فوبيا الوطأة وشفاعة شركاء الله - الزمر


طلعت خيري
2024 / 11 / 24 - 10:27     

من الصعب إقناع الناس بينما من السهل خداعهم ، فطرة خلقية يتحرك من خلالها شياطين الأديان السياسية والاعتقادات الدينية لصناعة فوبيا الوطأة التي تعتبر محور الاقتصادي السياسي للرأسمالية الدينية

الأبعاد السياسية لفوبيا الوطأة

1- تهدد الأفراد من الانجرار وراء أي تغير فكري يطرأ على القاعدة الجماهيرية تبلوره الأفكار التقدمية الرافضة للأساطير والخرافات الدينية
2- تهدد الأفراد بالسخط والانتقام لكل من خرج عن جيوثقافة الإله وخاصة في المجتمعات التي تشهد صراعات سياسية على تعدد الآلهة
3- تهدد الفقراء والكادحين وأصحاب الحرف والمهن والأنشطة المعيشية بالسخط في حالة عدم تقديم النذور والهدايا والمستحقات المالية للآلهة
4- الوطأة تلزم الجمهور بالمساهمة المالية لإعداد وتنظيم الطقوس والفعاليات السنوية والموسمية وعلى المثقفين والمبدعين في الوسط الفني إنتاج سوسيولوجيا ثقافية حديثة ترسم للأجيال فضل الآلهة على الشعوب

ولكي يحافظ الفكر الوثني الشركي لأهل مكة على جيوثقافة الملائكة بنات الله ، هُدَّد محمد بفوبيا الوطأة رد الله على التهديد قائلا ليس الله بكاف عبده ، كفاية مطلقة بحمايته من مكامن التهديد الدنيوي ، اخبر الله محمد قائلا ، ويخفونك بالذين من دونه الملائكة بنات الله ، من يضلل الله فما له من هاد، ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{36} وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ{37}

الحضارة ليس حضارة الإنسان ، إنما حضارة الأشياء المادية التي سخرها الله في الطبيعة ، هاديا خصائصها الفيزيائية والكيميائية لأداء وظائف تصب في خدمة الإنسان ورفاهيته في كافة المجالات العمرانية والعلمية والصناعية والفضاء والثورة الالكترونية ، ولو جردناه من الحضارة ووضعنا وعيه وإدراكه أمام ابسط مادة مسخرة لوجدنها أكثر منه هداية ، الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، إلا بني البشر جلهم رافض هداية العقل دنيويا وأخرويا ، ففي الوقت الذي هُدَّد محمد بفوبيا وطأة الملائكة بنات الله وجدهم يقرون بعظمة خالق السماوات والأرض ، اسألهم يا محمد ومن خلال الإجابة ستكتشف التناقض ألاعتقادي ، ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، لما علمتم ان الله خالق السماوات والأرض لماذا تهددون محمد بمن هو أدنى منه ، قل لهم يا محمد أفرأيتم ما تدعون من دون الله ، ان أرادني الله بضر هل هن ( بنات الله ) كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن (بنات الله ) ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ{38}

المستجيبون للتغير العقائدي سينتقلون الى مرحلة الكتاب ، لدراسة ما مطلوب منهم دنيويا وأخرويا ، أما الرافضين له سيبقى وضعهم على ما هو عليه خاضعين لرغباتهم ولأهوائهم الدنيوية ، وبالرغم من ان التنزيل أبطل مزاعم وطأة الشريك ، إلا ان الكريبكائية واللاوعي الجيوثقافي حالة بينهم وبين الحق ، فبات الجدال مع الرافضين للبعث والنشور هدرا للوقت ، قل يا محمد لقومك اعملوا على مكانتكم أي ابقوا على انتم عليه إني عامل فسوف تعملون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ، من مظاهر العذاب والخزي الدنيوي فتح مكة سنة 8 للهجرة

قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{39} مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ{40}

كان القرن السادس الميلادي نهاية الأنبياء والرسل ، فلا بد من آلية جديدة ضامنة لاستمرار الدعوة الى الله ، ان اختيار الكتاب بديل أفضل عن الأنبياء والرسل ومرحلة جديدة متقدمة لدعوة الشعوب والمجتمعات الى الإيمان بالله واليوم الأخر ، ان آلية الكتاب المنزل ستوقف الزخم الاستفساري عن محمد لكي يتوجه المستفسرون الى الكتاب للاطلاع على المفاهيم العقائدية أللآيات ، تاركا الكتاب للفرد حرية الإيمان، بما ان محمد احد منازل الكتاب ، قال الله إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما أنت عليهم بوكيل

إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ{41}

قرئنا أعلاه كيف هددت الوطأة كيان الفرد وحياته ، سأنتقل الى الشفاعة ودورها في الحفاظ على امن واستقرار حياة الفرد ، الشفاعة نوعان ، الأول - شفاعة أخروية ذات أبعاد سياسية دنيوية ألقاها الفكر الوثني الشركي المكي لإقناع جمهوره على ان الإيمان بشفاعة الملائكة بنات الله منجية من العذاب يوم القيامة ، ثانيا - شفاعة دنيوية تحمي الفرد من الإخطار المهددة لوجوده كالموت ، ادعى الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ان الملائكة بنات الله يشفعن من الموت أثناء النوم ، رد الله على ادعائهم قائلا ، الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى الى اجل مسمى ، ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{42}

يتوجه شياطين الاعتقادات والأديان السياسية الى الشريك مع الله لصناعة الشفاعة الدنيوية ، مطمئنين المجتمع من المخاطر التي تهدد كيانه وأمنه واستقراره كالموت والإمراض والكوارث الطبيعية والخسائر المادية ، موهمين إياه على ان بنات الله وابن الله والأولياء الله شفعاء عند انزل البلاء ، فما لا يقبل الشك ان الطمأنينة ستتبعها تداعيات سياسية تنعكس إيجابا على منظري الأديان والاعتقادات على اعتقاد ان الشفاعة أخذت دورها الميداني في حماية المجتمع من المخاطر، ولكن بالحقيقة الشخص هو من يحمي نفسه من المخاطر، ولكي يبطل الله مزاعم الشفاعة أكد ان شركائه لا يملكون شيئا في خلق السماوات والأرض ، وليس لديهم العقلية الواعية في صناعة التدابير المنجية منها ، قال الله أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل يا محمد ولو كانوا الشفعاء لا يملكون شيئا ولا يعقلون ، لا يعقلون تعني ان بنات الله ليس لديهن العقلية الواسعة في إدراك واستيعاب المخاطر المهلكة التي تسببها الخفايا الفيزيائية المفاجئة للمسخرات المادية السماوية وألأرضية

أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43}

يعتقد المجتمع الوثني المكي ، ان الملائكة بنات الله يشفعن عند نزول العوارض المهلكة التي تسببها الخفايا الفيزيائية المفاجئة للمسخرات المادية السماوية وألأرضية ، ولكن كيف وهن لا يعلمن أي شيء عنها ، ولم يستعن الله بهن في خلق السماوات والأرض ، ما لا يقبل الشك ان للطبيعة عوارض مهلكة وعوارض منجية ، فالبعض لديه وعي كافي أو نسبي لحماية نفسه منها ، والبعض الآخر نهايته على يدها ، ولكي يبطل الله شفاعة الشريك نسب لنفسه الشفاعة المطلقة لأنه المالك الحقيقي للسماوات والأرض ، فالشفعاء لا يملكون شيئا لا في السماوات ولا في الأرض ، قل يا محمد لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون ، ترجعون يوم القيامة

قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{44}

ان شياطين الاعتقادات الاسترولوجية والكسمولوجية والأنطولوجية والظنية والأديان السياسية ، لديهم خبرة واسعة في مجال فلسفة الأهواء والرغبات والحريات الشخصية الدنيوية ، حتى بات الاعتقادات علم يهتم بدراسة جيوثقافة المجتمعات بما يسمى علم الاجتماع السياسي احد مناهج العلوم السياسية ، وبموجب تلك الثقافة يتحرك الشياطين لطغونت المجتمعات والشعوب باسم ابن الله وأبناء الله وأولياء الله ، مطلقين لهم كافة الرغبات الأهواء والمشاعر والحريات الشخصية دون قيود ، وطامسين أمامهم عقيدة الآلهة الواحد وغيبية البعث والنشور الأخروي ، قال الله وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه ، ابن الله وبنات الله وأبناء الله وأولياء الله وأنبياء الله ، إذا هم يستبشرون

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{45}

قلنا في المقالة السابقة كان القرن السادس الميلادي نهاية الأنبياء والرسل ، فلا بد من آلية جديدة ضامنة لاستمرار الدعوة الى الله ، ان تنزيل الكتاب سيكون البديل عن الأنبياء والرسل لدعوة الشعوب والمجتمعات الى الإيمان بالله واليوم الأخر، وفي نفس الوقت ستوقف محمد عن الرد على تساؤلات الأفراد بخصوص مفاهيم الآيات ، فسيلجئون الى الكتاب للبحث عنها بأنفسهم ، كما ان آلية الكتاب في هذه المرحلة الجديدة لا تطلب من الأفراد الإيمان بالله واليوم بشكل مباشر إنما ستتركهم الى حين الهداية ، فسيلجئون تلقائيا الى قراءة الكتاب لتصحيح المسار العقائدي ، عكس دعوات الرسل والأنبياء التي تطلب من الأفراد الإيمان بالله واليوم الأخر بشكل مباشر ، بالإضافة الى ان الكتاب سيحتفظ بهداية الديانات الاعتقادات البشرية لمن أراد تعديل مساره ألاعتقادي ، أخلى محمد دوره الدنيوي والأخروي في الفصل بين الرافضين للبعث والنشور تاركا الحكم لله يحكم بين عباده يوم القيامة قال الله ، قل يا محمد ، اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب ، غيب الماضي ، والشهادة الحاضر والمستقبل، أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون

قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{46}