. الممهدات الاجتماعية والسياسية والفكرية لولادة الحزب- الحزب الشيوعي العراقي نموذجا

قبل الدخول في تفاصيل الموضوع أود الاشارة الى :
ا- أتحدث هنا عن الحزب سواء أكان يمارس عمله سرّا او علانية (بحصوله على رخصة رسمية للعمل )ل
ب -الحزب هو مؤسسة اجتماعية سياسية تمارس نشاطا جماهيريا لتحقيق اهدافها
ج -ان اوائل الاحزاب التي عرفها العراق هي

الحزب الوطني العراقي في عام 1922 بزعامة جعفر ابو التمن *

الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 *

1922 ح*حزب النهضة العراقية بتألف مجموعة من اهالي الكاظمية في عام
(د. حيدر شاكر خميس،صحيفة الصباح في 09-09-2021 )
ا
ح*حزب الاستقلال ذو النزعة القومية والذي تاسس في عام 1936 من مجموعة من أعضاء
، نادي المثنى في بغداد (قاسم محمد داوودد الاحزاب العراقية في العهد الملكي (الكارينا )اكتوبر 2018 )

د-وكانت الاحزاب التي ظهرت في العراق تتوزع على
ا1 -أحزاب تقوم على اسس فكرية كالحزب الشيوعي وحزب البعث وحركة القوميين العرب
أ2-أحزاب قامت على الدفاع عن مصالح شريحة اجتماعية او مجموعة من السياسيين
كحزب الامة لصالح جبر وحزب العهد لنوري السعيد
ومن هنا نجد ان الحزب الشيوعي العراقي منذ تاسيسه قام على الفكر الماركسي في بناء الدولة وتطوير المجتمع وكانت الممهدات لوجوده واستمراره في العمل حتى اليوم هي
ف 1- في اواسط العشرينات من القرن الماضي بدات بعض الكتب والنشرات التي تشرح او
تستعرض النظرية الماركسية من الدخول الى العراق
(الگاردينيا - مجلة ثقافية عامة - حقائق حول بدء دخول الافكار الماركسية الى العراق (algardenia.com)

 وكانت المطبوعات الماركسية التي بدأت تدخل الى العراق بداية عشرينات القرن الماضي مثل مجلة الحزب الشيوعي البريطاني وصحيفة”اللومانتيه” لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي،التي كانت تصل الى العراق من سورية ولبنان، فضلاً عن المطبوعات المصرية ذات التوجه الاشتراكي  مثل"المقتطف"وغيرها من المجلات المصرية، شكل كل هذا رافداً من روافد الفكر الماركسي في العراق.
وكان للماركسيين الاجانب الذين استقروا مددا مختلفة في العراق، اثر في غرس بذرة الماركسية في العراق مثل المعلمة الامريكية”المسس كير”"، التي كانت تقوم بتوجيه طالباتها لاعتناق الفكر الاشتراكي. وكانت تحثهن على قراءة الصحف المحلية والاهتمام بسياسة البلاد، واستطاعت التأثير في افكار بعضهن لتبني الفكر الاشتراكي.
استقدمت (المسس كير) بناء على رغبة مديرية المعارف العراقية في بداية تأسيس المملكة العراقية في 23 اب1921، للتدريس في دار المعلمات، وهي تنحدر من اسرة امريكية اشتهرت بميولها
الاشتراكية
(الگاردينيا - مجلة ثقافية عامة - حقائق حول بدء دخول الافكار الماركسية الى العراق )
,ويشير بعض المؤرخين الى ان تداول النخب العراقية لتلك الكتب والنشرات لم يتم بناء على توجيهات للكومنترن ، كما حدث مع مصر وسوريا ولبنان ،سواء بتكليف اشخاص او تشجيعهم ماديا او معنويا

ا2-الخلايا الشيوعية التي بدأت في التشكل في كل من بغداد والبصرة والناصرية
ففي بغداد استطاع حسين الرحال من تشكيل الخلية الشيوعية الاولى في عام 1924 وضمت
محمد سليم فتاح، والمعلم مصطفى علي، وموظف البريد عبد الله جادو، والمعلم والصحفي عوني بكر صدقي، والروائي محمود احمد السيد
في عام 1927 تكونت في البصرة أولى الحلقات الشيوعية. وكان أبرز الناشطين فيها يوسف
سلمان يوسف ( فهد )، وأخوه داود وغالي الزويد وحسن العياش
وفي عام 1928 تكونت في الناصرية حلقة مماثلة نشط فيها يوسف سلمان يوسف (فهد) أيضاً، وأخوه داود وحسون جار الله وإخوانه ومهدي وفي، وآخرون

د3- دور المكتبات في بغداد والموصل في توفير المؤلفات التي تتحدث عن الماركسية كالمكتبة العصرية والمكتبة العربية ومكتبة مكنزي ،ويمكن أن نضيف دور البحارة القادمين الى ميناء البصرة من مختلف انحاء العالم ، في توفير المجلات والصحف والكتب الماركسية
وكذلك دور زوار العتبات المقدسة، من (ايران) التي عرفت الفكر الماركسي قبل العراق واصبحت قاعدة لنشره في البلاد المجاورة

د4- دور الصحافة في الترويج للفكرالماركسي ، لعبت صحيفة( الصحافة) للماركسي
حسين الرحال رائد الفكر الماركسي في العراق،دورا مهما في تعريف النخب المثقفة العراقية
بالفكر الماركسي

ومن الجدير بالذكر ان انبثاق الاحزاب الايدولوجية في العراق كالحزب الشيوعي وحزب الاستقلال كان متماثلا من حيث تطور العلاقات داخل نواد اجتماعية الى تشكيل الحزب ، فقد كانت النواة التي ابثق منها الحزب الشيوعي العراقي هي نادي التضامن، الذي أسسه حسين الرحال في عام1926 وبرزت بعض القيادات الشيوعة من بين اعضاء النادي (عزيز شريف،عاصم فليح ،زكي خيري وجميل توما ) وكان نادي المثنى الذي تاسس في شباط 1935 هو النواة التي انبق عنها حزب الاستقلال ، وبرز من النادي قيادات حزب الاستقلال (محمد مهددي كبة ، عبد المديد قصاب ،يونس السبعاوي ، صديق شنشل وفائق السامرائي )

حسين الرحال وجماعة الصحافة ونادي التضامن (almadasupplements.com)


ا5 -المشاعر الوطنية التي كانت تقف ضد الاحتلال البريطاني للعراق والتي تمخضت عنها ثورة العشرين واتفاضة 1922
لقد اسهمت ثورة العشرين في التوسع بالبحث عن حلفاء دوليين لدعم الثورة مما جعلهم يتوجهون الى السوفييت ، وقد فاتح بعض قادة الثورة كالخالصي ومحمد الصدر الحكومة السوفييتية في عام 1922 بتاييد العراق بالدعوى المقدمة الى مؤتمر لوزان ضد المعاهدة العراقية -البريطانية
وكذلك الانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني كانتفضة ال إزيرج في العمارة اثناء تقدم قوات الاحتلال من البصرة في عام 1915 (د.كمال أحمد مظهر ،حقائق عن مؤتمر شعوب الشرق،مجلة أفاق عربية 1976 ص92)

 وانتفاضة النجف ( 19 مارس 1918) ضد البريطانيون أثناء احتلالهم للعراق ،
ع(علي الوردي،: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الخامس، طباعة دار الراشد 1969 ص:79 )0.

ا6-الاوضاع الاقتصدية المتردية وانخفاض مستوى المعيشة وتفرد الحاكم البريطاني وسكرتيرة
دولة الاحتلال باتخاذ القرارات في كافة الامور ، فقد شكل الفلاحون 59% من مجموع السكان البالغ مليونين ونصف ، وكانت نسبة المتعلمين الى المجموع 1% ،وبعد المظاهرة الكبيرة في عام 1922 واستقالة الحكومة العراقية ، استلم المندوب السامي ادارة الدولة بالكامل وقام بحل الاحزاب وحل البرلمان، كانت المؤشرات تشير الى وجودالنفط في العراق بكميات تجارية ،وفي عام1925 اعلن رسميا عن ذلك وبدات شركة النفط البريطانية عملية الاستخراج والتسويق ،ولكن اكتشاف حقل كركوك في عام 1927 دفع بالاحتلال البريطاني الى تشديد قبضته على العراق وربطة بمعاهدة املتها بريطانية على العراق وقد وقعها  رئيس وزراء العراق نوري السعيد والمندوب السياسي البريطاني فرانسس همفري. كانت هذه المعاهدة استمرارًا لمعاهدة 1922، ولكنها أخذت في الاعتبار ازدياد أهمية العراق للمصالح البريطانية بعد اكتشافات النفط .
أعطت المعاهدة البريطانيين حقوقًا غير محدودة لوضع قواتهم المسلحة في العراق ونقلها من وإلى البلاد. كما تضمنت بنودًا تتيح للبريطانيين استخدام السكك الحديدية والأنهار والموانئ والمطارات العراقية
ومن الطبيعي ان تسهل هذه الحالة العمل على تعبئة الجماهير ضد سلطات الاحتلال ومن الناحية الثانية تخلق فرصا للتفكير في بناء تنظيم يتولى قيادة الجماهير المهيئة للوقوف ضد الاحتلال البريطاني وعملائه
(الاتفاقيات العراقية البريطانية 1922 ــ 1927 (irakipedia.org) )

م7-منظمات المجتمع المدني التي بدأت تتشكل في العراق كلجنة مكافحة الاستعمار
والاستثمار التي تاسست في عام 1934
في 31/اذار/ 1934 انعقد في بغداد اجتماع تأسيسي حضره شيوعيون من مختلف انحاء العراق. واعلنوا توحيد منظماتهم في تنظيم مركزي واحد بأسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) وتم انتخاب أول لجنة مركزية ،وأصبح عاصم فليح أول سكرتير للحزب والذي تغيير اسمه فيما بعد إلى الحزب الشيوعي العراقي حيث اتخذت اللجنة المركزية قراراً بإعلان اسم الحزب الشيوعي العراقي
وأصدرت المجموعة جريدة “ كفاح الشعب” بشكل سري وعلى صفحاتها الاولى المطرقة والمنجل وشعار كارل ماركس “يا عمال العالم إتحدوا” وشعار الحزب الشيوعي العراقي “يا عمال العراق إتحدوا” وضمت اللجنة المركزية الاولى عدداً من ملاكات الحزب كان على رأسهم يوسف سلمان يوسف فهد وعاصم فليح وغالي زويد واخرون


(https://www.tareeqashaab.com/index.php/sections/newspaper-colu…)


ر8-رغم ان ما ورد اعلاه( يمكن القول من وجة نظري) انها الممهدات الموضوعية في نشوء الحزب الشيوعي العراقي ، ولكن من دراسة تطور العمل الحزبي وتوسع القاعدة الجماهيرية وتحول هذا الهيكل السياسي الناشئ الى رقم مهم في المشهد السياسي العراقي وتاصيل عمله بين الجماهير يعود الى القيادي المتميز المفعم بالحركة والنشاط والمؤمن بالماركسية كنظرية تقدم الحلول الناجعة لمشاكل العراق وتطوره(يسف سلمان يوسف) فهد، اذ يعود له الفضل في بناء الخلايا الشيوعية اولا ومن ثم استكمال الاستعدادات العملية والنظرية لانبثاق الحزب كتشكيل سياسي جماهيري
وفهد ذو الشخصية المتميزة في قراءة الواقع وظروف البلد في الخطط والبناء وتشكيل الخلايا السرية والتنظيمات ومخاطبة العمال والشعب بوعي مصالحهم والنهوض بها نحو مستقبل آمن عبر الفكر الشيوعي المعبر الحقيقي عن مصالحهم وبالاضافة الى هذا الشعور الوطني والاحساس الثوري، يتمتع بشخصية شفافة ومتواضعة
لقد ربط النضال من اجل التنمية والقضاء على الفقر والتخلف بالقضية الوطنية ولهذا كان يدعوالى تركيز العمل بمحاربة الاستعمار وعملائه،، كما اكد على بناء الجبهة
الشعبية الوطنية والتقدمية واليسارية
ومع هذه الرؤية الدقيقة لمساحة العمل الوطني التي يمكن ان ينشط فيها الحزب الشيوعي ،كان يتميز بقدرات تنظيمية جعلت من الحزب كتلة تحمل القوة والانضباط في العمل
لقد استلم الحزب الوليد مهشما , مبتليا بالفوضى التنظيمية , يسوده عدم الأنضباط الحزبي , لذاأهتم بأعادة بنائه مجددا وفق الأسس اللينينية التي تعلمها والخبرة التي اكتسبها , واستطاع ان يبني حزبا شيوعيا لايعرف المهادنة ولا المساومة وقد شرح وجهة نظره في ماذا يعني الحزب الشيوعي بكراسه (حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية ).
كانت تجارب الحياة التي خاضها فهد قد اكسبته الثقة ووسعت من مداركه ، كما كان قربه المستمر من الجماهير قد جعله يتعرف عى مزاجها وعوامل تحريكها ، فبعد تركه الدراسة بسبب الحاجة وما كانت تمر به عائلته أقدم على العمل في عام 1916 في معمل للثلج في مدينة الناصرية يعود لأخيه ولكنه قرر ان يتحول الى البصرة
ليعمل كاتبا في إدارة توزيع الكهرباء في الميناء، وتعرّف على أحوال العمال
ومن أجل تطوير معارفه عن البلدان العربية قام بجولة في عام 1930 في عدّة أقطار عربية (الكويت. سوريا ولبنان، فلسطين وشرق الأردن) ونشر مقالاته عنها في جريدة ـ البلاد
واعتقد ان هذه السفرة تستلزم الوقوف عندها فرجل بمثل هذه الاوضاع الاقتصادية
يتحمل اعباء مثل هذه السفرة لابد ان يكون لديه غرض معرفي
يقول عزيز سباهي القيادي السابق في الحزب

ل(لقد قاده وعيه الثوري وثقافته واحتكاكه بالعمال وادراكه لتناقضات الواقع الى ادراك الحاجة الموضوعية لتأسيس حزب شيوعي في العراق , ومثل ذلك الادراك المبكر كان نادرا بالنسبة لعامل مثله) 
ما أ ود استنتاجه هنا هو ان ابرز الممهدات لتاسيس الحزب الشيوعي العراقي تمثلت في وجود فهد ، واعتقد إن هذا الرأي ينسجم ونظرية دور الفرد في التاريخ، ان البطل الذي يصنع التاريخ ليس بعيدا عن احتياج المرحلة التاريخية التي عمل ضمنها زمنيا
يرى هيجل إن الرجل العظيم، في نظره هو في المقام الأول تعبير عن «روح» العالم في زمنه.
إن نشاط البطل يجب أن يفهم ليس كفعل صادر عن فرد ضد بيئة وإنما كعملية متفاعلة حتمياً، عملية صادرة من جانب من جوانب الحضارة ومتعلقة بالجوانب الأخرى أي أن الإنسان لا يفعل إلا ما تسمح به حضارته ، وهذا قريب الى ما قاله بليخانوف

إ((إن الأفراد يمكن أن يكون لهم تأثير كبير على مجرى التاريخ، لكن هذا التأثير يكون محدودًا بالإطار الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشون فيه).
بليخانوف دور الفرد في التاريخ ،ترجمة احسان سركيس ،دار دمشق 1974 ص 11-21)2 )

وأخيرا فأن ما امتلكه الرفيق فهد من وعي باحتياجات المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق في حينه ومن القدرة على اتخاذ القرار في لحظة الحسم جعله العامل الحقيقي في انشاء الحزب بما يحمله من بعد اجتماعي وسياسي