من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية -عن منتديات يساري -8
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 23 - 17:34
الحلقة الثامنة
نظرية القوى المنتجة وغورباتشوف
بقدر ما الاشتراكية تحويل للإنتاج، وتنظيم علاقات إنتاجية أكثر تقدماً، هي في الوقت نفسه عملية تحويل للإنسان. ولتطوير القوى الإنتاجية بقدر مايمكن يجب خلق إنسان المجتمع الاشتراكي، إذ في حال عدم تحقيق هذا سيكون تطبيق الاشتراكية في تلك الدولة منقوصاً، وتطبق اشتراكية منقوصة أيضاً.
إن الذين يعملون على تطوير القوى المنتجة فقط في أثناء التنظيم الاشتراكي، أو يهملون تطوير القوى المنتجة ويركزون على سياسة تحويل الإنسان فقط، إما أن يمثلوا الانحراف اليميني أو الانحراف اليساري .
في الاتحاد السوفيتي، ومنذ عهد خريتشوف حتى الآن وعبر السياسة الإصلاحية المطبقة في أثناء تنظيم الاشتراكية،أهملت سياسة خلق الإنسان الاشتراكي، وعبر نظرية تطوير قوى الإنتاج بوشر بالنظر إلى الاشتراكية كتطور تقني فقط. ولهذا السبب فالسياسات المنتجة منذ عهد خريتشوف حتى الآن حول التنظيم الاشتراكي في الحزب الشيوعي السوفيتي يسيطر عليها الانحراف اليميني. إن النظريات التي صيغت حول تطوير التعليمات الماركسية اللينينية في المؤتمرين 21، 22 للحزب الشيوعي السوفيتي هي :
(( الهدف الأهم لتنبيه الحزب الشيوعي السوفيتي للمحاكمة اللينينية أن تطوير القوى الانتاجية يشكل عنصر تعيين للتطور الاجتماعي، ووضع الأسس التقنية والمادية للشيوعية في الاتحاد السوفيتي)) (باشكوف-تترينكو -نظرية الثورة التي طورها الحزب الشيوعي السوفيتي -ص4.) .
يدعي الانحراف اليميني وبلغة واضحة تماماً أن الاشتراكية ستتنظم بالتطوير التقني وأدخل هذا حيز التطبيق. إن المفهوم اليميني الذي أبرز إلى المقدمة تطور قوى الإنتاج (مع القول بأنها المحددة ) قد نجح في التسابق مع أكثر الدول الإمبريالية تطوراً في صناعات الفيزياء النووية، والأبحاث الفضائية، والصناعة العسكرية..الخ. من جهة أخرى أهمل وبنسبة كبيرة مهمات مثل تحقيق التحول الجوهري للإنسان السوفيتي، وتكامل الاشتراكية، وغربتهم عن سلطتهم .
فضح تماماً منبع الإلهام لخريشتوف، وخلفه في نظرية تطوير القوى المنتجة، والتي هي تجلي الحتمية في مختلف الأشكال مع مجىء غورباتشوف. المنبع هو بوخاربن . هذا مايقوله بوخارين حول الفوضويين في معركة أدبية خاضها عام 1916:
((..من الخطأ تحديد الفرق بين الاشتراكيين والفوضويين بأن الاشتراكيين إلى جانب الدولة، والآخرين ضدها بشكل أكيد. إن الخلاف في الحقيقة هو بينما يريد الديمقراطيون الاشتراكيون الثوريون تنظيم الإنتاج في مركز إنتاجي اجتماعي، أي أكثر تقدماُ تقنياً، يريد المفهوم الآخر العودة إلى تقنية الإنتاج القديمة الرجعية غير المركزية، أي العودة إلى أشكال الإنتاجات القديمة..)) ( بوخارين- الناقل: ستالين- قضايا اللينينية- ص 311 )
ويستبدل بوخارين هنا الدولة بمركزية الانتاج . وبهذا الشكل تفرض البروليتاريا على البورجوازية التي قلبتها ديكتاتورية، وعلى الطبقات المسحوقة ديمقراطية موجدة أداة تقاليد جديدة من ناحية الثقافة والأخلاق والعدالة .. الخ وهذا يعني ترك البروليتاريا محرومة من دولتها ، ضعيفة منذ البداية
طبق أمثال خريتشوف وبريجينف وغورباتشوف ما أراده بوخارين ولم يستطع تطبيقه .
وتمسك غورباتشوف أكثر من خريتشوف وبريجينيف بنظرية القوى المنتجة ، وأنزل الاشتراكية إلى مستوى المخزون التقني فقط، وانتقد الذين سبقوه في نقطة تعثرهم في هذا المحور. بالنسبة إلى غورباتشوف فإن القضية الأساسية تنبع من تخلف الاتحاد السوفيتي في السباق العلمي التقني مع الدول الرأسمالية. إذا كان يعاش تعثر في الاشتراكية نفسها، فليس ثمة أهمية كبيرة لبقية القضايا .
(( يقول غورباتشوف: لعل الخطورة الأكبر تكمن في تخلفنا العلمي التقني. في اللحظة التي دخلت فيها الدول الغربية بإعادة البناء الواسعة لإقتصادها، واسناد هذا الاقتصادعلى آخر التقنيات تبطأ التقدم العلمي التقني في بلدنا، وهذا ليس لأننا محرومون من الدعم العلمي، بل لعدم التجاوب مع حاجة الاقتصاد إلى التجديد )) ( عزيز تشلار- البرويسترايكا بكافة جوانبها- ص 13 )
إلى جانب اعتبار غورباتشوف التخلف التقني خطوة كبرى، لم يتأخر عن الإشارة إلى شهادة لينين في النقاط التي تناسبه من نظرية القوى المنتجة التي قدما الإصلاحيون :
(( نحن نحتاج إلى اشتراكية لينينية موضوعية، وليس إلى اشتراكية ساذجة نصائحية ملفقة. كان لينين واضح في هذا الموضوع: بعد أن يكون لدينا صناعاتنا الكبيرة، وقوتنا فليس ثمة ما نخاف منه )) ( المصدر السابق نفسه - ص 56 )
وهكذا نكون قد تعلمنا من غورباتشوف أن الاشتراكية اللينينية هي تأسيس للصناعات الكبيرة( ! ). هل علمنا لينين أن رؤية الطريق الصعب ذاك الذي يؤدي إلى الاشتراكية والشيوعية بهذا الشكل؟ مما لاشك فيه أنه لا. ليس ثمة أي تشابه بين زاوية الرؤية اللينينية وبين غورباتشوف أو المدافعين الآخرين عن نظرية القوى المنتجة.
إن الذين لايفهمون شيئاً من عبارة لينين القائلة ( الشيوعية هي السلطة السوفيتية إضافة إلى كهربة الدولة )) فرغّوا السلطة السوفيتية من محتواها، وانكبوا على التطوير الصناعي فقط. وكلّما فرغت السلطة السوفيتية من محتواها، بدأت تضغط الشخصية البيروقراطية للسلطة أكثر. وكلّما تجردت الجماهير عن التنظيم الاشتراكي وابتعدت عن ذلك العمل الذي يتطلب كداً كبيراً، وجمعت ثمن كدها لارتباطها بالاشتراكية، تبدأ بالغربة عن الاشتراكية. كلما جردت السلطات الإصلاحية التي أنزلت الاشتراكية إلى مستوى التطور التقني الجماهير عن العمل في التنظيم الاشتراكي، غاصت في مستنقع البيروقراطية. وبالتدريج تنسى المهام التي غدت جزءاً من الحياة. ولايمكن أن تقعد كلماتنا في مقعدها دون التذكير بزاوية الرؤية البلشفية حول السوفيت التي يعتبرها لينين إحدى المكونات الأساسية للوصول إلى الشيوعية.
أولا: اعتقد أن السوفيت هي مجموعة التنظيمات التي تضم الأطر العمالية، ولكن لايكفي استيعاب السوفيت بالشكل الأعرض للأطر البروليتارية السوفيتية فقط.
ثانياً: يجب أن تكون السوفيت تنظيمات جماهيرية تستوعب كافة المسحوقين والمستغَلين والعمال والفلاحين، ويمكن تحقيق وتوجيه وقيادة كافة المسحوقين والمستغلين الآخرين من الناحية السياسية بقيادة البروليتاريا بواسطة هذه التنظيمات الجماهيرية .
ثالثاً: السوفيت تنظيمات جماهيرية وثورية. وكونها شخصية جماهيرية ثورية يجعلها تؤمن الأعضاء الأقوى الذين سيضعفون البورجوازية وامتداداتها، ويزيلونها .
وما قاله ستالين حول السوفيت واضح جداً:
((..تنظم السوفيت الجماهير مباشرة. أي تسهل انضمام الجماهير إلى التنظيمات الأكثر ديمقراطية وبالتالي الأكثر سلطة في أطر، أي تنظيمات الدولة والإدارة لهدم النظام القديم، أي هي التنظيمات التي تسهل وبنسبة كبيرة تطوير الطاقة الثورية للجماهير المناضلة، وموقعها ومواهبها الخلاقة )) ( ستالين- قضايا اللينينية-ص 47 )
فهمت الإصلاحية الاشتراكية كما فهمها بوخارين أنها مركزية الانتاج، وهذا هو سبب عدم تطبيق فعالية السوفيت التي هي تنظيمات جماهيرية ثورية. لقد انتزعت الاصلاحية شخصية السوفيت الثورية. وفي الحقيقة إن إلغاء هذه الشخصية تحصيل حاصل. ولا يمكن البحث عن سبب هذا إلا في انتصار الانحراف اليميني في حزب البروليتاريا الذي يوجهها أيديولوجياً.
تعكير صفاء الأممية عالمياً، وتشويه الحقد الطبقي على البورجوازية، وتطوير التصالحية، وعدم تعبئة الجماهير في مرحلة التنظيم الاشتراكي، وسيطرة البيروقراطية على كافة العلاقات مجتمعة ثلمت الطاقة الثورية للعمال، وزعزت موقعهم، وأعاقت إبداعهم، وكافة جوانبهم التجديدية الراكضة نحو التقدم إلى الأمام. كلما ابتعدت الجماهير العريضة غير المعبأة اشتراكياً والمحددة مساهمتها الاشتراكية بالعمل في وحدات الانتاج مقابل أجر يومي، افتقرت إلى إمكانية التطوير والتقدم وتجديد الذات. وعلى هذه القاعدة أصبح لامفر من تعميم الانحلال والتفسخ وانتشاره. مع أن السلطة السوفيتية حسب كلام لينين هي ( الأساس الأول المستمر لكل سلطة الدولة وآلياتها )) ( ستالين- المصدر السابق- ص 47 ) .
وهكذا فإن إلغاء آلية عمل السلطة السوفيتية، ووضع نزع الروابط مع الجماهير تدريجياً مكانها، أو بمعنى آخر، تحويل السوفيت إلى عضو بيروقراطي، في الحقيقة هو رفض للاشتراكية .
الرؤية المعتمدة على نظرية القوى المنتجة الإصلاحية وجدت في بوخارين مصدر إلهامها، وبدأت مع خريتشوف، واستمرت مع بريجنيف وغورباتشوف (لانقيّم فترتي أندروبوف وتشرنينكو بشكل مفصل لقصرهما ). ترفض هذه الرؤية الدور الخلاق للإنسان، وتجعل الجماهير ترتد في قضية الاشتراكية لأنها أفقدتها حافزيتها وأصالتها، وبالنتيجة لإنها حضّرت أرضية التعلق الخاصة وتطورها و (( تركت الساحة فارغة قدر المستطاع لتقوية الرأسمالية، وأضعفت مواقع البروليتاريا الثورية، وزادت من فرص بعث الرأسمالية في البلد مجدداً )) فهي نظرية مناهضة للاشتراكية .
يتبع