أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السلح .














المزيد.....

مقامة السلح .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


مقامة السلح :

يشرح القاموس معنى سَلَحَ : سلَحَ يَسلَح , سَلْحًا , وسُلاحًا , فهو سالِح , و سَلَحَ الحَيَوانُ : تَغَوَّطَ , رَاثَ , وسلَحَ فلانٌ : مشى بطنُه , ولكن شرح حسان بن ثابت أخطر هذه الشروحات حيث كاد يودي بقطع لسان الحطيئة , وهكذا ف(السلح) مصطلح نقدي قديم , هجره النقاد أخيرا , إلا أن تاريخنا الأدبي يذكر هذه اللفظة كأقذع وصف للهجاء يمكن أن يتلقاه إنسان , وهناك من (ينسلح) هذه الأيام بقذارة لا تبتعد كثيرا عن الفعل القذر نفسه .

ورد في قصيدة للحُطَـيئة هجا فيها الزِّبْرِقان بن بدر أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وسادتها , وهو من الصحابة المخضرمين , والبيت هو: (( دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها واقعدْ فإنك أنت الطاعمُ الكاسي )) ,أما سبب الهجاء فله حكاية طويلة ملخصها أن الزبرقان أساء جواره , فلجأ إلى بغيض بن عامر خصمه , فمالأه عليه , وطلب منه هجاءه , ولما استعدى الزِّبرِقان الخليفةّ عمر بن الخطاب على الشاعر, وذكر له البيت , قال عمر: ما أسمع هجاء , ولكنها معاتبة , (وفي رواية أخرى : أما ترضى أن تكون طاعمًا كاسيًا ؟ وفي رواية ثالثة : ولكنه مدحك ) , قال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟ قال عمر: عليّ بحسان بن ثابت , فجيء به ليحكم , فقال: (( لم يهجُه ولكن سلح عليه )) , (أي تغوّط , كناية عن شدة الهجاء( , ويقال إنه سأل لبيدًا كذلك , فقال : ((ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حُمُر النّـعم )) , فأمر به عمر فجعل في حفرة (السجن في تلك الأيام ) , وقال عمر: يا خبيث لأشغلنّك عن أعراض المسلمين , ثم كان أن استشفع الشاعر الخليفةَ في قصيدته الرائيّة المؤثرة :
((ماذا أقول لأفــــراخ ٍ بذي مرخ ٍ ... زغبِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيتَ كاســـيَهم في قعر مظلمةٍ ... فاغفر عليك ســـــــلامُ الله يا عمرُ
أنتَ الإمامُ الذي من بعد صاحبهِ ... ألقى إليكَ مقاليدَ النـــهى البشــرُ)) , فأطلقه , ويقال ان عمرو بن العاص شفع فيه فأخرجه وأخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستتابه , واشترى الخليفة أعراض الناس , واشترط عليه ألا يهجو الهجاء المقذع.

يقول الحطيئة بدءًا: لا ترحل للمكارم التي لا تملكها , ففاقد الشيء لا يعطيه , فنحن نرحل لطلب شيء غير حاصل بين أيدينا , فلو كانت عنده المكارم لما لزم الرحيل إليها , و(اقعد) شأنه شأن (دع) فعل بحد ذاته أمر يراد به التحقير, فأنت المطعوم المكسوّ, وهنا جاء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول , وهو من المجاز العقلي , وهذه الصيغة واردة في كلام العرب , ففي قوله تعالى ( فهو في عيشة راضية ) , يعني بها مرْضِية , و ( خُلق من ماء دافق ) يعني بها اسم المفعول , ( ولا عاصمَ اليوم ) , بمعنى المعصوم , ونعرف ذلك من خلال صحة استعمال الفعل المبني للمجهول: (عيش , عُصمَ ) , ويمكن أن تكون السخرية والهجاء من باب النسب , فالعرب تقول (تامر) صاحب تمر , و (لابن) ...إلخ , إذن فالمعنى الذي قصده الحطيئة أنك تُنسب إلى الطعام والكساء , ومن هنا نفهم جواب الزبرقان : (( أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟ )) .

وللحطيئة لسان مبدع لكنه لم يستفد منه الا في الهجاء , ولهذا يعد واحد من كبار الشعراء الهجائين حتى انه هجا أباه وأمه , قال يهجو أباه كمثال على سوء أدبه : (( فنعم الشيخ انت لدى المخازي وبئس الشيخ انت لدى الفعال )) , ونال اذاه عمه وخاله وزوجته حتى وصل لنفسه , فقال يهجوها : (( ارى وجها شوه الله خلقته فقبح من وجه وقبح حامله )) , ومن أكبر زلاته هجاءه للصحابي الزبرقان كما تقدم , وقد أصبح هذا البيت بشهادة شاعر كبير مثل حسان بن ثابت من أقوى أبيات الهجاء عند العرب حتى أتى أبو الطيب المتنبي , الذي لم يصنف انه من كبار شعراء الهجاء , ويصف رجلا قام بالاساءة اليه , فجاء المتنبي ببيت احسبه الابلغ في الهجاء: (( صغرت عن المديح فقلت أهجو كأنك ما صغرت عن الهجاء )) , فالمتنبي هنا لم يسلح على الرجل فحسب بل الغاه من الوجود وحرمه حتى من الاهانة , فأي رجل هذا الذي هو أصغر من الهجاء؟ انه سؤال مستحق في أيام ابي الطيب المتنبي , ولو ان شاعر العرب الكبير عاش بيننا اليوم لما اتعب نفسه بابداع ذاك البيت , فمن هم أصغر من الهجاء اليوم كثيرون , وكثيرون جدا.

ويذكر ان عمر قال للحطيئة : فإن عفونا عنك , أتهجو بعدها أحداً ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين , وعلي بذلك عهد الله , فقال عمر : لكأني بفتىً من قريش قد نصب لك نمرقة , فاتكأت عليها , وأقبلت تنشده في أعراض المسلمين , قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين ,
وقد أورد بعض الرواة : (( فوالله لقد رأيته عند عبيد الله بن زياد على الحال التي ذكر عمر, فقلت له: لكأن أمير المؤمنين عمر كان حاضراً لك اليوم , فتأوه , وقال: رحم الله ذلك المرء، فما أصدق فراسته)) .

وفي شعر الهجاء ورد في قصيدة الأعشى : (( تَبِيتونَ في المَشْتَى مِلاءً بُطونُكُمْ وجاراتكمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا .. يُرَاقِبْنَ مِنْ جوعٍ خِلالَ مَخَافَةٍ نُجُومَ السّمَاءِ الطَّالِعَاتِ الشَّوَاخِصَا .. أَتُوعِدُنِي أَنْ جاشَ بحرُ ابنِ عمِّكمْ وَبَحرُكَ ساجٍ لا يُوَارِي الدَّعَامِصَا ؟ فَلَوْ كُنتُمُ نَخْلاً لكُنْتُمْ جُرَامَةً وَلَوْ كُنْتُمُ نَبْلاً لكُنتُمْ مَعَاقِصَا )) , ومن قصيدة الشافعي : (( تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضأن تأكله الكلاب .. وعبد قد ينام على حرير وذو نسب مفارشه التراب )) ,
و من قصيدة مسلم بن الوليد (( قبحت مناظرهم فحين خبرتهم حسنت مناظرهم لقبح المخبر)) , ولأبي الأسود الدؤلي : (( فَطِنٌ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ وَإِذَا أُصِيبَ بِعِرْضِهِ لَمْ يَشْعُرِ)) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الربا في الحب .
- مقامة الزوجات .
- مقامة لا تضيعوه .
- مقامة الغراب .
- مقامة الشتاء .
- مقامة ياحسافة .
- مقامة المكتوب والعنوان .
- مقامة واها .
- مقامة الحساد .
- مقامة رهان الواثقين .
- مقامة وجع بغداد .
- مقامة ذاكرة الخشب .
- مقامة امنيات مظفر الثلاث .
- المقامة المتشائمة .
- مقامة الخيبة ونسيانها .
- مقامة النقاء .
- مقامة الحضن الدافيء .
- مقامة التسامي .
- مقامة الردود المفحمة .
- مقامة الثرثرة .


المزيد.....




- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...
- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السلح .