خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 15:07
المحور:
الادب والفن
لأنّ الرّيح خائنةٌ كطفلٍ يشدُّ أثداء الغيم،
لن أعقد اتفاقًا مع السّراب الذي يعبرني.
والأرض، تلك الأنثى المائلة على ركبة الشّمس،
تصرخ في أذني:
"إلى أين تأخذ جِنازتك؟
الموت ليس بيتي، ولا ظلكَ الممتدُّ من أنفاس الحكاية."
لكنّي أكذب.
أكذب لأنّ الكمالَ
ذئبٌ يحرس قطيع الضوء في حقول النسيان.
وأكذب لأنّ الموت،
هذا السكران بكأس العدم،
ينحتنا جميعًا برؤى لا يراها سوى أعمى.
أيها الموت،
يا صاحبي اللدود في هذه اللحظة
المنغمسة في جرحها كالأبجدية المنفية:
ما الذي تفعله حين تواكب أنفاسي ؟
وحين تتركني في مقهى الروح،
كطاولة بلا زبائن؟
أرى القيامة تجلس على حافة الليل،
تعزف بعودٍ مشدودٍ بأوتار الغيم.
والشهودُ، أولئك الغرباءُ المعلّقون بين ضفّتي الصمت،
يصفّقون.
يصفّقون لأنّ الحكاية انتهت
قبل أن تبدأ.
أيها الموت،
يا أستاذ الخسارة الكبرى،
علّمني كيف أحمل العالم
كشجرة تقف عارية في عاصفة.
كيف أفتح الأبواب
لمن يحلمون بسفن
تصعدُ في أنهار من دموع الضوء.
سأترككم الآن.
سأغادر من نافذة الغيم،
إلى حيث تعقد الأرواحُ تحالفاتها
مع النجوم التي تحترف الاحتضار.
فاستعد إلى زفيرٍ أخير.
ربم نصبح على ولادةٍ مؤجّلة.
وعلى سماء لم تخطئ في رسم وجهها.
هذا أنا،
أعود إلى اللاشيء،
وأحمل من الجمر
ما يكفي لإشعال السكون
في حفلٍ من الأبدية.
أيها الصمت،
يا عرّاب الخطيئة الأولى،
أما زلتَ تعدّ المرايا التي احترقت
بوجهٍ لم يكتمل بعد؟
أما زلتَ تهدهدُ الغيمَ
لينام على خاصرة الوقت؟
إنّني أراكَ،
تسرق من القمر لونه الموحش،
وتعقد للعتمة تاجًا
من زهور الرماد.
أيتها الحقيقة،
يا أرملةَ الضوء،
كيف سأضمّكِ إلى صدري
وأنتِ متربّعةٌ على عرش السراب؟
كيف سأقايضكِ،
وأنا الذي أملك من الريح
ما يكفي لبيع كل الظلال؟
أمضي،
لكنّ خطواتي ليست لي.
تتبعني العاصفة كعاشقةٍ هاربة،
ويُطاردني الموت كمهرّجٍ
يرقص في جنازته.
كلّما دفنتُ يقينًا،
نبتت في قلبي شجرةٌ من الشك.
كلّما نسيتُ أغنيةً،
صارت صرختي أطول.
أيها الكون،
يا غريقًا في كأسه الفارغ،
لستُ سوى وترٍ في عودك،
يلعب بي العازفون ثم ينسونني.
لستُ سوى قصيدة
لم تكتب بعد،
ولن تُكتب أبدًا.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟