من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية-عن منتديات يساري 2
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 17 - 13:59
الحلقة الثانية
غورباتشوف: ضوء في نفق مظلم(!)
غدا غورباتشوف الذي وصل إلى الأمانة العامة للحزب الشيوعي السوفيتي في المؤتمر السابع والعشرين من أكثر السياسيين الذين حكي عنهم خلال سنتين. وفي السنوات التالية ازدادت هذه الشعبية ووصلت إلى ذروتها سنة1989 .ما هي الخصائص التي جعلت غورباتشوف يناقش بهذا الشكل في كل من النظامين الإمبريالي والاشتراكي؟ قبل كل شىء يجب الإجابة عن هذا السؤال.
بعد أن بدأ غورباتشوف و مجموعته العمل ، قيّم الدول الاشتراكية ، وبشكل خاص اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وطرح أساسين سياسيين في موضوع النهج الذي سيتبع . أولهما سمي غلاسنوست (العلنية) إما الثاني فهو برويسترايكا (إعادة البناء) .
الغلاسنوست تعني بشكل عام شرح سياسة الحزب للجماهير ، و سياسة العلنية في دولة اشتراكية إنطلاقاً من حقيقة عدم وجود ما يخبئه الحزب عن الجماهير ( عدا بعض الأمور التي تتعلق بأمن الدولة ) ليست سياسة مكتشفة حديثاً . ولكن منذ عهد خريتشوف أصبح الحزب الشيوعي بيروقراطياً ، مضطراً للإنتاج السياسي خلف الأبواب المغلقة . ولأن الشعب (( ابتعد عن سلطته ، ولم يعد سراً على أحد )) شعر الحزب الشيوعي السوفبتي في ظل المعطيات التاريخية التي عاشها بالحاجة إلى الغلاسنوست .
أما إذا نظرنا إلى البرويسترايكا بشكل عام أيضاً فهي السياسة التي تحمل التغير إلى الأمام و تجعل اليوم يتجاوز الأمس في تنظيم العلاقات الإنتاجية الاشتراكية وما يتوجب تحقيقه إدارياً على صعيدي البنيتين التحتية والعلوية ، و صعيد الإنتاجية الاشتراكية ، وأخلاقياً و حقوقياً .. إلخ . لهذا السبب فالبرويسترايكا ليست غريبة عن الاشتراكية بل على العكس فهي مرحلة تنظيمها بالذات.
إذا لم تتجدد الاشتراكية باستمرار،وتتجاوز ذاتها، وتحقق إعادة البناء مجدداً، فهذا يعني أن ثمة الكثير من النواقص في مرحلة التنظيم الاشتراكي. نعم ما حكيناه عن البرويسترايكا والغلاسنوست يمثل النظرة العامة لزاوية الرؤية الماركسية اللينينية . وعندما ينظر إليها من الخارج يبدو غور باتشوف بمثابة ضوء براق في الاتحاد السوفيتي الذي ابتعد كما هو معروف خطوة خطوة عن الاشتراكية . ومما لاشك فيه أنه يثير في نفوس غير القادرين على تمييز الحقيقة خداع البصر، والإحساس بضوء أو خلاص في نهاية نفق مظلم .
قال ماركس قبل سنوات طويلة ((لو لم يكن ثمة فرق بين الظاهر والجوهري لما بقيت ضرورة للعلم )) في هذه الحالة ستكون الحلقة الأساسية في تناولنا لغورباتشوف ليس ما يريد خلقه من مشهد لينيني عبر أقواله، كما ليس ما يقدمه من جرأة في عرض السلبيات . وبما أن((خصوصية أي منظمة تحددها بشكل طبيعي وأكيد مضمون عمليات تلك المنظمة)) (لينين) فنحن مضطرون لتقييم غورباتشوف من خلال خطواته العلمية أكثر من علم المصطلحات والألفاظ الذي يستخدمه .
عند تجريد الأفكار التي طرحها غورباتشوف، والخطوات التي اقترح ضرورة سيرها باسم الاشتراكية من مفهومي الزمان والمكان تعطي مشهداً صحيحاً أيضاً . ولكن من المعروف جيداً أن الماركسية اللينينية تتشكل على تحليلات مادية لظروف مادية، وتتشخص بخطوات مادية ترتبط بالحياة . إذا لم تؤخذ بعين الإعتبار المعطيات المادية للسياسة المطروحة، وينبه إلى الزمان والمكان فهذا يفتح الباب أمام أخطاء كبيرة لاتغتفر، وهكذا تظهر الانحرافات في أكثر الأحيان .
ولأن منطقية أو لامنطقية السياسة المطروحة لاتشكل لنا منطلقاً فإن السياسة التي تبدو لنا لأول وهلة منطقية لاتسمح لنا بالموافقة التاريخية والمادية. وفي الحالة العكسية لامفر من السقوط في المثالية والانجراف خلفها، والكينونة امتيازاً لليمين.
قولنا هذا ينبع من حاجة مادية. لأن الإصلاحي الرجعي بكل ألوانه اعتاد على الكلمات البرّاقة المرصعّة، ووضع ( طماش الدواب ) تحت تأثير احتكارات الإعلام الإمبريالية فأعجب بشكل غريب بغورباتشوف وسياسته اعتباراً من لحظة ضخها إلى العقول. النظر بعين الاحترام إلى ما كان يُرى قبل عدو لدود، والدوران 18. درجة، فرض التذكير بأسس الجدلية المادية المعروفة جداً. السطحية والبدائية منتشرة إلى حد أن الكثير من الناس لايلاحظون ما يجري أمام الأعين ولايستطيعون إبرازه واستنباط النتائج منه. ثمة حقيقة لاجدال فيها هي أن كلماتنا لاتقصد الإصلاحيين الرجعيين التقليدين الذين اعتادوا على تأييد ما يُدافع عنه في الاتحاد السوفيتي في كل الظروف، لأنهم ليسوا من النوع الذي يرجى منه خيراً. ولأنه لايمكن إيجاد أكثر عمى ممن لايريد أن يرى، وأصم ممن لايريد أن يسمع فإننا نتركهم لحالهم في مستنقعهم.
هذا يعني أنه ثمة ضرورة لوضع الفرق بين الظاهر والجوهري. ودون إجراء تحليل ماركسي لينيني لكيفية تقييم البرويستراكيا والغلاسنوست حسب تعبير غورباتشوف للماضي، وللمعطيات التاريخية لقاعدة العلاقات المتشكلة عليها، وما تضمنته أهدافها، وما تخدمه الخطوات العلمية، فلن يستطاع فهم الأبعاد الحقيقية لقضية غورباتشوف، وما وصل إليه .
يتبع