الدين الخالص وخرافة أولياء الله - الزمر
طلعت خيري
2024 / 11 / 2 - 10:45
مر القران بمراحل متعددة من النزول ، ولا يقصد بالنزول النزول من السماء الى الأرض، إنما منازله الفكرية بين الاعتقادات الدينية المختلفة ، فلكل منزلة توقيت زمني وحدث مكاني يلعب دورا كبير في التغير الفكري، اختار الله للتنزيل آيات وسور تتناسب مع كل مرحلة ، مثلا اختار للمرحلة الشفهية قصار السور ثم اختار للدعوة الشاملة تنزيل الآيات داخل السور ، ثم اختار الكتاب كمرحلة أخيرة لجمع السور القصيرة والطويلة ،فالكتاب أخر منازل الدعوة القرآنية ، تنزيل الكتاب بمعنى سيأخذ الكتاب منزلة فكرية وعقائدية جديدة جامعة للتوراة والإنجيل ، تنزيل الكتاب ديناميكية لتجديد وتوسيع المفاهيم القرآنية بكتابة أكثر من كتاب ، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ، محمد أول منازل الكتاب وبموجبه سيغير عقيدته وفقا لما جاء به ، أنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ، ثم انتقل التنزيل الى الطوائف والأديان التي نسبت طقوسها وتعاليمها وخرافاتها الى أولياء الله ، فلكل طائفة أو دين شيطان زين لهم سوء أعمالهم ، فالمنزلة الفكرية والعقائدية للكتاب ستحدد ماهية الدين ، إلا لله الدين الخالص ، ثم انتقل الكتاب الى مصطلح أولياء الله لأنه مصدر للأفكار الوثنية والشركية ، والذين اتخذوا من دون الله أولياء ، أولياء مصطلح جامع لكل شركاء الله ،كالابن والبنت والأنبياء ورجال الدين والصالحين ، فالمصطلح افتراء وثني شركي رأسمالي ريعي استعان به شياطين الأديان السياسية والاعتقادات الوثنية والشركية للتقرب الى الله بالنذور والهدايا التي تقدم الى المعابد مركز التمويل المالي للأديان ، فالأديان الوثنية والسياسية تتخذ من دون الله أولياء، إما من البشر، وإما من الملائكة ، وإما من علم الجن، والذين اتخذوا من دون الله أولياء ماذا قالوا عن الأولياء شركاء الله ، ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ، ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ، تنزيل الكتاب مرجع ديني للطوائف والأديان المكية بموجبه سيتم تحديد ماهية الدين الخالص لإنهاء براثن الشركاء أولياء الله ، فمن إصر على الشرك ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار
تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1} إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{3}
الفرق بين الاعتقاد والعقيدة ، في الاعتقاد تنسب الأديان السياسية والوثنية والشركية والظنية معتقداتها الى أولياء الله ، أما في العقيدة والدين الخالص ينسب المؤمنون بالله واليوم الأخر معتقداتهم إعمالهم الى الله ، ولكي تستقطب الأديان الوثنية والشركية والظنية والسياسية المجتمعات الى اعتقاداتها الخالية من القيود والأغلال ، نسبت لله الولد لحمل الخطيئة عن مرتكبيها ، فالولد يطلق على المولود سواء كان ذكر أو أنثى ، والولد اعتقاد شركي انبثق أما من مصاهرة الله للجن كالملائكة بنات الله ، وأما من مصاهرة الله للبشر كعيسى ابن الله أو المسيح ابن الله ، أو من التعاليم الإنسانية التي تجمع بين اعتقادات السماء والأرض كبوذا هو الله ، اصطفائية الولد لله افتراء وثني شركي ذات أهداف سياسية ، فمن مقتضيات الدين الخالص إنهاء اصطفائية الولد الذي يعتبر احد أولياء الله قال الله ، لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{4}
أخضع الفكر الوثني الشركي مسخرات السماء والأرض لتدبير أولياء الله ، ليعكس دورهم المادي على الأرض وفضلهم في انتعاش الأنشطة الاقتصادية والزراعية، على اعتقاد ان الأولياء أعانوا الله في خلق السماوات والأرض، فالظواهر المناخية والكونية كتعاقب الليل والنهار والشمس والقمر وما ينجم عنهما من تنوع في المحاصيل والأغذية ، يعود فضله الى أولياء الله ، فمن مقتضيات الدين الخالص إنهاء تدخل أولياء الله في المسخرات قال الله ، خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى إلا هو العزيز الغفار
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ{5}
استحوذ أولياء الله على خلق الإنسان وثروته الحيوانية ، حيث ادخل شياطين الأديان خلق الإنسان في خرافات وأساطير وتفسيرات صورت عملية الحمل والإنجاب، ادخل الوثنيون أولياء الله في عملية التخصيب البيولوجي للأنثى ، للحصول على الذكر، ذلك مما أعطى له خصوصية اعتقاديه تختلف عن الأنثى فظهر التمايز بين الجنسين ، فبات الحصول على الذكر مصدر ريعي مالي يدر بالأموال على مروجي خرافة الحمل باعتقاد أولياء الله ، فمن مقتضيات الدين الخالص إنهاء خرافة الحمل الإنجاب بكرامة أولياء الله فقال ، خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ، حدد الله عدد أزواج الإنعام من الذكور والإناث قائلا ، وانزل لكم من الإنعام ثمانية أزواج الجمال والأبقار والأغنام والماعز، أربعة أصناف مع ذكورها وإناثها العدد ثمانية أزواج ، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ، ظلمة البطن وظلمة المشيمة وظلمة الرحم ، فالظلمات الثلاثة تنطبق أيضا على إناث الإنعام ذلكم الله ربكم له الملك ،له الملك ، وتعني ان أولياء الله لا يملكون شيئا في خلق الإنسان والأنعام ، له الملك لا اله إلا هو فأنى تصرفون ، كيف تصرف عقولكم على ان الحمل والإنجاب من تدبير أولياء الله
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ{6}
من أهداف تنزيل الكتاب للتخلص من تكرار التساؤلات عن المفاهيم القرآنية ، كالإيمان بالله والبعث والنشور مثلا في المرحلة الشفهية لا يوجد كتاب إنما توجد آيات من سور قصيرة يحفظها محمد وأتباعه فتراهم في استفسار مستمر عنها ، ذلك مما سبب لهم المتاعب ، دور الكتاب هنا مرجع للذين يسألون عن مفاهيم الآيات ، فآلية الكتاب الجديدة ستبتعد عن تكرار الكلام المتشابه والاكتفاء بالعبارات الصريحة والواضحة ، مع ترك حرية الاختيار للفرد، قال الله ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر، وان تشكروا يرضه لكم ولا تزروا وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ، انه عليم بذات الصدور
إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{7}
من مقتضيات الدين الخالص، التخلص من ازدواجية المعاير الاعتقادية في الظروف الاستثنائية المروعة، التي تجعل الفرد يقر بربوبية خالقه ثم ينكرها في حالة الاستقرار، فالاعتقادات الشركية تنسب الرفاهية والانتعاش والاقتصادي الى شركائهم أولياء الله ، بينما تنسب الكوارث الطبيعية والتهديد الأمني والانهيار الاقتصادي الى الله ، ما معناه ان الخير من أولياء الله ، والشر من الله ، فالفطرة تنطق بخالقها في الظروف المهددة لها ، قال الله وإذا مس الإنسان ضر الضر كل ما يهدد كيان الفرد ، دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه ، نعمة انتعاش اقتصادي واستقرار امني ، نسي ما كان يدعو إليه من قبل ، وجعل لله أنداد ، أنداد شركاء مع الله لإنكار وحدانيته ، ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا انك من أصحاب النار
وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ{8}
من مقتضيات الدين الخالص ، ان لا يتأثر المؤمن بالله واليوم الأخر في التغيرات الاقتصادية والمناخية المؤثرة على الدخل والنشاط الاقتصادي ، لأنه عقائديا بات على علم بان الحياة تتقلب بين الخير والشر والفتنة والاستقرار والضر والرفاهية ، فما علية إلا الابتعاد عن دواعي الشيطان الداعية الى الأطماع الدنيوية ، واعتماد الكيفية في استغلال الحياة للمصير الأخروي ، لبلوغ الرحمة الإلهية ، امن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولوا الألباب
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{9}