أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!














المزيد.....

طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 18:56
المحور: القضية الفلسطينية
    


في أقاصي الأرض حيث تختنق الأنفاس وتغرق المدن في صمتها، تقبع المخيمات الفلسطينية، حاملةً في زواياها جرحاً نازفاً اسمه الشتات. هنا، يولد الطفل الفلسطيني في عالمٍ مليء بالآلام، حاملاً في يده بطاقة اللاجئ بدلاً من حلم بريء أو لعبةٍ في يده. يكبر في عالمٍ ضاق به الأفق، حيث تغلق الطرق ولا تجد السماء مكاناً للفرح. بين الجدران المتداعية والأزقة الضيقة، يكتب الزمن تاريخاً جديداً، تاريخاً من الحروب، والتهجير، والألم الذي لا يغيب.

في المخيمات، لا يعرف الأطفال كيف يكون اللعب. فهم يركضون هرباً من القذائف، ويتسابقون مع الموت بدلاً من الأحلام. لا يرسمون على الورق ألواناً، بل يرسمون بالدم والأحزان صوراً لأحبةٍ غادروا، ولم يعرفوا كيف يعودون. يكبرون على صوت القنابل، لا على تهويدات الأمهات، ويغفون على قصص اللجوء والتهجير، ويستيقظون على كوابيس التشرد التي لا تنتهي.

أطفال الشتات يعيشون في سجونٍ من الحزن، يلتهمهم الفقر، ويحاصرهم الظلام. الماء شحيحٌ، والكهرباء غائبة، والأمل يكاد يكون كلمة منسية. لكن، ورغم كل هذا، لا تكل قلوبهم الصغيرة عن النبض بالأمل. قلبٌ ينبض بحياةٍ لا يموت، وشعلةٌ صغيرة تبقى مشتعلة في أعماقهم، لا تخبو مهما كانت الرياح عاتية.

في عيونهم، يتجسد الوطن. يحكون عنه كما سمعوه من آبائهم وأمهاتهم: "كان لنا بيت وحديقة، كان لنا جيران وألعاب". تلك الحكايات هي قوتهم اليومية، دفءٌ في لياليهم الباردة، وسرابٌ يمسكون به في بحرٍ من الضياع. أما ألعابهم؟ فهي قطع خشب قديمة، أو علب فارغة، ولكن في كل لعبة منهم قصة وطنٍ يرفض الغياب. وفي كل رسمة على جدران خيامهم، هناك صورةً لوطنٍ في قلوبهم، رغم أنهم لا يعرفون ملامحه كاملة.

رغم الجوع والبرد، لا يذبل حلمهم. أحلامهم صغيرة لكنها تتوهج في أعينهم. حلم العودة إلى بيوتهم، إلى مدارسهم، إلى دفء وطنهم الذي رحل. تراهم يجلسون على أطراف المخيم، ينظرون إلى الأفق البعيد، كما لو أنهم يفتشون عن وطنهم الذي ضاع بين الغيوم.

وفي أوقات اللعب، تتحول كلماتهم إلى خطط كبيرة: "سأكون طبيباً أداوي المرضى في المخيم"، "سأبني مدرسة في قريتنا"، "سأزرع الأرض حين نعود". كلماتهم هذه ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن روحٍ لا تقهر، وعزيمةٍ تتحدى المستحيل.

ولكن خلف تلك الضحكات الصغيرة، تختبئ حكايات لا تسعها الكلمات. وجع الفقد، الخوف من المجهول، والشوق إلى أشياء صغيرة حُرموا منها. كم طفل يستفيق على صوت الرياح، يخشى أن تطير خيمته وتُسرق منه أحلامه؟ كم طفل يتمنى أن يعود إلى مدرسته ليكتب كلمة "وطن" على السبورة؟

ومع ذلك، تظل أرواحهم صامدة. هم أطفال استطاعوا أن يجعلوا من المخيم مساحة للحلم، ومن الجراح أفقاً للإبداع. حكاياتهم علمتنا أن الأمل يمكن أن يولد حتى في أعمق الظلمات، وأن الأحلام يمكن أن تعيش وسط الأنقاض.

أطفال المخيمات ليسوا مجرد أرقامٍ في تقارير النزوح أو قوائم الإغاثة. هم أرواحٌ صغيرة، يحق لهم الحياة والفرح. يحتاجون إلى عناية، إلى أيدٍ تمتد إليهم، لتعيد لهم طفولتهم المسلوبة. تعليمهم، ودعمهم نفسياً، ومنحهم الأمل والحياة، ليس مجرد واجبٍ إنساني فحسب، بل هو حقٌ مقدس.

علينا أن نصغي إلى حكاياتهم، أن نساعدهم في تحويل أحلامهم إلى واقع، وأن نؤمن بأن الأوطان لا تبنى بالخرائط، بل تبدأ من القلوب. وعندما تتجذر هذه الأوطان في قلب طفل، فإنها لا تموت أبداً.

طفل الشتات الفلسطيني ليس مجرد طفل عادي، بل هو صورةٌ حيةٌ لمعاناة شعبٍ بأسره، وهو أيضاً رمزٌ لصمود هذا الشعب، وإرادته في الحياة رغم كل المصاعب. ستظل المخيمات تروي حكاية الظلم، لكنها ستبقى أيضاً منبعاً للأمل الذي لا ينطفئ، لأن هذا الشعب، بكل أطفاله وكباره، هو شعبٌ عظيمٌ لا يرضى بالهزيمة.
أطفال المخيمات هم شهادةٌ على قسوة العالم، لكنهم أيضاً دليلٌ على قدرة الحياة على الاستمرار، مهما كانت التحديات. في عيونهم الصغيرة، يشتعل الأمل، وفي ضحكاتهم البريئة، يظل الوطن حياً. هم الحكاية التي لا تنتهي، والحلم الذي لا يموت.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل الحنين إلى طائر الغياب!
- الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي: سلاح خفي في عالم ال ...
- محمد نايف المحمود (أبو عماد): أيقونة الوفاء والانتماء في تار ...
- الرياضيات في التشفير والاتصالات: درع الأمان للمقاومة الفلسطي ...
- الرياضيات في مواجهة الإعلام المضاد: استراتيجيات فعّالة لمكاف ...
- أهمية تعلم الرياضيات: بناء العقل وتعزيز المهارات الحياتية
- الرياضيات في تصنيع الأسلحة والمعدات: قوة الابتكار لدى المقاو ...
- الذكاء الاصطناعي: ثورة التكنولوجيا وتغيير مستقبل الإنسان
- الذكاء الاصطناعي في خدمة الاغتيالات: استهداف المقاومين في فل ...
- نور الأمل
- مرارة الخيبة والأمل المستحيل !
- مرارة الخيبة وألم الخذلان !
- مرارة الخيبة وطعم الخذلان !
- علي كلّم (أبو لافي)-2/2: مرارة الخيبة وطعم الخذلان!
- علي كلّم (أبو لافي) : مرارة الخيبة وطعم الخذلان !
- علي كلّم( أبو لافي): رمز الصمود الفلسطيني وحكاية نضال لا تنت ...
- الطب الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا
- صقرٌ مِنَ بيريّا !!!
- صقرٌ مِنَ بيريّا
- 42 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا !


المزيد.....




- -لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة ...
- الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
- الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا ...
- رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!