جيوبوليتيكية المهجر والردة عن الدين - الزمر
طلعت خيري
2024 / 11 / 9 - 08:36
على مدى ثلاثة عشر عاما فكك التنزيل الجيوثقافية المكية التي بلورتها الاعتقادات الوثنية والظنية وطوائف الدين السياسي ، بما انزل الله في الكتاب من آيات صححت الأفكار الدينية الاعتقادية التي سنها الشياطين ، منها التي جعلت مع الله اله أخر، كالمسيح ابن الله والملائكة بنات الله ، وما ينضوي تحتهما من اعتقادات ميثولوجية استغلت الفرد فكريا ودينيا واقتصاديا للمصالح السياسية ، وكرد فعل على التغير العقائدي الشامل الذي طال القاعدة الجماهيرية المكية، برز لدى زعماء التحالف المكي سيكولوجيا السادومازوخية والرغبة بالانتقام من الذين استجابوا للتغير العقائدي الجديد ، ذلك مما عرض المؤمنون بالله واليوم الأخر الى قمع واضطهاد وتصفيات جسدية على أيديهم ، وخاصة المستضعفين منهم الذين ليس لهم ثقلا مجتمعيا ولا طبقيا ولا قبليا ، فلا حل للوضع القهري إلا بالهجرة ، قبل الهجرة طرح التنزيل توصيات جيوبوليتيكية لاطلاع المهاجرين على التحديات العقائدية التي ستواجههم في المهجر ، ومدى تأثير الكيانات الإقليمية والمناطقية ذات الاعتقادات الاسترولوجية والكسمولوجية والسياسية على عقيدة الإيمان بالله واليوم الأخر، مؤكدا لهم ان الإيمان بالله واليوم الأخر من مقتضيات الدين الخالص ، فعبادة الله لا تنحصر في جغرافيا مكانية معينة كمكة ، بل هو اله يعبد في كل مكان من الأرض ، دور الكتاب المنزل في هذه المرحلة تحجيم قدسية مكة عند المؤمنين استعدادا للهجرة فالدين الخالص والإخلاص لله فوق جميع الاعتبارات المكية ، قل يا محمد ، يا عباد الذين امنوا اتقوا ربكم ، اتقوا أي خافوا عذابه وانتم في المهجر ، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة ، الهجرة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{10}
ما لا يقبل الشك ان الهجرة الى الأقاليم ستحجب المهاجرين عن ما هو جديد من الآيات ، كما ان الانقطاع عن التنزيل يشجع على الردة عن الدين ،لأسباب كثيرة منها تعرضهم لضغوط سياسية مرغمة على تغير الدين مقابل الحصول على فرص للعيش أو العمل ، طرح التنزيل أربع توصيات جيوبوليتيكية كعقيدة فردية سرية كتمانية تحمي المهاجر من ضغوط التيارات الدينية السياسية ، بما ان محمد احد المهاجرين بدأت التوصيات به ، أولا - قل إني أمرت ان اعبد الله مخلصا له الدين ، ثانيا - وأمرت لأن أكون أول المسلمين ، ثالثا- قل إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، رابعا - قل الله اعبد مخلصا له ديني ، التوصيات الأربعة يكتمها المؤمن لنفسه دون الجهر بها
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{11} وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ{12} قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{13} قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي{14}
توصية جيوبوليتيكية حذرت المؤمنين تحذير أخروي من ردة ربما قد تحصل بعد الهجرة ، تصيب الذين إيمانهم ليس بالمستوى المطلوب ، بما ان التوصية أشارت الى المؤمنين بالله واليوم الأخر، في قوله قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ، اتقوا ربكم تعني ابعدوا أنفسكم عن عذابه الأخروي ، تاركة لهم حرية الردة عن الدين ، ولكن عليهم ان يتذكروا الخسارة الاخروية قال الله ، فاعبدوا ما شئتم من دونه، قل ان الخاسرين الذين خسرا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة إلا ذلك هو الخسران المبين ، لهم من فوقهم ظلل من النار ، ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف به عباده يا عباد فاتقون
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{15} لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ{16}
برز مصطلح الطاغوت في سورة الزمر، أول منازل كتاب القران ، ولم يبرز في المرحلة الشفهية قصار السور ، ولا في مرحلة تنزيل الآيات ، نستدل من هذا ان الطاغوت مصطلح كتابي برز في مرحلة تنزيل سور الكتاب كالبقرة وال عمران والنساء والمائدة والزمر، اختاره الله لهذه المرحلة لتفصيل ماهية الطاغوت التي أشارت في جميع مواضع القران ، الى شياطين الأديان السياسية ، ومنظري الاعتقادات الوثنية والشركية ، وزعماء الطوائف الدينية الذين يحكمون الشعوب وفقا لإرادات سياسية خارجية يتفقون معها على المصالح الاقتصادية المشتركة ، اقصد المصالح المشتركة لزعماء للأديان ، توصية جيوبوليتيكية حذرت المهاجرين تحذير أخروي من طاغوت المهجر بكل توجهاته الاعتقادية والسياسية قائلا، والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وأنابوا الى الله لهم البشرى فبشر العباد ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18}
قطع المؤمنون بالله واليوم الأخر شوطا طويلا مع الآيات القرآنية، مما كون لديهم إلمام فكري وعقائدي كافي بحدود الدين الخالص ، وكذلك بالاعتقادات التي رفضها التنزيل، كالتي تفتري على الله الكذب أو التي تنسب له الولد ، رافقها توضيح عقائدي وافي عن المصير الأخروي لرافضي البعث والنشور، مع طرح أشكال مختلفة من العذاب الأخروي ، راودت محمد بعض المخاوف من ردة المهاجرين عن الدين في المهجر ، أوحى الله إليه ، لا شأن لك بهم ، فهم على علم واطلاع بعذاب الآخرة ، فمن أراد منهم الردة ، فأنت لا تنقذ من في النار ، أفمن حق علية كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ، لكن المهاجرين الذين اتقوا ربهم في كل مكان من الأرض ، لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وعد الله لا يخلف الله الميعاد
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ{19} لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ{20}