من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية -عن منتديات يساري - 4
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 19 - 15:40
سياسة "الغلاسنوست" الغورباتشوفية تخدم وتقوي التيارات الأيديولوجية البرجوازية
عندما طرح غور باتشوف سياسة الغلاسنوست في الاتحاد السوفيتي برز في البداية كثير من السلبيات التي تتعارض مع روح الاشتراكية والتي أقدم عليها في السابق سرياً ثم وضحت للجميع فيما بعد . في هذه النقطة، من الممكن رؤية أن بروز هذه السلبيات مفيد للتوجه نحوها بإصرار لإزالتها. وفي الحقيقة من الصعب النضال ضد فعالية سرية لأنه لايمكن تحديدها بدقة.
إن إحدى المهمات الرئيسية للسلطة الشيوعية هي العمل على إزالة كافة الأسس التي تولد الغربة والانحلال. ويفهم بشكل جيد أن إزالة الأسس التي تولد السلبيات عمل لايتم في ليلة وضحاها. وعلى العكس، هذه المهمة تتطلب نضالاً عنيداً، ولايمكن إنجازها إلا في زمن طويل. ولكن بجهود خلق الإنسان الاشتراكي، والثقافة الاشتراكية، واستمرارية مواجهة العادات الاجتماعية القديمة، وقوة تأثير الثقافة الإمبريالية تحاصر القيم الأخلاقية والأيديولوجية الغريبة عن الاشتراكية، ويعمل على انتشارها من جهة أخرى.
والآن ضمن إطار الخطوط العامة لغلاسنوست غورباتشوف سنعمل على إظهار كم هي بعيدة عن ضرورات تقديمها على الرغم من مظهرها المفيد.
عندما طرح غورباتشوف سياسة الغلاسنوست أشار إلى مالم يكن سراً في الاتحاد السوفيتي من تحوله إلى مؤسسات دب فيها الانحلال والتفسخ، وقدم غورباتشوف هذه السياسة أداةً للنضال ضد هذا. ولأنه في البداية لم يطرح نيته الحقيقية فليس فيما طرحه جانباً يرفضه الماركسيون اللينينيون. ولكن كلما توضحت الغلاسنوست في التطبيق العملي، ظهرت أنها تحضيرات أولية ((للتعددية الحزبية)) في المجتمع. وبعرض السلبيات، وعدم اتخاذ موقف راديكالي منها، وجدت الغلاسنوست إمكانية التطور السريع على قاعدة ليبرالية أوجدها الانحلال. ومن هنا توضح جلياً أن الغلاسنوست لم تستخدم كأداة نضال ضد اللاحافزية كما قيل. وهكذا سقط قناع الغلاسنوست وشوهد خلال فترة قصيرة أن الهدف الحقيقي للغلاسنوست هو تحقيق التعددية الحزبية البرجوازية في المجتمع، والاعتراف بإمكانية تطور التيارات الأيديولوجية البرجوازية. وفي إطار هذه الإمكانية، وكنتيجة غير مباشرة لتطبيقات السياسة الإصلاحية في الاتحاد السوفيتي ظهرت إلى العلن التيارات الأيديولوجية التي كانت قد وجدت إمكانية العيش، وحصلت على إمكانية التطور والانتشار. وعلى الرغم أن بعض هذه التيارات تمظهرت بالاشتراكية، ولكن بعضها وضعت برنامجاً يهدف إلى هدم الاشتراكية علناً.
وحسب ( دوبر وهوتوف ) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي: (( إلى جانب القوى المؤيدة للمونارشية، توجد مجموعات فاشية صغيرة متطرفة جداً، ومجردة))( جريدة مليّت - شباط - 199.)
فتح مفهوم (( التعددية الحزبية )) بحالته هذه الطريق أمام توليد فعاليات اجتماعية عشوائية تجلب خطورة الانجرار إلى الليبرالية البرجوازية. قوت الغلاسنوست هذه الفعاليات وأججتها. اكتسب الإنسان السوفيتي عبر تقاليده التاريخية تصرفاً يجعله لايحتمل الانحراف عن الاشتراكية. ولكن مع إصلاحية خريتشوف بدأ هذا الإنسان يفقد هذا التقليد تدريجياً، حتى إنه تهيأ لتبني الموقف الليبرالي إزاء التيارات البورجوازية. وهكذا بدأت مواجهة قوة التيارات السياسية البورجوازية بشكل طبيعي. حتى إنه اعتبر وجود تيارات من كافة الأنواع ضرورة أساسية للديمقراطية.
رسخت الغلاسنوست عادات محاكمة القيم الاشتراكية المخلوقة في المجتمع سلبياً، وأبرزت جوانب تقديم أرضية تقوي التيارات الأيديولوجية البورجوازية.
الآلية الأعلى في الاشتراكية الحائلة دون تقوية التيارات البورجوازية هي آلية الحزب الشيوعي السوفيتي، وهذه الآلية بقيادة نهج غورباتشوف فاتح الطريق أمام التعددية الحزبية (( لضرورة الغلاسنوست )) قدمت أرضية أمنت راحة عمل التيارات البورجوازية في حالة عدم امتلاك هذه التيارات حيوية القيام بهذا، وعدم نيتها القيام به. في وسط كهذا لن تجد التيارات البورجوازية مقاومة جدية، وتؤخذ كثير من الأفكار التي حكم عليها ((البرونز والبلطة)) في الماضي، وتُلمَّع، وتدفع إلى الساحة.
أصبح عندما يقال: حرية. فيخطر على البال حرية تطوير القوميات في الجمهوريات بعد أن أصبحت تغلي داخلياً نتيجة السياسة الإصلاحية الرجعية المطبقة عبر سنوات طويلة، وسحق الأممية تحت الأقدام. وعندما يقال: غلاسنوست فيخطر على البال حرية نفث الثقافة الإمبريالية للسموم في العقول. مع أن مفاهيم مثل حرية، ديمقراطية، علنية في الاشتراكية يجب فهمها بما يناسب خدمتها للاشتراكية وحيلولتها دون تطوير قوى الثورة المضادة. أما في الحالة العكسية ستذهب الحاكمية الحقيقية من أيدي القوى الاشتراكية مهما كانت النيات الشخصية. إن المأزق الذي يعيشه الاتحاد السوفيتي بسبب عدم وجود قوة تمسك الاشتراكية في المجتمع على قدميها، وتجعلها تجدد نفسها، وعدم وجود حيوية تتجه إلى الأمام لكونها وقعت ضعيفة جداً .
لهذا السبب فقد وصلت النية الحقيقية التي وراء الغلاسنوست إلى هدفها، وجعلت التعددية السياسية في الاتحاد السوفيتي على درجة من القوة فتحت الطريق أمام تأثير التيارات البورجوازية في الحلبة السياسية وغدت واقعاً مفروضاً.
عندما تقيم البرويسترايكا ضمن هذا الإطار يفهم أنه ليس لها هدفاً سوى تأمين تأسيس التعددية الحزبية. لأنه لاحاجة لإتعاب العقول كثيراً لفهم أنها تفتح الطريق أمام تيارات سياسية مختلفة في المجتمع لتعبر عما تريد بشكل علني ، وتقوية هذه التيارات ، وأن هذه التيارات ستجلب معها التنظيم والمطالبة بلعب دور في سياسة البلد . وخدمت البرويسترايكا هذا ، فقد قرر الموتمر الثامن والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي تنظيم مختلف التيارات السياسية التي قويت. وأثناء اجتماع قاعدة الموتمر الثامن والعشرين أبرز غور باتشوف في معرض حديث له أنه على الرغم من الأخطاء التكتيكية لكن البروايستريكا باستراتيجيتها العامة تتقدم في الطريق الصحيح، مثبتة ما قلناه .
يتبع