المرور إلى الإشتراكية.


أحمد زوبدي
2024 / 11 / 18 - 02:52     

سوف لن أعالج في هذه البطاقة الخاطفة جدا مرحلة الانتقال(période de transition ) إلى الإشتراكية/ الشيوعية التي تتطلب عرضا خاصا يتعلق بالجوانب التاريخية و السياسية، سأقوم هنا بالحديث عن موضوع المرور إلى الإشتراكية/الشيوعية، وهو جانب من جوانب الانتقال إلى هذا النظام الاجتماعي، موظفا مفهوم الميطامورفوز (métamorphose )، الذي ترادفه كلمة التغير أو التحول. استعملت كلمة مرور لأن الأمر يتعلق بعرض التحولات التي تعرفها بنيات الرأسمالية أكثر منه بنيات ما بعد هذا النظام يعني ميطامورفوز بنيات الرأسمالية المتهالكة. المرور يهم تغيير جذري في الرأسمالية نفسها مهيئا لمرحلة الانتقال التي تكون أعمق بكثير.
عرفت الرأسمالية اليوم ومن جديد، وهذا من خصائص تناقضاتها، وبالضبط منذ أن انطلقت الثورة الرقمية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن ال21 ، تغيرات ( métamorphoses) على مستوى بنيات الإنتاج والتراكم مصحوبة بتغيرات على مستوى الوعي الإجتماعي أي انتقال المجتمعات من بنيات تتميز بالتكافل والتضامن والقيم الإنسانية النبيلة أي المجتمعات الكلية ( sociétés totales) إلى مجتمعات مفتتة( sociétés atomisées ) تؤسس لبنيات تتميز بسيطرة قيم الأنانية والتباهي بالمال والجاه بما فيه الكسب غير المشروع والأشياء التافهة محل العمل على كسب القيم الرمزية مثل القيام بالأعمال الإنسانية والخيرية والتفاني في النضال وكسب العلم والمعرفة ومحاربة تسليع العلاقات الإجتماعية التي تحولت إلى علاقات مرتبطة بعالم البضاعة بما فيها الأملاك الجماعية كالمعرفة والماء والأرض. فضلا عن هذه التحولات العميقة في النظام الرأسمالي، نلاحظ بالمقابل تكريس لنمط التطبع الاجتماعي ( mode de socialisation ) ؛ كما تعرف الرأسمالية أشكال جديدة في سلوكات وأنماط العيش والعمل والتكوين والنقل والديموغرافيا. كل هذا يؤهل لبلورة شروط تجاوز الرأسمالية وتوفير ظروف الانتقال الى نظام اجتماعي يوفر شروط المساواة والعدالة والحرية. تجاوز الرأسمالية إما من خلال ثورة ثقافية تؤهل لثورة سياسية أو عبر ولادة عسيرة من رحم النظام القائم في اتجاه نظام اجتماعي كفيل بصيانة كرامة الإنسان في كل مناحي الحياة. هذا النظام هو الاشتراكية، كمرحلة بدئية في الشيوعية.
من ناحية أخرى، مكنت الثورة الرقمية اليوم من اختصار منظومة العمل من خلال الرقمية المتطورة والعمل عن بعد( télétravail)، التي يصفها البعض أمثال اندري غورز بالرأسمالية المعرفية (capitalisme cognitif). وقد تنبأ كارل ماركس لهذا التطور الهائل في نظام الإنتاج الذي توفره التقنية والتقدم التكنولوجي. الشيء الذي يسمح بتوفير أوقات الراحة أو الوقت الثالث، تم على المدى البعيد سيفتح الباب ليصبح العمل في الدرجة الصفر لتعوضه الآلة الرقمية التي ستوفر للإنسان كل حاجيات الحياة بل سيصبح الإنسان دون دور في مسلسل الإنتاج أي أنه سيصبح يستهلك دون أن يعمل. الإنسان سيصبح في وضع اللانشاط ( oisiveté) شأنه شأن وضع العاطل عن العمل لكنه يتوفر على كل شيء؛ يتوفر على الأكل والنقل والسفر والاستجمام بانتقال المجتمع الإنساني من مجتمع الندرة في ظل الرأسمالية وما بعدها إلى مجتمع الوفرة في الشيوعية.
لكن رغم هذا التطور الهائل وغير المسبوق في قوى الإنتاج، فإن علاقات الإنتاج تبقى عائقا أي لا تسمح بمد جسور مجتمعات عادلة توفر شروط الحرية والكرامة بل هناك العكس أي أن علاقات الإنتاج القائمة تفرض نمط انتاج رأسمالي متهالك يسيطر فيه الاستغلال والظلم. مما يستدعي تغيير في علاقات الإنتاج، وهو المشروع الاجتماعي الذي يميز نظام ما بعد الرأسمالية أي الإشتراكية في نسختها المستقبلية بعد أن فشلت التجربة الاشتراكية.
تصبح الدنيا "جنة" على المستوى المادي وربما النفسي إذا تمكن الإنسان من القضاء على القلق الوجودي، الذي يبقى المعادلة التي استعصي على الفلاسفة خصوصا فك رموزها.
على سبيل التذكير، الإشتراكية التي عرفتها البشرية في الاتحاد السوفياتي على وجه الخصوص هي تجربة عرفت الفشل لأسباب منها البيروقراطية وتهميش الطبقة العاملة في تملك وسائل الإنتاج التي بقيت في حوزة الدولة وهو ما دفع الكثير من المنظرين للقول أن الإشتراكية التي قامت بالفعل في الاتحاد السوفياتي ما هي رأسمالية دون رأسماليين ( capitalisme sans capitalistes). من جهة أخرى، هناك من يعتقد أن فشل هذه التجربة يكمن في التأخر الذي عرفه هذا البلد في مجال التكنولوجيا التي كانت موجهة إلى السوق الداخلي لتلبية الحاجيات الأساسية للسكان وتم إغفال السوق الخارجية الذي عرف تفوق الغرب الرأسمالي في مجال التكنولوجيا المتقدمة المحتكرة للأسواق الخارجية بفصل تنافسيتها المرتفعة. في ما يخص الصين، فقد احتفظ هذا البلد بنواة الإشتراكية من خلال آليات التخطيط الاجباري ومراقبة القطاع الخاص والرعاية الاجتماعية المتقدمة. الصين وظفت آليات السوق لتليين منظومة التخطيط المعروفة بالصرامة في ما يخص الحفاظ على منظومة أسعار مستقرة عوض منظومة الأسعار المتقلبة في الرأسمالية التي تتسبب في ارتفاع كبير في الأسعار مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم تم إلى الركود والتضخم الركودي. هذا الانهيار الذي عرفه الاتحاد السوفياتي دفع ايديولوجيو الرأسمالية للتسويق لوصفات من قبيل أن الرأسمالية هي أرقى ما وصلت إليه البشرية وبالتالي فهذا النظام هو النظام الأبدي، كما اعتقد فوكوياما في أطروحة "نهاية التاريخ"( Fin de l histoire) والتي كذبتها الأحداث أي الأزمات المتكررة للرأسمالية التي تعرف اليوم انفجارا من الداخل (Implosion)، مما جعل هذا الأخير أي فوكوياما يتراجع عن هذه أطروحته المزيفة.