ما سبب انهيار الاتحاد السوفيتي؟
حسام عامر
2024 / 11 / 11 - 17:11
الكاتب: ستيفن جوانز.
المترجم: حسام عامر.
كان الاتحاد السوفيتي مثال حي لما يمكن أن ينتج عن الاقتصاد الذي يملكه ويخطط له القطاع العام: توظيف كامل للأيدي العاملة، ورواتب تقاعدية مضمونة، واجازة أمومة مدفوعة، وحدود لعدد ساعات العمل، وعلاج صحي مجاني، وتعليم مدرسي وجامعي مجاني، ورحلات صيفية مدعومة، ومساكن كلفتها منخفضة، ومراكز رعاية أطفال كلفتها قليلة، ونقل عام مدعوم، وتقارب دخول المواطنين. معظمنا يريد هذه المزايا، لكن هل يمكن تحقيقها بشكل دائم؟ يعتقد الكثيرون أن الاتحاد السوفيتي تمكّن من تقديم هذه المزايا في البداية، لكن في نهاية الأمر تبيّن فشل الملكية العامة للاقتصاد والتخطيط المركزي له. يعتقدون ذلك على الرغم من أن الاقتصاد السوفيتي توسع سنويا بشكل ثابت في الأعوام 1928 الى 1989، باستثناء سنوات الحرب. خلال تلك الفترة، غرقت الاقتصادات الرأسمالية في كساد انتهى بركود كل بضعة سنوات، بينما توسع الاقتصاد السوفيتي باستمرار، ووفر التوظيف الكامل للمواطنين بشكل دائم. لم يكن الاقتصاد السوفيتي الذي ملكه وخطط له القطاع العام فاشلا، بل حقق نجاحا ملحوظا. النظام الاقتصادي الفاشل هو الرأسمالية، حيث انها تمر بكساد من حين الى آخر، وكثيرا ما تتعرض للركود، وينتج عنها بطالة مرتفعة، وتفاوت حاد في الثروة. لكن، ما الذي يفسر انهيار الاتحاد السوفيتي؟ ما أدى الى انهيار الاتحاد السوفيتي هو الأضرار المتراكمة التي لحقت بالاقتصاد السوفيتي نتيجة لمحاولات اسقاطه من قبل الغرب، وقيام إدارة ريغان بزيادة حدّة الحرب الباردة، وعدم قدرة القيادة السوفيتية على إيجاد مخرج للمأزق الذي وجدوا أنفسهم به نتيجة لتلك التطورات.
مع قدوم الثمانينيات، بدأ الإرهاق الناتج عن الحرب الباردة يظهر على الاتحاد السوفيتي. استمر اقتصاده في النمو، لكن بشكل أبطأ من السابق. أدت المنافسة العسكرية مع أمريكا الى تباطؤ النمو لعدة أسباب. أولا، جرى احتكار موارد البحث والتطوير من قبل الجيش، مما أدى الى حرمان الاقتصاد المدني من أفضل العلماء والمهندسين والآلات. ثانيا، تخلت إدارة ريغان عن سياسة الانفراج لصالح البدء بسباق تسلح جديد الهدف منه اضعاف الاقتصاد السوفيتي. من أجل ردع العدوانية الأمريكية، أنفق الاتحاد السوفيتي جزء كبيرا جدا من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش، بالمقابل، أنفقت أمريكا، التي لديها اقتصاد أكبر، حصة أقل من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، لكنها حصة أكبر من حيث القيمة المطلقة. ثالثا، اختار الاتحاد السوفيتي أن يستخرج المواد الخام المهمّة من أراضيه الواسعة بدلا من استيرادها، وذلك من أجل حماية نفسه من مخاطر انقطاع تلك الموارد نتيجة لمحاولات تركيع الاتحاد السوفيتي. أدى ذلك الى اكتفاءه ذاتيا من ناحية المواد الخام المهمة، لكن نتج عن ذلك ورطة ريكاردية (نسبة الى ديفيد ريكاردو). حيث ارتفعت كلف انتاج المواد الخام عندما استنفذت المواد الخام التي كان من السهل الوصول اليها، وأصبح هناك حاجة الى استخراج موارد جديدة الوصول اليها أصعب. رابعا، من أجل حماية الدولة بشكل أفضل، سعى الاتحاد السوفيتي الى إقامة تحالفات في أوروبا الشرقية والعالم الثالث. لكن، لأن الاتحاد السوفيتي كان أغنى من البلدان والحركات التي تحالف معها، أصبح ملاذا وممولا لدول وحركات اشتراكية تسعى الى تحرير نفسها من نهب القوى الغربية. مع ازدياد عدد حلفاء الاتحاد السوفيتي، وقيام أمريكا بتسليح وتمويل ودعم تمردات معادية للشيوعية قي محاولة إضافية لإجهاد خزينة الاتحاد السوفيتي، تصاعدت كلفة دعم الاتحاد السوفيتي لحلفائه. أدت هذه العوامل اللازمة لتوفير الحماية للاتحاد السوفيتي مجتمعة الى إعاقة نمو الاقتصاد السوفيتي.
مع تباطؤ النمو الاقتصادي وازدياد كلفة الدفاع عن البلد، بدى وكأن الاتحاد السوفيتي سيجد نفسه عاجلا ام أجلا بين مطرقة عدم قدرته على الدفاع عن نفسه عسكريا وسندان الإفلاس بسبب سباق التسلح. واجه غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي، معضلة: اما أن تؤدي محاولة مواكبة الانفاق الأمريكي على التسلح الى افلاس الاقتصاد أو أن ينسحب من سباق التسلح. اختار غورباتشوف الخيار الثاني. اتجه نحو انهاء الحرب الباردة، وإيقاف الدعم العسكري للحلفاء، وتعهد بالتعاون مع أمريكا. في الجانب الاقتصادي، خطط لجعل الاقتصاد على نمط الديمقراطيات الاشتراكية الغربية. لكن، بدلا من أن ينقذ البلد من مستقبل يتباطأ فيه النمو الاقتصادي بشكل مستمر، أدى استسلام غورباتشوف على صعيد السياسات الخارجية والاقتصادية الى كارثة. مع غياب الردع السوفيتي، باشرت أمريكا بسلسلة من الاعتداءات حول العالم، بداية من العراق، ومرورا بيوغوسلافيا وأفغانستان والعراق مرة أخرى، ومن ثم ليبيا، والعديد من التدخلات الصغيرة بينهم. أدى تخلي غورباتشوف عن التخطيط الاقتصادي وجهود تمهيد الطريق نحو تنفيذ اقتصاد السوق الى دفع البلد نحو أزمة. حدث صعود كبير جدا لمعدلات البطالة والتشرد وانعدام الأمن الاقتصادي والتطفل الاجتماعي (الاعتماد على عمل الآخرين).
في اليوم الذي أعلن فيه انتهاء الاتحاد السوفيتي عام 1991، قال غورباتشوف: "نحن نعيش في عالم جديد. انتهت الحرب الباردة. توقف سباق التسلح وجنون عسكرة الدول الذين شوهوا اقتصادنا ومجتمعنا وقيمنا. لم يعد خطر حدوث حرب عالمية موجودا". أصبح لدى غورباتشوف شعبية كبيرة في الغرب. لكن الروس كانوا أقل حماسا. احتوت كلمات غورباتشوف على السبب الحقيقي الذي أدى الى انهاء أول محاولة تتعمد بناء بديل للرأسمالية في العالم. لم يكن السبب أن اقتصاد الاتحاد السوفيتي فاشل. على العكس من ذلك، كان أداءه أفضل من الاقتصاد الرأسمالي. السبب الحقيقي لانهيار الاتحاد السوفيتي هو استسلام قيادته للعدو الأمريكي الذي سعى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى خنق الاقتصاد السوفيتي عن طريق سباق التسلح. ذلك الاقتصاد الذي استفاد منه كل المجتمع، بالتالي، لو سمح له أن يزدهر، لأدى ذلك الى تشويه سمعه اقتصادات السوق التي يملكها القطاع الخاص والتي يفضلها ويستفيد منها بشكل كبير ما نسبته 1% من المجتمع. في ظل اقتصاد السوق الحر، يصبح الثراء الفاحش والأمن والراحة مقصورين على أصحاب الشركات الكبرى وعمالقة المؤسسات المالية الكبرى، وتصبح شروط ثراء ال 1% من المجتمع، أي البطالة والفقر والجوع وعدم الأمان الاقتصادي والمعاملة المهينة، مصير الآخرين.
ملاحظة المترجم: هذا المقال مقتبس من مقال نشره الكاتب ستيفن جوانز على مدونته الشخصية عام 2012 وعنوانه:
Do Publicly Owned, Planned Economies Work?