حين عرّف سارتر الإبادة الجماعية


عبد المجيد السخيري
2024 / 11 / 17 - 16:14     

ما تزال الكراهية الجاهلة لجان بول سارتر أقوى خلال الفترات الرجعية. وما نزال هناك، وها هي الحماقات أو الاساءات التي تخصّه موجودة لإثبات ذلك (1). ولعل إعادة نشر بعض نصوصه المنشورة بين عامي 1966 و1970 يسمح بفهم هذه الكراهية بشكل أفضل حيث يتناول الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي من خلالها ثلاثة مواضيع مثيرة للجدل: توصيف الإبادة الجماعية لجرائم الحرب الأمريكية في فيتنام، الصراع العربي- الإسرائيلي 1967 وماي 68 (2).
في عام 1966، وافق سارتر على رئاسة محكمة راسل، التي ستحاكم سياسة الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا. بالنسبة له، "لم تكن لإدانة قادة ألمانيا النازية من قبل محكمة نورمبرغ من معنى لو لم تنطوي على أن أي حكومة سترتكب في المستقبل أفعالًا مستهجنة ستخضع لمحكمة مماثلة». وقد تم الطعن في حكمه بزعم أن جرائم الحرب ارتكبت من الجانبين. فأجاب: "أرفض وضع فعل مجموعة من الفلاحين الفقراء، المطاردين، والمجبرين على فرض انضباط حديدي بين صفوفهم، على قدم المساواة بما قام به جيش ضخم مدعوم من قبل بلد صناعي فائق يبلغ عدد سكانه 200 مليون نسمة. (...) فخلال الحرب الجزائرية، رفضت دائما أن أضع إرهاب القنابل، الذي كان السلاح الوحيد المتاح للجزائريين، على نفس مستوى أفعال وانتهاكات جيش تعداده 500 ألف يحتل البلد بأكمله ". يعد كل هذا أذكى من العديد من مناقشاتنا... كما يذكر سارتر زيارة إلى غزة، والفلسطينيين الذين يعيشون هناك "في حي فقير شاسع" إنما الذين ما نزال نتظاهر بأنه يتم طردهم من "المكان الذي يعملون فيه، حيث ولدوا".
كان على محكمة راسل أن تجيب على السؤال: "هل حكومة الولايات المتحدة مذنبة بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفيتنامي؟". وكانت الإجابة ب«نعم» بالإجماع. وقدّر القضاة أنه، في حرب شعبية، من المستحيل التمييز بين مقدمة الجبهة والخلف، وبين المدنيين والمقاتلين. وبالتالي، فإن مجازر الجيوش الاستعمارية أو الإمبراطورية التي تشارك في تدمير جزء من المجموعة "لترويع الباقين وتفكيك المجتمع" لها طابع الإبادة الجماعية. وكما يلخص سارتر، فإنه ينبغي لهم " إزالة المياه من الجرة ، أي السكان المدنيين": وليس فقط "ترهيب الشعب، ولكن تصفيته جسديًا".
لقد كانت للمقاومة في الولايات المتحدة، بحسب سارتر، عواقب سعيدة في أماكن أخرى ... في ماي 1968: "حيث علّمتنا الفيتنام أن حقل الممكن شاسع، وأنه لا ينبغي أن نستقيل. وقد كانت هذه هي رافعة التمرد الطلابي، والتي فهمها العمال ". حينها وقع الدومينو في الاتجاه الصحيح.
لا يخلو الحكم السياسي لسارتر من العيوب. هكذا، فقد منعه مقته لشارل ديغول من إدراك أهمية خطاب فنوم بنه Phnom Penh في عام 1966 وأهمية انسحاب فرنسا من القيادة المندمجة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما أنه أيضا انتقد، وبحجج ضعيفة مثيرة لديه، الحظر المفروض على تسليم الأسلحة إلى إسرائيل الذي قرّره الإليزيه في عام 1967: "لقد وقعنا عقدًا، وتلقينا أموالًا. لذلك علينا بالمقابل تسليم المنتج المحدّد في العقد "... وإنه لدائما أكثر إقناعا عندما يرفض الفكرة التي طرحها هربرت ماركوز من أن الطبقة العاملة التي قام المجتمع الاستهلاكي بتذويبها لن تكون قوة ثورية. ومرة أخرى ماي 68: "لم يكن الطلاب وحدهم على أية حال. فقد تبعهم عشرة ملايين من المضربين".
وعندما يتصرف سياسيًا، يعبر سارتر عن نفسه ببساطة. إنه لا يسعى لا إلى لفت الانتباه، ولا إلى إضفاء طابع أخلاقي حتى لا يلتزم بأن يكتفي بدعوة الأبطال ذوي الأيدي القذرة. فعلى خلاف ألبرت كامي الذي يبجّله الجميع اليوم، من اليمين إلى الفوضويين؟ وهذا ما يشير إليه أوليفييه غلواغ في كتاب قاس أحيانًا إنما ليس كذلك بالنسبة لأجواء الزمن (3). فوفقًا له، إذا كان كامي «موضة»، فذلك لأننا نعشق معاداة الشيوعية لمؤلف "الانسان المتمرد" بينما لن نغفر أبدًا لسارتر قوة التزامه المناهض للاستعمار.

هوامش
(1) في آخر الخرجات، تفرّد ميشال أونفري بما كتبه في "الاسلامو-يسارية هي نزعة فاشية"، لو فيغارو ماغازين، باريس، 20 أكتوبر 2023.
(2) جون-بول سارتر، مواقف، الجزء 8 (نوفمبر 1966-يناير 1970)، غاليمار، باريس، 2003.
(3) أوليفييه غلواغ، نسيان كامي، لافابريك، باريس، 2023.

المصدر:
Serge Halimi, « Et Sartre définit le génocide », Le Monde Diplomatique (Mars 2024). https://www.monde-
diplomatique.fr/2024/03/HALIMI/66676#:

ترجمة : عبد المجيد السخيري