من أجل ثقافة جماهيرية بديلة . غورباتشيف والغورباتشيفية1
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 17 - 00:36
عن منتديات يساري2008
مـــــــدخل
في سنة 1990 لم تكن الأحزاب الشيوعية في مختلف دول العالم قد اتخذت موقفاً مناهضاً واضحاً من الغورباتشوفية بعد . حتى إن بعض هذه الأحزاب حاول إيجاد المستند النظري الماركسي لما قام به .
بعد هذا التاريخ و سقوط الدول الاشتراكية واحدة تلو الأخرى ، كثرت الأصوات التي تتحدث عما جرى مشخصة ومحللة وناقدة ، ومحاولة تفسير ماجرى.
لهذا الكتاب أهمية خاصة من حيث تاريخ صدوره ، إذا صدر محللاً لما جرى ويجري في زمن لم تكن الأحداث قد وصلت إلى ذروتها ، ومازالت تعيش الأحزاب الشيوعية حالة الذهول مما يجري .
لقد طرح هذا الكتاب جذور القضية عائداً إلى مرحلة الستالينية التي هي محط الأنظار ، وعليها تُعلق كل القضايا والأسباب ... ولكن هذا الكتاب يعود إلى تلك المرحلة من زاوية أخرى ، غير باحث عن مشجب لتعليق المشاكل عليه، بل يعود إليها ملتمساً أسباب النجاح ، وأسباب التراجع بعدها.
بعد ماوصل العالم إليه من آحادية القطب ، وتحكم الإمبريالية الأميركية بمصير الشعوب ، بات من المهم العودة إلى تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي للوقوف على أهم محطاته، و منعطفاته للوصول إلى نقطة بداية جديدة .
حاول الماركسيون اللينينيون منذ سنوات طويلة التنبيه إلى النهاية الأليمة للسياسة الإصلاحية في الاتحاد السوفيتي، و تأثيراتها عالمياً على النظام الاشتراكي، و قد تم الوصول إلى هذه النهايات بنسبة كبيرة. من الواضح جداً أن هذه التنبيهات لم تعن شيئاً على الرغم من تكرارها عشرات المرات لمن يقيم الحياة كمؤرخ و ليس كثوري. لقد تطور موقف (( السياسة الواقعية )) و مفهوم التسليم للموضوعية، و تضمير العقول إلى حد العمى عن الدماء النازفة من الاشتراكية المالئة العيون، و لم ترجعها عن طريقها .
ماذا يجب أن يقال عن السلطة الإدارية للاتحاد السوفيتي بعد أن اختارت الوقوف إلى جانب الثورة المضادة عملياً و على مرأى من عيون الجميع من خلال موقفها إزاء الأحداث، إذ تبلور هذا الموقف باختيار الثورة المضادة، و لعبت هذه الإدارة دوراً في التحضير للثورات المضادة، و صفقت وقوفاً للعدوان الوحشي على الاشتراكية، و وقفت محيية راية الثورة المضادة و وافقت على التطورات ضد الاشتراكية، و لم تنبس إزاء الشعارات المعادية للاشتراكية، و توافق تصريحها مع ما قالته الإمبريالية ؟
كيف يجب تقييم النهج الأيديولوجي - السياسي لسلطة غورباتشوف التي ألغت المادة الدستورية الضامنة لحق القيادة للحزب الشيوعي السوفيتي، و بهذا فتحت الباب أمام الانتقال إلى نظام التعددية الحزبية، و تدخلت لتوسيع إمكانيات استثمار الرأسمال الأجنبي و الملكية الخاصة بما في ذلك خصخصة أدوات الإنتاج ؟
إلى أي نقطة وصل إتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية بين يدي السلطة الغورباتشوفية و إلى أين ستوصله هذه السلطة في النهاية ؟
التطورات السياسية اليومية في الاتحاد السوفيتي تجعل هذه الأسئلة أول ما يخطر على البال .
((الرياح العاصفة)) التي جعلت أوربا الشرقية تعيش مرحلة الترميم الرأسمالي و زادت من حدة الثورة المضادة في رومانيا، تحولت إلى ((زوبعة)) عبر التطورات الإصلاحية البرجوازية التي خطاها الاتحاد السوفيتي. فتحت التطورات السلبية في العالم الاشتراكي جروحاً عميقة، و تابعت الإمبريالية هذه التطورات بفرح، و أحياناً لم تهمل ذرف دموع التماسيح إزاء نموذجي رومانيا و أذربيجان.
إن أكثر التطورات التي أفرحت الإمبريالية في مرحلة ما بعد الثورة المضادة الرومانية هي القرارات التي اتخذها الحزب الشيوعي السوفيتي، و التي تعطي إمكانية الانتقال إلى التعددية الحزبية. فمن المعروف جيداً أن هذا القرار يعني إلغاء ديكتاتورية البروليتاريا رسمياً، و تكوين وسط تنظم فيه التيارات السياسية البرجوازية براحة أكبر، و تقوى. وهذا يعني اكتساب سرعة العودة عن الاشتراكية دافعاً أكبر .
استمر غورباتشوف الرئيس الذي صفقت له الإمبريالية وقوفاً -استمر- بموقفه الذي جعل ريغان الذي أبكى الشعوب المسحوقة دماً يقول (غوربي الأمل الأكبر)). من جهة أخرى، و مهما قيل عن هذه الخطوات السياسية التي لا علاقة لها بالاشتراكية، من أقوال ديماغوجية مثل (إغناء للينينية و تعميق لها، و مواءمتها حسب ظروف هذه الأيام)) فإنها دفعت صفوف الاشتراكية العالمية إلى التخبط و الضياع .
و لكل هذه الأسباب فإن رؤية ((العلبة الموسيقية)) المفتوحة و تحليلها دون الانجراف إلى مظهرها الخارجي الخداع، وعرض الجذور التاريخية للحقائق المعاشة، ودراسة خصوصية المرحلة التي تم التوصل إليها هي مهمة لا تؤجل من زاوية الماركسيين اللينينين .
في المرحلة التي تم الوصول إليها لا يمكن تناول التباين البارز كونه قضية داخلية للاشتراكية. تفرع الطريق يوضح جليا آخر خطوات غورباتشوف السياسية، إنه التفرع بين الاشتراكية والاشتراكية الديمقراطية .
آمال غورباتشوف، وخطواته العلمية، ومقترحاته الجديدة تعرض مسيراً نحو النموذج السويدي. وكما هو معروف فإن النموذج السويدي رأسمالي مهما قال عنه الاشتراكيون الديمقراطيون ((اشتراكياً)). لقد قدم غورباتشوف أولى وأهم الإشارات للنهج المؤدي إلى هذا النموذج عندما دفع برنامجه إلى التطبيق تدريجياً، وهكذا بدأت سياسته تظهر بوضوح وسرعة بعد أن كانت غائمة في البداية. وتصديق مجلس السوفيت الأعلى قرارات (إلغاء الدور القيادي للحزب))، ((السماح بالملكية الخاصة)).. الخ مؤشر على إيجاد الطريق الجديد سبيله إلى الحياة دون مزيد من العوائق .
وهنا يتضح معنى اكتساب حماية القيم التقليدية للاشتراكية سرعة لمواجهة النهج الغورباتشوفي. لأنه كما يلاحظ، اتبع نهجاً يصعّب قضية وصول الماركسيين اللينينين إلى الأهداف التي وضعوها أمامهم. القضية هي الطروحات الأيديولوجية والخطوات العلمية الخارجة عن الاشتراكية، والتخريبات الكبيرة الناجمة عن كل هذا. يدرك الماركسيون اللينينيون أن هذه التخريبات لم ولن تبقى في حدود اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية .
لا يمكن تجاهل حقيقة ما خلقه تخبط غورباتشوف الذي أطلقت له الإمبريالية صيحات التأييد عبر شبكة اتصالاتها واحتكاراتها الصحفبة التي تلف العلم كالعنكبوت، في صفوف الشعوب المسحوقة. لهذا على الماركسيين اللينينيين أن يصعّدوا النضال الأيدلوجي ضد الاشتراكية الديمقراطية، والعاملين على إظهار أن نموذج السويد وما شابهه نموذج ماركسي لينيني، والمروجين لهذا. هذه المهمة لا تقبل التأجيل أو التماهل. لأننا لا نريد القيام بثورة فحسب، بل نريد تحويل طروحات ماركس انجلز ولينين وستالين وماو وتشي غيفارا المقاتلين في صفوف الأممية المعتمدة على حلول علمية في طريق الحياة الذي لا يخطىء إلى حقيقة. ومن أجل هذا نفكر وننتج ونناضل.