثة عن المجتمع البورجوازي. ولكن هذا أيضاً لا يكفي، إذ دون فهم القيمة الكبيرة للعمل من أجل الاشتراكية، وتطوير وعي العمل لمصلحة المجتمع، وترسيخ روح التعاون لدى المجتمع وتوجيه العمل نحو جعله حاجة لكل الأفراد لن تظهر الإمكانيات.
ثالثاً: ثمة حاجة لتحريك الناس بقوة من أجل تقدم الاشتراكية. ويستطيع تأمين هذه الحاجة حزب ماركسي لينيني لم يفقد قابليته لتعبئة الجماهير من أجل قضية الاشتراكية، أو بمعنى آخر، يتحقق هذا بسياسة صحيحة ينتجها الحزب الماركسي اللينيني غير المغترب عن الجماهير. تعبئة الحزب الشيوعي الصيني للملايين من أجل التنظيم الاشتراكي، خلال الثورة الثقافية، أو حركة(( ستخانوف ))الرافعة شعار ( كل شئ تحدده الكوادر)) أو (( السبت الأحمر )) الناجح في زيادة عطاء الجماهير أضعافاً، أو إنجاز الخطة الخمسية في ثلاثة أعوام في فترتي لينين وستالين تمثل الأمثلة الأكثر حيوية على هذا .
في العناصر الثلاثة تقع المهمة الأساسية على عاتق حزب البروليتاريا. لأن الذي يُكسب ويُعلّم، ويعبئ الجماهير في القضية الاشتراكية هو الحزب. لهذا السبب، على الحزب أن يختار أدواته بشكل جيد في أثناء عمله على جعل الجماهير معطاءة في أثناء التنظيم الاشتراكي، أو بمعنى آخر، في أثناء تطويرمواهبهم ، يقنعهم بتوجيه هذه المواهب لخدمة المجتمع، ويرفع من سوية علمهم .
وإذا لم يتحقق هذا الخيار وفق زاوية الرؤية الماركسية اللينينية،فهذا يعني فتح باب انحلال الاشتراكية. وهذا ما قام به غورباتشوف. باسم زيادة الإنتاج يتوجه إلى اقتصاد السوق، ويجعل نظام الحوافز المادية يتناسب ويتكامل مع ذلك التوجه. باعتباره عنصراً أساسياً للاقتصاد. وليس ثمة مكان لنظام كهذا في الاشتراكية . وستؤدي هذه السياسة بشكل لامناص منه إلى تشكيل المجتمع حسب نظام القيم الرأسمالية، وبعث العادات الخاصة بها، وتعثير تطور الإنسان الاشتراكي.
الحافز المادي يعني مكافأة النجاح بالنقود أو أية مميزات مادية. وهذا بجوانبه الرئيسية نظام تشجيع موروث عن النظام الرأسمالي. في مرحلة لم يغدُ فيها العمل حاجة بعد، ولكنه ثمة مسير نحو هذا ، من الممكن الاستمرار في البداية ببعض أنظمة الحوافز المروثة من الرأسمالية لمدة معينة ضمن الأسس الاقتصادية. لأن التحول الاجتماعي لا يتحقق بلحظة واحدة إثر الثورة مباشرة، ولن يقدم للاشتراكية حشد جماهيري جاهز للعمل بروح الترابط بين الجماهير والاشتراكية، وكلما صعد الوعي التعاوني، سار نظام الحافز المادي إلى زوال .
مع الوضع الجديد البارز في الاتحاد السوفيتي بعد عام 1956 كانت القرارات الصادرة عن المؤتمر الثالث والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي حول مجموعة الإصلاحات المتضمنة تطبيق الحافز المادي انحراف عن الماركسية اللينينية.
(( الهدف إعطاء الأولوية للأنظمة الاقتصادية في مواجهة الأنظمة الإدارية، وتأمين توسيع دور السوق في آلية النظام الاقتصادي، وتأمين حوافز أكبر للمصانع من جهة، والعمال فرادى من جهة أخرى )) ( باشكوف- تتريتكو- نظرية الثورة التي طورها الحزب الشيوعي السوفيتي ص 43 )
وهكذا عندما ينظر إلى كل شئ في الاشتراكية من نافذة زيادة الانتاج يصبح(( تأمين الحوافز المادية الأكبر للعمال فرادى )) هدفاً. ومن الأهمية بشئ معرفة القاعدة التي تحقق عليها هذا الهدف. لأنه في الستينات أصبحت مرحلة النيب ماضياً بعيداً، وقطعت الاشتراكية مسافات طويلة. عملت الأهداف الموضوعة في هذه الفترة على انحلال العمال وبعث عاداتهم القديمة بالتشجيع المادي الذي منحته الإصلاحية لهم، بعد أن كانوا قد كسبوا الوعي الجماعي ، والروح الجماعية. في هذا الوضع تتعثر عملية خلق الإنسان الاشتراكي وتتراجع. لعل الحوافز المادية تحقق زيادة الإنتاج ضمن مرحلة مؤقته، ولكن لأن مرحلة كهذه تؤدي إلى تقزيم الوعي التعاوني عند الجماهير، فتظهر أمامنا لوحة مجتمع ينتظر المكافأة المادية لقاء أي عمل جيد. وهذا الوضع يؤدي بالمجتمع إلى خارج الاشتراكية ويجلب معه الانحلال .
لهذه الأسباب، لايضع الحزب المناضل لنقل المجتمع الاشتراكي إلى مجتمع لاطبقي في مركز تطوير الإنتاج الاشتراكي نظام التتشجيع المادي. الهدف الأساسي الذي يضعه الحزب لتطوير الانتاج الاشتراكي هو إخراج العمل من كونه أداة إضطرارية لإشباع البطن إلى حاجة طبيعية. ومما لاشك فيه أن هذا يتحقق بجهد إرادي، وتغيير جذري يخلق وعي أفراد المجتمع. التغيير قبل كل شئ أساساً يجب أن يكون في الوعي التعاوني، أي بترسيخ الانتاج من أجل المجتمع، والتفكير من أجل المجتمع. لهذا، يجب ترسيخ التشجيع المعنوي في المجتمع الاشتراكي. عندما يفهم الناس ارتفاع سوية رفاههم أنه نهوض للمجتمع سيكون من السهل الوصول إلى بنية كهذه. وكون الاشتراكية ستطور المداخله الاشتراكية عن طريق الإبداع، فهذا الأمر لايرفض. وهذا يفرض ضرورة تشجيع الإبداع. وضمن العلاقات التعاونية يوجد المنبع الأساسي لتشجيع الإبداع، وأدواته الرئيسية(( التسابق الاشتراكي )). التسابق الاشتراكي هو بذل الجهد للوصول إلى(( بطولة الإنتاج )) ضمن التعاون. يكسب هذا الجهد أفراد التعاونية حيوية وإقداماً غير عاديين. وخلال فترة قصيرة سيكسب وضع الانتاج الروتيني الجامد والمتعثر حيوية عظيمة. وكما أن النجاح المحقق في هذه الحيوية العظيمة كبير جداً فالذين يتجاوزون المستوى السابق هم أبطال انتاج حقيقيون. احترام المجتمع ومحبته أو وسام أكبر من أي حافز مادي، ومرغوب أكثر. وثمة من لايتماشى مع هذه الحيوية العامة. تحت تأثير الضغط المعنوي التعاوني ستفرز وتنبذ العناصر التي لم تنل نصيبها من التعاون، ولم تصبح عدائة في سباق ضاحية الاشتراكية. للتعاون دور في إقناعها بتجاوز عاداتها القديمة، ومسايرتها المجتمع. لكي لاتحمل عار تعليق(( صورة الجمل )) على موقع عملها( في فترة ستخانوف في الاتحاد السوفيتي، كان الجمل رمز الكسل )فتدخل السباق الاشتراكي اضطراراً في البداية، وطوعاً فيما بعد .
ممكن أن يكون ماقلناه غريب عن غورباتشوف وأمثاله الذين لايعرفون نظام تشجيع آخر غير الذي تقترحه السياسة الاقتصادية الرأسمالية، ولكن موجدي حركة ستخانوف في الثلاثينات سجلوا قفزة كبيرة للاشتراكية، و تفهمون هذا جيداً لأنهم رأوا تجربتهم الذاتية. لا ينتظر من الذين لا يؤمنون بانتصار الاشتراكية والفاقدين أملهم بتحقيق المجتمع اللاطبقي، ولايعرفون موقعية إبداع الجماهير أن يؤمنوا بما قلناه. لا التسابق الاشتراكي، ولاالتشجيع المعنوي، ولابطولة الإنتاج تعني الكثير بالنسبة لهؤلاء. لأنهم سيقولون: ولا واحدة من هذه(( تشبع البطن)). نحن ندعي العكس. سنقول إن الوصول إلى المجتمع اللاطبقي، وإيصال الانتاج إلى حده الأعلى، وتطبيق المبدأ الشيوعي(( لكل حسب حاجته )) يمر من هذا الطريق الوحيد. نعم، إن الإنسان الاشتراكي لاينتظر مقابل نجاحاته(( تمييزاً خاصاً في تخصيص المسكن مثلاً)) ( غورباتشوف- حقيقة ماأريد- ص 95 ) ولكن خزينته أغنى من تخصيصه بمسكن خاص أو سيارة. خزائنه مليئة بطموح المجتمع اللاطبقي، وهذا التمييز يكفيه.
يتبع