الرَّفيق سمير عبده.. إنسان نبيل ومناضل شيوعيّ ونقابيّ بارز
سالم قبيلات
2024 / 11 / 19 - 16:50
نافذة على النِّضال والثَّبات
سالم قبيلات
نستعرض، من خلال هذه النافذة، سيرة قائد نقابي شيوعي بارز، عُرف بخصاله الإنسانية النبيلة، وحضوره الفعّال، ومواقفه الصلبة؛ فلم يكن يلجأ إلى المراوغة أو المساومة عند عرض أفكاره وآرائه، بل كان مباشراً في الحديث، وواضحاً في الرؤية، ودقيقًا في تناول التفاصيل، ويعبِّر عن التزام مهنيّ عالٍ، كما أنه كان متفانياً في أداء واجباته.
ولد الرفيق سمير عبده في العام 1944 في مدينة نابلس، لعائلة فلسطينية عريقة تنتمي إلى كبار تجار السوق القديم ومالكي العقارات في نابلس وغور الأردن. توفي والده وهو في التاسعة من عمره، فنشأ يتيماً، وتربى تحت رعاية جده لوالده.
انتظم في التعليم المدرسي في نابلس إلى أن نال شهادة الثانوية العامة، ثم تابع دراسته في مجال الهندسة المعمارية في جامعة الأزهر في القاهرة، وتخرج فيها في العام 1967.
بعد التخرج، عمل مهندساً في وزارة الأشغال العامة في الأردن حتى العام 1971، ثم انتقل إلى العمل في الجزائر؛ وهناك، انضم إلى الحزب الشيوعي الأردني.
وفي العام 1976، عاد إلى عمان والتحق بشركة سيجما الهندسية التي عمل فيها حتى تقاعده في نهاية العام 2020.
وينتمي الرَّفيق سمير إلى عائلة من المناضلين البارزين..
زوجته، ورفيقة دربه، هي الأديبة والمناضل الشيوعية الراحلة الدكتورة سائدة سلامة خليل عبده، تنتمي إلى عائلة فلسطينية عريقة في النضال الوطني والأممي.
وأثناء دراستها في القاهرة، كانت عضواً نشيطاً في الهيئة الإدارية للاتحاد العام لطلبة فلسطين؛ كما كانت، أيضاً، عضواً في اتحاد المرأة الفلسطينية.
ولاحقاً، عملت في مجال التدريس في الجامعة الأردنية، وكانت عضواً في رابطة الكتاب الأردنيين؛ وقد واظبت، لمدة طويلة، على كتابة زاوية أسبوعية في صحيفة "الرأي" الأردنية، وعلى الكتابة في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، كما كانت عضواً في اتحاد المرأة الأردنية.
كتبت الدكتورة سائدة في الأدب والثقافة والسياسة، وأثرت المكتبة العربية بأطروحةٍ كتبتها عن كبار الروائيين الفلسطينيين.
أما والدة زوجته، فهي المناضلة الراحلة سميحة خليل، التي لقبت بـ"سنديانة فلسطين"، وكانت من أبرز النساء الفلسطينيات اللواتي ناضلن ضد الاحتلال ومشاريعه الاستعمارية. وتعرضت للسجن والملاحقة، كما فرضت عليها الإقامة الجبرية، ومنعت من السفر. أسست جمعية "إنعاش الأسرة" التي قدمت ولا تزال تقدم العديد من الخدمات للأسر الفلسطينية الرازحة تحت الاحتلال، فباتت الجمعية رمزاً من رموز النضال الاجتماعي الفلسطيني.
شقيق زوجته، هو المناضل ساجي خليل، الذي أُبعد إلى الأردن في العام 1974 قبل أن تنتهي مدة محكوميته البالغة سبع سنوات في السجون الإسرائيلية.
يستعيد الرفيق المهندس أحمد نجيب الرشدان ذكرى لقائه برفيقة خالد الذكر، قائلاً: "التقيت بالرفيق سمير عبده بعد عودته من الجزائر في العام 1976؛ وخلال فترة قصيرة من العمل النقابي المشترك، أصبح الرفيق سمير من قادة العمل النقابي البارزين في نقابة المهندسين الأردنيين. فقد حقق نجاحاً نقابياً لافتاً، بالتعاون مع رفاق مهندسين متمرسين في العمل النقابي، من بينهم: أحمد أبو زيد، وشفيق خلاوي، ومنتصر عريقات، وعبد الاله الروسان، وأحمد الرشدان، ومحمود طوالبة، ورفاق آخرين. حيث كنا معاً من مؤسسي القائمة الخضراء التي احتضنت ممثلي الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية في قطاع المهندسين".
ويضيف المهندس الرشدان، قائلاً: "كان الرفيق سمير يتسم بدماثة أخلاقه، وتواضعه، واستعداده الدائم للعطاء، وطيبة قلبه، وسعة صدره. أحب رفاقه في الحزب، وزملاءه في المهنة، وأحبوه. وكان يتميز بثقافته الواسعة وحسن إلمامه في مجالات مختلفة؛ كما كان حديثه لبقاً وشيقاً وعميقاً وبليغاً، يجذب كل من يسمعه. وكان هادئاً ومتواضعاً في نقاشاته، مما فرض على الجميع احترامه وتقديره".
ويوضح الرشدان، قائلاً: "لقد اكتسب الرفيق سمير مكانته القيادية من خلال مواقفه الثابتة في العمل النقابي والسياسي والإنساني، ودفاعه عن حقوق زملائه المهندسين، وسعيه إلى حل مشاكلهم الوظيفية والإدارية. ومن أجل ذلك، كان من الداعمين لوجود نقابة قوية تحتضن المهندسين، وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم، وتهتم بالقضايا العامة، فتعمل من أجل بناء دولة عصرية تواكب تطلعات المواطنين، ويكون الشعب فيها مصدر السلطات، وتكون لقضاياه الأولوية في سياساتها. وكان يعمل بقوة من أجل تعزيز دور العمل النقابي، وجذب الكفاءات المؤهلة لتولي المسؤولية فيه، مع مراعاة القضايا الاجتماعية والاقتصادية".
وكان الرفيق سمير عبده، يرى أن تراجع دور النقابة، يعود إلى ضعف مستوى القيادات النقابية، التي توالت على إدارتها منذ نهاية القرن الماضي، وقلة خبرتها، وافتقارها للشجاعة في الدفاع عن دور النقابة الاجتماعي والسياسي وحقوق منتسبيها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها السياسات الليبرالية والأزمات الاقتصادية المتكررة؛ ويعود، كذلك، إلى تراجع مستوى محاسبة قيادات النقابات عن أدائها المتدني.
كما أنه كان مدركًا لتأثير السياسات الليبرالية السلبي على فعالية العمل النقابي. وقد تزامنت مع هذه السياسات هجمة منسقة من القوى الرجعية المحلية، أدت إلى تقويض أساسات العمل النقابي التقدمي، وأشاعت، في المقابل، النزعات والأساليب الانتهازية. الأمر الذي انعكس سلباً على أعضاء النقابات والمجتمع بشكل عام.
ومما يزيد من خطورة تراجع دور النقابات وضعف القيادات النقابية، هو السياسات الاقتصادية الرسمية المعادية لمصالح الجماهير الشعبية، والتي أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، وانقسام المجتمع طبقياً إلى فئة قليلة من الأثرياء ثراء فاحشاً، وأغلبية ساحقة تعاني من الفقر والعوز، الأمر الذي يُهدد الاستقرار الاجتماعي.
ويسجل للرفيق سمير دوره الفاعل من أجل تجاوز الانقسامات السياسية والفئوية في العمل النقابي، حيث إنه سعى دائماً إلى بناء توافق وطني في النقابات، مناهض لسياسات التبعية، ويتصدى لآثار لأزمة الاقتصادية على منتسبي النقابات والفئات الشعبية، ويقاوم نهج التضييق على الحريات العامة. وكان يتبنى خطة للنهوض بالعمل النقابي، ترتكز على وعيٍ عميق، وتحالف متين من الفئات المتضررة من سياسات التبعية الاقتصادية، مع مواجهة التدخلات الرسمية التي تهدف إلى تقييد عمل النقابات المهنية وتطويعها.
كما يسجل لخالد الذكر، الرفيق سمير عبده، أنه عمل، من موقعه النقابي والوظيفي، على توسيع دور الحزب الشيوعي الأردني، والتعريف بمكانته كحزب طليعي قاد الكثير من النضالات، وقدّم الكثير من التضحيات، وخرّج قيادات مميزة في تاريخ الحركة السياسية الأردنية، وكان دائماً في مقدمة صفوف النضال الوطني ضد الاستعمار والتبعية.
والآن، يشعر رفاق وزملاء الرفيق سمير، بفداحة غياب دوره القيادي؛ فقد ترك رحيله فراغاً كبيراً، خاصة في ظل المشهد السياسي والنقابي المليء بالتحديات. حيث يواجه الآن كل من يتقدم الصفوف النقابية، قدراً كبيراً من الإحباط، بفعل الأدوات والوسائل التي تهدف إلى إضعاف النقابيين، لصالح تيارات اللبرلة؛ الأمر الذي أدى إلى انقسامات متعددة في صفوف الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، وإلى افتقارها للرموز النقابية الحقيقية.
غادر الرفيق سمير عبده هذه الحياة في الأول من أيلول من العام 2021؛ وبرحيله، خسر العمل النقابي الأردني والحزب الشيوعي الأردني، شخصية قيادية مرموقة ومتفانية، بل رمزاً من رموز النضال من أجل حقوق العاملين والفئات الشعبية، وأيقونة من أيقونات العمل النقابي. وقد ظل، حتى آخر أيام حياته، متمسكاً بمبادئه، ومؤمناً بحق شعبه في الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، وبحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه، والعودة إليها، وتقرير مصيره على ترابها، وبحقوق جميع الشعوب في الاستقلال والحرية والديمقراطية.
رحل الرفيق سمير عن هذه الحياة، تاركاً خلفه إرثاً مشرفاً وغنياً من العمل النقابي الناجح، والسلوك الإنساني الراقي، والتفاني في النضال من أجل حقوق الكادحين والاشتراكية. وذكراه مضمخة بعبير القيم النبيلة؛ قيم النضال المثابر العنيد، والمواقف المبدئية الثابتة.
لذكراه العطرة المجد والخلود.