مهدي عامل و -مفهوم الدولة-
هيفاء أحمد الجندي
2024 / 11 / 19 - 09:07
يمكن التكلم على صعيد السلطة السياسية ومن منظور مهدي عامل ، عن تحالف طبقي بورجوازي مسيطر من نوع خاص ، هو القائم بين الفئة المهيمنة من البورجوازية " الطغمة المالية" وفئة منها غير مهيمنة ،هي بالتحديد التي تكونت في " اقطاعات سياسية" والتحالف هذا من نوع خاص ، لأن الفئة غير المهيمنة هي التي تحتل في السلطة السياسية الموقع الطبقي الذي يعود بشكل طبيعي وضروري للفئة المهيمنة، والغريب في الأمر ليس في أن تحتل الفئة الغير مهيمنة من البورجوازية في السلطة موقع الفئة المهيمنة، وينتج عن ذلك أزمة هيمنة طبقية عنيفة وجدت فيها الفئة المهيمنة من البورجوازية نفسها ، مرغمة على اللجوء الى وسائل فاشية معادية للديمقراطية البورجوازية للوصول الى موقع الهيمنة في السلطة ، كحال ألمانيا النازية حيث لم يجد الرأسمال الكبير، سوى طريق الفاشية طريقا لفرض هيمنة طبقية والطريق في البورجوازية اللبنانية ، هو أن فئتها المهيمنة بهيمنة قطاع الخدمات قد ارتضت طوعا بما يشبه الاستقالة السياسية في بناء النظام السياسي لسيطرتها الطبقية وأدواته "الدولة وأجهزتها"، على شكل طائفي هو الذي يفرض بالضرورة وجود تلك الاقطاعات السياسية في الدولة في موقع الهيمنة الطبقية ، وتفويض الاقطاعات السياسية من قبل هذه الفئة المهيمنة هو ابقاء الطبقات الكادحة في حالة من الشلل السياسي ، الذي تعجز فيه عن تغيير هذا النظام وأن شللها السياسي يكمن في عدم تكونها في قوة سياسية مستقلة ، هي في علاقة السيطرة الطبقية البورجوازية وان العلاقة السياسية التي تستحيل فيها الطبقات هذه طوائف ، هي التي تولد شللها السياسي والبورجوازية الكولونيالية تفتقد هذا النفوذ السياسي ، الذي تمتلكه تلك الاقطاعات بحكم موقعها السياسي التقليدي المسيطر في علاقات الانتاج السابقة على الرأسمالية ، والمتجدد بتجدد هذه العلاقات بفعل آالية الانتاج الكولونيالي نفسه، والبورجوازية الكولونيالية تفتقد هذا النفوذ أو فعل هذه السلطة على الجماهير الكادحة لا سيما في الريف ، وتعجز عن القضاء عليه بنفوذ طبقي خاص بها يحل محله ، بسبب الشروط التاريخية التي تكونت فيها كطبقة مسيطرة في ظل السيطرة الامبريالية ، أي في ظل هذه العملية التاريخية من تكون علاقات الانتاج الرأسمالية في لبنان كعلاقات انتاج كولونيالية مرتبطة تبعيا وبنيويا بالامبريالية ، وبتكونها الكولونيالي دخلت البورجوازية اللبنانية في أزمة سيطرتها الطبقية ،منذ أن دخلت في طور تكونها الطبقي نفسه .
إن وجود البورجوازية اللبنانية كطبقة مسيطرة في هذه البنية الأزمية بالذات ، هو الذي يفسر لنا عجزها البنيوي عن القيام بشكل مباشر بمهمات السلطة السياسية ، وعن بناء دولتها كدولة ديمقراطية بورجوازية من موقع هذا العجز، الذي يجد أساسه المادي في التكون التاريخي للبنية الاجتماعية الكولونيالية اللبنانية ، كبنية أزمية وفي موقع هذا العجز الذي يجد أساسه نفسه عن تكون طبقة ثورية صاعدة ، قادرة على أن تربط بمصالحها الطبقية المباشرة كطبقة مهيمنة مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية المنتمية إلى علاقات الانتاج السابقة على الرأسمالية، وعن تحويل هذه الطبقات والفئات الوسيطة إلى طبقة عاملة ، من موقع هذا العجز الطبقي عن قيادة التطور التاريخي للمجتمع بحسب منطق التطور الرأسمالي الطبيعي، وعن تأمين الشروط الضرورية لديمومة هذا التطور بديمومة سيطرتها الطبقية ، من هذا الموقع وجدت البورجوازية الكولونيالية اللبنانية ضرورة سياسية طبقية في أن توكل الاقطاعات السياسية مهمة القيام بدورها السياسي في الدولة ، في قيادة مصالحها الطبقية وفي تأمين الشروط الضرورية لمنع تكون الطبقات الكادجة كقوة اساسية مستقلة، ومن موقع قدرتها الطبقية على تأمين هذه الشروط الطائفية .
احتلت الاقطاعات السياسية في السلطة موقع الهيمنة الطبقية ،من غير أن تكون الفئة المهيمنة ومن غير أن تتناقض مصالحها الطبقية الفئوية مع مصالح هذه الفئة المهيمنة، ومن موقع قدرتها على ضبط حركة الصراع الطبقي في صراع طائفي ، دخلت الاقطاعات السياسية هذه في تحالف طبقي بورجوازي مسيطر ، من نوع خاص هو الذي تتحدد فيه الطغمة المالية كفئة مهيمنة تحكم باسمها وتقود مصالحها الطبقية ، اقطاعات سياسية طائفية لا يتأمن وجودها في الحكم واستمرارها ، إلا بمقدار ماتقوم به من موقع وجودها في الدولة من موقع الهيمنة الطبقية بقيادة المصالح الطبقية للطبقة المسيطرة، بحسب مصالح الفئة المهيمنة " الطغمة المالية" التي بتأمين مصالحها ، تتأمن مصالح الطبقة المسيطرة والمصالح الأساسية لهذه الفئة تكمن بالتحديد في تأمين ديمومة الهيمنة لقطاع الخدمات ، وهذا ما كانت تقوم به على خير وجه دولة الاقطاعات السياسية ، التي هي كدولة طائفية دولة البورجوازية نفسها وليست دولة الطوائف كما يحلو للايديولوجية البورجوازية ان تقول ، التي تتحدد سلطتها في طابعها الطبقي الرئيسي من حيث هي سلطة الطغمة المالية .
إن الموقع هذا الذي تحتله "الاقطاعات السياسية" في الدولة ، هو في وجه رئيسي منه ثمن أو ريع تتقاضاه لقاء خدماتها السياسية الطبقية في ضبط حركة الصراع الطبقي في صراع طائفي يؤمن للنظام ديمومة التجدد ، لقاء هذه الخدمات تحظى الاقطاعات السياسية بمواقع نفوذ لها في الدولة ، تسخرها لخدمة مصالحها الاقتصادية في إطار هذا الشكل من التحالف الطبقي القائم على تبادل الخدمات ، ويتم تقاسم الأدوار بين الطغمة المالية والاقطاعات السياسية ويتم بالتالي تقاسم الامتيازات، في استغلال الطبقات الكادحة باسم التمثيل الطائفي أوامتيازات الطوائف و يتحدد هذا السلم الطائفي الذي يؤمنه النظام السياسي ، كإطار هو الافضل لديمومة التجقق الآلي ، لعملية الاستغلال الطبقي البورجوازي ...لهذا انبنت الدولة على شكل طائفي هو شكلها البورجوازي الملائم ، لهذا السلم الاجتماعي الطائفي الضابط لحركة الصراع الطبقي من جهة، والملائم من جهة أخرى لهذا التحالف الطبقي على صعيد السلطة الذي تقوم فيه الفئة الغير المهيمنة من البورجوازية المسيطرة "الاقطاعات" ، بدور الفئة المهيمنة في قيادة المصالح الطبقية للطبقة المسيطرة أو للتحالف الطبقي البورجوازي المسيطر بإنبنائها على هذا الشكل الطائفي ، الذي هو شكل النظام السياسي لسيطرة البورجوازية والذي يجد أساسه المادي في البنية الاجتماعية الكولونيالية اللبنانية ، من حيث هي بنية أزمية لم تعد الدولة تتحدد كأداة هذه السيطرة الطبقية أو كجهاز القمع الطبقي الذي يتأمن هذا السلم الاجتماعي الطائفي ، بل إنها باتت تتحدد بالاضافة إلى ذلك أو على الاصح ، بهذا التحدد نفسه من حيث هي الإطار المؤسسي الذي يتجدد هذا السلم الطائفي ، وفيه تتم إعادة إنتاج الطوائف باعادة إنتاج العلاقة الطائفية من حيث هي علاقة سياسية من التمثيل الطائفي . إن هذه الدولة هي الجهاز الرئيسي الذي فيه وبه يعاد انتاج الطوائف والجهاز هذا سياسي بالدرجة الاولى ...
والإعادة المستمرة لعلاقات الإنتاج الكولونيالية ، يتم إعادة انتاج العلاقة الطائفية أي إنتاج الطبقات الكادحة طوائف ، وهنا تتجدد الدولة بسبب احتلال الاقطاعات السياسية فيها موقع الهيمنة ، كمجموعة من مواقع النفوذ ومن الطبيعي أن تكون دولة البورجوازية مهددة باستمرار بحركة تناقض مأزقي ، هو تناقضها البنيوي والذي هو أساسي لوجودها السياسي كدولة بورجوازية ولكنه في الوقت نفسه هو عامل تفكيك لها وتعطيل لوجودها السياسي نفسه.
الدولة البورجوازية في البنية الاجتماعية اللبنانية هي الدولة الطائفية التي يعود فيها للاقطاعات السياسية ، دور تأمين ديمومة التجدد لعلاقة التمثيل السياسي الطائفي التي فيها تتكون هذه الاقطاعات كفئة من البورجوازية ، فيما تتكون فيها الطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية كطوائف...
وتحل علاقة التعايش الطائفي محل التناحر الطبقي في تمثيل سياسي للطوائف ، بعد أن استحالت الطبقات والفئات الشعبية طوائف ، وبقيت الطبقة البورجوازية واحدة لئن كانت الدولة الطائفية ، تؤمن لفئات الطبقة المسيطرة تماسكها الطبقي في وحدة تحالفها البورجوازي الكولونيالي، فهي تحدد لهذه البنية الاجتماعية شكلا من التماسك الطائفي هو شكل تفككها الداخلي الفعلي، وتفككها هذا الذي هو أساس لتماسكها الطائفي.
التفكك الداخلي الذي تولده الممارسة السياسية الطائفية للبورجوازية ، هو اذن القاعدة المادية التي تقوم عليها السيطرة الطبقية لهذه البورجوازية، وهو الذي بحركة تجدده المستمر يؤمن ديمومة التجدد لهذه السيطرة الطبقية، التي بدورها تسعى الى تأمين التجدد لهذا التفكك البنيوي الذي هو قاعدتها البنيوية، وهنا يكمن دور الدولة الطائفية فعلى نقيض الدولة البورجوازية التي هي في البنية الاجتماعية الرأسمالية عامل توحيد بحسب الايديولوجيا البورجوازية مبدأ وحدتها (هيغل) ، أما الدولة الطائفية من حيث هي دولة البورجوازية الكولونيالية هي عامل تفكيك لهذه البنية ، إنها بتعبير أخر وحدتها الطبقية هي أداة البورجوازية في ضبط اعادة انتاج البنية الاجتماعية ، من حيث هي إعادة انتاج تماسكها الطائفي باعادة انتاج تفككها البنيوي.
ما نراه بالملموس ، هو أن البورجوازيات الكولونيالية العربية تقف في ممارسة سيطرتها الطبقية ، عاجزة عن تأمين وحدة التماسك الداخلي للبنيات الاجتماعية التي هي فيها الطبقات المسيطرة ، وما نهج تفتيت البنيات الاجتماعية وتجزئتها الذي تسير فيه سوى الأثر الضروري الذي يولده عجزها عن ممارسة سيطرتها الطبقية ..
ومفهوم الدولة الطائفية في تلازمه بمفهوم الدولة البورجوازية ، يقضي بضرورة أن تكون الدولة الطائفية من حيث هي علاقة بين ممثلي الطوائف في السلطة ، ومن حيث هي أيضا علاقة تمثيلهم الطائفي بالسلطة علاقة هيمنة طائفية ، إن في هذه الدولة التي هي دولة البورجوازية موقع الهيمنة الطبقية ، لا بد أن يكون فيها حكما موقع هيمنة طائفية لأنها بالتحديد دولة طائفية وموقع الهيمنة الطبقية في دولة البورجوازية ، لا يمكن أن يكون إلا هيمنة طائفية لأن الدولة انوجدت كدولة طائفية ، ووجودها السياسي الطائفي أساسي لوجودها الطبقي كدولة بورجوازية .
إنه تضليل ما بعده تضليل، أن يرفع البعض شعار بناء الدولة المحايدة والوطنية والحديثة العقلانية ، وهو لا يعدو كونه طرح فيبري نسبة إلى عالم الاجتماع "ماكس فيبر" الذي حلل جوهر الدولة من موقع الطبقات المسيطرة ، ذلك أن الطبقات تجد مصلحة في إخفاء الطابع الطبقي الخاص بسلطتها ، واظهار هذه السلطة بمظهر مستقل كأنها سلطة الجميع ... إذن هو تحليل ايديولوجي ، بل هو شكل محدد من التحليل الطبقي خاص بفكر الطبقات المسيطرة الذي يختفي فيه الطابع الطبقي للتحليل ، لذا وجب النظر في السلطة السياسية من موقع نظر الطبقة التي هي نقيض الطبقة المسيطرة ،حتى نتمكن من تحديد المفهوم العلمي للسلطة السياسية . فالمفهوم العلمي هذا لا يتحدد إلا من موقع هذه الطبقة الثورية النقيض ...من هذا الموقع يتكشف الطابع الطبقي الخاص بالسلطة السياسية القائمة ، لأن من هذا الموقع وحده تتكشف علاقة هذه السلطة ببنية علاقة الانتاج القائمة ، التي بها تتجدد فتنكشف علاقتها الفعلية بسيطرة الطبقة المسيطرة ، وعندها تختفي العلاقة التي بها تتحدد فتنكشف علاقتها الفعلية بسيطرة الطبقة المسيطرة، وعندها تختفي العلاقة التي تربط الظاهرة السياسية بالقاعدة المادية أي بنية علاقات الانتاج القائمة ، فتختفي بالتالي العلاقة التي تربط السلطة السياسية بالطبقة المسيطرة فتحددها كسلطة طبقية، فضلا عن أن تغييب الاقتصادي يقود إلى تغييب السياسي نفسه بما هو حركة الصراع بين الطبقات ، أو إلى تمويهه بإظهاره كأنه تمظهر الجوهر في إرادة السيطرة وبهذا التغييب المزدوج ، يجري تغييب كل طابع طبقي لأي ظاهرة اجتماعية سواء كانت سياسية أم غير ذلك ، فيحل الفردي محل الطبقي والذاتي محل الموضوعي والارادي محل الضروري ويحل محل منهج التحليل الطبقي ، منهج التحليل الوصفي التجريبي لظاهرات قطعت عن بنياتها وجردت عنها فبدت بهذا المنهج كأنها قائمة بذاتها .
ولذلك يمكن القول بإن تحديد الاقتصادي بوسائل الانتاج أو بالقوى المنتجة هو ببساطة تحديد له من موقع نظر البورجوازية المسيطرة ، أما من موقع نظر الطبقة العاملة والحركة المادية للتاريخ ، فالاقتصادي يتحدد في الفكر الماركسي بعلاقات الانتاج التي في اطارها البنيوي تتطور القوى المنتجة وبها يصطدم تطور هذه القوى، لذلك ينبغي القول بإن تحديد الاقتصادي بعلاقات الانتاج أساسي ، لفهم الاختلاف المعرفي بين الفكر البورجوازي والفكر الماركسي ولفهم الحركة المادية للتاريخ في أزماتها وفجاءاتها الثورية ، وضرورات تغيير القاعدة المادية للمجتمع والتي هي قاعدته القائمة بعلاقات الانتاج فيه ، كشرط لتحرير قواه المنتجة انها الفباء الماركسية فكيف يصح النقد على قاعدة الجهل وكيف يكون الجهل أداة للنقد؟!!