كتاب أنور خوجا - الإمبريالية و الثورة - على خطإ من بدايته إلى نهايته- ملحق 2 – الكتاب 48


شادي الشماوي
2024 / 10 / 31 - 20:13     

( الكتاب كاملا متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )
---------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 48 / مارس 2024
شادي الشماوي
https://www.ahewar.org/m.asp?i=3603
مواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا للإنقلاب التحريفي و إعادة تركيز الرأسمالية في الصين ، منذ سبعينات القرن العشرين
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 48

في أواسط خمسينات القرن الماضيّ ، عقب وفاة ستالين ، لمّا حصل الإنقلاب التحريفي في الإتّحاد السوفياتي و صعدت التحريفيّة إلى السلطة و بالتالى صعدت البرجوازية الجديدة إلى السلطة فحوّلت الحزب و الدولة البروليتاريّين إلى حزب و دولة برجوازيّين و أعادت تركيز الرأسماليّة ، ذُهل الشيوعيّون الحقيقيّون بالحزب السوفياتي و ذُهلت الغالبيّة الساحقة من أحزاب و منظّمات الحركة الشيوعيّة و لم تجد نفسها قادرة على فهم ما كان يجرى على أرض الواقع فهما علميّا ماديّا جدليّا لأنّ هذه الإمكانيّة كانت مستبعدة نظريّا و عمليّا فمنذ ثلاثينات القرن العشرين و صياغة الدستور الجديد للإتّحاد السوفياتي، إعتُبر أنّه لا توجد في الإتّحاد السوفياتي الإشتراكي حينها غير طبقتين صديقتين هما البروليتاريا و الفلاّحين إلى جانب الأنتلجنسيا أو المثقّفين الثوريّين أساسا . و لسنوات ما من حزب تمكّن من إدراك كنه و فحوى ما كان يجدّ هناك من إعادة تركيز للرأسماليّة في الإتّحاد السوفياتي غير الحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ . فظلّت الغالبيّة الساحقة من الأحزاب و المنظّمات صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة تتّبع عن عمى القيادة التحريفيّة السوفياتيّة بينما وقف عدد لا بأس به من الأحزاب و المنظّمات في البداية مكتوفى الأيدى ، في ذهول و تردّد أمام الصراع الذى كان يشنّه الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية المعاصرة منذ الخمسينات . لكن هذا الصراع العظيم أتى أكله في بداية ستّينات القرن العشرين حركة ماركسيّة – لينينيّة قطعت في الأساس مع التحريفيّة المعاصرة بشتّى ألوانها كان محورها الشيوعيّون الصينيّون و قامت على عديد الوثائق التي صاغها هؤلاء بإشراف من ماو تسى تونغ و أبرزها " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعيّة العالميّة " الذى نشر سنة 1963 (وهو معروف أيضا ب" رسالة الخمسة و العشرين نقطة " )...
لكن لمّا إستولى التحريفيّون الصينيّون على مقاليد السلطة في الحزب و الدولة و حوّلوهما إلى نقيضهما ، من بروليتاريّين على برجوازيّين ، سرعان ما قام عدد هام من الأحزاب و المنظّمات الماركسيّة – اللينينيّة الحقيقيّة بخوض صراع لا هوادة فيه ضد الخطّ التحريفيّ الصينيّ داخل الصين و خاصّة خارجها . و مردّ هذا البون الشاسع في التعاطى مع الإنقلابين التحريفيّين هو أن الحركة الماركسيّة – اللينينيّة كانت متسلّحة في معظمها بنظريّة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، النظريّة التي طوّرها ماو تسى تونغ على أساس التقييم العلمي المادي الجدلي الذى أجراه للتجربة الإشتراكية السوفياتيّة و تجربة صراعات الخطّين صلب الحزب الشيوعي الصيني و بناء الإشتراكيّة في الصين و طبعا قتال التحريفيّة المعاصرة بجميع أرهاطها .
و هكذا حدث تطوّر نوعيّ من إنكار لوجود الطبقات و التناقضات الطبقيّة العدائيّة و الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و من ثمّة إنكار إمكانيّة إعادة تركيز الرأسماليّة بإعتبار الإشتراكية ماركسيّا و كما بيّنت التجارب مرحلة إنتقاليّة تحتمل التقدّم و التراجع ، تحتمل إمكانيّة العودة إلى الوراء ، إلى الرأسماليّة ، كما التقدّم نحو الشيوعيّة ؛ إلى نظريّة مواصلة الصراع الطبقي في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و الثورة الثقافيّة وسيلة و أداة بيد الشيوعيّين الثوريّين لخوض مثل ذلك الصراع و الحيلولة دون إنتصار الخطوط التحريفيّة و إعادة تركيز الرأسماليّة . و هذه حقيقة موضوعيّة لا يزال يدير لها ظهورهم كافة الإنتهازيّين و منهم بخاصة التروتسكيّين و الخوجيّين بكلّ أصنافهم .
في الصين الإشتراكية عهد ماو تسى تونغ ، و بوجه خاص إبّان الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى التي إمتدّت من 1966 إلى 1976 ، واجه الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون ألوانا من الخطوط التحريفيّة التي كان يتزعّمها ليو تشاوتشى و دنك سياو بينغ و لين بياو و غيرهم . و قبل وفاة ماو بأكثر من السنتين ، خاضوا نضالات عظيمة في شكل حملات سياسيّة ضد " ريح الإنحراف اليميني " الذى قاده دنك سياو بينغ و أمثاله . و حتّى حينما جدّ الإنقلاب التحريفي ، قاوم الماويّون الصينيّون مقاومة شرسة التحريفيّين المستولين على الحزب والدولة وقد سجّل التاريخ أنّ مقاومتهم بلغت المقاومة المسلّحة. و على سبيل المثال لا الحصر، ورد التالى في مقال ريموند لوتا، " المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ 1973-1976"، ( مقدّمة كتاب ، " و خامسهم ماو " ، بانر براس ، شيكاغو ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، 1978 ) :
" فقد إضطرّ [ التحريفيّون ] إلى إرسال جيش التحرير الشعبي إلى شنغاي و بيكين و إلى غيرها من المناطق أيضا . فى مفترق سكك حديدية محوري ، باوتين ، جنوب بيكين ، وجد تقرير إعلامي عن كون آلاف الفرق إلتحقت بالمتمرّدين و حتى الحكّام الحاليّين إعترفوا بأنّهم لم يستطيعوا السيطرة على المعارضة إلاّ فى مارس 1977 .
و كانت إذاعات مقاطعات تذيع فى الخارج بين نوفمبر 1976 و جوان 1977 تكشف أحداثا متواترة من الهجمات ضد المقرّات و المنشآت العسكرية فى بيكين و أعمال مقاومة مسلّحة . و فى بعض المناطق لم تعد من جديد حركة نقل السكك الحديدية إلاّ فى مارس 1977 و وردت تقارير عن إضطرابات فى عديد المصانع الكبرى فى مختلف جهات البلاد . و فى يونان ، وجدت تقارير عن غياب جماعي إحتجاجا على فرض ضوابط و قوانين ما قبل 1966 . و فى المدّة الأخيرة ، تسرّبت تقارير عن الصراعات فى الجامعات . و مع ذلك ، يجب الإقرار بأنّ اليمين ماسك بصلابة بزمام القيادة فى هذه اللحظة .
و جرى طرد نحو ربع اللجنة المركزية ( بما فى ذلك الأعضاء النواب ) إثر الإنقلاب ، 51 منهم كانوا قادة جماهيريّين بارزين من الطبقة العاملة . و عُزل ستّة وزراء مرتبطين بالأربعة من مجلس الدولة و 13 من ال29 قائدا حزبيّا من الوحدات الإداريّة ( محافظات و مناطق حكم ذاتي إلخ ) طُردوا. و حدثت التغييرات الأتمّ فى قسم دعاية اللجنة المركزيّة و وسائل الإعلام المركزيّة التى كانت منذ الأيّام الأولى للثورة الثقافيّة حصنا لليسار بدعم نشيط من ماو تسى تونغ . و أربعة عشر شخصا من الموظّفين الرئيسيّين الذين يحتلّون الآن مواقعا محوريّة فى جهاز الإعلام المعاد بناؤه من الذين أطاحت بهم الثورة الثقافيّة . و توجّه القمع إلى المستويات الأكثر قاعديّة بما أنّه هناك كانت القوّة الأوفر للقوى الثوريّة .
فى مارس 1977 ، أعلم لأوّل مرّة عن إعدامات من خلال ملصقات على الجدران و سنة بعد الإنقلاب دعت إفتتاحية مشتركة بين " يومية الشعب " و " الراية الحمراء " و جريدة جيش التحرير الشعبي إلى " بذل جهود كبرى لنقد " مجموعة الأربعة " و " التحطيم التام لبرجوازيّتهم الحمراء السكتاريّة " ؛ و هذا ليس مؤشّرا فقط عن تواصل المقاومة بل أيضا عن موجة الإرهاب التى تطبّق ضد الجماهير ( و كذلك عن صراع الكتل داخل اليمين ). "
( إنتهى المقتطف )
و نهض الماويّون الحقيقيّون عبر العالم ( ليس جميع الماويّين طبعا فمنهم من تبنّى الخطّ التحريفي لدنك سياو بينغ على أنّه زورا و بهتانا خطّ ماو الثوريّ ) بالواجب الذى دعاهم إلى القيام به ماو تسى تونغ منذ 1965 حيث قال صراحة و بلا مداورة متحدّثا عن إمكانيّة خسارة الصين الإشتراكية و إعادة تركيز الرأسماليّة فيها :
" إذا إفتكّ التحريفيّون مستقبلا قيادة الصين ، على الماركسيّين – اللينينيّين فى كافة البلدان أن يفضحوهم بصرامة و أن يناضلوا ضدّهم و أن يساعدوا الطبقة العاملة و الجماهير الصينيّة فى قتال هذه التحريفيّة ."
( ماو تسى تونغ ، 1965 )
و كمدخل و تلخيص للموقف الشيوعي الثوري دفاعا عن علم الشيوعية الذى طوّره ماو تسى تونغ ذاته كأحد أبرز قادة البروليتاريا العالمية لعقود ، نقترح عليكم ما أعربت عنه مجموعة لا بأس بها من الأحزاب و المنظّمات الماويّة التي عملت موحّدة ضمن " الحركة الأمميّة الثوريّة " من 1984 إلى 2006 – على أنّه وجب التنويه إلى تطوير الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان لهذا الملخّص من المواقف و قد جدّ صراع خطّين بشأن نقاط منه و نقاط أخرى صلب الماويّين الذين إنقسموا إلى إثنين أساسا و قد حمل أحد كتبنا المخصّص للغرض عنوان " الماوية تنقسم إلى إثنين ". و قد ورد فى " بيان الحركة الأممية الثوريّة " لسنة 1984 :
" ماو تسى تونغ ، الثورة الثقافية و الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية :
لقد شرع ماوتسى تونغ و الماركسيين – اللينينيين فى الحزب الشيوعي الصيني، مباشرة بعد الإنقلاب الذى قاده خروتشوف، فى تحليل ما حصل داخل الإتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية.و أخذوا فى النضال ضد التحريفية المعاصرة . و فى 1963 ، نشرت الرسالة ذات الخمسة و عشرين نقطة (" إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ") التى أدانت التحريفية بصفة علنية و كاملة ووجهت نداءا لجميع الماركسيين – اللينينيين الحقيقيين فى جميع البلدان.
إنّ جذور الحركة الماركسية - اللينينية- الماوية المعاصرة ترجع بالنظر إلى هذا النداء التاريخي و الصراعات التى صاحبته.
و لقد قام ماو و الحزب الشيوعي الصيني ، محقين كثيرا فى الرسالة ذات الخمسة و عشرين نقطة و الصراعات التى صاحبتها،
- بالدفاع عن الموقف اللينيني بخصوص دكتاتورية البروليتاريا ودحض النظرية التحريفية المزعومة" لدولة الشعب كله ".
- بالدفاع عن ضرورة الثورة المسلحة ورفض الإسترتيجيا المزعومة " للتحول السلمي للإشتراكية "
- بمساندة و تشجيع نموّ الحروب التحررية الوطنية للشعوب المضطهَدة و أظهروا أنه من المستحيل وجود إستقلال فعلي فى ظلّ "الإستعمار الجديد"و فنّدوا الموقف التحريفي المزعوم القائل بتجنب الحروب التحررية الوطنية خوفا من إنخرام "السلم العالمي".
- برسم تقييم عام إيجابي حول مسألة ستالين و تجربة البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ، ومقاومة التشويهات التى تجعل من ستالين "جزارا "و "طاغية " مع توجيه فى نفس الوقت بعض النقد العام للأخطاء التى سقط فيها ستالين .
- بمواجهة مجهودات خروتشوف الهادفة إلى فرض خط تحريفي على الأحزاب الأخرى ، ونقد توراز و توليوتي ، و تيتو و تحريفيين معاصرين آخرين .
- بتقديم رسم أولي جنيني حول الطرح الذى يشتغل عليه ماو تسى تونغ و المتعلق بالطبيعة الطبقية للمجتمع الإشتراكي و مواصلة الثورة فى ظلّ ديكتاتورية البروليتاريا .
- بالدعوة للقيام بتحليل عميق للتجربة التاريخية للحركة الشيوعية العالمية و جذور التحريفية .
إن هذه المقترحات و بعض الجوانب الأخرى من رسالة ال25 نقطة و الصراعات ، كانت و لا تزال ذات أهمية كبرى للتفريق بين الماركسية - اللينينية و التحريفية . و لقد شجع ماو و الحزب الشيوعي الصيني من خلال هذه الصراعات الماركسيين - اللينينيين على القطع مع التحريفيين و على إعادة بناء أحزاب جديدة بروليتارية ثورية . ومثلت هذه الصراعات قطيعة أساسية مع التحريفية المعاصرة و شكلت أساسا كافيا للماركسيين - اللينينيين يقدرون من خلاله على خوض النضال . رغم ذلك فإن نقد التحريفية لم يذهب بعيدا و لم يتناول العديد من المسائل و برزت بعض وجهات النظر الخاطئة فى نفس الوقت الذى وقع فيه نقد وجهات نظر أخرى . و بالذات لأن ماو و الحزب الشيوعي الصيني و هذه الصراعات لعبوا دورا ذا أهمية كبيرة فى بناء حركة ماركسية - لينينية - ماوية فى العالم فإنه من الحق و الضروري الإشارة إلى المظاهر الثانوية ذات الطابع السلبي لهذه الصراعات و لنضال الحزب الشيوعي الصيني فى الحركة الشيوعية العالمية .
لقد طرحت رسالة ال25 نقطة بخصوص البلدان الإمبريالية الموضوعة التالية :
" و فى البلدان الرأسمالية التى يسيطر عليها الإستعمار الأمريكي أو يحاول السيطرة عليها ينبغى على الطبقة العاملة و جماهير الشعوب أن توجه هجومها بصورة رئيسية إلى الإستعمار الأمريكي ، و أيضا إلى الطبقة الرأسمالية الإحتكارية و القوى الرجعية المحلية الأخرى التى تخون المصالح الوطنية ". إن رؤية الأشياء بهذه الكيفية التى أضرت بتطور الحركة الماركسية – اللينينية فى مثل هذه البلدان قد أخفت حقيقة أن "المصالح الوطنية " فى بلد إمبريالي هي مصالح الإمبرياليين و أن الطبقة الرأسمالية الإحتكارية فى السلطة لا تخون هذه المصالح بل بالعكس تدافع عنها مهما كانت طبيعة التحالفات التى تقوم بإبرامها مع بعض القوى الإمبريالية الأخرى بالرغم من أن هذه التحالفات تشمل لا محالة لامساواة. فى حين أنه وقع تشجيع بروليتاريا هذه البلدان على مزاحمة البرجوازية الإمبريالية لمعاينة من هو قادر أكثر على الدفاع عن مصالح هذه الأخيرة . للحركة الشيوعية العالمية تاريخ كامل مع طريقة رؤية الأشياء هذه و قد حان الوقت للتخلص منها .
و على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني قد أولى إهتماما بالغا لتطوير الأحزاب الماركسية - اللينينية - الماوية المعارضة للتحريفية ، فإن هذه الأحزاب لم تقدر على وضع الأشكال و الطرق الضرورية لبناء الوحدة الأممية للشيوعيين . ورغم كل الإسهامات فى الوحدة الإيديولوجية و السياسية ، فإنها لم تقم بالمجهودات الملائمة لبناء الوحدة التنظيمية على الصعيد العالمي. لقد إهتم الحزب الشيوعي الصيني أكثر من اللازم بالجوانب السلبية (مثل مشكلة المركزية المجحفة خاصة ) التى خنقت مبادرة و إستقلالية الأحزاب الشيوعية أعضاء الكومنترن . وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني كان على حق حين إنتقد نظرية " الحزب الأب " و تأثيرها السيئ على الحركة الشيوعية العالمية و حين أكد على ضرورة مبدأ العلاقات الأخوية بين الأحزاب ، فإن غياب الإطار التنظيمي الذى كان يمكّن من الخوض فى جميع وجهات النظر والوصول إلى أفق موحد ، لم يساهم فى حلّ هذه المشكلة بل زاد من حدتها .
و إن كان النضال ضد التحريفية المعاصرة على المستوى النظرى لعب دورا عظيما فى تجميع الحركة الماركسية – اللينينية - الماوية ، فإن الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ( و التى كانت هي الأخرى فى جزء كبيرمنها ثمرة هذا النضال ضد التحريفية المعاصرة ) جسدت الشكل النضالي الجديد الذى لم يسبق له مثيل فى التاريخ وولدت جيلا جديدا من الماركسيين -اللينينيين – الماويين . فقد إندفع عشرات الملايين من العمال و الفلاحين و الشباب الثوري للنضال من أجل الإطاحة بالمسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي ( المندسين داخل الحزب و أجهزة الدولة ) ومن أجل مزيد تثوير المجتمع بأكمله و مسّوا فى العمق ملايين البشر فى جميع أنحاء العالم كانوا يخوضون نضالا ثوريا و يشكلون جزءا من الإندفاع الثوري الذى إجتاح العالم خلال الستينات و بداية السبعينات .
الثورة الثقافية هي قمة المستوى الراقي فى إلى حدّ الآن ما بلغته دكتاتورية البروليتاريا و عملية تثوير المجتمع . و لأول مرة فى تاريخ الإنسانية ، وجد العمّال و العناصر الثورية الأخرى أنفسهم مسلحين بفهم جيد لطبيعة الصراع الطبقي فى المجتمع الإشتراكي و ضرورة النهوض و الإطاحة بالمسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي و الذين يظهرون لا محالة وسط المجتمع الإشتراكي و خاصة على مستوى قيادة الحزب نفسه ، و بضرورة النضال لدفع التحولات الإشتراكية إلى الأمام أكثر و إجتثاث الظروف المادية التى تولد هذه العناصر الرأسمالية من الجذور .
و قد ساهمت الإنتصارات الكبرى التى بصمت مجرى الثورة الثقافية فى منع إرتداد تحريفي فى الصين طيلة عشر سنوات و أدت إلى تحويلات إشتراكية هامة فى ميدان التعليم و الفن و الأدب و البحث العلمي و فى العديد من الميادين الأخرى فى مستوى البنية الفوقية . و قد عمق الملايين من العمال و الثوريين الآخرين فى خضم المعارك الإيديولوجية و السياسية الضارية للثورة الثقافية وعيهم السياسي الطبقي و إستيعابهم مما جعلهم قادرين أكثر على ممارسة السلطة السياسية . و خيضت الثورة الثقافية على نحو جعل منها جزءا لا يتجزأ من نضال البروليتاريا الأممي فشكلت أرضية تثقيفية للماركسية - اللينينية و للمبادئ الأممية البروليتارية و ما يبرهن على هذا ليس الدعم المقدم للنضالات الثورية عبر جميع أنحاء العالم وحسب و لكن أيضا التضحيات التى قدمها الشعب الصيني لتوفير ذلك الدعم .
و أفرزت الثورة الثقافية قادة ثوريين مثل كيانغ تشينغ و تسينغ سوين كياو إنظموا إلى جانب الجماهير وواصلوا الدفاع عن الماركسية - اللينينية - الماوية حتى أمام الهزيمة القاسية .
قال لينين : " ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا ". لقد تدعم هذا الشرط الذى طرحه لينين أكثر على ضوء الدروس و النجاحات القيّمة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة ماو تسى تونغ .
و يمكن لنا القول الآن ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا و أيضا على الوجود الموضوعي للطبقات و التناقضات الطبقية العدائية و مواصلة صراع الطبقات فى ظل دكتاتورية البروليتاريا طوال مرحلة الإشتراكية و حتى الوصول إلى الشيوعية . و كما قال ماو فإن : " كل خلط فى هذا المجال يؤدى لا محالة إلى التحريفية " .
و قد كانت الثورة الثقافية دليلا حيا على حيوية الماركسية – اللينينية و أظهرت أن الثورة البروليتارية تتميز عن كل الثورات السابقة التى لم تكن قادرة إلا على تعويض نظام إستغلالي بآخر . ومثلت مصدر إلهام لجميع الثوريين فى كل البلدان . لهذه الأسباب ما إنفك الرجعيون و التحريفيون ينفثون سمومهم ضد الثورة الثقافية وضد ماو و لهذه الأسباب أيضا فإن الثورة الثقافية تشكل عنصرا لا يمكن الإستغناء عنه ضمن التراث الثوري للحركة الشيوعية العالمية .
لقد تمكّن التحريفيون داخل الحزب و أجهزة الدولة الصينية، بالرغم من الإنتصارات العظيمة للثورة الثقافية ، من مواصلة إحتلال مناصب هامة و تشجيع خطوط و إجراءات سياسية أضرت بالمبادرات الهشّة لأولئك الذين قاموا بمحاولات إعادة بناء حركة شيوعية عالمية حقيقية . فقد عمد التحريفيون فى الصين الذين كانوا يمسكون بجزء لا يستهان به من الديبلوماسية و العلاقات بين الحزب الشيوعي الصيني و الأحزاب الماركسية – اللينينية - الماوية الأخرى إما إلى إدارة ظهورهم للنضالات الثورية للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة و إما إلى توظيف هذه النضالات لمصالح الدولة الصينية . وهكذا أسندت صفة " المعادين للإمبريالية " لبعض الحكام المستبدين الرجعيين الحقيقيين ، و بتعلة النضال العالمي ضد "الهيمنة " تم إعتبار بعض القوى الإمبريالية الغربية كقوى وسطية و حتى إيجابية فى الظرف العالمي . بعدُ فى ذلك الوقت قد سارت العديد من الأحزاب الماركسية – اللينينية الموالية للصين و التى كانت تحظى بدعم التحريفيين فى الحزب الشيوعي الصيني فى ركب البرجوازية و وصل بها الأمر إلى حد الدفاع ( أو على الأقل عدم مواجهة ) التدخلات العسكرية للإمبريالية أو تحضيراتها للحرب الموجهة ضد الإتحاد السوفياتي البلد الذى وقع إعتباره أكثر فأكثر ك"عدو رئيسي" على المستوى الدولي . وقد إنتعشت تماما جميع هذه التيارات على إثر الإنقلاب الذى حصل فى الصين وما تلاه من قيام التحريفيين بصياغة " نظرية العوالم الثلاثة " و محاولتهم فرضها على الحركة الشيوعية العالمية . و كان الماركسيون –اللينينيون- الماويون على حق عندما دحضوا تشويهات التحريفيين التى كانت تدعى بأن ماو قد دافع عن " نظرية العوالم الثلاثة " . و لكن هذا غير كاف إذ يجب تعميق نقد " نظرية العوالم الثلاثة " بنقد المفاهيم التى تدعمها و بالكشف عن جذور هذه النظرية .
و تجدر الملاحظة هنا أن المغتصبين التحريفيين فى الصين كانوا مضطرّين للتنديد علنا برفاق ماوتسى تونغ فى السلاح متهمينهم بمعارضة " نظرية العوالم الثلاثة ".
إنّ التناقض بين البلدان الإشتراكية والبلدان الإمبريالية هو أحد التناقضات أو السمات الأساسية لعصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية . و على الرغم من أن هذا التناقض قد غاب اليوم مؤقتا بسبب التحولات التحريفية لمختلف البلدان الإشتراكية سابقا ، فإن هذا لا يغير فى شيئ من ضرورة تقييم التجربة التاريخية للحركة الشيوعية بصدد الكيفية التى عولج بها هذا التناقض و التى تبقى مسألة نظرية ذات أهمية : و بالفعل ستجد البروليتاريا يوما ما نفسها أمام ظروف يكون فيها بلد ( أو عدة بلدان ) إشتراكية فى مواجهة سافرة مع أعداء إمبرياليين مفترسين. لقد تمكّن المسؤولون السائرون فى الطريق الرأسمالي، سنة 1976 بعد وفاة ماو، من القيام بإنقلاب دنيئ نجحوا من خلاله فى فسخ الإستنتاجات الصحيحة للثورة الثقافية و طرد الثوريين من قيادة الحزب الشيوعي الصيني و تطبيق برنامج تحريفي فى جميع الميادين و الرضوخ للإمبريالية .
و قاوم الثوريون فى الحزب الشيوعي الصيني هذا الإنقلاب وواصلوا النضال من أجل أن تسترجع القيادة البروليتارية مقاليد السلطة فى هذا البلد . أما على المستوى الدولي فإن العديد من الشيوعيين الثوريين ، فى عدد لا يستهان به من الدول، لم ينساقوا وراء الخط التحريفي لدنغ سياو بينغ و هواو كوفينغ و قاموا بمبادرات ملموسة لتعرية و نقد المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي فى الصين . لقد حيت هذه المقاومة ( فى الصين و كذلك على المستوى الدولي ) للإنقلاب على القيادة الصحيحة لماوتسى تونغ الذى ما إنفك يعمل بدون كلل على تسليح البروليتاريا و الماركسيين – اللينينيين - الماويين بتحليل للصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا وتمكينهم من فهم إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية . و قد أمد العمل النظري للقيادة البروليتارية بزعامة ماو تسى تونغ الماركسيين - اللينينيين - الماويين بالعناصر الضرورية لكي يتمكنوا من الفهم الصحيح لطبيعة التناقضات فى المجتمع الإشتراكي و شكّل هذا العمل إضافة هامة للماوية مكنت الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية من التهيؤ إيديولوجيا لمواجهة الأحداث الأليمة لسنة 1976 أكثر مما كانت عليه قبل 20 سنة عند حدوث الإنقلاب التحريفي فى الإتحاد السوفياتي بالرغم من أنها تواجه هذه الحالة فى هذه المرة فى غياب دولة إشتراكية فى العالم .
غير أنه كان لزاما أن تكون لعودة الرأسمالية فى بلد يضع بين حدوده ربع سكان العالم و إستيلاء التحريفيين على حزب ماركسي – لينيني - ماوي كان سابقا فى طليعة الحركة الشيوعية العالمية ،إنعكاسات عميقة على النضال الثوري فى العالم و الحركة الماركسية - اللينينية - الماوية . هتفت العديد من الأحزاب التى تنتمى للحركة الشيوعية العالمية، طويلا للتحريفيين و تبنّت " نظريتهم حول العوالم الثلاثة " و تخلت نهائيا عن النضال الثوري . و تمكنت بذلك من زرع الإنهيار فى الوقت الذى خسرت فيه كل ثقة من قبل العناصر الثورية فعرفت هذه الأحزاب أزمة داخلية عميقة أو إنهارت تماما .
و حتى فى صفوف قوى ماركسية- لينينية- ماوية أخرى رفضت الإنسياق وراء القيادة التحريفية الصينية أدى الإنقلاب الذى حصل فى الصين إلى نوع من الإنهيار ووضعت الماركسيية - اللينينيية - الماوية موضع التساؤل من جديد و لقد تعزّز هذا التيار أكثر عندما شنّ أنور خوجة و حزب العمل الألباني حربا شعواء ضد الماوية.
و بالرغم من أنه كان من المنتظر أن تمر الحركة الشيوعية العالمية بأزمة معينة بعد الإنقلاب فى الصين، فإن عمق هذه الأزمة و الصعوبات الكبيرة الناجمة عنها تبرز بوضوح مدى عمق إنغراز أنياب التحريفية بمختلف أشكالها داخل الحركة الماركسية – اللينينية - الماوية حتى قبل سنة 1976 . لذا يجب على الماركسيين - اللينينيين - الماويين مواصلة بحثهم و دراستهم لهذه المسائل للوصول لفهم جيد لجذور التحريفية لا فحسب فى هذه الفترة و لكن أيضا فى الفترات السابقة للحركة الشيوعية العالمية . و يجب عليهم مواصلة المعركة ضد تأثير التحريفيين و فى نفس الوقت الدفاع و السير قدما على أساس المبادئ الأساسية التى أفرزتها الإنفجارات الثورية للبروليتاريا العالمية و الحركة الشوعية على مدى تاريخها . "
( إنتهى المقتطف )
( " علم الثورة البروليتاريّة العالمية : الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة " ، شادي الشماوي ؛ مكتبة الحوار المتمدّن )

حالئذ ، نلمس مدى تهافت أعداء الماويّة و تأكيدهم الزائف و المجافي للحقيقة و الذى يخلط الأوراق عمدا كتكتيك إنتهازي معروف ، معوّلين على الجهل و باثّين سمومهم التحريفيّة و الدغمائيّة المعادية لعلم الشيوعية ، أنّه لا فرق بين الخطّ الماوي الثوريّ و الخطوط التي قاتلها قتالا مريرا و قاسيا لا هوادة فيه لعشرات السنين و من وجهة نظر الثورة البروليتارية العالمية و مزيد التقدّم صوب الشيوعيّة . و من المؤسف بل و المحزن حقّا أنّ أناسا شرفاء كُثر ما إنفكّوا يردّدون كالببّغاء هذه الإفتراءات بدلا من إعمال الفكر و البحث عن الحقيقة و التثبّت من الوقائع و من مضامين الوثائق التاريخيّة و النصوص الماويّة التاريخيّة منها و الراهنة و قد صارت متاحة أكثر من أيّ زمن مضى لا سيما بفضل الأنترنت .
و من كتابنا هذا نرمى إلى بلوغ أهداف ثلاثة أوّلها المزيد من إجلاء حقيقة ما حصل من إنقلاب تحريفي في صين ما بعد ماو تسى تونغ ؛ و ثانيها المزيد من رفع الغشاوة التحريفيّة و الدغمائيّة عن عيون الباحثين حقّا عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة و المزيد من دحض خزعبلات أعداء الماويّة ، أعداء الماركسية - اللينينيّة - الماويّة ، أعداء الشيوعيّة الثوريّة ؛ و ثالثها تسليح الرفاق و الرفيقات بفهم أرقى و أعمق للصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية و بمساهمة من أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة .
و بطبيعة الحال ، ليس هذا الكتاب الجديد منعزلا عن أعمالنا السابقة الأخرى بصدد الصين الإشتراكيّة الماويّة و إنّما هو لبنة أخرى مكمّلة و متمّمة لها . إنّه متمّم لكتابنا الأوّل بهذا المضمار
- " الصين الماويّة : حقائق و مكاسب و دروس " ،
و ما تلاه من كتب في الغرض عينه :
- " نضال الحزب الشيوعيّ الصينيّ ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية "،
- " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو " ،
- " الماويّة تدحض الخوجيّة ، و منذ 1979 " ،
- المعرفة الأساسيّة للحزب الشيوعيّ الصينيّ ( الماويّ – 1974 )،
- " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب" الاقتصاد السياسي ، السوفياتي ")،
و الكتاب الذى ألّفناه بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى و إخترنا له من العناوين
- " الصراع الطبقيّ و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة ".
و من يتطلّع إلى المزيد بشأن موضوع الحال ، الإنقلاب التحريفي في الصين فنحيله أوّلا و قبل كلّ شيء ، على كتابنا الأوّل أو العدد الأوّل من" الماويّة : نظريّة و ممارسة ": " علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسيّة -اللينينيّة - الماويّة "؛ و ثانيا ، على كتيّب باللغة الأنجليزيّة لبوب أفاكيان هو في الأصل نصّ لخطاب إعلان الموقف الرسميّ للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة عنوانه " خسارة الصين و الإرث الثوريّ لماو تسى تونغ " ( منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1978 ) و رابطه على الأنترنت هو
http://bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/Avakian-LossInChina.pdf

و هذا لا يعنى أنّنا أهملنا التناول التقييمي العلمي و النقدي للتجربة الإشتراكية في الصين الماويّة ، بالعكس أولينا الموضوع ما يستحقّ من عناية و الكتب التالية التي نشرنا تندرج فى هذا الإطار :
- " المساهمات الخالد لماو تسى تونغ " لبوب أفاكيان ،
- " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية ! " لبوب أفاكيان،
-" تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة والصينيّة : كسب العالم؟ واجب البروليتاريا العالمية ورغبتها " لبوب أفاكيان و
- " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " لريموند لوتا .
كما أنّ هذا لا يعنى أنّنا أهملنا بأيّ شكل من الأشكال الصراعات صلب الحركة الماويّة العالميّة ذلك أنّ عدد الكتب المخصّصة للغرض ( الصراعات حول خيانة حرب الشعب في النيبال و إنقسام الماويّة إلى إثنين و الجدالات حول الخلاصة الجديدة للشيوعية – الشيوعية الجديدة و تطوير الماويّة ...) يشهد على عكس ذلك أي على إيلائنا المسألة الأهمّية اللازمة . و الكتب العديدة التي تجدون عناوينها و محتوياتها في الملحق الثاني لهذا الكتاب و هي متوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن خير دليل على ذلك.
و يقوم كتابنا الجديد هذا على فصل أفردناه لمقدّمات نظريّة صاغها ماويون صينيّون أساسا في سبعينات القرن العشرين بشأن الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية يليه فصل خصّصناه لخلفيّة تاريخيّة لفهم خطّ المؤتمرين الماويّين الأخيرين للحزب الشيوعي الصينيّ و لنموذج من وثائق عديدة لصراع الماويّين صلب ذلك الحزب ضد الإنحراف اليميني لدنك سياوبينغ و أتباعه و أشباهه . و لتكوين فكرة شاملة عن هذه المعركة ، إنتقينا للفصل الثالث قراءة قيّمة للمعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ صاغها ريموند لوتا كمقدّمة لكتابه " و خاسهم ماو " المذكور أعلاه . و قصد تقديم نماذج لا غير من – و ليس جميع - المواقف الماويّة المناهضة للتحريفيّة و الإنقلاب المعيد لتركيز الرأسماليّة في الصين ، إصطفينا للفصلين الرابع و الخامس رسالة مفتوحة بعث بها الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و مقالا للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي يُعنى بدحض " نظريّة العوالم الثلاثة " التي كانت تمثّل الخطّ العالمي للتحريفيّين الصينيّين . و خيارنا لهذهين النموذجين يُعزى إلى كون هذين الحزبين كانا مبادرين في تجميع الماويّين أحزابا و منظّمات عبر العالم لفضح التحريفيّين الصينيّين و صياغة وثائق و تشكيل منظّمة عالميّة للماويّين الحقيقيّين رأت النور فعلا سنة 1984 ( الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة مذّاك إلى سنة 2006 و التي مرّ بنا ذكر بيانها لسنة 1984 ) .
و إلى ما تقدّم ، أضفنا فصلا من تأليفنا أنف نشره ضمن كتاب من وضعنا ، " الصراع الطبقيّ و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة " ، فيه لخّصنا أهمّ نقاط التمايز بين الماويّة الثوريّة و التحريفيّة الصينيّة الرجعيّة كما بيّنت ممارسة الصراع الطبقي و الأحداث و الوثائق ، قبل الإنقلاب و بعده . و إعتبارا لأنّ الخوجيّين يزعمون معارضتهم للتحريفيّة الصينيّة من موقع ماركسي- لينينيّ ( رغم عدم تفريقهم بين الماويّة و التحريفيّة الصينيّة لدنك سياو بينغ و شنّهم هجوما لامبدئيّا دغمائيّا تحريفيّا مسعورا على ماو تسى تونغ تمّ الردّ عليه في كتابنا " الماوية تدحض الخوجيّة ، و منذ 1979 " ) ، رأينا من المفيد للقرّاء باللغة العربيّة أن يطالعوا أوّلا ملحقا هاما للغاية هو " ماو تسى تونغ : خطاب أمام البعثة العسكريّة الألبانيّة " و ثانيا ، مقال ينقد كتاب أنور خوجا ، " الإمبرياليّة و الثورة " و يعرّى أخطاءه من بدايته على نهايته ؛ و ثالثا ، ملحقا في منتهى الأهمّية هو مقال يُعنى بتوضيح تحريفيّة شخصيّة هامة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ظلّ يحفّ بها الكثير من الغموض لوقت طويل حتّى لدى الكثير من الماويّين و نقصد شو آن لاي .
و من يتطلّع إلى دراسة تحوّل الصين إلى دولة رأسماليّة – إمبرياليّة ، فعليه/ عليها بكتاب من إنتاجات الماويّين في الهند عنوانه " الصين – قوّة إمبرياليّة – إشتراكيّة جديدة ! جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي " وهو متوفّر باللغة الأنجليزية و باللغة الفرنسية و الرابطان تباعا هما :
- https://www.bannedthought.net/India/CPI-Maoist-Docs/Books/China-Social-Imperialism-CPI-Maoist-2021-Eng-view.pdf
- https://www.bannedthought.net/India/CPI-Maoist-Docs/Books/China-Social-Imperialism-CPI-Maoist-2021-French-20211001.pdf

و المحتويات التفصيليّة لهذا الكتاب 48 ، فضلا عن هذه المقدّمة ، هي :
الفصل الأوّل : مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة
( 1 ) قوانين الصراع الطبقي في المرحلة الإشتراكيّة
- لا يمكن تجنّب الصراع الطبقي
- الخلفيّة العالميّة
- صراع كبير كلّ بضعة سنوات
- ليس بوسع الإضطراب إلاّ أن يتحوّل إلى النظام
(2) أتباع الطريق الرأسمالي هم ممثّلو علاقات الإنتاج الرأسماليّة
( 3 ) بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية
الفصل الثاني : المؤتمران الماويّان للحزب الشيوعي الصيني و تحريفية دنك سياو بينغ و أمثاله و أتباعه
( 1 ) تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني
- خطّ المؤتمر التاسع
- إنتصار سحق طغمة لين بياو المعادية للحزب
- الوضع الراهن و مهامنا
( 2 ) خطّ عام لإعادة تركيز الرأسماليّة – تحليل ل " حول البرنامج العام لكلّ عمل كامل الحزب و كامل الأمّة "
الفصل الثالث : المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ
مدخل الكتاب
فهرس كتاب " و خامسهم ماو "

المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ( 1973 - 1976)
مقدّمة :
- مسألة لين بياو
- المؤتمر العاشر
- حملة " نقد لين بياو و كنفيشيوس "
- المجلس الوطني الشعبي
- " الأعشاب السامّة الثلاثة "
- نقد "على ضفاف الماء "
- مزيدا من " ريح الإنحراف اليميني "
- نقد دنك سياو بينغ
- الإنقلاب
الفصل الرابع : رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوعي الصيني
الفصل الخامس : إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " : إعتذار للإستسلام
- إستبعاد التحليل الطبقي
- الدفاع عن الإستعمار الجديد
- نظريّة قوى الإنتاج
- الدفاع عن الوطن ، أسلوب " العوالم الثلاثة "
- الخطر الأساسي السوفياتي
- جبهة متّحدة من أجل ماذا ؟
- تاريخ " العوالم الثلاثة "
- الصراع حول الخطّ الأمميّ
- الحزب الشيوعي الثوري و نظريّة العوالم الثلاثة
- نظريّة العوالم الثلاثة و الصراع صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة
- تحليل أعمق
- الدفاع عن ماو تسى تونغ
- خاتمة
الفصل السادس : من صين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية : برنامج دنك الذى طبّق فى الصين بعد إنقلاب 1976 يميط اللثام حتّى أكثر عن الخطّ التحريفي الذى ناضل ضدّه الشيوعيّون الماويّون
1- أهم محطّات التخلّى عن الماويّة
2- خط التعصيرات الأربعة التحريفي يتناقض مع الخط الشيوعيّ الماويّ " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " أو خطّ المؤتمر الحادي عشر يتناقض مع خطّ المؤتمرين التاسع و العاشر
3- خطّان فى فهم السياسة التعليميّة
4- من أدب فى خدمة الشعب و الثورة إلى أدب فى خدمة التحريفيّة و بالتالي البرجوازية
5- من السعي إلى معالجة التناقض بين الرّيف و المدينة إلى تعميق هذا التناقض
6- من صناعة من أجل العمّال إلى عمّال من أجل صناعة ما عادوا يملكونها
7- التنكّر للمفاهيم الماويّة لمواصلة الصراع الطبقيّ فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا
8- نقاط إضافيّة يتناقض فيها خطّ دنك التحريفيّ البرجوازيّ مع الخطّ الماويّ الثوريّ البروليتاريّ
ملاحق الكتاب (4)
(1) ماو تسى تونغ : خطاب أمام البعثة العسكريّة الألبانيّة
(2) كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " على خطإ من بدايته إلى نهايته
-1- العالم حسب خوجا
-2- أطروحة خوجا حول " العالمين "
-3- خوجا و التحرّر الوطنيّ
- 4 - البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و الحرب العالميّة
- 5 - حرب عالميّة – " سياسة " الصين
- 6 - الدفاع عن الوطن على طريقة خوجا
-7- خوجا و الإتّحاد السوفياتي
المراجع :
( 3 ) إعتاد على مهاجمة خطّ ماو – الدور الرجعيّ الخفيّ لشو آن لاي
( 4 ) فهارس كتب شادي الشماوي
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
(2)
كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " على خطإ من بدايته إلى نهايته
مجلّة " الثورة " ، مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية - سبتمبر 1979
http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Journals/Revolution/Revolution-V4N09-English.pdf
---------------------

يعدّ مقال " في الردّ على الهجوم الدغمائي – التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " الذى صدر أوّل ما صدر في " الشيوعي" ( مجلّة نظريّة للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري - عدد 5 ، ماي 1979 ) و تاليا في مجلّة " الثورة "، جويلية – أوت 1979 ، دحضا شاملا للجوانب الرئيسيّة للهجوم البغيض لأنور خوجا على مساهمات ماو تسى تونغ في الحركة الشيوعية العالمية و في الحركة الشيوعية الصينينية . و قد ظهر الهراء الرجعي لخوجا بشكل مقرف لأوّل مرّة بصفة تامة في كتابه " الإمبريالية و الثورة " ( تيرانا – ألبانيا 1979 ) غير أنّه إلى يومنا هذا ، ثمّة من يوافقون على إعتبار الوضع في مجمله غير صحيح إلاّ أنّهم لا يرون في بقيّة الكتاب إيّاه إلاّ القليل من الأخطاء : تحليله للوضع العالمي و إستراتيجيّته للثورة في كافة انحاء العالم . و مع أنّ البعض يعتبرون أنفسهم ماركسيّين – لينينيين فهم يعتقدون أنّ مؤلّف خوجا يتضمّن مساهمة ذات دلالة كبيرة في الثورة العالمية ، ربّما مفكّرين أنّ تصنيف خوجا لماو كتحريفي إنحرافا هيّنا .
أشار مقالنا المشار إليه أعلاه ، و المنشور في " الثورة " إلى كيف أنّ أطروحة خوجا بصدد ماو تسى توغ في حدّ ذاتها تحريفيّة تماما و كيف أنّها تتطابق تفقريبا مع موقف التحريفيين السوفيات أو هي منسوخة عنهم في جوانب عدّة منها . و بالنسبة لخوجا حرب الشعب في بلد شبه مستعمر- شبه إقطاعي كالصين كانت طبعا لعبة حرب لا نهاية لها حالت دون الطبقة العاملة و خوض حرب ثوريّة حقيقيّة في المدن ن و علّل موقفه ذلك بأنّه يجب عمليّا و حصريّا على البروليتاريا أن تكون القوّة الرئيسيّة في بلد شبه مستعمر – شبه إقطاعي و حسب كالصين و لئن مثّل الفلاّحون القوّة الأساسية (و ليست القياديّة ) فهذا يعدّ تحريفيّة .
برأي خوجا مصدر الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية خارجي بالأساس ( مؤامرة إمبرياليّة ) ، و الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى كانت مخاضا رجعيّا و ما من إختلاف نوعي بين الإشتراكية و الشيوعية . و في المجال الفلسفي ، شوّه خوجا ماو بكلّ ما أوتي من قدرة على التشويه ما فضح من ناحية أخرى ضعفه هو في و عدم تمكّنه من المادية الجدليّة ( هذا كلّه و غيره قد عولج في جزئيّاته و بصفة كافية في مقالنا المشار إليه أعلاه لذلك نلحّ على القرّاء بضرورة دراسته نظرا لكوننا لن نحاول إعادة تلك المسائل هنا ) .
من العسير أن نتصوّر كيف لا يمكن للمرء أن يرى هذه الأصناف من الأخطاء كإنحراف جوهري عن الماركسية – اللينينية و هجوم عليها و لعلّ مردّ ذلك وجود قرف صريح إزاء الإستراتيجيا الرجعية ل"نظريّة العوالم الثلاثة " التي يقف وراءها التحريفيون الصينينيّون و تبنّاها الإشتراكيّون الشوفينيّون في العالم قاطبة ، إضافة إلى وجود إرادة صريحة أن تنتصر الماركسية الثوريّة على التحريفيّة في ألبانيا ، ما مثّل منبع تعامى تجاه تحريفيّة أنور خوجا لكن على كلّ حال يمكن لذلك التعامى أن يقود الشعب نفسه إلى مستنقع التحريفية .
و قد تساهم طريقة خوجا في نشر هذا التعامى جرّاء إستعمال متقن للإنتقائيّة و فستشهادات بلينين و ستالين دليلا على " أرتودكسيّة " ماركسية- لينينية ، و جرّاء كلمات دفاع مستميت عن بعض المسائل المفاتيح التي ميّزت بين الماركسيّة و التحريفيّة لسنوات عديدة ( كالدفاع عن مفهوم دكتاتوريّة البروليتاريا و المعارضة الشديدة لحخطّ " الإنتقال السلمي " للإشتراكية ) ، في الوقت الذى يسعى فيه إلى تمرير وجهة نظره الخاصة عن العالم و ميتافيزيقيّته و مثليّته كنوع من التراجع " المحفّز " للينينيّة . بيد أنّه بالرغم من كلّ " دفاعه " عن لينين و ستالين ، فإنّ لخوجا أكثر من نقطة تقاطع مع أشخاص آخرين " كلاسيكيين " أو حتّى معاصرين منهم الكاوتسكيّون و التروتسكيّون و أصحاب الخطّ السياسي الراهن للتحريفيين السوقيات المعاصرين . ما يقفز إلى الذهن فعلا عند دراسة كتاب خوجا عن كثب و في كلّيته هو الصلة بين خوجا و شتّى تلك " التيارات الفكريّة ".
ينطوى كتاب خوجا تقريبا على نفس عدد صفحاته من الأخطاء ( جاء الكتاب المترجم إلى الأنجليزيّة في أزيد من 400 صفحة ) إلاّ انّ تحليلا شاملا أو حتّى الإشارة إلى طابع جميع هذه الأخطاء قد يستدعى مجلّدا أطول من الكتاب عينه بكثير و بالتالى فإنّ فائدة كتاب أنور خوجا بالنسبة للحركة الشيوعية العالمية موضع تساؤل .
و في ما يلى معالجة مقتضبة لبعض الجوانب الرئيسيّة لتحليل خوجا للوضع العالمي و لثلاثة أو أربع أطروحات تحريفيّة لم يتطرّق لها مقال " الثورة " الذى مرّ بنا ذكره الذى قدّم تحليلا لجذور التحليل الكاريكاتوري الخوجي للماركسيّة و تبعاته.

-1- العالم حسب خوجا

ينطوى الكتاب على تحاليل مطوّلة لما يعتقد خوجا أنّه يحدث الآن في هذا العالم و قد أفرد لذلك فصولا في الجزء الأوّل و تناول المسألة مجدّدا كجزء من نقاشه الطويل للإستراتيجيا التحرييّة الصينية ل " العوالم الثلاثة " و لإسترتيجيا الصين للتحوّل إلى قوّة عظمى ( كلاهما في الجزء الثاني من الكتاب ) . و تحليله قائم على شبكة إنتقائيّة إذ لم يترك الإشارة إلى أيّ’ شاردة أو واردة بيد أنّه عندما نقرأ مليّا بين السطر الفارغة ، نجد فهما خاصا على أنّه خاطئ و ليس مبتكرا كلّيا ، لما يجرى الان في العالم .
ينطلق خوجا من الإعتراف بالقوّتين ألعظم ، الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي بإعتبارهما أكبر المدافعين عن الرأسماليّة العالميّة و من وقت لآخر يلمح إلى أنّهما في تنافس من أجل إقتسام العالم (1) . لكن غالبا ، لمّا يشير إليهما سرعان ما يحيل على الصين و اليابان و عديد القوى الأوروبيّة كمنافسين ممكنين للولايات المتحدة الأمريكية و للاتحاد السوفياتي . و فيما يتكلّم فعلا عن التنافس بين القوّتين الأعظم ( و بصورة مطّردة أكثر بين الإمبرياليين جميعهم كذلك ) من أجل إقتسام العالم ، فتقريبا يرفق ذلك على الدوام بالتأكيد على تحالفهما . أحيانا ، يقول في الكتاب إنّ التنافس و التحالف بين القوى افمبريالية نزعتان متساويتان (2) ، لكنّه يشدّد بصورة مطّردة أكثر على أنّ التحالف هو الرئيسي ( المزيد حول هذا تاليا ).
لا يعتقد خوجا أنّ الحرب بين القوى الإمبريالية في الفق . فهو يقول " القوى الإمبرياليّة العظمى التي تناولناها بالحديث أعلاه [ و بأعلاه يقصد قسما كاملا عن الصين ] ، ستبقى إمبريالية و ساعية وراء الحرب و إن لم يكن الآن فغذا ستدفع بالعالم إلى حرب نوويّة كبرى " (3)
لكن نهائيّا يريد خوجا قول إنّ ذلك " لن يحدث الآن " ، و بالغد يعنى ، بمعنى مجازي ، " في أفق بعيد ". فهو يصرّح بأنّ " في كلّ لعبتهم الإستراتيجيّة ، لا تزيد الولايات المتحدة – دون حدود – من خطر العلاقات مع الإتحاد السوفياتي ، هي تتابع معه محادثات سالت ، بإستقلال عن تصريح كارتر بأنّه سينتج قنابل النوترون . و مع هذا كلّه ، يلاحظ توجّها نحو الإبقاء على الوضع القائم راهنا بين الولايات المتحدة الأمريكية وافتّحاد السوفياتي .
بطبيعة الحال ، ترغب الولايات المتحدة الأمريكية و الأوتان [ الحلف الأطلسي ] في المحافظة على الوضع الراهن في علاقة بالإتحاد السفياتي و في الوقت نفسه لهما معه تناقضات لم تحلّ بعد ما يخوّل للصينيين الإدّعاء بأنذ الحرب في أوروبا وشيكة الحصول " (4)
هنا ، طبعا ، ليست المسألة مسألة هل أنّ حربا تكاد بالفعل تندلع فهذا ليس الخطّ الذى كان يدافع عنه الحزب الشيوعي الصيني في ظلّ ماو ( و أيضا ما هو بالخطّ المقترح من قبل التحريفيين الصينيين الآن ) . المسألة هي هل أنّ أزمة الإمبرياليّة بلغت مرحلة حرجة تدفع كلا القوّتين الأعظم بسرعة نحو الحرب لإعادة تقسيم العالم . و الإستشهاد الوارد أعلاه يلخّ تشديد خوجا و إنتقائيّته فعلى طول كتابه و عرضه لا يفعل سوى صبّ الاهتمام الخاطئ على حتميّة حرب بين القوّتين الأعظم غير أنّه يؤكّد المرّة تلو الأخرى على مساعيها للحفاظ " على الوضع الراهن " و يقلّص من مدى تأثير مساعيها الحقيقيّة لمؤدّية إلى حرب عالميّة بينما هي تتعزّز يوما بعد يوم وهي مهيمنة حاليّا على مجمل التحرّكات السياسيّة ( على عكس العالم الخيالي لخوجا ، فإنّ مباحثات سالت تمثّ نقيض ما يقول ، فهي لا تعمل على الحفاظ على الوضع الراهن بل هي في الواقع غطاء لتعزيز جنوني للقوى العظمى لإعداداتها الحربيّة ؛ و ليس عسكريّا فحسب بل إعلاميّا أيضا قصد تضليل الجماهير و تبادل القوى العظمى التهم ).
لا يدافع خوجا عن فهم أنّ الحرب الإمبرياليّة تمثّل مركز أقصى درجات تناقضات النظام الإمبريالي . في رايه ، إن وُجد ما يعادل تقريبا التهديد الكامن بحرب عالميّة فذلك يعود إلى " إستراتيجيا الصين " في دفع السوفيات و الولايات المتحدة إلى الحرب .
لا يرى خوجا أن تفاقم الأزمة الإمبريالية الراهنة يفضى إلى إقامة كتل حرب على رأسها القوّتين الأعظم . بل يرى كتلة إمبريالية واحدة ، قطعة إمبريالية واحدة ، رغم أنّ لديه تناقضات في " قراءة الإمبريالية ألمريكية " (6) و مهما إكتسى ذلك من غرابة ، فبما أنّ مصدره من يفترض أنّه ماركسي – لينيني مناهض للتحريفيّة ، فإنّ الإّتحاد السوفياتي ليس سوى جزء من هذه الكتلة ذاتها بل يذهب به الأمر إلى إعتباره عمليّا " مستعمرة جديدة للولايات المتحدة " !
عقب الإشارة إلى أنّ بلدان " الكوميكون "تدين لبلدان غربيّة بما يناهز الخمسين مليون دولار ، يصرّح خوجا بأنّ " تصدير الرساميل من بلد رأسمالي إلى آخر أو إلى بلد تحريفي ، مهما كانت كبيرة أو صغيرة الدولة التي تعطيها أو التي تتلقّاها ن يبقى ذلك شكلا من أشكال إستغلال الرأسمالية للشعوب . و يحمل هذا افستغلال معه التبعيّة الإقتصاديّة و السياسيّة للبلد الذى يتلقّاها " (7) و بصورة مشابهة لذلك ، يقول " يمكن للبلدان الكبرى أن تقضي على القروض التي تتلقّاها غير أنّ الإستثمارات الإمبريالية فيها ، مثلما هو الحال في الإتّحاد السوفياتي التحريفي أو في الصين أو في أي مكان آخر تحمل معها بطريق الحتم تبعات إستعماريّة جديدة خطيرة " (8) و " يجد الإتحاد السوفياتي نفسه في وضع بتر الإستقلال هذا [ بسبب الإمبريالين الغربيين " ] (9) ( سنرى في ما بعد أنّ أطروحة خوجا الخاطئة و البسيطة القائلة بأنّه حتّى في البلدان الإمبرياليّة تساوى الإستثمارات الخارجيّة " بيتر الإستقلال " ، تتناغم أيضا مع مع مساعى جعل الطبقة العاملة ترفع الرايات القوميّة الدامية في أوروبا الغربيّة ) .
و يكرّر حتّى تحليله لإمتلاك الولايات المتحدة لكمّية ضخمة جدّا من الصناعات الحربيّة وجهة نظر التحريفيين و البرجوازيين الصغار الراديكاليين . فهو يعيد ذلك إلى الاقتصاد الشائع :
" من الطبيعي أنّ القطاعات الرئيسيّة و الأكثر أهمّية بالنسبة للإستثمارات الموجّهة للتطوّر و للثورة التقنيّة لها الأولويّة لأنّها تضمن أرباحا أكبر و بهذا المعنى ن المقام الأوّل تحتلّه الصناعات الحربيّة نظرا لنسبة الأرباح الأرفع ".(10)
واضعين جانبا لآن اطروحاته حول" الثورة التقنيّة " فإنّ " رؤيته " غير صحيحة في ما يتّصل بمسألة الصناعات الحربيّة. فالحكومة الأمريكية تمضى عقودا حسب سعر التكلفة مع إضافة فائدة قارة مع هذه المؤسسات لكون الضرورة السياسيّة للإمبرياليين تجعل ذلك أمرا لازما قصد ضمان نموّ كامل لهذا الإنتاج بالرغم من التموّجات الإقتصاديّة التي تعزى للأزمة و التي تضرب عموما الاقتصاد ! و من البديهي أن هذه الأرباح المضمونة يجب أن تتأتّى عن فائض القيمة المنتج فعليّا من جهة أخرى و لا تفعل هذه العقود سوى تعميق الأزمة الإقتصاديّة ) .
حين يتعلّق الأمر بأفق إندلاع ثورة عبر الألم ، لخوجا مرّة أخرى منهجه الخاص . فبعد بذل جهود كبيرة للإستشهاد مطوّلا بلينين بشأن خصائص الوضع الثوري و إضافة تعليقه الخاص بأنّ " المجانين وحدهم من يعتقدون في أنّ الثورة يمن القيام بها في أي وقت " ، يصرّح و يطوّر فكرة أنّ " الوضع الثوري وُجد أو هو بصدد الوجود في غالبيّة البلدان الرأسماليّة و التحرفيّة و أنّ هذا الوضع يضع بالتالى الثورة على جدول الأعمال " (11) من الأكيد أنّه يرتكز على إسبانيا و إيطاليا حيث الأزمة ، مع عدم بلوغها الوضع الثوري ن هي الأكثر نضجا ، بيد انّه يرى أنّ إيطاليا ظلّت في أزمة ثوريّة منذ 1945 ( 12) . و يشدّد كذلك على انّ " دورا مماثلا تنهض به الأحزاب التحريفيّة في فرنسا – اليابان – الولايات المتحدة الأمريكية – بريطانيا العظمى – البرتغال و في كلّ البلدان الرأسماليّة الأخرى ، دفاعا عن النظام البرجوازي كي يتمكّن من تجاوز الأزمات و الأوضاع الثوريّة ..." (13) .
يمثّل كلّ هذا التحليل إستخفافا بتوجّه لينين بصدد الوضع الثوري ( و نودّ أن نذكّر خوجا بأنّ لينين كان يتحدّث عن وضع حرج كانت البرجوازية الأوروبيّة تواجهه خلال الحرب العالمية الأولى ) . لقد كتب لينين " ... يقينا إنّ هذا الأمر ليس بالأمر الميسور . إنّما يتطلّب أعمالا تمهيديّة مضنية . إنّما يتطلّب تضحيات فادحة . إنّما هو مظهر جديد من التنظيم و النضال ينبغي تعلّمه أيضا ؛ و الحال ، لا يمكن إكتساب العلم دون أخطاء و هزائم . فإنّ هذا المظهر من النضال الطبقي بالنسبة للإشتراك في الانتخابات أشبه بالهجوم بالنسبة للمناورات ، أو المسيرات ، أو الإقامة في الخنادق . و ليس أحيانا كثيرة جدّا يرد هذا المظهر من النضال في جدول أعمال التاريخ ؛ و لكن أهمّيته و نتائجه تشمل عشرات الشنين . فإنّ الأيّام التي يمكن و يجب فيها اللجوء إلى مثل هذه الأساليب في النضال إنّما توازى عشرينات السنين من المراحل التاريخية الأخرى . " (14 )
في حين انّ أوروبا أو جزء كبير منها ، من المفروض أن يُوجد في وضع " ثوري " ، وجهة نظر خوجا تنقلب إلى عكسها لمّا يتّصل المر بالمستعمرات و المستعمرات الجديدة للإمبريالية . مع كلّ جزء من العالم ، يمرّ به كتابه ، يؤكّد على صعوبة الطريق المؤدّى إلى الثورة في تلك البلدان ( مقدّما إستثناءا طفيفا في ما يخصّ أمريكا اللاتينيّة وهو أمر لدينا الكثير لقوله حوله لاحقا ).
و حتّى عندما يتعلّق الأمر بتحليل الإمبرياليّة و" الدفاع " عن المؤلّف العظيم للينين، " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسماليّة"، تمثّل صياغة خوجا و تأكيده إستخفافا بالإقتصاد السياسي الماركسي و بالأخصّ بتطبيقه من طرف لينين في تحليله للإمبرياليّة بالرغم من أنّ إجراء تحليل كامل للإقتصاد السياسي لدى خوجا ليس من مشمولات هذا المقال ، فإنّه يتعيّن أن نشير إلى بعض الأشياء .
يعتنى خوجا بالإشارة إلى مختلف عناوين فصول المؤلّف العظيم للينين و يقدّم لنا حتّى عدّة إستشهادات منه . فمثلا ، يستشهد مطوّلا بلينين و نقده لكاوتسكى لتقليصه الإمبريالية إلى " سياسة مفضّلة لدى الرأسمال المالى " إلاّ انّ خوجا ذاته يقتفى أثر ذات خطى كاوتسكى . و على القرّاء النظر إلى الصفحات 353 و 354 و مواطن أخرى من الكتاب لمعاينة كي يفصل خوجا لا سيما عند الإشارة إلى " الإمبريالية الإشتراكية الصينيّة " الإمبريالية عن التطوّر الرأسمالي إلى المرحلة العليا الإحتكاريّة – مرحلة بداهة أنّ الصين لم تبلغها – و بالفعل ، في بلد لا يزال متخلّفا نسبيّا كالصين ، تعنى إعادة تركيز الرأسماليّة الإستسلام للإمبريالية و التبعيّة الإستعماريّة الجديدة لهذه الإمبريالية أو لتك (15).
و يتبّن أيضا أن ّخوجا لا يحلّل الإمبريالية كنظام له قوانين تعمل بإستقل عن مخطّطات البرجوازية و نواياها ، بما أنّه لا يضع أي تشديد على فوضويّة الرأسماليّة ، و لا في الكلام و لا في المضمون نفى الجزء المخصّص للإمبرياليّة . لم يشر فعلا إلى فوضويّة الرأسماليّة عدا مرّة واحدة (16).
و يبدو حتّى أنّ خوجا يعتبر أنّ الإمبريالية عوض أن تمثّل عائقا لتطوّر قوى الإنتاج ، هي في الواقع تساهم في تطويرها في البلدان المتخلّفة : " تصدّر الولايات المتّحدة الأمريكيّة و بلدان أخرى رساميلا بالتحديد إلى البلدان حيث يتطلّب التطوّر الاقتصادي إستثمارات و تقنية " .(17)
و يعتنى خوجا بتوضيح أنّ هذه المساهمة في " التطوّر الإقتصادي " تعود إلى بخل لا إلى كرم بما أنّهم يجنون أرباحا طائلة. و هنا كذلك يخطأ خطأ كبيرا . أرباح الإمبرياليليّات كانت تتزايد أكثر فأكثر ( لا تعرف توجّها نحو إنفخفاض نسب الربح ، هذا ما نفترضه نظرا لكون خوجا يشير فحسب إلى الإطار المناسب لها ) . و بكلّ بساطة ، البخل هو الذى يجعلها تستثمر و تتنافس على مناطق النفوذ و ليس الضرورة نو ليست القوانين العمياء للرأسمال هي التي تلزمها بتصدير فائض رأس المال الذى لا يستطيع الإمبرياليّون إعادة إستثماره في بلدهم و الحصول على التعويض الضروري لإستثماراتهم أو كما قال لينين : " فالرأسماليّون يقتسمون العالم لا لأنّهم فطروا على شرّ خاص ، بل لأنّ التمركز قد بلغ درجة ترغم على ولوج هذا الطريق للحصول على الربح " . (18)
أجل ، يتحدّث خوجا بلا إنقطاع عن الزمة العميقة للإمبرياليّة بيد أنّه لا يصفها إلاّ ب " أزمة دوريّة لفائض الإنتاج " يرتفع نسق تواترها . فعلى سبيل المثال ، يعالج التضخّم المالي الذى يعدّ مظهر من مظاهر تفاقم إحتداد الأزمة و يبيّن عمق التناقضات التي يجد الإمبرياليّون أنفسهم يتخبّطون فيها ، على أنّه ببساطة مؤامرة إمبرياليّة للرفع من نسبة إستغلال الطبقة العاملة . (19) لذلك نتوجّه بالنصح للقرّاء لدراسة كتاب لينين " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " و عقد مقارنة بين تأكيد لينين على هيمنة رأس المال المالى و طفيليّة الإمبريالية و على تصدير رأس المال و لا سيما تأكيده على حاجة الإمبرياليين إلى تقسيم العالم و إعادة تقسيمه من ناحية ، و كيف أنّ تأكيد خوجا مغاير كلّيا حتّى وهو يطمئن نفسه بإستخدام الجمل ذاتها .
و إلى حدود معيّن ، يقوم خوجا حتّى ب " تطوير " خلاّق لطبيعة الإمبريالية منذ زمن لينين فعلى سبيل المثال ، يشير أكثر من مرّة إلى " الثورة التكنولوجيّة " (20) و رغم أنّه لا يعالج كثيرا هذا المفهوم في كتابه ،فإنّ " حزب العمل الألباني " من جهته ، قام بعمل أشمل بشأن هذا التطوير الخلاّق (21) ( و من خلال خوجا يبدو أنّه يدافع عنه ) ، و بإختصار أطروحة " الثورة التكنولوجيّة " هذه تردّ تطوّر إقتصاد افمبرياليين بعد الحرب العالمية الثانية ، بخاص في الولايات المتحدة و أوروبا و اليابان إلى إستثماراتهم في الصناعة الجددة و بصفة خاصة التكنولوجية التي دفعت إعادة تجديد ما يسميّه خوجا " الرأسمال الجوهري ".
يلتقى فعلا هذا الخطّ مع التفاسير التي يقدّمها الإمبرياليون ذاتهم لنجاحهم و يحذف كلّيا الإضطهاد و الإستغلال المضاعف للبلدان المستعمرة و للمستعمرات الجديدة كعامل أكثر أهمّية في تمكين الإمبرياليين من تدارك إنعكاسات الأزمة برمّتها .
هذه الأطروحة عن " الثورة التكنولوجية " أطروحة تحريفيّة تماما . و لئن إعتبر المرء أنّ أطروحة حزب العمل الألباني صحيحة ، سيغدو من المعقول أن يجد الإمبرياليّون بصفة لانهائيّة ميادينا تكنولوجيّة جديدة لمواصلة هذه " الثورة " وثمّة إعادة إستثمار فائض رأسمالهم . وفضلا عن ذلك ، تمضى هذه النظريّة التحريفيّة ضد المقولة الجوهريّة الصحيحة و مفادها أنّ الإمبريالية تعرقل قوى الإنتاج ( بالرغم من تحقيقها بعض التطوّر فيها ) و بمعنى أكثر أساسيّة مقارنة بما يقترحه خوجا و إرجاعه المسألة ببساطة إلى تلبية حاجيات الشعب ن في الفصل الذى عدنا إليه .

-2- أطروحة خوجا حول " العالمين "

الجوهري في تحليل خوجا هو ما يمكن وصفه تقريبا ب " نظريّته حول العالمين " : " العالم منقسم إلى جزئين ، عالم الرأسماليّة و العالم الجديد الإشتراكي ..." أو مثلما يقول : " بعد إنتصار ثورة أكتوبر ، قال لينين و ستالين إنّ في عصرنا يوجد عالمان : العالم الإشتراكي و العالم الرأسمالي و لو أنّ الإشتراكية لم تتركّز حينها إلاّ في بلد واحد " (23) ( التشديد لخوجا ) . ظاهريّا صياغة خوجا هذه ثوريّة للغاية لا سيما إذا تمّت مقارنتها بإستراتيجيا العوالم الثلاثة التي تنفى صراع الطبقات و التي يقف وراءها التحريفيّون الصينيّون ، إلاّ أنّ خطّ خوجا في جوهره أبعد ما يكون عن الثوريّة . فخوجا يذهب إلى تقليص العالم إلى تناقض بين افشتراكية و الإمبريالية و هذه ميتافيزيقا تعبّر أساسا عن وجهة نظر مثاليّة تماما للعالم ، أقرب ما تكون إلى الصيغ التحريفية و حتّى على صيغ تروتسكيّة كلاسيكيّة .
تفكير خوجا هو صراحة أنّ تروتسكي كان مخطأ تماما لأنّ الكتاب يقول لنا ذلك بإستمرار لكن عند التدقيق في الأمر تفكير خوجا هو أنّ كاوتسكى كان مخطأ لا لشيء إلاّ لأنّه كان سابقا لأوانه في دفاعه عن " الإمبريالية العليا ". ما خطّه كاوتسكى في 1915 و إستشهد به لينين في " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسماليّة " قد يكون مفيدا بالنسبة للقرّاء : " كاوتسكى : " ... هل يمكنأن تزاح السياسة الإمبريالية الراهنة بسياسة جديدة ، سياسة الإمبريالية العليا ( ألولترا - إمبريالية ultra –impérialisme) التي تحلّ محلّ الصراع بين الرساميل الماليّة الوطنيّة إستثمار العالم كلّه بصورة مشتركة من قبل رأسمال مالي عالمي موحّد ؟ إنّ مثل هذه المرحلة الجديدة في الرأسماليّة أمر معقول على كلّ حال . و هل يمكن تحقيقها ؟ لا توجد بعد الممهداّت الكافية لحلّ هذه المسألة ". (24 )
نلاحظ أنّ كاوتسكى لم ينف أنّ الإمبريالية تستغلّ العالم لكن ضمن أشياء أخرى ، دافع عن وجهة نظر أنّه من الممكن أن يكون ذلك معقولا و يحدث دون حروب ما بين الإمبرياليات .
حسب خوجا ، غيّر إنتصار الثورة البلشفيّة طابع الإمبريالية لذلك لدينا الآن إمبريالية توصّلت خشية الصراع العالمي ضد الإشتراكية ، إلى السيطرة على تناقضاتها الداخلية !
لنقرأ معا مقتطفا طويلا لخوجا و نرى ما يفصح عنه :
" تصارعت الإمبرياية الأمريكيّة و الدول الرأسماليّة الأخرى و لا تزال تتصارع من أجل الحفاظ على سيطرتها على العالم، من أجل الدفاع عن النظام الرأسمالي و الإستعماري الجديد ، من أجل الخروج بأقلّ الأضرار من الأزمة العميقة التي تتهدّدهم. بذلوا و لا زالوا يبذلون جهودا لمنع الشعوب و البروليتاريا من تحقيق تطلّعاتهم الثوريّة . و الإمبريالية الأمريكية المهيمنة سياسيّا و إقتصاديّا و عسكريّا على حلفائها هي التي تنهض بالدور الرئيسي في الصراع من أجل التوصّل إلى هذه الأهداف .
" يسعى أعداء الثورة و الشعوب إلى جعل الناس يعتقدون أنّ التغييرات الحاصلة في العالم و الخسائر التي تتكبّدها الإشتراكية أفرزت ظروفا مختلفة تماما عن سابقاتها . لذلك أخذت الإمبريالية الأمريكية و البرجوازية الرأسمالية العالمية و الإمبرياليّة الإشتراكية السوفياتية و الإمبريالية الإشتراكية الصينيّة ، و التحريفية المعاصرة و الإشتراكية الديمقراطية ، أخذت جميعا بالرغم من تناقضاتها الداخليّة في البحث عن وفاق مجتمعى جديد ، تعدّدي لتأبيد النظام البرجوازي الرأسمالي و تجنّب الثورات و مواصلة إضطهاد و إستغلال الشعوب بأشكال و طرق جديدة ". (25)
و كدليل على هذا الوفاق ، يؤكّد خوجا أنّ التصريح الهام الذى أدلى به جيمى كارتر حول السياسة الخارجيّة في نوتردام بباريس في 22 ماي 1977 ، يعزى في الواقع إلى هذه المساعي لإنشاء مجتمع جديد يمكن فيه للولايات المتحدة و السوفيات التنسيق في إيجاد مخرج للأمة التي تعترضهما معا ن مخرج ، حسب خوجا ن يتمثّل رئيسيّا في القضاء المتبادل على الثورة.
يصرّح خوجا بالتالى : " قال الرئيس الأمريكي في خطابه : لقد تحرّرنا الآن من الخوف الدائم من الشيوعيّة ، خوف دفعنا في الماضي إلى التحالف مع أيّ دكتاتور كبير يشاطرنا الشعور عينه " " و كما هو طبيعي كارتر ممثّل أمين للإمبرياليّة الأكثر دمويّة في زمننا هذا و حين يتكلّم عن التحرّر من الخوف من الشيوعيّة فهو يأخذ بعين الإعتبار الشيوعية على الطريقة اليوغسلافيّة و على الطريقة الخروتشوفيّة و على الطريقة الصينيّة وهي شيوعيّات لا تملك من الشيوعيّة غير الأقنعة ؛ لكن البرجوازية الرأسماليّة لم تتحرّر و لن تتحرّر من خوفها من الشيوعيّة الحقيقيّة . بالعكس ، الشيوعية الحقيقيّة أفزعت و ستفزع حتّى أكثر الإمبرياليّة و الإمبرياليّة الإشتراكية . و بدافع هذا الخوف و هذا الفزع ، يجد الإمبرياليون التحريفيّون أنفسهم مضطرّين إلى التوحّد ، إلى التنسيق في مخطّطاتهم و في إإيجاد أشكال مناسبة أكثر لتمديد عمر سيطرتهم الإضطهادية و الإستغلاليّة " (26) .
هذا لبّ ما يعرب عنه خوجا ، التحالف هو الرئيسي بين القوى العظمى و كافة الإمبرياليين عامة جرّاء تهديد الثورة . أج هو يشير بصفة عابرة إلى التناقضات بين الإمبرياليّات و ضرورة أن يدفع بالولايات المتحدة إلى مواجهة الإندفاع الهيمني السوفياتي، إلاّ أنّه في نصف المرّات التي يتحدّث فيها عن الصراع من أجل الهيمنة ، يريد أن يقول الصراع من أجل الهيمنة بين العالمين ، الإمبريالية ضد الإشتراكية ؛ في حين أنّ الصراع متأكّد الضرورة بين الإمبرياليين حول إقتسام و إعادة إقتسام العلم ما يدفع العالم و بسرعة نحو حرب عالميّة ثالثة ، وهو أمر إستبعده خوجا تمام الإستبعاد .
حسب خوجا ، الإتحاد السوفياتي كما الصين هما في الواقع أدوات لا أكثر و لا أقلّ بيد الولايات المتحدة للنجاة من الثورة . و لنواصل من حيث تركنا آخر إستشهاد بخوجا :
" في هذه اللحظات من الأزمة الاقتصادية و السياسيّة و العسكريّة العميقة تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز الإنتصارات التي حقّقتها الإمبريالية المعاصرة بفعل خيانة التحريفية المعاصرة في الإتحاد السوفياتي و في بلدان الديمقراطية الشعبية سابقا و في الصين ، و على الإستفادة منها كدرع لإيقاف الثورة و النضال الثوري لتحرّر البروليتاريا و الشعوب " (27).
و عقب ذلك بقليل ، يفصح مشيرا إلى خطاب كارتر المذكور أعلاه بأنّ : " الإمبريالية الأمريكية تعتبر النظام السوفياتي – الخروتشوفي إنتصارا للرأسماليّة العالمية و من ثمّة تستنتج أنّ خطر صدام مع الإتّحاد السوفياتي أمسى أقلّ حدّة بالرغم من أنّها لا تنكر التناقضات معه و لا المنافسة من أجل الهيمنة " (28) .
لئن كان ذلك يحدث سنة 1960 فسيكون لما يقول السيّد خوجا بعض المعنى . أجل لعبت " التحريفيّة – الخروتشوفيّة " في جزئها الأهمّ ، دور تقليص حدّة التناقضات بين الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة ، و ذلك في أيّامها ألولى من إعادة تركيزها للرأسمالية . لمّا شرعت البرجوازية في عمليّة إفتكاك السلطة و تعزيز سيطرتها الرأسماليّة ما كانت قادرة بأي شكل من الأشكال على مواجة الولايات المتّحدة ( ولا حتّى مواجهة سير الإمبرياليّة و إندفاعها ب " التوسّع او الموت " ). بذل التحريفيّون السوفيات قصارى جهدهم سياسيّا للخضوع أمام الولايات المتحدة بما في ذلك دعوة الشعب إلى عدم الإنتفاض ضد الإمبريالية المريكيّة بغية تجنّب الصدامات مع الملايات المتحدة ، إلاّ أنّ في هذا العالم لم تتوقّف الأشياء عن التغيّر. و على الرغم من الإعتراضات التي يقدّمها خوجا ، بالعكس ، ضعفت الولايات المتحدة على طول السنين نتيجة نضالات التحرّر الوطني التي كبذدتها خسائر هامة ، و أتت الأزمة المتعمّقة للإمبرياليين لتفرغ شيئا فشيئا إحتياطاتهم ، و البرجوازية السوفياتية منذ زمن لم تعد " خروتشوفيّة " بمعنى أنّها طفقت تتقدّم صوب ضرورة توسيع إمبراطوريّتها ، فالصراع من أجل إعادة تقسيم العالم و تنمية إحتياطاتها هي الخاصة .
مثلما ألمحنا إلى ذلك آنفا ، يعترف خوجا بالسباق نحو التسلّح مبتذلا في ألان نفسه الاقتصاد السياسي ؛ إلاّ أنّه يوفّر لنا سببا سياسيّا لهذا السباق :
" من المناسب بالنسبة للدول الرأسماليّة الأوروبيّة و الولايات المتحدة الأمريكية أن تدفع الصين نحو مفاقمة التناقض بينهم و بين السوفيات فذلك بصفة غير مباشرة يساعدهم على أن يقولوا للسوفيات إنّ " عدوّكم الرئيسي هو الصين بينما نبحث مثلكم عن إيجاد إنفراج و تعايش سلمي بمنأى عمّا تفعله الصين ". هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، هذه الدول التي لطالما إدّعت حبّها للسلام ، تتسلّح اتعزّز هيمنتها و وحدتها العسكريّة ضد الثورة عدوّها الرئيسي " . في هذا يكمن هدف كلّ الإجتماعات بهلسنكى و بلغراد و التي تمّت فيها نقاشات و أضحت ألان تشبه مؤتمر " بفيانا " على غثر هزيمة نابليون، المعروف بمؤتمر الرقص و السهرات .
في الجزء الأوّل الذى ناقش فيه خوجا إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " التي يروّج لها التحريفيّون الصينيّون يبسط خوجا تقديما نظريّا أفضل صياغة عن كيف أنّ التناقض بين القوى الإمبريالية لا أهمّية كبيرة له :
" يبيّن التحليل الطبقي الماركسي- اللينيني و تبيّن ألحداث أنّ وجود التناقضات و الإختلافات بين القوى الإمبريالية و الكتل الإمبرلياليّة لا يلغى أبدا و لا يضع في موضع ثانوي التناقضات بين العمل و رأس المال في البلدان الرأسماليّة و الإمبريالية أو التناقضات بين الشعوب المضطهَدَة و مضطهِديها الإمبرياليين . و على وجه الضبط ، أكثر عمقا هي التناقضات بين البروليتاريا و البرجوازية ، بين الشعوب المضطهَدة و الإمبرياليّة ، بين الإشتراكية و الرأسماليّة ، إنّها تناقضات لا تمّحى"(30).
في الفترة الراهنة ، على وجه العموم ، هناك أربعة تناقضات أساسيّة في العالم : التناقضات بين الإشتراكية و الإمبريالية ، و التناقضات بين البرجوازية و البروليتاريا في البلدان الرأسماليّة ، و التناقضات بين الأمم المضطهَدة و الإمبريالية ، و التناقضات بين القوى الإمبريالية . من هذه التناقضات يبدوأنّ خوجا لا يقرّ بتناحريّة إلاّ ثلاثة فقط منها هي التناقضات الثلاثة الأولى أمّا التناقض الرابع فلا يمكن أن يكون تناحريّا كسابقيه أبدا .
في المرحلة الراهنة من التاريخ البشري و تطوّر المجتمع ، التناقض الأساسي الذى يحدّد هذه المرحلة و الذى عبر حلّه يتقدّم المجتمع إلى مرحلة جديدة هو التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا .
في المصاف الأوّل ، لا يفهم خوجا هذا التناقض و سنعالج ذلك لاحقا ، لكن المسألة التي سننكبّ عليها هنا هي أنّه لا يفهم التناقضات الأخرى و علاقتها بالتناقض الأساسي . ما ينبغي فهمه رئيسيّا هو أنّ دور التناقض الرئيسي الذى هو في درجة معيّنة من تطوّر سيرورة يحدّد من قبل التناقض الأساسي ، هو التناقض الذى ينهض بالدور الرئيسي في تحديد تطوّر التناقض الأساسي و التأثير فيه . لذلك ، خلال فترة معيّنة ، يمكن لأي من التناقضات الأربعة التي مرّبنا ذكرها أن يصبح التناقض الرئيسي و من المهمّ معرفة من هذه التناقضات هو التناقض الرئيسي . فمثلا ، في بداية الحرب العالمية الأولى كان التناقض الرئيسي ين الإمبرياليّات فكان هو الأكثر حدّة في العالم قاطبة . و أثّر في تطوّر جميع التناقضات الخرى بما فيها التناقض الأساي و بالفعل أدّى إلى ظروف جعلت من الممكن أن تفتكّ البروليتاريا على سلطة الدولة في ما أضحى تاليا يسمّى الإتّحاد السوفياتي .
يجرى خوجا تحويرا خاصا به لتاريخ الحرب العالمية الثانية لدعم أطروحته حول العالمين بمشروعيّة معيّنة . فيردّ الحرب العالمية الثانية إلى مؤامرة إمبرياليّة موحّدة ضد الإتّحاد السوفياتي .
" عزّز التحالف الإمبريالي و الرأسمالي العالمي المسعور بفعل الهزيمة التي مني بها إزاء ثورة أكتوبر في روسيا ، طرق الصراع السياسي و الاقتصادي و العسكري ضد الدولة الجديدة للبروليتاريا و ضد إنتشار الإيديولوجيا الماركسية – اللينينيّة في العالم ، فقامت الإمبريالية و البرجوازية الرجعيّة و الإشتراكية الدمقراطية الأوروبيّة و العالمية معا مع كلّ أحزاب الرأسمال ، بالإعداد للتدخّل ضد الإتّحاد السوفياتي . جميعا ، هتلاريّون و فاشيّون إيطاليّون و يابانيّون أنجزوا أيضا الإعداد للحرب العالمية الثانية ". (31)
هكذا ، بطريقته الخاصة ، يخلط خوجا عشرين سنة من التاريخ بإنتقائيّة كما لو أنّها مثّلت حدثا له مسار خطّي مستقيم ، و يقدّم الحرب العالمية الثانية كمواصلة لإستراتيجيا الإمبريالية العالمية الموجّهة ضد دولة البروليتاريا في مهدها على إثر إنتصارها في 1917. على ما يبدو التناقضات بين الإمبرياليين ما كانت لها قط أيّة صلة بالحرب ! و يشير خوجا في عدّة مواقع أخرى إلى أنّ التحالف بين الإمبرياليين ضد الإتحاد السوفياتي كانت المظهر الرئيسي للحرب العالميّة الثانية .
و معلّقا على خطاب كارتر الذى سلف ذكره ، يقول خوجا :
" يعترف الرئيس الأمريكي كذلك بأنّه نظرا للخوف من الشيوعيّة ، عانق الراسماليّون و الإمبرياليّون و دافعوا في الماضى عن الدكتاتوريّات الفاشيّة مثل دكتاتوريّة موسيليني و هتلر و هيرو هيتو و فرنكو إلخ ... لقد كانت الدكتاتوريّات الفاشيّة كلّ في بلدها السلاح الأخير الذى لجأت إليه البرجوازية الرأسماليّة و الإمبرياليّة العالمية ضد الإتّحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين و ضد الثورة البروليتاريّة العالمية ." (32)
بطبيعة الحال ، لم يقرّ كارتر بأنّه أمضى معاهدات مع موسيليني و هتلر إلخ ( و حتّى إن حصل ذلك خلال الحرب فإنّ ذلك لم يكن بديهيّا المظهر الرئيسي للحرب العالميّة الثانية ! ) عوض ذلك ، كانت تلك الديماغوجيا مرتبطة بحملة كارتر من أجل " حقوق الإنسان " متنقّلا إلى بعض البلدان ين عوّضت أشكال " ديمقراطية " دكتاتوريّات فاشيّة كوسيلة للإبقاء على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية " (33)
أجل ، الثورة البروليتاريّة الظافرة تهديد للإمبرياليين . و تحرّر عُشر العالم من هيمنة البرجوازية ( بإنتصار الإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي ) و بعد ذلك ( إنتصار الصين و دول أوروبا الشرقيّة ) تحرّر ربع الكرة الأرضيّة من هذه الهيمنة ما مثّل تهديدا ضخما للبرجوازية . لماذا ؟ لأنّه إنتزع من افمبرياليين قطاعات كبيرة من الكرة الأرضيّة ، أماكن حيث ما عادوا قادرين " بحرّية " على التنافس على الهيمنة عليها . و الأهمّ ، هذه البلدان مثّلت حصونا سياسيّة للثورة العالميّة ، و لم تمدّ المساعدة الماديّة و الدعم السياسيّ للثورة العالمية فحسب ، بل مثّلت أيضا مثالا حيّا عن كيف أزيحت العبودية الرأسماليّة من جدول الأعمال في جزء كبير من العالم . بيد أنّ وجود البروليتاريا في السلطة حتّى و إن كانت تشمل رُبع الإنسانيّة لم يستطع و لن يستطيع أن يجعل أكثر معقوليّة سير الرأسماليّة في مرحلتها العليا وهي المرحلة الأكثر إنحطاطا .
فُرض على ستالين صراع خطّ مماثل في الإتحاد السوفياتي عقب الحرب العالمية الثانية و رغم أنّ ردّه غير صحيح تماما فإنّه أصوب من ما أتى به من يفترض أنّه تلميذه ، خوجا .
" يؤكّد بعض الرفاق أنّه ، نظرا للظوف الدوليّة الجديدة التي نشأت بعد الحرب العالميّة الثانية ، لم تعد الحروب محتومة بين البلدان الرأسماليّة . و هم يرون أنّ التناقضات بين معسكر الإشتراكيّة و معسكر الرأسماليّة أقوى من التناقضات بين اللدان الرأسماليّة ؛ و أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة قد أخضعت لسلطانها البلدان الرأسماليّة الأخرى إلى درجة تكفى لمنع هذه البلدان من محاربة بعضها البعض ؛ و أنّ رجال الرأسماليّة البعيدي النظر قد تعلّموا ما فيه الكفاية من الحربين العالميّتين اللتين ألحقتا أذى جدّيا بمجموع العالم الرأسمالي ، بحيث لن يسمحوا لأنفسهم بجرّ البلدان الرأسماليّة من جديد إلى حرب فيما بينها، و أنّه ، بسبب ذلك ، لم تبق الحروب حتميّة بين البلدان الرأسماليّة .
إنّ هؤلاء الرفاق مخطئون . فهم يبصرون الظاهرات الخارجيّة البادية على أديم الأشياء ، و لكنّهم لا يرون القوى العميقة التي ليست أقلّ تأثيرا في تعيين مجرى الحوادث ، و إن تكن تعمل مؤقتا بصورة غير منظورة ...
و يقال إنّ التناقضات بين الرأسماليّة و الإشتراكية أقوى من التناقضات القائمة بين البلدان الرأسماليّة . وهذا صحيح نظريّا، بلا شكّ . و ليس اليوم فقط ، بل كان صحيحا أيضا قبل الحرب العالميّة الثانية . وهذا ما كان يفهمه قادة البلدان الرأسماليّة، إلى درجة ما . و رغم ذلك ، فالحرب العالميّة الثانية لم تبدأ ضد الإتّحاد السوفياتي ، بل بحرب بين البلدان الرأسماليّة ...
غداة الحرب العالميّة الأولى، ... وقفت ألمانيا على رجليها كدولة كبرى ن بعد مضيّ خمسة عشر أو عشرين عاما على هزيمتها ؛ لقد أفلتت من أسرها و سارت في طريق الإستقلال . و الشيء الذى له مغزاه أنّ أنكلترا و الولايات المتحدة الأميركية نفسيهما قد ساعدتا ألمانيا على النهوض إقتصاديّا ، و على إستعادة طاقتها الاقتصادية و العسكريّة . و لا ريب أنّ الولايات المتحدة و أنكلترا ، في مساعدتهما ألمانيا على النهوض إقتصاديّا ، كانتا تقصدان توجيه ألمانيا ن بعد نهوضها ، ضد الإتّحاد السوفياتي ، كانتا تقصدان إستخدامها ضد بلد الإشتراكيّة . غير أنّ ألمانيا قد وجّهت قواها ، في البدء ، ضد الكتلة الأنكليزيّة – الفرنسيّة – الأميريكيّة . و لمّا أعلنت ألمانيا الهتلريّة الحرب على الإتّحاد السوفياتي ، لم تنضمّ الكتلة الأنكليزيّة – الفرنسيّة – الأميركيّة إلى ألمانيا الهتلريّة ن بل إضطرّت ، بالعكس ، إلى التحالف مع الإتّحاد السوفياتي ضد ألمانيا الهتلريّة .
و بالتالى ، تبيّن أنّ تطاحن البلدان الرأسماليّة على إمتلاك الأسواق ، و رغبتها في إغراق مزاحميها ، أقوى عمليّا من التناقضات بين المعسكر الرأسمالي و معسكر الإشتراكية . " ( 34 )
نلاحظ ضعفا في صياغة ستالين يتجسّد في وضعه جنبا إلى جنب " نظريّا " التناقضات بين الإشتراكية و الرأسمالية و إعتبار أنّها كانت أقوى من التناقضات صلب البلدان الرأسماليّة ذاتها ، لكن " عمليّا " تأكّد أنّ العكس هو الصحيح . ما يريد ستالين قوله ها هو إنّ الإشتراكية و الرأسماليّة مع ذلك لهما مصالح متضاربة كلّيا . و هذا أكيد تماما إلاّ أنّ الصياغة ضعيفة و في ما يتّصل ب " عمليّا " فليس فقط أنّ التناقضات بين الإمبرياليين يمكن أن تكون أحدّ في فترات معيّنة ، بل إنّ ذلك متجذّر في الطبيعة الخاصة بالطبقة الرأسمالية - طبقة ليست أمميّة كالبروليتاريا - و إنّما لها مصالح تبقى قوميّة رغم إتفاقيّاتها الكبرى العالميّة ، وهي تتنافس بشراسة مع المتفقين معها ، أعضاء الطبقة ذاتها من قوميّات " كبرى " أخرى ، من أجل تقسيم العالم لصالح فقط بقائها على قيد الحياة كإمبرياليّة .
لا يستبعد خوجا إمكانيّة قيام حرب عالميّة لكنّه رايه خاطئ بصدد طبيعة تلك الحرب . يقول : " تعلّمنا الماركسية – اللينينيّة أنّ التناقضات بين البلدان الإشتراكية و البلدان الرأسماليّة و التحريفيّة بما هي تعبير عن التناقضات بين طبقتين مصالهما متضاربتين كلّيا ، الطبقة العاملة و البرجوازية ، الدائمة و الراديكالية و التى لا وفاق حولها ، و تمرّ كخيط أحمر عبر كامل المرحلة التاريخية الإنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الإشتراكية على المستوى العالمي ، في حين أنّ تناقضات القوى الإمبريالية هي تعبر عن تناقضات داخل المستغِلِّين ، طبقات لها مصالح جوهريّا مشتركة . لذلك ، مهما كانت التناقضات و النزاعات بين القوى الإمبريالية فإنّ الخطر الحقيقي للأعمال العدوانية للإمبريالية العالمية أو لفيالقها المختلفة ضد البلد الإشتراكي تبقى مستمرّة وهي كذلك حاليا، الإنقسامات داخل الإمبرياليين ، و الخصومات و النزاعات بين الإمبرياليين يمكن عموما أن تضعف و تؤجّل مؤقّتا خطر عمليّات الإمبرياليّة ضد البلد الإشتراكي ، لكن من مصلحة هذا الخير أن يستغلّ هذه التناقضات في صفوف الأعداء مع عدم تناسى هذا الخطر " ( 35).
و يجرّ هذا منطقيّا خوجا إلى أن يقول إنّه إذا إندلعت حرب عالمية فطبيعتها الرئيسيّة ستكون الإشتراكية ضد الإمبرياليّة .
" لذلك ، أشار حزبنا و يُشير إلى أنّ أيّ إستخفاف بتناقضات الدولة الإشتراكية مع القوى الإمبريالية و البلدان الرأسماليّة و التحريفيّة ، كلّ إستخفاف بخطر الأعمال العدوانيّة لهؤلاء و غيرهم ضد ألبانيا الإشتراكية ، كلّ إسترخاء نتيجة لفكرة مفادها أنّ التناقضات بين القوى الإمبرياليّة ذاتها محتدّة للغاية و أنّ لهذا لا يمكنها أن تقوم بمثل هذه الأعمال العدوانيّة ضد وطننا ، سيقود إلى نتائج في منتهى الخطورة ". (36)
طبعا ، على حدّ علمنا ، لا احد و أقلّ من ذلك لا ماركسي ، دافع و يدافع أبدا عن أنّ النزاعات بين الإمبرياليين ستوقف بأيّ شكل من الأشكال زحفا على ألبانيا خاصة في خضمّ حرب عالميّة . ما وضعه خوجا نصب عينيه و رام الدفاع عنه هو أنّه إن إندلعت حرب ، إن وقع زحف على ألبانيا ، فإنّ الجذور و الطبيعة الرئيسيّة للحرب ستكون حربا إمبرياليّة ضد " الوكن الإشتراكي ".
لذلك يقدّم خوجا عامة إمبريالية متميّزة ، سوبر ، بوسعها أن تتجنّب الدخول في حرب بين الإمبرياليين إعتبارا لتناقضاتها مع الإشتراكية و الثورة العالمية . و بمقدورها أن تظلّ في هذا الوضع لوقت ما لولا تدخّل سياسات التحريفيين الصينيين الدافعة نحو الحرب !
ربّما فكّر خوجا في أنّ الإمبرياليّة توصّلت بشكل ما إلى تجنّب الدخول في حرب عالميّة لأكثر من 30 سنة الآن ( واصفا على نحو غير مباشر الإتّحاد السوفياتي بالقوّة الإمبريالية العظمى منذ 1956 ) (37 ) دون أن تندلع حرب ما بين الإمبرياليين و بالتالى لو إندلعت حرب الآن سيتعيّن أن تكون جرءا التحريض الصيني و ستكون ألبانيا الإشتراكية الهدف الرئيسي لهذه الحرب .
هل نبالغ في مساعى خوجا لتقليص الوضع العالمي في النزاع بين ألبانيا و شتّى القوى الإمبريالية ( التي يضع ضمنها الصين ) ؟ بالتأكيد أنّ من خدعهم خطّ خوجا سيشيرون إلى أنّه مع إستخفافه بالتناقضات بين الإمبرياليين ، يقرّ فعلا بالصراع الطبقي في العالم قاطبة . مسانديه ( أو المتفقين معه ) قد يتعلّلون بأنّ خوجا لا يعترف بالتناقض بين الإشتراكية و الإمبريالية و حسب مشيرين إلى عدّة إستشهادات تؤكّد التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا ( على ألقلّ في بلد غير إشتراكي ) و التناقض بين الجماهير المضطهَدَة و الإمبريالية و إلى أنّه يساند الثورة في أنحاء العالم و يناهض " الإستسلام " للإمبرياليّة كما يفعل التحريفيّون الصينيّون، و لهذا ما يزال يقع على كاهل الثوريّين ضرورة الفاع عن مساهماته الآن – هذا تعليل صادر عن الكثيرين .
لكن خوجا الذى يقرّ قولا بالتناقضات الثلاثة متفرّقة ، في الواقع يخلطها جميعها في واحد . و بالفعل لا يفهم خوجا أنّه هناك تناقض أساسي في العالم في هذه المرحلة – الإمتلاك الفردي مقابل الإنتاج الجماعي و الذى يتّخذ شكلا سياسيّا هو البرجوازية ضد البروليتاريا – و أنّ التناقضات الثلاثة الباقية ، الأمم المضطهَدة ضد الإمبريالية ،و البلدان الإشتراكية ضد الإمبرياليين و النزاعات بين الإمبرياليين ، جميعها تتولّد عن هذا التناقض ( رغم أنّه على المستوى العالمي أو في بلد خاص ، يمكن لتناقض من هذه التناقضات أن يكون هو التناقض الرئيسي لوت معيّن ) . و يكتب خوجا :
" إذا كان ماو تسى تونغ و بقيّة القادة الصينيين تحدّثوا و يتحدّثون كثيرا " نظريّا " عن التناقضات ، عليهم بالتالى الحديث ليس عن إستغلال التناقضات بين الإمبرياليّات زالإتفاقيّات مع الإمبرياليين فحسب ، بل أيضا و في المصاف الأوّل عن التناقضات التي تمثّل أساس المرحلة الحاليّة ، عن التناقضات بين البروليتاريا و البرجوازية ، عن التناقضات بين الشعوب و البلدان المضطهَدة من جهة و القوّتين الأعظم و كلّ الإمبريالية العالمية من جهة أخرى ، عن التناقضات بين الإشتراكية و الرأسماليّة ". ( 38)
هنا يصرّح خوجا بوضوح بأنّ هذه التناقضات الثلاثة الأخيرة هي " تناقضات أساسيّة للمرحلة الحاليّة " . و لا يتعلّق ألمر بمشكل بسيط في إستخدامه للألفاظ بل يتعلّق ألمر بخطإ يقوّض الجدليّة بالإنتقائيّة معوّضا ببراغماتيّة أي شيء بأي شيء يتناسب و المصالح التي يريد الدفاع ( أو أي شخص آخر يدافع عن مثل ذلك الخطّ ) عنها على أنّها تحليل ماركسي – لينيني لما يحدث موضوعيّا في العالم . باسم معارضة إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " يحطّ من مكانة التناقض بين القوى الإمبريالية كتناقض أساسي . فهو يقترح أطروحته الخاصة ب " العالمين " واضعا في سلّة واحدة بقيّة التناقضات و منتهيا أساسا إلى الدفاع عن أنّ تناقض واحد فحسب منها رئيسي على الدوام : التناقض بين الإشتراكية و الرأسماليّة . باسم معارضة إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " يقدّم خليطا خاصا من " العالمين " هو كذلك تحريفي و يمضى ضد الثورة .

-3- خوجا و التحرّر الوطنيّ

يبيّن مقال مجلّة " الثورة " الذى سبقت الإشارة إليه كيف أنّ خوجا لا يعتبر أنّ التناقض الأساسي في ظلّ الإشتراكية هو التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا و إنّما بين الإشتراكية و الإمبريالية فهو يعتبر أنّ أساس الصراعات الطبقيّة في ظلّ الإشتراكية خارجي و لا يفهم بأي حال الإختلاف النوعي بين الإشتراكية و الشيوعية إلخ و نحن نتابع نقاش هذه المسألة في هذا المقال إذ هي متّصلة مباشرة بهجومه على ماو تسى تونغ و الثورة الثقافيّة و قد تمّ علاج ذلك بعمق في " الثورة " . و نودّ كذلك أن نحيل القرّاء على الجزء الأوّل من مقال " الثورة " ذاته الذى يفضح هجوم خوجا على طابع المرحلة البرجوازي و المناهض للإمبريالية في البلدان المضطهَدَة و إستخفافه بطابع المرحلة المعادي للإقطاعية و مناهضته الكلّية للإستراتيجيا العسكريّة لحرب الشعب و مساعيه لمعارضة الدور القيادي للبروليتاريا في تعبئة الفلاّحين كقوّة رئيسيّة للثورة في بلد مثل الصين . كلّ ما تقدّم يثبت أنّ خوجا إلتحق بالمعسكر التروتسكي لوانغ مينغ و بالتحريفيين السوفيات حين حين تطرّق للثورة الصينيّة بوجه خاص . و بطريقة صحيحة يلفت مقال " الثورة " النظر إلى أنّ هذه البلاهة لا تتوقّف عند نظرة خوجا للثورة الصينيّة بل تتمادى مع نظرته الشاملة لنضال الشعوب و الأمم المضطهَدَة .
و طبعا لا يدافع خوجا عن هذه القذارة بلغة واضحة إذ هو يحاول لتخفّى وراء خطّ مقرف للتحريفيين الصينيين و إضطرابات الثورة الصينيّة ليسلم ، و لئن رغب المرء في تعويض المنطق الشكلي بالمنطق الجدلي و لا يعجبه خطّ التحريفيين الصينيين فسيجد بالتالى و في النهاية في خوجا الرجل الذى يجب اللأجوء إليه . لكن العالم لا يوجد كنقيض منطقي لخطّ الصين و في حين أنّ إستراتيجيا العوالم الثلاثة رجعيّة تماما ، من الرجعي أيضا نسيان الإختلاف بين الأمم المضطهَدَة و الأمم المضطهِدة. و على عكس ما يمكن أن يذهب إليه إعتقاد خوجا ، لا لينين و لا ستالين إختزلا العالم في " عالمين " ، عامل إشتراكي و عالم إمبريالي ، عندما يتعلّق الأمر بالمسألة الوطنية . فقد كتب لينين " ثلاثة نماذج مختلفة على الأقلّ من البلدان في مسألة الحقّ في تقرير المصير " أي المسألة الوطنية :
النموذج الأوّل - البلدان المتقدّمة في أوروبا الغربيّة ( و أميركا ) حيث الحركة القوميّة من الماضى . و النموذج الثاني – شرق أوروربا حيث هي من الحاضر . و النموذج الثالث - البلدان شبه المستعمرة و المستعمرات حيث هي – بمقدار كبير – من المستقبل ." (39 )
و قد تطوّرت الأشياء بشكل معيّن منذ زمن لينين وما كان في فترة معيّنة مسالة مستقبليّة ( المستعمرات و أشباه المستعمرات) صار مسألة إستعمار جديد و لم يعد إستعمارا مباشرا ( و ما كان مسألة راهنة زمن لينين ، المسألة القومية في أوروبا الشرقيّة ما عادت له ذات الأهمّية .
حينذاك صرّح لينين ، إبّان نقده " للإقتصاديين الإمبرياليين " الذين لم يكونوا يساندون حقّ تقرير المصير ، قائلا إنّ ذلك يشبه رفع شعار " الدفاع عن الوطن " في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و علّل رأيه بأنّ أساس التحرّر الحقيقي للأمم المضطهدَة من الإمبريالية ما كان ممكنا دون الثورة الإشتراكية :
" الحركة القوميّة في البلدان الغربيّة مسألة ماض بعيد. إنّ " الوطن " فى أنجلترا و فرنسا و ألمانيا إلخ غنى أغنيته، و لعب دوره التاريخي أي أنّ الحركة القوميّة لا تستطيع هنا أن تعطي أي شيء تقدّمي يستنهض إلى الحياة الإقتصاديّة و السياسيّة الجديدة جماهير جديدة من الناس . فهنا يرد في جدول أعمال التاريخ ، لا الإنتقال من الإقطاعية أو من الوحشيّة البطريركيّة إلى التقدّم القومي ، إلى الوطن المثقّف و الحرّ سياسيّا ، بل الإنتقال من " الوطن " الذى ولّى زمنه و الذى أفرط في النضج على الصعيد الرأسمالي ، إلى الإشتراكية ." ( التأكيد مضاف ) (40)
ثمّ أضاف لينين :
" في هذه البلدان المتقدّمة ( أنجلترا و فرنسا و ألمانيا و غيرها ) حلّت المسألة القوميّة من زمان ، و الوحدة القوميّة ولّت من زمان ، و لا وجود موضوعيّا " للمهام القوميّة العامة " . و لهذا يمكن الآن في هذه البلدان فقط " تفجير" الوحدة القوميّة و إقامة الوحدة الطبقيّة .
و الحال يختلف في البلدان غير المتطورّة ... في تلك البلدان ... ، لا تزال توجد ، بموجب القاعدة العامة ، أمم مظلومة و غير متطوّرة من الناحية الرأسماليّة . وفى مثل هذه الأمم ، لا تزال توجد موضوعيّا مهام قوميّة و نعنى بها المهام الديمقراطية ، مهام الإطاحة بالنير الأجنبي ". (41)
لذلك الخطوة الأولى التي يجب أن تقطعها الأمم المضطهَدة هي رئيسيّا الإنتقال من شبه الإقطاعية أو أشكال من التخلّف المفروض عليها نحو " التقدّم القومي " و تنتظرها " مهام ديمقراطية " ، " مهام الإطاحة بالإضطهاد الغربي ".
هذه رؤية لينين بيد أنّ خوجا يغرقها في خلط كبير و على الرغم من كلّ كلامه الفارغ عن مسألة المرحلتين ، بالكاد يميّز بين المرحلة الأولى من الثورة في البلدان المضطهَدة و الثورة في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة . و بإستمرار على طولكتابه ، لا يفتأ يضيف مهمّة القضاء على الإستغلال كجزء من هذه المرحلة الأولى من الثورة إلى جانب الإطاحة بالتواجد الغربي في هذه البلدان فهو يفصح عن أشياء من قبيل :
" في أيّامنا هذه ، في ظروف الإمبريالية ، او لديها وسائل القمع و الإضطهاد لعدوّ الرئيسي للثورة داخليّا ، و ليس في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة فحسب بل أيضا في البلدان المضطهَدة و التابعة ، هو البرجوازية الكبيرة في البلاد إذ هي على رأس النظام الرأسمالي وهي تملك وسائل القمع و الإضطهاد و التضليل و المغالطة للحفاظ على سيطرتها و إمتيازاتها و لخنق و قتل أيّ حركة عمّاليّة تؤثّر و لو قليلا على سلطتها و مصالحها الطبقيّة " (42) و " القيادة الصينيّة لا تأخذ بعين الإعتبار أنّ في " العالم الثالث " ثمّة مضطهَدين و مضطهِدين، ثمّة بروليتاريا و فلاّحين مستعبدين فقراء و بؤساء من جهة، و رأسماليين و إقطاعيين يستغلّون الشعب و يفقّرونه من الجهة الأخرى ، و يعنى تجاهل هذا الوضع الطبقي في ما يسمّى بالعالم الثالث ، تجاهل التناحرات القائمة ، يعنى تحريف الماركسية – اللينينيّة و الدفاع عن الرأسماليّة . فعامة في بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث البرجوازية الرأسماليّة هي التي توجد في السلطة وهي تستغلّ البلاد و تستغلّ و تقمع الشعب المفقّر لمصلحتها الطبقيّة الخاصة من أجل ضمان أكبر الفوائد الممكنة و الإبقاء عليه على الدوام في العبوديّة و البؤس ". (43)
و في مواضع أخرى يقول :
" في بلدان ما يسمّى " بالعالم الثالث " ، مثلما في بلدان " العالم الثاني " ، الطبقة البرجوازية الرأسماليّة ، القوى الإجتماعيّة نفسها ، هي التي تهيمن على البروليتاريا و الشعوب و التي يجب القضاء عليها . و كذلك في هذه البلدان الأخيرة ، القوّة المحرّكة الرئيسيّة هي البروليتاريا ".(44)
بينما لخوجا الحقّ أن يفضح عدم قيام التحريفيين الصينيين بأي تحليل طبقي ، وهو أمر غير ماركسي ، فإنّ أطروحته حول أنّ " البرجوازية " في السلطة صحيح جزئيّا فحسب وهو لا يفهم طبيعة التبعيّة القوميّة و هو يخرج علينا بالتحديد بأنّ ذات القوى الاجتماعية تمسك بالسلطة في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة كما في البلدان المضطهدة و هذا منه عبثيّة .
فمستعمرات و أشباه مستعمرات الإمبريالية ينبغي أن تمرّ بثورة ذات مرحلتين ليس ببساطة لأنّها تواجه حضورا إمبرياليّا أجنبيّا ( و لا يخفق خوجا في الإشارة عديد المرّات إلى أنّ هناك الكثير من الأستثمارت الأجنبية ، خاصىة الأمريكية في أوروبا و في الإتحاد السوفياتي - ما سنعالجه في ما بعد ) بل لأنّ الإضطهاد الإمبريالي لهذه القوميّات يعنى التبعيّة القوميّة ( سواء في شكل مباشر أو في شكل إستعمار جديد ) و يحول دون إنهاء الثورة الديمقراطية البرجوازية . تعنى هذه الهيمنة في غالبيّة هذه البلدان ظهور علاقات إقطاعيّة أو شبه إقطاعيّة بدرجات مختلفة و تُنكر عامة على البرجوازية المحلّية سوقها القوميّة ، دولتها و أمّتها الخاصتين ، و تستغلّهما . تقيم الإمبريالية تحالفا مع الملاّكين العقّاريين الذين يمثّلون المجتمع الإقطاعي القديم قصد قمع الفلاّحين حتّى أكثر من السابق ، علاوة على عرقلة تطوّر البرجوازية الوطنيّة . و من البديهي أن يستغلّ الإمبرياليون إستغلالا فاحشا الطبقة العاملة أيضا و يعتصرون البرجوازية الصغيرة وينشئون فعلا طبقة من المتواطئين المتكوّنين من البرجوازية المحلّية ( أو الكمبرادوريّة ) في هذه البلدان . لمجمل هذه الأسباب ، الإمبريالية هي الهدف الرئيسي للثورة في البلدان المضطهَدة و دور القوى الطبقيّة الأخرى محدّد رئيسيّا بعلاقتها بالإمبرياليّة . هنا لا يخفق خوجا في فهم هذا ألساس المادي للمرحلتين من الثورة فحسب و إنّما هو بوضوح أيضا لا يوافق على ذلك . لقد أشار مقال " الثورة " بجلاء إلى كيف أنّ خوجا أخفق في فهم مركزيّة المسألة الفلاحيّة التي لا تزال مطروحة في جلّ تلك البلدان إن لم يكن في كلّها (45) و عدم قبوله بتحليل ماو ( و لينين و ستالين ) حول الثورة في مرحلتين في البلدان المضطهَدة و الطابعالديمقراطي البرجوازي للمرحلة الأولى (46).
بشكل عابر ، يلمح خوجا مرّة إلى أنّ البروليتاريا يمكن أن تتّخذ حلفاء لها الفلاّحين المتوسّطين و القطاع البرجوازي الذى ليس مرتبطا بالرأسمال الغربي و يتوق إلى تطوّر مستقلّ للبلاد " (47). إلاّ انّه يحاجج رئيسيّا عكس ذلك لمّا ينقد نداء ماو في الصين إلى تحالف العمّال و الفلاّحين و البرجوازيّة الصغيرة المدينيّة و البرجوازية الوطنيّة ، كما يبرز[ خوجا ] محوره القار القائل بالقضاء على الإستغلال في المرحلة الأولى من هذه الثورات .خطّ خوجا قد تكون له جاذبيّة ما ذلك أنّه أكيد أنّ البرجوازية على رأس نضال تحرّري أو في السلطة رغم وطنيّتها أو عدم وطنيّتها في البداية ، ستذهب آجلا أم عاجلا بإتجاه الإستسلام للإمبريالية . يبدو أنّ له على ألقلّ نصف الحقّ لأنّه يطرح خطّه رئيسيّا حين يتحدّث عن المساعى التنظيميّة الراهنة للتحريفيين الصينيين في صفوف قادة بلدان " العالم الثالث " ، إلاّ انّ وصفة مرحلة موحّدة " معادية للإمبريالية إشتراكية " بعدُ وصفة للهزيمة في العديد من هذه البلدان إن لم يكن في كلّها و سيكون لها ذات الإنعكاسات التي كانت للإعتماد على خطّ وانغ مينغ في الصين .(48)
يمكننا أن نتذوّق أكثر بقليل خطّ خوجا لو رأينا ما يريد قوله عمليّا في كتابه فعلا عندما عالج معالجة سريعة مسألة أندونيسيا، و قال :
" لخنق الثورات و نضالات التحرّر في بلدان آسيا و تعبيد الطريق على مخطّطاتهم الهيمنيّة و التوسّعيّة ، قام التحريفيّون السوفيات و الصينيّون في إطار التنافس الحامى الوطيس بينهما و يقومون بعمل قذر إنشقاقي للغاية صلب الأحزاب الشيوعية و القوى الثوريّة و المحبّة للحرّية في تلك البلدان . كان هذا النشاط من الأسباب الرئيسيّة للكارثة التي ألمّت بالحزب الشيوعي الأندونيسي و إنشقاقه و تفتّته إلخ . و دافع التحريفيّون السوفيات و الصينيّون عن تحالف البروليتاريا و وحدتها مع الجماهير الشعبيّة و كذلك مع البرجوازية الرجعيّة المحلّية فإضطرّت كلّ فرقة تابعة لهما على حدة إلى ربح صداقة هذه البرجوازيّات المهيمنة ". (49)
الكارثة التي شهدها الحزب الشيوعي الأندونيسي و التي يحيل عليها خوجا حدثت في 1965 لمّا أطاح إنقلاب بإيعاز من الإمبرياليّة الأمريكيّة بسوكرنو و عوّض نظامع نظام رجعي بقيادة الجنرال سوهرتو . و على إثر الإنقلاب ، يقدّر أنّ مليون شيوعي و غير شيوعي تقريبا تعرّضوا للتقتيل غير انّ ما حصل حينذاك لم يكن نتيجة تنافس بين التحريفيين السوفيات و التحريفيين الصينيين ؛ بالعكس إلى الدرجة التي يصوّر فيها التحريفيون الصينيّون حينها منخرطون في الأمر يجب التذكيرأنّه وقعت الإطاحة بهم ( ليو تشاوتشى وجماعته و ما كان هؤلاء التحريفيين المظهر الرئيسي داخل الحزب الصيني)، كانت نصيحته بالضبط نفس نصيحة سابقيهم السوفيات ألا وهي أنّ خطّ هؤلاء التحريفيين يلتقى مع خطّ السوفيات آنذاك ، هذه " النصيحة " كانت بالتخلّى عن حزبهم و إقامة حزب شعبي و جماهيري ، التخلّى عن النضال المسلّح و العمل حسب الطريق البرلماني إلى الإشتراكية في أندونيسيا ، و ذلك بالوحدة مع البرجوازية الوطنيّة ( ممثّلة في سوهرتو). و" الإنشقاق " الفعلي الذى قام به الصينيّون إنشقاق الماركسيّة عن الإنتهازيّة.
الخطّ الثوري للحزب الشيوعي الصيني كان يناضل بواسطة جدالاته المتنوّعة ضد التحريفيّة السوفياتيّة و كان يساعد عديد الأحزاب و الشيوعيين الحقيقيين عبر العالم على القطيعة مع هيمنة الخطّ التحريفي السوفياتي !( صراخ خوجا بأنّ ذلك راجع إلى " إنشقاق " لا ينمّ إلاّ عن مثاليّة فيما يخص الصراع بين الخطّين صلب الأحزاب الشيوعيّة في السلطة وهو ينسحب على الأحزاب خارج السلطة ، و هذا الصراخ الخوجي فضلا عن ذلك رجعيّ بما أنّه يمثّل وصفة للإستسلام للإنتهازيّة باسم تجنّب " الإنشقاق " ، كما يفضح خوجا نفسه بالتموقع ضد أطروحة الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية قولا فحسب فعمليّا حسب المنطق الخوجي ، لا ينقسم حزب " حقيقي " بسبب هكذا مسألة ! ).
لكي نصف وصفا موجزا تطوّر الحداث نقول إنّه جرى في أندونيسيا نضال جماهيري معاد للإمبريالية و ديمقراطي إثر الحرب العالميّة الثانية و كانت البرجوازيّة الوطنية ( سوكرنو إلخ ) تقود هذا النضال ورغم انّ الحزب الشيوعي الأندونيسي كان يملك قاعدة إرتكاز قويّة صلب الشعب نظرا للدور الذى إضطلع به في النضال ضد الإمبرياليّة الهولنديّة و ضد الاحتلال الياباني ، لم يكن يقود هذ المرحلة إلى الإنتصار جراء أخطاء في خطّه . و مثلما شرح ذلك الحزب الشيوعي الأندونيسي نفسه :
" نجم عن هذا الضعف النظري و عدم القدرة على إجراء تحليل ملموس لوضع ملموس للعالم و لأندونيسيا أنّ الحزب الشيوعي الأندونيسي لم يكن في وضع يخوّل له إغتنام هذه الفرصة المواتية جدّا التي وفّرتها ثورة أوت 1945 لتجاوز الأخطاء . لم يقد الحزب الشيوعي الأندزنيسي النضال المسلّح بصلابة ضد الإمبرياليّة الهولنديّة و لم يطوّر حرب النصار المرتبطة بالحركة الديمقراطية للفلاّحين كطريق وحيد لإلحاق الهزيمة بحرب العدوان التي شنّها الإمبرياليّون الهولنديّون . بالعكس قبل الحزب الشيوعي الأندونيسي حتّى بسياسة التعاون الرجعيّة للإشتراكيين الجناح اليميني لجههريس و أتباعه . او لم يقم لحزب الشيوعي الأندونيسي تحالفا بين الطبقة العاملة و الفلاّحين بقيادة النضال ضد الإقطاعيّة في الريف و لم ينشأ على أساس مثل ذلك التحالف العمّالي – الفلاحي جبهة متّحدة مع كافة بقيّة القوى الديمقراطية . و لم يعزّز الحزب الشيوعي الأندونيسي قوّته بل بالعكس غيّب دوره الخاص . هذه هي السباب التي جعلت ثورة أوت 1945 لا تتقدّم كما يجب أن تتقدّم و لم تتوصّل إلى إنتصار حيوي و فشلت نهائيّا في التوصّل إلى هدفها الموضوعي ". (50)
عند تحقيق الإنتصار على الهولنديين ، لم يتمّ القضاء على آلة الدولة الرجعيّة الإقطاعية و الكمبرادوريّة . جرى تركيز حكومة إئتلاف تضمّنت عناصرا معادية للإقطاع و الإمبرياليّة ( و من وقت لآخر أيضا الحزب الشيوعي الأندونيسي ) إلاّ أنّه في الواقع كانت الحكومة خاضعة لمصالح الإقطاعيين و الكمبرادوريّين و كانت البرجوازية الوطنيّة طبعا تنهض بدور متذبذب في هذه الحكومة . و فهم الحزب الشيوعي الأندونيسي فهما خاطئا أنّ تلك التنازلات ( مشاركة قوى شعبيّة في الحكومة ) كانت تعنى وجود مظهر " موالى للشعب " صلب هذه الحكومة ، مظهر وجب تطور أساسه ، و أنّ حرب الفلاّحين لم تكن ضروريّة و أنّ الطابع الطلائعي للحزب يمكن التخلّى عنه و أنّه من الممكن جدّا إحداث إنتقال سلميّ إلى الإشتراكية بطرق برلمانيّة مثلما لخّص ذلك لاحقا الحزب الشيوعي الأندونيسي .
كان ينبغي على ثورة أوت 1945 أن تركّز دولة جديدة كلّيا ، دولة تهيمن عليها معا الطبقات المعادية للإمبريالية و المعادية للإقطاعية ، في ظلّ قيادة الطبقة العاملة . هذا ما يسمّى بدولة الديمقراطية الشعبيّة ". (51)
و لو أنّه بوسعنا مزيد الحديث عن التجربة الأندونيسيّة و أنّ ما قيل أعلاه ليس غير جزء ممّا حدث و من القضايا السياسيّة المتصلة به ، من الجلي أنّ أخطاء الحزب الشيوعي الأندونيسي لم تتأتّى من أنّ سوكرنو كبرجوازي وطني و من الممكن أن يشارك في جبهة موحّدة و إنّما من التذيّل للبرجوازية الوطنيّة ( إتّباع سوكرنو و التخلّى عن مسألة النضال المسلّح و الخلط بين تغيير نظام الحكم و تحطيم آلة الدولة الرجعيّة إلخ ) فقط لدى الخطّ الرجعي و البسيط التروتسكي و لدى خوجا يكمن خطأ الحزب الشيوعي الأندونيسي في عدم الإعتراف بأنّ سوكرنو ( ممثّل برجوازية قومية وطنيّة ) و سوهرتو (ممثّل كمبرادو عملاء الإمبريالية الأمريكية ) " متماثلين " لأنّهما برجوازيين و لذلك كان يجب أن يكونا من " أهداف الثورة ". و كما لخّص الحزب الشيوعي الأندونيسي عقب الإنقلاب :
" إصلاح الخطاء المرتكبة من قبل الحزب بشأن الجبهة المتحدة مع البرجوازية الوطنيّة لا يعنى أنّ الحزب الآن لا يحتاج إلى الوحدة مع هذه الطبقة . على أساس التحالف بين العمّال و الفلاّحين في ظلّ قيادة الطبقة العاملة ، على حزبنا أن يجتهد كي يجلب البرجوازية الوطنيّة إلى جانب الثورة " (52)
لكن حتّى لو وضعنا جانبا التأويل الخوجي للتاريخ حول مسألة أندونيسيا ، نلفى أنّ خوجا يفضح نفسه لعدم مساندته نضالات التحرّر الوطني المخاضة في الوقت الحاضر ، بأشكال أخرى . يظلّ خوجا ملتزما الصمت تجاه الثرة التي إندلعت في إيران لمّا كتب لأوّل مرّة كتابه ، ثورة أدّت إلى نضال شهد قمّته في ديسمبر 1978 . و لمّا أعيد نشر هذا الكتاب كتب خوجا :
" الطبعة الحاليّة تشير إلى أحداث جدّت منذ صدرت الطبعة الأولى ". و الثورة الإيرانيّة ، ألم تكن من تلك أحداث ! ؟
أكيد أنّ البروليتاريا لم تكن تهيمن في هذه المرحلة من النضال، ليس بالمعنى التروتسكي و الخيالي لخوجا بل بالمعنى الحقيقي للكلمة ( رغم أنّ القوى البروليتاريّة كانت تزداد و لا تزال تزاد قوّة و ترنو إلى بلوغ تلك الغاية ).
لقد تناسى خوجا الإشارة إلى الثورة التي كانت مندلعة زمن ـاليف الكتاب و الأدهى أنّ هناك جزء من الكتاب يبدو أنّه يمثّل شتيمة غير مباشرة بما أنّه المرجع الوحيد إلى نوع من " النضال " المخاض الآن في إيران :
" من المعلوم أنّ الصراع الطويل بين الشركات البتروليّة الأمريكية و الحكومة المكسيكية إنتهى سنة 1938 بهزيمة سياسة المعارضة المتوخّاة من قبل الحكومة المكسيكيّة ؛ و المصير ذاته واجهه الصراع بين الإحتكار البريطاني للبترول و الحكومة الإيرانيّة إذ إنتهى بالإطاحة بمصدّق. هذه المعارك متواصلة و هدّامة تنتهى بكسبها من طرف التروستات الكبرى الأمريكية". (53)
هل يمكن أن نبالغ بالإشارة إلى أنّ خوجا يرى أنّ إنتفاضة الجماهير في إيران زمن تأليفه كتابه " معركة هدّامة " ( مثلما هو الحال بالنسبة للثورة الثقافية التي عدّها إنقلابا عبر البلاد قاطبة ) ؟ لا نعتقد ذلك لأنّ خوجا لم يساند نهائيّا الثورة في إيران . و بالفعل هو يجتهد في عدم الإشارة إليها و في عدم تحليل ما كان يجرى هناك . لمرّات ثلاث أو أربع توفّرت له فرصة الإقرار على القلّ بوجود ذلك النضال حينما كان ينقد معاهدات التحريفيين الصينيين مع الشاه و حكومته .لم يشر إلى انّ أولئك الكلاب التحريفيين الصينيين كانوا ينظّمون في الواقع مؤامرات مسعورة مع الشاه لما كان هذا ألخير يسعى إلى تحطيم الإنتفاضة الثوريّة و الجماهيريّة ضد نظام الفاشي و ضد الإمبرياليين الأمريكيين الداعمين له . ( و لا ننسى أنّ خوجا في بقيّة الكتاب لا يدّخر أيّة مساحة لنقد الصينيّين كلّما سنحت له الفرصة ).
قبل بضعة أشهر ، إعترف حزب العمل الألباني أخيرا بالثورة الإيرانية عقب صعود الحكومة الجديدة إلى السلطة ، و قد قام بذلك تقريبا في نفس الوقت الذى إعترف السوفيات الذين كانوا بوضوح صاميتن طوال إنتفاضة الجماهير بتركيز الحكومة الخمينيّة - البزرخانية ( ملاحظة هامشيّة هامة حول النصح البرجوازي : هوس حزب العمل الألباني بكيفيّة إستخدام سلاح البترول ) (54) . لم يتبع النضال في إيران الأفق الذى إقترحه خوجا بخصوص المظهر الذى يجب أن يتخذه نضال التحرّر الوطني في أيّة لحظة من تطوّره فجميع الطبقات الإستغلاليّة لم تكن الهدف و لم تكن البروليتاريا مهيمنة منذ البداية إلخ .
ما أعرب عنه ستالين في " أسس اللينينيّة " لا يزال صحيحا إلى يومنا هذا : " إنّ الصفة الثوريّة للحركات الوطنيّة ، في ظروف الإضطهاد الإستعماري ، لا تستلزم بالضرورة وجود عناصر بروليتاريّة في الحركة ..." (55) لا لأنّ ذلك نابع عن إرادة القوى الواعية طبقيّا بأنّ الطبقة العاملة ليست على رأس هذه النضالات ، و لا ببساطة لأنّ هذه الأخيرة تضعف الإمبرياليّة ( وهو ما تفعله ! ) بل نظرا إلى أنّ البروليتاريا الواعية طبقيّا تتحرّك وسط عالم مادي ، ، يجب أن تفهم ما يُمثّله التقدّم و ما تمثّله الرجعيّة و الإستفادة ممّا هو أصلا تقدّمي و الوحدة معه ( وفي النهاية ليس دون تفرقة أو بطريقة التذيّل )، لكي يمكنها التوصّل إلى " الهيمنة " بالمعنى الحقيقي للكلمة و قيادة كلّ القوى الطبقيّة في المرحلة المعيّنة التي ستجعل الثورة تتقدّم نحو الثورة الإشتراكية و إنتصار الشيوعية ممكن .
في الوقت الذى فضّل فيه خوجا عدم مهاجمة النضال في إيران بصفة مباشرة ، فإنّ بعض أتباعه الأوفياء في الولايات المتحدة ( على غرار اللجنة التنظيميّة الماركسية – اللينينيّة المعروفة ، صدّقوا أو لا تصدّقوا ، بالحزب الشيوعي ، الولايات المتحدةالأمريكية الماركسي – اللينيني ) ، ذهبوا بهذا الخطّ إلى أقصاه كأي تروتسكي و أمّه التي تنادى بتركيز الهجوم أيضا ضد نظام بختيار كتعويض لنظام الشاه و ضد الخميني . هذه البلاهة لم تفعل سوى إعانة قوى رجعيّة في التموضع موضوعيّا إلى جانب الإمبرياليّة الأمريكية ؛ و لو تمّ تطبيق هذا الخطّ في إيران حينها كان سيضعف فعلا قدرة البروليتاريا على كسب الهيمنة في الثورة و كان سيعزّز موقف الخميني .
أطروحة خوجا " الثوريّة للغاية " عن العالمين مكمّلة بتناقضات أساسيّة ثلاثة في مجملها لا تفهم خصوصيّة التناقضات بين الأمم المضطهدة و الإمبرياليّة و تدافع عن وجهة نظر خاطئة بشأن النضالات الثوريّة في كلا النوعين من البلدان هي متشابهة في ألساس ، بإستثناء ربّما انّه حالة ضرورة القطيعة أكبر كمّيا مع السيطرة الغربيّة في البلدان المستعمرة و أشباه المستعمرات منها في بلد رأسمالي متقدّم . و بينما يشر خوجا أحيانا إلى " المرحلتين " ، فإنّه يمزج محتوى المرحلتين إيّاهما في واحدة - الثورة الإشتراكية - و كذلك يفرض شروطا للثورة الإشتراكية في الأمم المضطهَدَة . هكذا حسب القوّة و المشاكل جاعلا الثورة في جزء كبير من العالم مرتهنة بحجم الطبقة العاملة – القوّة أفجتماعيّة التي يشدّد على أنّه يجب أن تكون القوّة الرئيسيّة – بإستقلال عن التركيبة الطبقيّة و العلاقات الإجتماعيّة في تلك البلدان بالذات . نتيجة لذلك ينضح خطّه بمثاليّة التروتسكيين بخصوص هذه المسألة ( و كذلك بما هو معروف جدّا و بسيط جدّا لدى الشوفينيّة القوميّة ).
لا يتحدّث خوجا عن مناطق آسيا و أمريكا اللاتينيّة و أفريقيا ك" مراكز" نضال بل يشير إلى بعض النضالات التقدّميّة في آسيا و يقول غنّ أمريكا اللاتينيّة تعرف وضعا ثوريّا ( ربّما لأنّ لديها طبقة عاملة أكبر عددا من عدّة مناطق أخرى في العالم غير المتقدّم ).
لكن على وجه العموم ، مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك ، يعتمد تركيزه على ما هو صعب أي القيام بالثورة في تلك البلدان ( و يكرّر ذلك في كلّ قارة يعدّها كتابه من العالم غير المتقدّم ) . و رغم أنّه يستخدم صيغة لستالين حول " الحلقة الأضعف" من النظام الرأسمالي العالمي في ما يتّصل بأين سيغدوممكنا أكثر أن تندلع ثورة ، فغنّ خوجا يستعمل ذلك في إشارة خاصة فقط إلى البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و لا يستعمله أبدا في ما يتصل بالمم و الشعوب المضطهَدة . و الشيء من مأتاه لا يستغرب . لأئن كان على هذه البلدان أن تتّبع الطريق الخوجي للثورة ، فلن تحقّق الثورة . مفهوم بما فيه الكفاية كيف أنّ هذا الخطّ في شكل تروتسكي كلاسيكي ن يمكن أن يقود إلى هجوم على النضالات الثوريّة في ألمم المضطهَدة . كما يمكن للخطّ ذاته أن يقود إلى إنتهازيّة يمينيّة أّكثر بداهة .
و مثلما شرح ذلك مقال " الثورة " ، فإنّ هكذا خطّ يتخلّى عن ضرورة نضال البروليتاريا من أجل كسب قيادة الثورة الديمقراطية بموجب نكرانه لطابعها البرجوازي . و الثورة البرجوازية ستتضمّن بلا أدنى شكّ على قوى برجوازية تسعى إلى التوصّل إلى قيادة الثورة . و مثلما بوسعنا مشاهدة ذلك من عدد لا يحصى من الأمثلة عبر العالم ، عادة ما يتنكّر هؤلاء الثوريّون البرجوازيّون في زي ّ ماركسي و قد يلتحقوا بالحزب الشيوعي رغم بقائهم برجوازيين في ما يخصّ السياسة و الإيديولوجيا . و بالإعتراف بمرحلتي الثورة و الإعتراف بقوى و إيديولوجيات طبقيّة مختلفة يتمّ العمل على جذبها إلى صفوف الثورة في المرحلة الديمقراطية ، بوسع الماركسيين – اللينينيين الحقيقيين ( كما فعل ذلك ماو ) الوحدة و الصراع بالضبط مع و ضد تلك التوجّهات البرجوازيّة و البرجوازية الصغيرة التي تحول دون تحقيق الثورة لإنتصار شامل على الإمبريالية و دون تحوّلها إلى ثورة إشتراكية . ليس الخطّ الخوجي الوطني البروليتاري مقرفا فقط نظريّا بل هو عمليّا يفتح الباب على مصرعين أما عديد أنواع " الإشتراكيين " في البلدان غير المتقدّمة ، في الوقاع قد تخلّوا عن مهمّة إتمام النضال ضد الهيمنة الغربيّة و عادة ما ينتهون إلى التحوّل إلى أداة بيد الإمبرياليين الإشتراكيين السوفيات . و مجرم شعوب أثيوبيا و ارتريا " الإشتراكي " أفضل دليل على ذلك .

- 4 - البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و الحرب العالميّة

مع كلّ الكلام الفارغ لخوجا عن الوضع الثوري الذى يشمل أوروبا بأكملها ، لإغنّ وصفته للثورة في تلك البلدان ليست أصحّ من أطروحاه الأخرى . و توجّه خوجا إلى الطبقة العاملة بسيط بما فيه الكفاية فهو يصرّح مشدّدا على أنّ :
" المنظّمات الجماهيريّة الأهمّ هي النقابات او الترديونونيّات " (56) و عقب ذلك ، يشرح أنّ تقريبا جميع النقابات منظّمات معادية للثورة و يجب " تحطيمها " . و كيف ذلك ؟ " بالإلتحاق بصفوفها لمقاتلتها و الإجهاز عليها ..." (57) و كي يقدّم لنا التوجّه السياسي الذى يجب أن يتّبعه الثوريّون الحقيقيّون لغاية بلوغ ذلك فيقول :
" في كلّ الحوال من الضروري التوجّه نحو الحصول على وحدة حديديّة للبروليتاريا في الصراع لا ضد الأعراف فحسب ...لكن أيضا في الصراع الشامل ضد البرجوازية ... و أيضا ضد عملائها ، قادة النقابات " ! (58) و الغاية من كلّ هذا هي " إنشاء النقابات البروليتاريّة الحقيقيّة "(59)
لا يتّسع مجال هذا المقال هنا لدحض كامل لهذه الأبّهة الإقتصادويّة و النقابويّة الكلاسيكيّة . و قد خاض الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة منذ زمن نقاشات واسعة ( و سينظّم نقاشات أخرى مستقبلا ) ضد هذا الإنحراف المستشرى لدى التحريفيين من كلّ رهط و الذى يمثّل خدعة ضخمة للغاية و عفويّة في صفوف البروليتاريا و الثوريين الحقيقيين . و مع ذلك يستحقّ كلام خوجا بعض التعليق . فبديهي أنّ الصراع في النقابات حلبة صراع طبقي و من وقت لآخر يمكن أن يكون حلبة هامة جدّا إلاّ أنّ الدفع عن إستراتيجيا الإعتقاد في إنشاء " نقابات بروليتاريّة حقيقيّة " يمثّل نظريّة مرحليّة سخيفة سخافة دفاع الإقتصادويين ( زمن لينين ) عن خلق نقابات في صفوف العمّال كمرحلة أولى ، رغم تحذير خوجا للماركسيّن – اللينينيّين من الإنزلاق ، و مواقف تريديونيّة ، إصلاحيّة و فوضويّة و سنديكاليّة (60). يقول خوجا تقريبا صراحة إنّ القيام بذلك مكسب قبليّ بالنسبة للثورة !و كما أشرنا إلى ذلك ، فالتوجّه السياسي لخوجا نحو النقابات إقتصادوي شبيه بإقتصادوية التحريفيين الذين ينطبق عليهم في الأصل ذلك النعت .
قد تكون لخوجا نقاط إلتقاء مع الإقتصادويّين القدامى أكثر من كونه ببساطة منبهر جدّا بالنقابات كتنظيمات و من تركيز رؤيته لنضال العمّال د الأعراف ( و كي لا ننسى ، قادة النقابات أيضا ) . و لا يختلف حديث خوجا المتكرّر عن " الدعاية و الحركة " (61) إختلافا كبيرا عن الأطروحات القديمة للإقتصادويين بصدد الدعاية كشرح لسير النظام الرأسمالي و بصدد الحركة ك " نداءات للحركة " وهي أطروحة نقدها لينين في " ما العمل ؟ " (62) و يعمد خوجا حتّى إلى إستخدام مقولة لماركس " تساوى كلّ خطوة حقيقيّة أكثر من عشرات البرامج " وهي جملة إستخدمها الإقتصادويّون ضد لينين . من غير الجلي بالمرّة إن كان خوجا يرغب في أن يقول بالضبط نفس ما قاله الإقتصادويّون بما أنّه يقدّم أطروحته حول " الحركة " في تناقض مع نشاط الإرهابيّين و لا يشرح أبدا ما يودّ قوله هو حين يعتبر أنّ صراع الطبقات يتّخذ " أشكالا و طرقا ... من ألكثر بساطة إلى الأكثر تعقيدا " (63) ( من الاقتصادية إلى السياسيّة ربّما ؟ ) . لكن حتّى لو منحنا المرء فائدة الشكّ و قبلنا بأحسن تأويل ممكن لهذه النقاط ، فإنّ توجّهه " التريديوني البروليتاري " لا علاقة له ببناء حركة واعية طبقيّا إعدادا للإطاحة بالبرجوازية .
و لخوجا مشاكل أخرى هي بدورها جدّية و ربّما أكثر جدّية حينما يعالج مسألة الثورة في هذه البلدان . و تتركّز هذه المشاكل حول توجّهه نحو الحرب الإمبريالية و ما يتّصل بها شديد الإتصال من جهود يبذلها لدفع المهام الوطنيّة في البلدان الإمبريالية ( ما سنعالجه في جزئيّاته لاحقا في هذا المقال ).
و من المهمّ أن نشير إلى كون خوجا لمّا يتحدّث عن التطوّرات نحو وضع ثوريّ في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ( او وضع ثوري موجود في ذهنه هو ) و عن برنامج القيام بالثورة في تلك البلدان ن فإنّه لا يشدّد على انّ البروليتاريا يجب أن تستعدّ إلى تحويل التحرّكات الإمبرياليّة الساعية إلى الحرب إلى نقيضها أي الإعداد للحرب الأهليّة و كذلك لا نعثر على أيّة إشارة للإنهزامية الثوريّة كردّ على مثل تلك الحرب . في هذا الجزء ( 64) هناك إستشهاد بلينين الذى يدافع عن أطروحة أنّه إزاء حرب إمبرياليّة رجعيّة من واجب البروليتاريا أن تعدّ ذاتها لحرب بروليتاريّة عالميّة ن وهو إستشهاد يلتجأ إليه خوجا ردّا على أتباع التحريفيين الصينيين في أوروبا الذين يروّجون إلى الإعتماد على الإمبريالية الأمريكية . ( خطّه السياسي إجمالا في هذا الفصل خاطئ كما سنناقش لاحقا ).
و بديهيّة هي قلّة ما يعيره خوجا من تركيز عامة على مهام الشيوعيين في ما يتّصل بحرب بين القوى الإمبريالية و في رايه أنّ هكذا حرب تبقى بعيدة جدّا و لا مغزى لها بالنسبة لمهام الشيوعيين في الوقت الحاضر .
و يرتبط كذلك إعتبار خوجا لوجود أزمة ثوريّة و أزمة سياسية و إقتصادية في وقتنا الحاضر بإستخفافه بتهديد الحرب العالمية ( و قد تفسّر أيضا و ترتبط بإقتصادويّته ) .
و هذا في حدّ ذاته لا يمثّل خطأ بلا أهمّية ، و إنّما أعظم دلالة هو إقتراحه توجّها في ما يتعلّق بالحرب العالمية أبعد ما يكون عن الثوريّة . فموقف خوجا إصلاحي و يتّفق مع الكاوتسكيّة بشأن طبيعة الإمبرياليّة و رغم كلّ إنتقادته للشوفينية الإشتراكية المقدّمة من قبل الصينيين ، فإنّ لخوجا ذاته خطّ اكثر دقّة على أنّه غير جديد في " الدفاع عن الوطن "و لو أنّه ليس جدّ واضح لأنّه يتخفّى وراء نقاشه للتحريفيين الصينيين . في جزئين من الكتاب ، يعالج خوجا توجّه البروليتاريا في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة نحو الحرب بين القوى الإمبرياليّة ( إضافة إلى مقولة لينين المشار إليها سابقا ) . أوّلا ، في الفصل المذكور أعلاه أين يقول خوجا إنّ الحرب النوويّة حتميّة بين القوى العظمى ، إن لم يكن الآن فغدا ، يصرّح بالتالى ذكره :
" عندما لا تتوصّل القوى العظمى إلى تحقيق مآربها الإستغلاليّة عن طريق الاقتصاد و الإيديولوجيا و الدبلوماسيّة ؛ عندما تحتدّ التناقضات إلى أقصى درجة ، و عندما يتبيّن أنّ الإتفاقيّات و " أفصلاحات " ما عادت نافعة لمعالجة التناقضات ، عندها تندلع الحرب بينها . لذلك على الشعوب التي ستدفع دمها في هذه الحرب أن تسعى بكلّ ما أوتيت من قوّة إلى أن لا تفاجأ بالحرب . عليها أن تعرقل حرب النهب بين القوى الإمبرياليّة حتّى تتجنّب ان تتّخذ الحرب أبعادا إنفار عالمي و في حال عدم التوصّل إلى ذلك عليها أن تحوّلها إلى حرب تحريرو إنتصار ". (65)
و يوجد الإستشهاد الهام الآخر في فصله المعنون " مخطّط الصين للتحوّل إلى قوّة عظمى " و كي يتذوّق القرّاء طعم خطّ خوجا ، سنورد فقرات مطوّلة من هذا الفصل :
" عديدة هي المرّات التي رفع فيها حزب العمل الألباني صوته لتعرية الدعاية السلميّة الهامة التي تقوم بنشرها القوى العظمى سعيا منها إلى التخفيف من يقظة الشعوب و الأمم المحبّ’ للسلام ، و إلى خداعها باثّة الأوهام لأخذها على حين غرّة . أكثر من مرّة نبّه إلى أنّ الإمبرياليّة ألمريكيّة و الإمبرياليّة افشتراكية الروسيّة تدفعان العالم إلى حرب عالميّة جديدة و أنّ إندلاع مثل هذه الحرب خطر حقيقي و ليس وهميّا . هذا الخطر لا يمكن ان يكفّ عن جعل الشعوب تنشغل به و لا يجب على الجماهير العريضة من العمّال و القوى والبلدان المحبّة للسلام و الماركسيّين – اللينينيّين و التقدّميين في العالم بأسره أن يبقوا مكتوفى الأيدى إزاء هذا الخطر الداهم . لكن ما الذى يترتّب القيام به لوضع حدّ لمساعى الإمبرياليين المحبّين للحرب؟
لا يمكن أن يكون الطريق الذى ينبغي إنتهاجه طريق الإستسلام و الرضوخ أمام الإمبرياليين المحبّي للحرب و لا طريق التخفيف من النضال ضدّهم ، فقد بيّنت الأحداث أنّ الإتّفاقيّات و التنازلات غير المبدئيّة للتحريفيين الخروتشوفيّين لم تجعل الإمبرياليّين الأمريكيّين أكثر تسامحا و سلميّة بل بالعكس جعلتهم أكثر إندفاعا و شراسة . ليس الماركسيّون – اللينينيّون أنصارا لدفع دولة أو مجموعة دول إمبرياليّة ضد الأخرى و ينادون بشنّ حروب إمبرياليّة فالشعوب هي التي تتحمّل نتائجها. و قد أشار لينين العظيم إلى أنّ سياستنا لا تشجّع الحرب بل تتّجه نحو منع الإمبرياليّين من التوحّد ضد البلد الإشتراكي .
... الدفع الفعلي للعمّال و الفلاّحين إلى الحرب ، يقول لينين ، جريمة إلاّ انّ سياستنا و دعايتنا لا تتّجه أبدا إلى دفع الشعوب إلى الحرب بل إلى القضاء على الحرب . و قد بيّنت التجربة حقيقة أنّ الثورة الإشتراكية وحدها بوسعها وضع حدّ للحروب نهائيّا !
و بالتالى ، الطريق الصحيح الوحيد هو أن تندفع الطبقة العاملة و شرائح العمّال العريضة و الشعوب في بلدانهم في حركة ثوريّة لإيقاف يد الإمبرياليين المحبّين للحرب . لقد كان الماركسيّون - اللينينيّون و لا زالوا الأعداء الأكثر تصميما للحروب غير العادلة . و قد علّم لينين الثوريّين الشيوعيين أنّ مهمّتهم هي إحباط مخطّطات الإمبرياليّة الساعية إلى الحرب و منع إندلاع الحرب . و إذا لم يتوصّلوا إلى ذلك ، يكون عليهم تعبأة الطبقة العاملة و الجماهير الشعبيّة و تحويل الحرب الإمبرياليّة إلى حرب ثوريّة و حرب تحرير .
الإمبرياليّون و الإمبرياليّون الإشتراكيّون يحملون الحرب العدوانية في دمهم . و تدفعهم طموحاتهم لإستعباد العالم كلّه إلى الحرب . لكن رغم أنّ الإمبرياليين هم الذين يشرعون في الحرب الإمبرياليّة العالمية ، فإنّ البروليتاريا و الشعوب و الثوريّون و كافة التقدّميّين هم الذين يدفعون الثمن من دمهم .لهذا يعارض الماركسيّون – اللينينيّون و البروليتاريا و شعوب العالم الحرب الإمبرياليّة و يناضلون بلا هوادة لإحباط مخطّطات الإمبرياليّين و منعهم من دفع العالم نحو مجزرة جديدة .
و من هنا يبرز أنّنا لا ننظر إلى الحرب الإمبرياليّة كما ينظر إليها التحريفيّون الصينيّون ، من واجبنا النضل ضد الحرب الإمبريالية . من واجب الماركسيّين – اللينينيّين حثّ البروليتاريا و شعوب العالم على النضال ضد المضطهِدين و إفتكاك السلطة منهم و تركيز دكتاتورية البروليتاريا . الصين لا تفعل هذا ، الحزب الشيوعي الصيني لا يعمل من أجل تحقيق هذا، بنظريّات تحريفيّة يضعف هذا الحزب الثورة و يؤجّلها و يشقّ صفوف قوى الطليعة البروليتاريّة ، الأحزاب الماركسية – اللينينيّة المدعوّة إلى تنظيم الثورة و قيادتها ". (66)
مع أنّه يبدو أنّ خوجا على صواب في إشارته إلى أنّ واجب البروليتاريا هو إفتكاك السلطة من البرجوازية ، فإنّ توجّهه ينطوى على بعض الأخطاء الجدّية و التي تمضى في الحقيقة ضد تمكين البروليتاريا من القيام بذلك بنجاح . و من هذه الأخطاء العامود الفقري للفصل برمّـته ؛ أنّ الحرب العالمية ممكنة فقط بالدرجة التي يدفع إليها الصينيّون . ثانيا ، يغالى خوجا في الدرجة التي يمكن فيها للجماهير منع الحرب العالميّة إلاّ بالثورة . ثالثا ، برنامجه الداعى إلى مواجهة حرب عالميّة ، بما في ذلك في البلدان الإمبريالية ، يتمثّل في القيام ب" حرب تحرير". هذا إضافة إلى كون خوجا يعالج معالجة خاطئة مسألة الدفاع عن بلد إشتراكي .

- 5 - حرب عالميّة – " سياسة " الصين

يتّخذ خوجا مواقفا مغالية في الإرادية في ما يتّصل بمسألة الحرب العالمية . لكن وجود معالجته لمسألة الحرب العالميّة في فصل " مخطّط الصين للتحوّل إلى قوّة عظمى " له في حدّ ذاته دلالة بالنسبة لخطّ خوجا القائم على أنّ الصين تدفع القوّتين الأعظم إلى الحرب بغية أن تتحوّل هي إلى قوّة إمبريالية عظمى . و كاشفا عن مدى إبتعاده عن التحليل المادي لجذور الحرب الإمبريالية ، كتب خوجا :
" إصرار القادة الصينيّ,ن إصرارا كبيرا على جعل بلادهم في أسرع وقت ممكن قوّة عظمى و على فرض هيمنتهم في كافة أنحاء العالم ، لا سيما في ما يسمّى بالعالم الثالث ، حدا بهم إلى تركيز إستراتيجيّتهم و سياستهم الخارجيّة على إثارة حرب بين الإمبرياليين . إنّهم يرغبون بحماس في نشوب مواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتّحاد السوفياتي في أوروبا بحيث ستفرك الصين عن بعد يديها على النار النوويّة التى ستحطّم منافسيها الرئيسيّين و ستجعل منها المهيمنة الوحيدة و الأقوى على العالم . " (67)
و يمكن أن نشير إلى أنّ هذه الصيغة الخوجيّة ليست جديدة حتّى ، بما أنّها أساسا ذات الخطّ الذى إستخدمه السوفيات طوال سنوات لإخفاء آثارهم الإمبريالية .
لخوجا نصف الحقّ لمّا يلفت النظر إلى إرادة التحريفيين الصينيين أن تندلع حربا كبرى بعيدا عن الصين ذاتها لكن نظرته خاطئة في الساس . فالحرب العالمية لا تنشأ بسبب " إثارة " الصين و دور التحريفيين الصينيين ليس حيويّا في تحديد طبيعة الحرب العالمية الثالثة و لا في كيف ستكون .
إستخفاف خوجا بحدّة النزاعات بين الإمبرياليين تتجلّى أكثر في نقاشه ضد الصين لأوروبا كمركز حرب بين القوّتين الأعظم .
لا يعتقد خوجا أنّ الحرب العالمية مسألة بقاء على قيد الحياة بالنسبة لكتلة إمبريالية على حساب كتلة أخرى ؛ أو كما وصف ذلك ستالين هي في حاجة على تدمير الكتلة الأخرى )؛ ولهذا لا يرى أنّ أوروبا رغم أنّها لا تمثّل المركز الوحيد للحرب ، ستكون بلا شكّ حلبة مفتاح نظرا لتطوّر قوى الإنتاج في هذه القارة وهي مصيريّة للغاية لكلّ كتلة تودّ السيطرة على بقيّة العالم . و بالعكس ، الخطّ التحريفي للصين و إستسلامها الراهن للكتلة الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة تعبير إلى حدّ كبير عن ردّ فعل ( برجوازي طبعا ) تجاه تصاعد تهديد حرب عالميّة يدفع إليها تفاقم أزمة الإمبريالية كلا القوّتين العظم بسرعة أكبر اليوم .
و على الرغم من أنّ خوجا يقول أحيانا ن رئيسيّا عبر إستشهادات ، إنّه لن يقضى على الحرب دون القضاء على الإمبريالية، فإنّه ينافح عن هذه الفكرة عامة فقط بالمعنى العام . ( هنا يجب التأكيد على أنّ التحريفيين السوفيات يرفون أيضا راية هذا المبدأ الماركسي و المجرّد ). لكن بالملموس في الوضع العالمي الراهن ن تقترب القوى العظمى في كلّ مرّة أكثر من حرب عالميّة ؛ ليس بسببإثارة الصين بل بسبب سير الرأسماليّة ذاتها . و على البروليتاريا أن تستعدّ لهذه التطوّرات بفضح هذه التحرّكات نحو الحرب و النضال ضدّ÷ا كجزءأساسي من إستعداداتها للقيام بالثورة . و ترتبط ذات التطوّرات نحو الحرب الإمبرياليّة بالتطوّرات نحو ظهور أوضاع ثوريّة .
المسألة وفق طرح خوجا هي مسألة " إثارة حرب " و معارضتها – يعنى الحرب ضد السلم – غير أنّ التناقض في الواقع هو تناقض بين الحرب الإمبريالية و الثورة او كما وصف ذلك ماو تسى تونغ بصيغة مناسبة : " إمّا ان تمنع الثورة الحرب العالميّة و إمّا أن تجعل الحرب العالمية الثورة تندلع ".
يشجّع توجّه خوجا الأوهام بشأن القضاء على الحرب عبر الإصلاحات . ( إن كانت الحرب نابعة من السياسة فبالتالى من الممكن ، رغم أنّه ليس يسيرا ، الإطاحة بهذه السياسة ، على ألقلّ في الوقت الراهن ).
مع انّه يمكن تجنّب بعض الحروب عبر النضال الشعبي ، فإنّ هذا لا يمكن أن يمنع إعدادات الإمبرياليين للحرب العالمية . فالحرب العالمية ليست سياسة يمكن للإمبرياليين لفظها ، بإستقلال عن مدى حجم ضغط الشعب . و طبعا ، لا تسعى البروليتاريا إلى الحرب العالميّة . يجب فضح الإعدادات المتجهة نحو الحرب العالمية وو النضال ضدّها عبر النضال الثوري ، إلاّ انّ البروليتاريا الواعية طبقيّا لا يمكن أن تخضع إلى إشاعة أوهام أنّه يمكن بأي شكل إيقاف الحرب العالمية عبر النضال ضد التحضيرات الإمبريالية للحرب – و لا حتّى بإلحاق الهزيمة بالسياسات الصينيّة . وحدها ثورة داخل بلان القوى العظمى ( و من الممكن جدّا ثورة في عدد مهمّ من بلدان احد المعسكرين ) بمقدورها أن تقطع الطريق على الصدامات بالخصوص تلك التي شنّها هؤلاء الإمبرياليين . و خوجا في كتابه يشدّد على عكس ذلك ، باسم محاربة محاولة الصينيين بثّ الخوف في صفوف الشعب إلى حدّ الإستسلام ، بيد أنّ تأكيد خوجا ليس أقلّ من نزع السلاح أمام وضع عالمي حدّته في تزايد.

- 6 - الدفاع عن الوطن على طريقة خوجا

لا يدافع خوجا على القلّ عن مقولة أنّ السلام المستمرّ ممكن في ظلّ الإمبرياليّة مع أنّه يسقط هنا في حُفر أعمق و إن لم تكن ربّما كاوتسكيّة تماما .
فخوجا يتحدّث عن تحويل الحرب الإمبرياليّة إلى حرب تحرير أو حرب تحرير ثوري دون رسم أي فرق بين البلدان الرأسماليّة و أشباه المستعمرات و الجملتان اللتان يذكرهما خوجا إلى جانب الإستشهاد بلينين تمثّلان الإشارة الوحيدة في الكتاب بأكمله إلى تحويل الحرب إلى ثورة . من الممكن ربّما إرجاع هذا إلى تركيب جمل خاطئ من طرف خوجا . لكن حتّى إذا كان الأمر كذلك فىوضع حرب عالمية في تطوّر و مساعى التحريفيين إلى تصوير هذه الحرب الإمبرياليّة على أنّها " حرب عدوان " ضد " حرب إنقاذ وطني " في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ، فإنّ هذا يمثّل شيئا أكبر من مشكل صغير في إختيار الكلمات خاصة في إطار تحليل و تأكيد شاملين لخوجا .
ينقد خوجا الصينيّين لتشجيعهم موقف " الدفاع عن الوطن " :
" حين هاجمت ألمانيا ولهايم الثاني فرنسا و أنجلترا ، إرتأى قادة الأممية الثانية الدفاع عن الوطن البرجوازي . الإشتراكيّون الألمان و الإشتراكيّون الفرنسيّون كلاهما سقطوا في هذه المواقف . ومن المعلوم كيف أنّ لينين أدان كلّ هذا، و ما قاله ضد الحروب الإمبرياليّة معلوم أيضا . و الآن كذلك و التحريفيّون الصينيّون ينادون إلى وحدة شعوب أوروبا مع الإمبريالية باسم الدفاع عن الإستقلال الوطني ، إنذهم يتصرّفون كمناصرى الأممية الثانية . على خلاف أطروحات لينين، يثيرون حربا نوويّة مستقبليّة ترغب في شنّها كلا القوّتان الأعظم و توجّهان نداءات " وطنيّة " لشعوب أوروبا الغربيّة و لبروليتاريّتها لترك الأشياء الصغيرة مع برجوازيتهم جانبا ( الإضطهاد و الجوع و الإغتيالات و البطالة المفروضة ) بهدف عدم المسّ من سلطتها و الوحدة مع الحلف الأطلسي ، مع" أوروبا الموحّدة " ، مع السوق المشتركة البرجوازية الكبيرة و أتباعهم الأوروبيين ؛ و للنضال ضد الإتّحاد السوفياتي حصرا ، ليكونوا جنودا منضبطين للبرجوازية . ما كانت الممية الثانية لتفعل أفضل من هذا ". (68)
يبدو هذا جيّدا و حتّى جيّدا جدّا إلاّ أنّ خوجا الذى يتفادى بطريقة مناسبة الحديث بعنف عن إدانة لينين لهذه الشوفينيّة الإشتراكية ، لا يفهم في الواقع الساس السياسي لخطّ " الدفاع عن الوطن " و يجهل أنّ ما قاله لينين كان يجب أن يكون مكان ذلك الدفاع عن الوطن ( تحويل الحرب إلى حرب أهليّة ). و مثلما أشرنا إلى ذلك سابقا ، يعتبر خوجا الهيمنة القوميّة على الأمم المضطهَدة أكبر كمّيا فحسب نسبة إلى الهيمنة على البلدان الرأسمالية المتقدّمة ( المستعمرات الجديدة " أكثر تبعيّة " للرأسمال الغربي و " المهام الديمقراطية و المعادية للإمبريالية " للثورة تكتسى " أهمّية خاصة "). و يجرّه هذا إلى إثنان في واحد كلاسيكي في ما يتّصل بالطابع الوطني و الطبقي للثورة في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة التي لا تعّ قوى عظمى . لكن خطأ خوجا لا يشمل الفهم المادي الأساسي لنضالات التحرّر الوطني للأمم المضطهَدة و حسب بل هو غير متمكّن بعمق من أنّ المسألة الوطنيّة مسألة ماضى بالنسبة للبلدان الإمبريالية أو كما قال لينين : لا يمكن للحركة القومية في تلك البلدان أن تقدّم شيئا تقدّميّا " إنّ خلطه بهذا المضمار يقوده إلى وضع" وطنيين " بين ظفرين حينما يصف الصين (أعلاه ).
هذا ما يفعله خوجا بإستمرار على طول كتابه : إصباغ صفة وطنى على النضال في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ( بإستثناء الولايات المتحدة ) . لذلك يتكلّم عن قوى " وطنيّة " إيجابيّة في أوروبا " (69) و يمضى حتّى إلى طرح التدخّل الإمبريالي الأمريكي في أوروبا و حتّى في الإتّحاد السوفياتي على أنّه مسألة تبعيّة قوميّة . و إعتبارا لأنّ الحرب إمتداد للسياسة ن لا نستغرب أنّ نوع الحرب التي يقترحها خوجا للبلدان المتقدّمة( حرب تحرير ) تعكس برنامجه " الوطني " . و ينعكس هذا الخلط في الفصل الذى أشرنا إليه سابقا و الذى يستشهد فيه خوجا بلينين حول العمل من أجل الثورة البروليتاريّة كردّ على الحروب الإمبرياليّة الرجعيّة . عند نقده لأتباع التحريفيين الصينيين في أوروربا حاليّا ، قال خوجا :
" حسب التوجّه الرئيسي لهذه الأحزاب وهو أيضا الشعار الأساسي للسياسة الصينيّة ، في الوضع الراهن ، تقع على عاتق البروليتاريا مهمّة أساسيّة و وحيدة هي حماية الإستقلال الوطني الذى هو من المفترض مهدّد فقط من قبل الإمبريالية الإشتراكية السوفياتيّة . و هذا إعادة تقريبا حرفيّة لتعاليم قادة الأمميّة الثانية الذين تخلّوا عن قضيّة الثورة معوّضينها بأطروحة الدفاع عن الوطن الرأسمالي .
و قد فضح لينين هذا التوجّه الخاطئ و المعادى للماركسيّة الذى لا يصلح للدفاع عن الإستقلال الحقيقي بل يشجّع الحروب بين القوى الإمبريالية . و حدّد بوضوح ما يجب أن يكون التصرّف الثوري الحقيقي خلال الصدامات بين الكتل الإمبريالية، كتب :
" إن تعلّق الأمر بحرب إمبريالية و رجعيّة ، أي ، حرب بين كتلة عالميّة من البرجوازيّة الرجعيّة الإمبرياليّة الإضطهادية و الإستغلاليّة ، تساهم كلّ برجوازية ( بما في ذلك برجوازية البلدان الصغيرة ) في النهب و كممثّل للبروليتاريا الثوريّة ، من واجبى أن أعدّ للثورة البروليتارية العالمية كمنقذ وحيد من شناعة مجزرة عالميّة ... هذه هي الأمميّة ، هذا هو الواجب الأممي للعامل الثوري ، الإشتراكي الحقيقي ". (70)
و إثر ذلك بقليل ، يقول خوجا :
" و في الوقت ذاته ، أصبح هؤلاء التابعين الصينيين يدافعون بتعنّت عن أجهزة الدولة الرأسماليّة البرجوازية ، لا سيما عن الحلف الأطلسي والسوق الأوروبيّة المشتركة إلخ معتبرينها عواملا رئيسيّة في الدفاع عن الإستقلال ، مثلهم مثل القادة الصينيين ، يبيّون و يزيّنون أسلحة الهيمنة و التوسّع الرأسماليّة هذه ، و يساعدوا بالذات التنظيمات التي أثّروا في الواقع تأثيرا خطيرا على إستقلال و سيادة البلدان ذاتها " (71).
نعتذر خوجا ، " الدفاع عن الوطن " في حين أنّه غطاء لطبيعة الحرب الضارية يكون أيضا شعارا للحفاظ على " الإستقلال الحقيقي" لهذه البلدان – المشكل الوحيد هو عدم وجود بتاتا لأيّ شيء تقدّمي في الحفاظ على هذه المم أو الدفاع عن هذه " ألوطان "!هذه المم ذاتها ( مع إمكانية إستثناء واحدة أو إثنتان ) بلغت مرحلة ركّزت فيها إضطهادها و إستغلالها الإمبرياليين ( بصرف النظر عن كونها يمكن أن تكون مستغَلّة أو حتّى مهيمن عليها من قبل قوى إمبريالية أخرى أقوى و أنّها ستسحق خلال حرب إلخ ) . و في حين أنّه يجب في هذه البلدان فضح الدور الإمبريالي للولايات المتحدة في دعم هذه البلدان الإمبريالية و النضال ضدّه بما أنّ هذه البلدان تمثّل أمما رأسماليّة متقدّمة ، أمما حاضرة للثورة البروليتارية فمسألة الإستقلال لا علاقة لها بإمكانيّة حرب عالميّة و لا بثورتها بغضّ النظر عن أنّ فيالق الولايات المتحدة قد تكون راسية فيها أو عن حتّى حالة عدوان عسكري ضد هذه البلدان خلال الحرب ، مثلما أكّد على ذلك لينين أثناء الحرب العالمية الأولى .
عند تحليل خطّ خوجا ، ذات أهمّية خاصة هي المعالجة الدقيقة ل " إستشهاداته " فغالبا ما يحذفه أكثر دلالة ممّا يبقيه . و هذا ليس أكيد في ما يتصل بهجومه على فكر ماو تسى تونغ (72) فحسب بل هو أكيد أيضا في ما يتصل بلينين حيث يزوّر أيضا ما يقوله ! ففي إستشهاده المذكور أعلاه ، ألغى خوجا جملتين هما :
" فليس من وجهة نظر بلد"ي" يتعيّن عليّ أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكم تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيّق الفق ، لا يدرك أنّه لعبة في أيدى البرجوازية الإمبرياليّة ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا في تحضير الثورة البروليتاريّة العالميّة ، في الدعاية لها ، في تقريبها " " (73)
إلغاء من هذا القبيل لم يكن عرضيّا بالمرّة بما انّ الأمر يتعلّق على وجه الضبط بإنحرافات خوجا ذاته . حسب خوجا ، غير صحيح أن يكون للطبقة العاملة توجّه الدفاع عن بلادها ، ضد العدوان السوفياتي الممكن فقط . فهذا لا ينفع " الإستقلال الحقيقي " : لا بلادها بعدُ مرتبطة بالإمبريالية الأمريكية . سيقول البعض بالرغم من كون خوجا يطلب للبروليتاريا غطاء الأمة والإمبريالية فإنّه يشدّد بإستمرار على القيام بالثورة ضد البرجوازية ، لا بالتعويل عليها كما دافع عن ذلك الصينيّون، و خلاصة القول ، خطأ خوجا خطأ طفيف . لكن حتّى تأكيد خوجا على عدم التموقع أبدا إستراتيجيّا إلى جانب البرجوازية في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ، يظلّ مخطأ في مسألة لماذا يتمّ الدفاع عن برنامج وطني يعنى برنامج برجوازي.
لقد ناقش لينين رفيقة له بصدد مشكلة مماثلة ، ناقش روزا لكسمبورغ التي ناضلت بصلابة ضد إستسلام كاوتسكى أمام البرجوازية الألمانية ، و التي كانت تسعى لإنجاز الثورة البروليتارية في ألمانيا زمن الحرب العالمية . و قد إقترفت روزا أخطاءا مماثلة للتوجّه الخوجي حين قالت إنّ القيام بالثورة البروليتارية كان في الواقع الطريقة الوحيدة " للدفاع عن الوطن " خلال الحرب العالمية الأولى . و في ردّها على الإشتراكيين الشوفينيين الألمان الذين دافعوا عن فكرة أنّ " العمل من أجل الثورة في ظرف الحرب العالمية الأولى يمثّل التخلّى عن الوطن إلخ ، قالت لكسمبورغ : بين مصالح البلاد و المصالح الطبقيّة للأمميّة البروليتاريّة يوجد في زمن الحرب و في زمن السلام على السواء تناسق تام : فإنّ الحرب و السلام سواء بسواء يتطلّبان تطوير النال الطبقي بأكثر ما يكون من العزم ، و الذود عن البرنامج أفشتراكي الديمقراطي بأكثر ما يكون من الحزم " . (74)
و نقد لينين بشدّة هذا التوجّه و هنا نقتطف جزءا من ردّه ( وهو يستخدم ضمير " هو " لكون روزا لكسمبورغ كانت تكتب تحت إسم مستعار هو جونيو ) :
" إنّ يونيوس يقترح " معارضة " الحرب الإمبرياليّة بالبرنامج الوطني . و يقترح على الطبقة الطليعيّة أن تدير وجهها صوب الماضي لا صوب المستقبل ! ففي عام 1793 و عام 1848 كانت الثورة البرجوازية و الديمقراطية ترد موضوعيّا في جدول الأعمال في فرنسا و في ألمانيا و في أوروبا بأسرها . و هذا الوضع التاريخي الموضوعي كان يطابقه برنامج " وطني حقّا " ، أي برجوازي وطني لديمقراطية ذلك الزمن طبقته في عام 1793 أكثر عناصر البرجوازية والعامة ثوريّة، و اعلنه ماركس في عام 1848 باسم كلّ الديمقراطية الطليعيّة . و آنذاك كانت الحروب الإقطاعية السلاليّة تعارض ، موضوعيّا ، بالحروب الثوريّة الديمقراطية ، الحروب التحريريّة الوطنيّة . هكذا كان مضمون مهمّات العهد التاريخيّة .
أمّا الآن فإنّ الوضع الموضوعي للدول المتقدّمة ، الكبرى ، في أوروبا يختلف عن ذي قبل . فإنّ التطوّر إلى الأمام – إذا لم نأخذ بالحسبان الخطوات المحتملة ، المؤقّتة ، إلى الوراء - ، لا يمكن أن يتحقّق إلاّ صوب المجتمع الإشتراكي ، صوب الثورة الإشتراكيّة .و إنّ الحرب البرجوازية الإمبريالية ، حرب الرأسماليّة العالية التطوّر، لا تمكن موضوعيّا معارضتها، من وجهة نظر التطوّر إلى الأمام ، من وجهة الطبقة الطليعيّة ، إلاّ بالحرب ضد البرجوازية أي قبل كلّ شيء بالحرب الأهليّة من جانب البروليتاريا ضد البرجوازية في سبيل السلطة ، الحرب التي لا يمكن بدونها أي تحرك هام إلى الأمام ". (75)
لا يطرح خوجا أيّة ثورة برجوازية سابقة ، لمّا يدافع عن أفق إثنان في واحد بشأن مهام الثوريّين في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة و في الأمم المضطهَدة و إنّما على العكس من ذلك ، يطرح نمط الحرب العالميّة الثانية مثلما يفعل التحريفيّون الصينيّون ترويجا لبرنامجهم الوطني . تأكيد خوجا أنّ هجوما ضد " البلد الإشتراكي " هو محور الحرب الإمبريالية ، و تأكيده المتواصل بعدم تغيّر شيء كبير في العالم جراء هزيمة البروليتاريا في الإتحاد السوفياتي ، إضافة إلى إحالته على بعض المراجع فقط بخصوص الخطّ حول الحرب العالمية الأولى ، الإنهزاميّة الثوريّة إلخ ) ، كلّ هذا يدلّل على أنّه يفضّل نمط " الحرب العالمية الثانية " للدفاع عن الوطن الإشتراكي مع الحروب الثوريّة ... الوطني ، على غرار الحرب المظفّرة لتحرير ألبانيا ( و يذكّرنا أنّه خلالها تحالفوا تحالفا تكتيكيّا مع الإمبرياليين البريطانيين و الأمريكيين دون الخضوع إليهم ) و يشير بخاصة إلى إمكانية أن يظهر وضعا مماثلا مرّة أخرى (76).
هذا الدفاع الضمنيّ و الخاطئ عن نمط الحرب العالمية الثانية غاية في الخطورة بالنسبة للوضع العالمي . تاركين جنبا ألبانيا و طابعها الاجتماعي ، فإنّ هذا التحليل ينسى الطابع الأساسي للحرب التي يتمّ الإستعداد لها في يومنا هذا . رغم دعوات خوجا إلى القيام بالثورة البروليتارية في كلّ مكان ، إن إندلعت الحرب سيتعلّق الأمر ب " أشرار " ضد " أخيار" ، بحرب للدفاع عن الوطن الإشتراكي و ستكون حرب تحرير . باسم الدفاع عن الإشتراكيّة و الدفاع حقيقة عن المصالح القوميّة ، يعدّ خوجا البروليتاريا إلى خوض حرب ضد العدوان الأمريكي وفق عبارات حزب العمل الألباني ، " عدوّهم الأساسي ". و مع أنّ خوجا يعتبر التهديد " للوطن الإشتراكي " متأتّى من الولايات المتحدة و إذا ما وقع تطبق خطّه " الوطني البروليتاري " أو " الإستقلال الحقيقي " من قبل الشيوعيين في البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ، قد يجرّهم ذلك إلى تنظيم حرب تحرير ضد أي غازى لبلدهم حتّى الإتحاد السوفياتي.( عندئذ سنرى إلى متى سيدوم " المعكسر الإشتراكي" لخوجا ).
و خوجا ليس في ذات معسكر روزا لكسمبورغ . فجذور مشكلها كانت الخضوع إلى حدّ ما إلى القومية البرجوازية الصغيرة، لكن في إطار خطّ كامل كان ينادى البروليتاريا الألمانيّة بغتّباع إتّجاه ثوريّ في الحرب العالميّة الأولى . و خطّ خوجا يشبه بالضبط خطّ نعته لينين بخطّ القوميين البرجوازيين الصغار . فمن وجهة نظر القوميين فحسب يمكن الهجوم على التحريفيّة اليوغسلافيّة و نقدها بحماس فيّاض ( وهي جارة ألبانيا ) أكثر من نقد الإمبريالية الإشتراكية السوفياتيّة في كتاب عنوانه " الإمبريالية و الثورة " ( و ليس قضايا ألبانيا الإشتراكية ) . و ( فقط بغاية التغلغل الإيديولوجي صلب الطبقة العاملة الأوروبيّة و صلب حركات التحرّر الوطني في العالم قاطبة، يعتبر أنّ التحريفية على الشكل السوفياتي خطر أكبر بكثير ).
تأويل خوجا الخاص في مزج القوميّة مع الماركسيّة يتّخذ شكل إذابة الكلّ بطريقة مثاليّة في التناقض بين الإشتراكية و الإمبرياليّة . و يبرز هذا كذلك في تعليله المثالي أنّه لم يتغيّر شيء في العالم بشأن المعسكر الإشتراكي جراء إعادة تركيز الهيمنة البرجوازية في الإتّحاد السوفياتي ( و حاليّا في الصين ) .
النضال بين البلد الإشتراكي أو حتّى عدّة بلدان إشتراكيّة ضد الإمبريالية لا يساوى النضال العالمي – سير التاريخ نحو الشيوعية لا يساوى هذه السيرورة .هو جزء منها وهو كجزء مرتبط بالكلّ . و الدفاع عن دولة بروليتاريّة ليس أمرا مطلقا – ليس الهدف النهائي للبروليتاريا ، ليس الحفاظ على سيادة الأمم التي توصّلت إلى المرحلة الإشتراكية . غاية البروليتاريا هي الشيوعية العالمية و وجهة نظرها هي الممية ، إعتبار كافة النضالات من وجهة نظر هذه الغاية بما في ذلك النضال من أجل الدفاع عن بلد إشتراكي ضد العدوان الإمبريالي على أهمّيته و إرتباطه بالغاية العالمية . إعتبار أنّ الصراع بين بلد إشتراكي و الإمبريالية يساوى هذه الغاية أو إعتبار النضال العالمي رئيسيّا من وجهة نظر الدفاع عن بلد إشتراكي ( وهو ما يشجّع على أطروحة " العالمين" الخوجيّة ) سقوط في أحضان القوميّة باسم الأممية . و من العبثيّة الحديث عن معسكر إشتراكي – و لو كان يشتمل على بلد صغير – و محاولة إستخدام تعليل أنّ طموحات و نضال البروليتاريا و الجماهير المضطهَدة من اجل الإشتراكية جزء من هذا المعسكر كما يفعل خوجا . (77) معسكر إشتراكي هو بالذات هذا – الوجود الفعلي للبروليتاريا في السلطة في قسم مهمّ من العالم – قوّة ماديّة مهمّة تمثّل نوعا من الحرّية و الضرورة بالنسبة للبروليتاريا في العالم قاطبة و بالنسبة للإمبرياليين. لذلك في ظلّ ظروف عدوان إمبريالي ضد الإتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية ، كان من الصائب للحفاظ على مصالح البروليتاريا العالميّة أقلمة الصراع الطبقي مؤقّتا و وضع بروليتاريا تلك البلدان مؤقّتا نضالها الذاتي من أجل الإشتراكية ذا أهمّية ثانويّة ( لكن دون محوه ) لأجل تيسير سقوط الكتلة الإمبريالية التي كانت تحاول تحطيم الدولة البروليتاريّة . ( على أنّ هذا " التأقلم " إنتهى عامة على التخلّى عن الراية الحمراء لفائدة " الراية القوميّة ") . لو تمكّن الإمبرياليّون من الإطاحة بهيمنة البروليتاريا في الإتّحاد السوفياتي بواسطة غزو النازي خلال الحرب العالميّة الثانية ، لمثّل ذلك ضربة معنويّة للمسيرة العالميّة نحو الشيوعية . و مردّ هذا ليس إلى أنّ الإتحاد السوفياتي كان قوّة معنويّة جبّارة فحسب يمثّلها كما يمثّل العمّال في كلّ الأماكن ، بل كذلك إلى أنّه كان يمثّل قوّة ماديّة حصنا للثورة و ذخيرة حيويّة للنضال العالمي.
مع ذلك ، خطير كلّ الخطورة هو تأكيد خوجا بأنّ غزو ألبانيا سيحدّد طابع حرب عالمية شاملة و ( مرّة أخرى ضمنيّا ) و سيتطلّب من الثوريّين في كافة أنحايء العالم أن يؤسّسوا إستراتيجيّأتهم و تكتيكاتهم على أساس الدفاع عن ألبانيا . لا يدعو خوجا صراحة إلى ربط البروليتاريا نضالها لإفتكاك السلطة بالدفاع عن ألبانيا في حالة نشوب حرب و إنّما يقود الناس إلى هذا الخطّ بإذابة الكلّ في التناقض بين افشتراكية و الإمبريالية و طبعا الأمّة أللبانية على رأس " الخيّرين " في عالم الجيشين المتعارضين .
ليس الإنحدار إلى القومية باسم الأمميّة بإعتبار أنذ الدفاع عن البلد الإشتراكي يساوى النضال الثوري العالمي بالأمر الجديد. فقد حدث مثل هذا إلى حدّ كبير خلال الحرب العالمية الثانية حيث كان يتعيّن النضال ضد بلدان المحور و الوحد تكتيكيّا مع الكتلة الإمبريالية الأخرى لأنّ ألمانيا قد غزت حصن الإشتراكية إلاّ أنّه تمّ إعتبار الإطاحة بالفاشيّة مماثلة للتقدّم نحو الإشتراكية في هذه البلدان ذاتها . و قدّم التهديد النازي للاتحاد السوفياتي ، و النازية عدوّ رجعي لأمم بريطانيا العظمى و فرنسا و الولايات المتحدة ، عدوّا وجب إسقاطه في تلك البلدان كمرحلة سابقة للثورة .
وخوجا وهو ينقد بإختصار برودر ، يلتحق على أي حال و إجماليّا بذلك التوجّه و بدلا من التعلّم من التجربة التاريخيّة للبروليتاريا ، يؤبّد الأخطاء (79) و يمضى بها إلى مسالك جديدة ، جاعلا من ألبانيا مركز النضال الواحد من أجل الهيمنة بين الإشتراكية و الرأسماليّة . فهو لا يختلف كثيرا عن الصينيّين في هذا الصدد (نعنى التحريفيين الصينيين ) و إنّما هو يخفى قوميّته بغطاء سميك أكثر من الأرثودكسيّة .
و بالنسبة للذين أضجرهم عدم إحترامنا للوطن الإشتراكي المواجه للعدوان الأمريكي ( في ظرف الحرب العالميّة الثانية )، يجدر بنا أن ننظر إلى الوضع مع نهايات الحرب العالميّة الأولى ، عقب إنتصار الثورة البلشفيّة . في تلك الفترة ، كانت الحرب لا تزال نيرانها مشتعلة بقوّة و ألمانيا بالخصوص غزت الدولة البروليتاريّة . إتخذ البلاشفة موقفا صحيحا في الدفاع عن الدولة الإشتراكية والبروليتاريا الواعية طبقيّا وقفت و ناضلت سياسيّا ضد العدوان الإمبريالي. لكن لم ينادى لينين لجعل الصراع الطبقي في البلدان المتحاربة يتأقلم مع الوضع القائم ، لم ينادى بالنضال ضد عدو البلد الإشتركي كعدوّ رئيسي .
لماذا ؟ لقد تطوّرت الظروف الثوريّة في أوروبا بسرعة و كان مثل ذلك الخطّ يسمح بإمكانية حقيقيّة لإنتصار منتظر للبروليتاريا في بلدان أخرى . ( لقد توقّع لينين أن تكون الثورة الروسيّة الإنتصار الأوّل فقط في سلسلة الإنتصارات المماثلة و كانت هذه التوقّعات تستند إلى تقييم صحيح للظروف الموضوعيّة ) . و بالفعل جرت محاولات للقيام بالثورة في عدد من البلدان لكنّها لم تنتصر . مطالبة الثوريين في فرنسا ، مثلا ، بانّ يتّحدوا مع برجوازيّتهم لأنّ روسيا السوفياتيّة كانت تواجه الجيش الألماني ، كان سيخفى تماما أنّ الطابع الرئيسي للحرب لا يزال بعد الصراع بين القوى الإمبريالية من أجل تقسيم و إعادة تقسيم العالم . و علاوة على أنّ علاقة الإمبريالية بروسيا السوفياتيّة كانت متغيّرة للغاية ، و أنّ الخطر الداهم لم يكن مأتاه الكتلة ألأمانيّة فحسب ، من الواضح أنّ الظروف كانت مختلفة عن تلك خلال غزو الإتحاد السوفياتي أثناء الحرب العالمية الثانية .
لكن المسألة تكمن بالضبط هنا . الآن نجد أنفسنا في ظروف مختلفة جدّا عن ظروف بداية الحرب العالمية الثانية و الدفاع عن هذا النمط و إعتبار الدفاع عن ألبانيا محوري في وضع حرب عالمية ( بما أنّه حتّى في حالة غزو ألبانيا و إن إحتجّ خوجا على ذلك ، لن يكون ذلك بأي شكل من الأشكال المظهر المحدّد لمثل تلك الحرب ) ، يمثّل القوميّة الحقيرة و لي الأمميّة ، القومية المعلّلة عبر المثاليّة الأكثر إبتذالا .

-7- خوجا و الإتّحاد السوفياتي

لئن وُجد أدنى شكّ في أنّ خوجا يدافع عن خطّ " الإمبريالية الأمريكية كعدوّ رئيسي " ، علينا بمعالجة ما يقوله هو عن طابع الحرب بين القوّتين الأعظم . و مثلما أسلفنا الإشارة إلى ذلك ، رغم تعريجه على التفاهم بين القوى العظمى ن فإنّه يدافع عن مفهوم أنّ الإتّحاد السوفياتي تابع و تهيمن عليه الولايات المتحدة و سيادته مهدّدة إلخ . نهائيّا ثمّة منهج صلب هذا الجنون. ففي حين يستشهد بنقاشات لينين ضد كاوتسكى في ما يتعلّق بالحرب العالمية الأولى ، ينجز خوجا نصف دائرة ليبيّن كيف أنّ حربه العالميّة البعيدة بالتأكيد ، ستكون ضارية ضد ألبانيا الإشتراكية كما مرّ بنا ذكر ذلك ، لكن كذلك ضارية ضد الإتّحاد السوفياتي عوض أن تكون ضارية من طرف جميع الإمبرياليين !
و من المفيد الإستشهاد مطوّلا بخوجا بما في ذلك إستشهاداته بلينين كي نثبت كيف يستخدم إستشهادا كلاسيكيّا بشكل إنتهازي و ينجز نصف دائرة ليدافع عن عكس ذلك في تأويله للإستشهاد ، يقول خوجا :
" في نقاشه لكاوتسكى ، كان لينين يقول إنّ ... التحالفات بين القوى الإمبريالية أو ما بعد الإمبريالية [ الألتراإمبرياليّة ] في العالم الرأسمالي الواقعي و ليس في الخيال المريض البرجوازي الصغير للكهنة الأنجليز أو ل" الماركسي " الألماني كاوتسكى ، مهما يكن شكلها : تحالف إمبريالي ضد تحالف إمبريالي أو تحالف عام لجميع القوى الإمبريالية لا يمكن أن يكون حتما إلاّ " هدنة " بين الحروب .
تعاليم لينين هذه لها راهنيّتها في ظروفنا الحاليّة حيث يتحدّث التحريفيّون الصينيّون و يقومون بمساعى حثيثة لعقد تحالف و جبهة عالمية لجميع الدول و الأنظمة الفاشيّة و الإقطاعيّة والرأسمالية و الإمبريالية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية .
بين البلدان الإمبريالية قد توجد تحالفات ، كان لينين يقول ، لكنّها توجد لغاية وحيدة هي القضاء المشترك على الثورة الإشتراكيّة و النهب المشترك للمستعمرات و البلدان التابعة و أنصاف التابعة ". (80)
ذهب الظنّ بخوجا إلى أنّ أحدا لن يجهد نفسه في قراءة إستشهاد لينين و لا في محاولة فهمه . فلينين ف نقاشه ضد كاوتسكى يشدّد على عكس ما ذهب إليه تأويل خوجا. لينين ما قال أيّة شيء عن الإستغلال المشترك لأيّ شيء من طرف الإمبريالية. ما عبّر عنه هو أنّ الهدنات بين القوى الإمبريالية ( سواء كانت بين الكتل أو شملت جميع الإمبرياليين ) ليست سوى هدنة بينهم ، هدنة بين الحروب بينها ، يعنى حربا بينها لفرض من يقدر على إستغلال العالم . مقابل ذلك ، يحاول خوجا تمرير كاوتسكيّته من الصنف الجديد فيتحدّث عن تحالف بين كافة البلدان الفاشيّة و الإقطاعية و الرأسمالية و الإمبرياليّة ( مستثنيا بخاصة الإتّحاد السوفياتي كأحد القوّتين الأعظم ) من أجل التحطيم المشترك للثورة و الإشتراكية ( لنقرأ ألبانيا ) و من أجل الإستغلال المشترك للمستعمرات و البلدان التابعة و نصف التابعة ( ربّما ضمنها الإتّحاد السوفياتي ! ).
نصف المرّات ينعت الألبانيّون السوفيات بالإمبرياليين و في النصف الآخر ينعتونهم بالبلد التابع . و لا يكفّخوجا عن ترديد أنّ هؤلاء ببساطة وسيلة ، " وكلاء " الإمبريالية ألمريكية (81) ما يتعارض مع فهم أنّ السوفيات " منافسون أيضا " من أجل الهيمنة ، و إن كانت لخوجا إستشهادات قليلة بهذا الصدد . الأطروحة الخوجيّة ل" العالمين " نهائيّأ نقيض منطقي برجوازي للأطروحة الصينيّة ل" العوالم الثلاثة " ن على أنّ خوجا يتدثّر ب " الأرثودكسيّة ".
إذا كانت المصالح القوميّة الضيّقة للصينيّين قادتهم إلى التذيّل للإمبريالية الأمريكيّة و الدفاع عنها – حاليّا – عبر إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " ، فإنّ أطروحة خوجا تتذيّل نهائيّا للسوفيات – و للسبب ذاته .
الشكل العام لمعالجة خوجا للإعدادات العدوانيّة للإتّحاد السوفياتي غاية في الأهمّية. و لنأخذ على سبيل المثال تصريحه بأنّ:
" من الممكن جدّا أن تدفع سياسة الولايات المتحدة و ذات إستراتيجيا الصين الخاطئة بالإتحاد السوفياتي إلى تعزيز نفسه عسكريّا أكثر فأكثر ، و بما أنّه قوّة إمبرياليّة ، إلى الهجوم أوّلا على الصين ".(82) أو " تكمن المسألة في أنّ مضاعفة القدرة الحربيّة الأمريكيّة يضعف نسبيّا القوّة العسكريّة السوفياتيّة و يضطرّ الإتّحاد السوفياتي إلى إتّباع الولايات المتحدة خطوة خطوة لموازنة قوّته العسكرية و قوته العدوانية معها ". (83)
بإلغاء النعوت السيّئة ما يبقى هو تعليل الإتحاد السوفياتي عينه لإستعداداته العدوانية – أنّه مضطرّ إلى القيام بها بسبب الولايات المتحدة و الصين و بهدف " موازنة " القوى العالميّة !
توجّه الموقف الألباني هذا نحو التقاطع مع خطّ الإمبرياليين الإشتراكيين السوفيات يبرز في عدّة مواقف ، لا سيما تلك التي إتخذها و في الوقت نفسه في المظاهر المشتركة لخطّهما العالمي على وجه العموم ، مثلا ، يعرف تقريبا جميع القرّاء بلا شكّ الدعم الكلّي الذى قدّمه خوجا لغزو الفتنام المدعومة من قبل السوفيات لكمبوديا إلاّ أنّ الدعم الذى قدّمه لموقف السوفيات في الشرق الأوسط قد يبعث أكثر على الدهشة .
من الهام أنّ من لا يكفّ عن نقد الصين لإعتبارها بلدانا من " العالم الثالث " يتدحرج هو نفسه تمام التدحرج في الإتّجاه ذاته في فصله الرئيس حول العالم العربي و ينتهى إلى الوقوف بصفة غير مباشرة إلى جانب المعسكر الذى يساند الموقف السوفياتي بشأن القضيّة الفلسطينيّة و الدويلة . يقول خوجا :
" النضال ضد إسرائيل ، أداة الإمبريالية الأمريكية الأكثر دمويّة و التي تحوّلت إلى عائق كبير أمام تقدّم الشعوب العربيّة ، مسألة مشتركة في ما بينها و عمليّا ، رغم ذلك ، ليست كلّ البلدان العربيّة على رأي واحد بصدد النضال الذى ينبغي خوضه بصفة مشتركة ضد إسرائيل و بصدد الطابع الذى ينبغي أن يكون للنضال ضد هذا العدوّ المشترك. في كثير من الأحيان ، ينظر إليه البعض من زاوية قوميّة ضيّقة . و نحن لا يمكننا الموافقة على هكذا موقف . إنّنا من المدافعين عن أن تتراجع إسرائيل إلى حصنا الذاتي و أن تضع حدّا لمواقفها و أعمالها الشوفينيّة و الإستفزازيّة الهجوميّة و العدوانيّة ضد الدول العربيّة . نطالب أن تُرجع إسرائيل للعرب الأراضي التي إفتكّتها منهم و أن يتحصّل الفلسطينيّون على كافة الحقوق الوطنيّة إلاّ أنّنا لن نكون أبدا من الدعاة إلى محو الشعب الإسرائيلي " (84).
و بطبيعة الحال ، الحقوق الفلسطينيّة الكاملة في تناقض مع أن يكون للدولة الصهيونيّة ، لإسرائيل جحر تنسحب إليه و إن ساند المرء تحرير فلسطين فإنّه لا يحاضر حول إلقاء " الإسرائيليين "( بما أنّه لا يقول اليهود ، يقصد دولة إسرائيل ) في البحر . تمثّل هذه الترجيعة الصغيرة لخوجا تأكيدا جديدا منه . أيمكن أن يكون خوجا ذاته يسبّح من أجل الحفاظ على التوازن بين القوى العظمى في الشرق الوسط ؟ أيمكن أن يكون النضال من أجل إستعادة حقوق الفلسطينيين الوطنيّة الكاملة ثوريّا أكثر من اللازم بالنسبة " للسيد الماركسي " لأنّ السوفيات يحتاجون إلى نوع من القاعدة ، دويلة إلخ في أسرع وقت ممكن؟ ( هذا هو الساس المادي لدفاع السوفيات عن دويلة ).
من ينتهج نفس خطّ خوجا في ما يتعلّق بفكر ماو تسى تونغ و الثورة الثقافيّة ، من ينتهج نفس خطّ ا،ّ الصين تحاول إثارة حرب عالميّة و ليست القوى العمياء للإمبريالية هي التي تحرّك كلاّ من الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإتّجاه ؟ من يقول مثل خوجا إنّ السوفيات يتسلّحون لأنّ الولايات المتحدة تضطرّهم إلى التسلّح ، و من أيضا يعتبر التناقض بين الإشتراكية و الإمبريالية هو التناقض المحدّد فعليّا للتناقض بين البرجوازية و البروليتاريا في العالم الراهن ؟
في مقال صيغ في أكتوبر 1975 في مجلّة نظريّة سوفياتيّة، " شؤون عالميّة "، معنون " التحريف الإيديولوجي الصيني "، يعالج السوفيات كيف تفرٌّ الصين بين " العوالم الثلاثة " ( و نعتذر ، أنور ، لم تكن الأوّل في ذلك ) يقولون :
" في حين أعلن المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني سنة 1969 أن الإمبريالية في المرحلة المعاصر تقترب من الإنهيار الشامل و الإشتراكية من الإنتصار العالمي ، يصف تقرير المؤتمر العاشر هذه المرحلة بالرجوع إلى تعليمات القائد القائلة بأنّنا لا نزال بعد [ تأكيد من السوفيات ] نعيش عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية .
إعادة التحليل اللينيني للعصر مع الكلمة المرتجلة " لا نزال بعد " ، في ظلّ ظروف جديدة تماما ، تحديد صيغ قبل ثورة أكتوبر الإشتركية العظمى وهو في النهاية موجّه إلى محو المغزى التاريخي العالمي لإنتصار الثورة الإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي ... بتدليس صياغة لينين ثمّ إستخدامها لوصف العصر الراهن ، حاول المنظّرون الماويّون تعليل رفضهم للنظام الإشتراكي العالمي .
و فضلا عن تزوير القيادة الصينية لتحديد العصر هدفها هو تعليل خطّها في إثارة إحتداد خطير للوضع العالمي بما أنّها تقول إنّه لم تحدث تغيّرات جوهريّة في إنتظام القوى و أنّ الإشتراكية الداعية إلى سياسة سلام غير موجودة بالتالى إحتداد التوتّرات التي ستكون نتائجها الأكثر توقّعا حرب عالميّة أخرى ، هي المظهر المهيمن للعصر الحالي " بطبيعة الحال "..." و يمضى المقال السوفياتي في شرح كيف أنّ تقسيم العالم إلى ثلاثة عوالم مؤامرة تهدف من ورائها الصين إلى أن تصبح قوّة عظمى ، و كيف أنّ بيكين تثير حربا بين السوفيات و الولايات المتحدة لمصلحتها هي التوسّعيّة إلخ .
تختلف الأطروحة السوفياتيّة للإشتراكية ضد الإمبريالية إختلافا طفيفا عن أطروحة خوجا لكونها تؤكّد على أنّ الإتّحاد السوفياتي الإشتراكي العظيم قوّة سلم عالميّة بينما لا يضع خوجا التشديد نفسه على ذلك غير أنّ إستنتاجاته السياسيّة الرئيسيّة مماثلة تقريبا : ما شكّل العالم منذ إنتصار الثورة البلشفيّة هو التناقض بين الإشتراكية و الإمبريالية و الحرب العالمية ليست حقّا في ألفق إلاّ في حالة تسبّب الأغراض الهيمنيّة لبيكين في إندلاعها .
للتشابه بين خطّ خوجا و خطّ السوفيات جذران رئيسيّان . أوّلا ، التحريفيّة هي التحريفيّة . يوظّف السوفيات " الماركسية " لإخفاء هيمنته البرجوازية و المصالح القوميّة و خوجا يقوم بعملية دمج إثنين في واحد مماثل ما يفرز إعادة التشويهات المماثلة للماركسيّة من قبل الخطّين . ( و للسبب ذاته ، يلتقى خطّ خوجا مع خطّ التحريفيين الصينيين و التحريفيين السوفيات أيضا في ما يتّصل بعض المسائل الجوهريّة من مثل الصراع الطبقي في ظلّ الإشتراكية ، فكلاهما مضطرّ إلى رفض إضافات ماو تسى تونغ في هذا المضمار إلخ (85) ) . لكن العديد من الخطوط السياسيّة الخاصة تتقاطع مع خطّ السوفيات و ذلك لأنّ خوجا يعتبر الولايات المتحدة عدوّه الرئيسي بالأخصّ لمساندتها يوغسلافيا التي تمثّل التهديد الأكثر مباشرة لألبانيا و لأنّه يعتبر السوفيات في الوقت الحاضر خطرا أقلّ . خطّ خوجا يبقى الباب مفتوح تماما لتقارب مع السوفيات .
يبدو أنّ إختلافات خوجا السياسيّة مع السوفيات تظهر بصدد مسائل كالتحوّل السلمي إلى الإشتراكية و إعتبار خوجا للاتحاد السوفياتي كبلد غير إشتراكي . لكن في ما يتعلّق بمسألة التحوّل السلمي يرفض السوفيات يوما بعد يوم هذا الشكل التحريفي في عدّة مناطق من العالم كما هو الحال في أفريقيا ، بفعل تفاقم التناقضات بينهم و بين الولايات المتحدة . و بالرغم من كون خوجا يقرّ بأنّ السوفيات يغيّرون من لهجتهم إلى درجة معيّنة بشأن نضالات التحرّر الوطني ، فهو يؤكّد الطابع النقيض للخطّ السوفياتي العام ، مدافعا عن أنّ السوفيات منخرطون في خطّ التحوّل السلمي . و بالنسبة للبلدان الرأسمالية المتقدّمة ، أكيد أنّ التحريفيّون السوفيات سينبذون هذا الخطّ " السلمي " عند إحتدام النزاع بينهم و بين الولايات المتحدة ، على ألأقلّ في البلدان التي يعتقدون أنّ الأحزاب التحريفية تملك إمكانية حقيقية في الصعود إلى السلطة بطرق أخرى ، غير سلميّة . و مثلما ذكرنا مثال أندونيسيا ، فغنّ إنتهازية خوجا تملى عليه تجاهل الصراع الضروري بين الخطّين ضد تحريفيّة " التحوّل السلمي " هذه فغايته هي مهاجمة ما يعتبره من المشاكل الأكثر جدّية على غرار فكر ما تسى تونغ !
و عن الإختلاف حول إشتراكية أو عدم إشتراكية الإتحاد السوفياتي ، أوّلا ، من الممكن جدّا أنّ لا يكون هذا الخلاف عائقا كبيرا في الوحدة بينهما . وقد أكّد السوفيات بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ بإستطاعتهم تحمّل بعض الشتائم طالما أنّ الناس يتموقعون وراءهم حينما يجدون أنفسهم في مواجهة مشاكل ! و مثلما أشرنا ، خوجا يصف بعدُ تخطيطا وفقه ستهاجم الولايات المتحدة ، العدوّ الشرّير رقم 1 ، ألبانيا الخيّر رقم 1 ، و ستلاحق الوكيل نصف التابع للولايات المتحدّة ، الإتحاد السوفياتي .
لكن أبعد من ذلك ، هوس خوجا بالخروتشوفيّة ( ربّما لا يعلم خوجا أنّ خروتشوف أسقطته البرجوازية السوفياتيّة ! ) على أنّها جوهر التحريفيّة السوفياتيّة و تأكيده على طول الكتاب أنّ الإستثمارات الإمبريالية الغربيّة في بلد إشتراكي تمثّل أساسا للرأسماليّة في تلك البلدان يدع المجال مفتوحا لإعادة تركيز الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي ( ليس عبر ثورة بروليتاريّة ) إذا تخلّى عن " التبعيّة " للغرب و رفض الشكل الخروتشوفي للتحريفيّة بصورة أشمل .
و من الأكيد أنّه ليس من العسير جدّا تصورّ وضع يردّ فيه السوفيات الإعتبار لستالين على أنّه " بطل قومي للحرب " ( طبعا لن يستطيعوا أبدا الدفاع عن جوهره الثوري و كذلك لا يمكن لخوجا فعل ذلك ! ) و ينقدوا خروتشوف و سياساته الإستسلاميّة للغرب و تراجعه المعلن عن دكتاتورية البروليتاريا إلخ . و بالفعل ، هناك عديد الدلائل على أنّ ذلك هو بالضبط ما يخطّط السوفيات للقيام به . و بالأخصّ إن أضيف هذا إلى موقف أكثر عدوانية و مناهضة ليوغسلافيا ، من العسير تصوّر ما ستكون الإعتراضات الباقية أمام حصول تقارب سوفياتي – ألباني !
لخوجا فصلان من كتابه يجعلان المرء يفكّر أنّ إعادة تركيز الإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي واردة جدّا ، حسب رأيه . الفصل الأوّل هو ذلك الذى يفسّر فيه خوجا تفسيرا مطوّلا طابع القروض و المساعدات بين البلدان الإشتراكية و إلتزامات " البلدان الإشتراكية التقدّمة إقتصاديّا" . (86) و مع عدم أيّة إلتزامات اليوم ، فإنّه يثير المشكل كما لو كانت له إنعكاسات راهنة . و الفصل الآخر هو ذلك الذى يصرّح فيه خوجا بأنّ أولئك الذين قاموا بأخطاء في الماضي يمكنهم نبذها و العودة إلى الطريق الماركسي – اللينيني و إن لم يبيّن الفصلان بشكل قطعي أنّ خوجا سيتّبع هذا التوجّه – لقد أظهر خوجا أنّ بإمكانه مزج مصالح ألبانيا " الإشتراكية " و رؤيتها مع مصالح و رؤية الإتحاد السوفياتي الإمبريالي دون صعوبة كبيرة – فلن يكون سياسيّأ صعبا جدّا على خوجا أن يعيد تحديد الطابع المهيمن في الإتّحاد السوفياتي إن أصبح ذلك ضروريّا ل " إنقاذ ألبانيا ". و بهذا المضمار من المهمّ الإشارة إلى انّ خوجا يعدّ النظام الذى كان موجودا بالصين في الخمسينات ، في بعض فصول كتابه ، ذا طابع إشتراكي و ذا طابع رأسمالي في فصول أخرى . و لو أمكن للصين في الآن ذاته أن تكون إشتراكيّة و رأسماليّة ، ألن يكون من الممكن للاتحاد السوفياتي أن يكون للاتحاد السوفياتي " طابع مزدوج " ؟ ) .
بالنسبة للشكل ، تحريفيّة خوجا لا لا تعنى في اللحظة الراهنة الإستسلام المفضوح و الشامل أمام الإمبريالية السوفياتيّة كغستسلام التحريفيين الصينيين أمام الولايات المتحدة . لا ، نظرا لحرّية و ضرورة مختلفتين ، إختار خوجا طرحا أكثر " أرثودكسيّة " و في جزء منه يعزى هذا إلى البحث عن أفضل وسيلة لدى المهيمنين في ألبانيا لإقناع الجماهير الألبانية و الأتباع الوفياء لحزب العمل الألباني عبر العالم بأسره . لسنوات كانت ألبانيا جزءا من النضال الأممي ضد التحريفيّة السوفياتية و اليوم تقدّم نفسها كقائدة للنضال ضد التحريفيّة ( و عن كان بالأساس ضد التحريفيّة على الشاكلة الصينيّة و اليوغسلافيّة ما يخوّل لها الإستفادة من هذا . و سيكون من العسير و لا حتّى الكلام عن ، تعليل أن تصبح ألبانيا شرطي مكشوف تابع للسوفيات كما هو الحال بالنسبة لكوبا . ( على أنّه لم يكن من العسير جدّا الإلتجاء إلى الدفاع عن التحريفيين الفتناميين لمّا غزوا كمبوديا ! ) و مرّة أخرى ، مستقبلا و ليس الآن ، قد يهتمّ السوفيات إهتماما كبيرا بألبانيا فيناقشوا معها شروط تبعيّتها الوطنية كما كوبا .
خلاصة القول ، لا تتمتّع ألبانيا بنفس " رأس المال " الذى يتمتّع به الصينيّون كي يبيعوا أنفسهم للإمبرياليين و يصبحوا بصورة أكبر رقما في تقييم الإمبرياليين للوضع العالمي . ( و هذا هو أيضا سبب دفاع الألبانيين دفاعا بشكل ذاتي للغاية عن الإشتراكية " الأخلاقيّة " و عدم التعاطى أبدا مع البلدان الإمبرياليّة . ) إنّهم يكذبون على التاريخ و يسعون إلى تحريف الخطّ اللينيني و تشويهه بإلصاق معنى عدم التعاطى أبدا مع هذه البلدان كما لو أنّ ذلك مبدأ لينيني ، فيما يتعلّق الأمر لا أقلّ من جعل الموقف الذى تجد ألبانيا فيه نفسها عالميّا مبدأ مطلقا .
لكن لا يمكن قيس ما إذا كان خطّ يعكس الإستسلام أمام الإمبريالية بمدى الصدام المباشر للتحريفيين مع قوّة عظمى . بصفة غير مباشرة ، أجل يدافع خوجا إلى حدّ كبير عن وجهة نظر سياسيّة و عن الضرورات السياسيّة للإمبرياليين السوفيات . و بالفعل ، مضمون كلّ العرض الذى يقدّمه خوجا عن الوضع العالمي مماثل تقريبا لعرض السوفيات ، بإستثناء كون خوجا يتقدّم عبر خطّ القوميّة الألبانية الضيّقة ، بينما يقدّم السوفيات الخطّ ذاته بوضوح من وجهة نظر إمبرياليّة لأمّة كبرى . يدافع خوجا عن خطّ تحريفي تماما في محاولة لإجتذاب العديد من الذين عارضوا التحريفية معه طوال سنوات . غير أنّ البروليتاريا قادرة على التمييز بين القوميّة و الأممية و بين الميتافيزيقا و المثاليّة و الجدلية و الماديّة الصحيحتين مهما كان غلاف الفصاحة " اليساريّة " المستخدم لتغطية هذه الإختلافات .
تكتيك خوجا إبّان كتابته " الإمبريالية و الثورة " يذكّرنا بالطاووس . فهو يعرض ببهرج كبير جملا عموميّة عن الصراع الطبقي و الثورة و دكتاتوريّة البروليتاريا و " النقاوة " الماركسية – اللينينيّة ساعيا من وراء هذا العرض اللامع من " الأرثودكسية " المزعومة أن يذرّ الرماد في العيون لكي لا تشاهد حقيقة بعض أطروحاته الأكثر ضررا ، لا سيما هجومه على ماو تسى تونغ . إلاّ انّه بتفحّص مضمون ما يكمن خلف الرّيش و التباهي ، يعثر القرّاء على خليط من الإنتقائيّة المثاليّة و الميتافيزيقا و يمكن إضافة خطاب مزدوج تماما و من الصنف القديم . إذا تمّ إتّباع وصفات خوجا ، سنحصل على طبخة ذات طعم غريب . / .
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
المراجع :
ملاحظتان من المترجم :
1- الإحالات على فصول كتاب أنور خوجا و صفحاته بقيت كما هي وفق الطبعة باللغة الأنجليزية .
2- سعينا وسعنا لتوفير فقرات لينين و ستالين كما جاءت فى الطبعات العربيّة لدار التقدّم موسكو أو غيرها من دور النشر.
----------------------------
1- خوجا أنور ، " الإمبريالية و الثورة " ، ( تيرانا ن، 1979 ) ؛ أنظروا مثلا الصفحة (من هنا فصاعدا ص ) 102.
2- نفس المصدر، ص 291 بالنسبة لما يدّعى أنّه أطروحة لينين عن " توجّهي رأس المال ".
3- خوجا ، ص50
4- خوجا، ص 29
5- خوجا ، ص 379-380 على سبيل المثال .
6- خوجا ، ص 22-23-25-26 على سبيل المثال .
7- خوجا ، ص 116
8- خوجا ، ص 361 ( التشديد مضاف )
9- خوجا ، ص 365
10- خوجا ، ص 130 ( التشديد مضاف )
11- خوجا ، ص 164
12- خوجا ، ص 165
13- خوجا ، ص 171 -172
14- لينين ، " إفلاس الأممية الثانية " ، ص 59 ، الطبعة العربيّة دار التقدّم موسكو .
15- للمزيد حول هذه النقطة ، أنظروا " التطبيع : الصين تلتحق بمعسكر الولايات المتحدة الحربي " في مجلّة " الثورة "، عدد جانفي 1979 . و من أجل تحليل مفصّل أكثر لكيف يعيد التحريفيّون الصينيّون تركيز الرأسماليّة ، أنظروا " تحطيم الاقتصاد الإشتراكي الصيني " في مجلّة " الثورة " ، عدد جوان 1979 .
16- خوجا ، ص 132
17- خوجا ، ص 97
18- لينين ، " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ص100 ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو .
19- خوجا ، ص 158
20- خوجا ، ص 98 -99-130
21- أنظروا مجلّة " ألبانيا اليوم " ، عدد سبتمبر – أكتوبر 1976 ، " ألأزمة الاقتصادية و تفاقم التناقضات في العالم الرأسمالي – التحريفي " ، ص 31-32
22- خوجا ، ص 148
23- خوجا ، ص 268-269
24- لينين ، " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ص159 ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو .
25- خوجا ، ص 22-23 ( التشديد مضاف )
26- خوجا ، ص 25( التشديد مطضاف )
27- خوجا ، ص 25-26
28- خوجا ، ص 25
29- خوجا ، ص 379 ( التشديد مضاف )
30- خوجا ، ص 312
31- خوجا ، ص 12-13
32- خوجا ، ص 26
33- أنظروا " النيويورك تايمز " 23 ماي 1977 ، نص خطاب كارتر .
34- ستالين ، " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي " ( منشورات دار الفرابى ، بيروت 1954 ) ص 40-44.
35- خوجا ، ص 313-314
36- خوجا ، ص 315
37- خوجا ، ص 357
38- خوجا ، ص 311
39- لينين ، " كاريكاتور الماركسية و الإقتصادوية الإمبريالية " المختارات في 10 مجلّدات ، المجلّد 6 ، دار التقدّم ، موسكو ، ص 167 ( التشديد للينين ).
40- نفس المصدر ، ص 168
41- نفس المصدر ، ص 195
42- خوجا ، ص 217
43- خوجا ، ص 261
44- خوجا 263 ، ( التشديد مضاف )
45- مجلّة " الثورة " عدد جوان – أوت 1979 ، " في الردّ على الهجوم الدغمائي – التحريفي ضد فكر ماو تسى تنغ " أنظروا الفصل الأوّل ، لا سيما ص 6-7 و 11
46- المصدر السابق ، ص 7 و 9
47- خوجا ، ص 233
48- مجلّة " الثورة " عدد جوان – أوت 1979 ، " في الردّ على الهجوم الدغمائي – التحريفي ضد فكر ماو تسى تنغ " أنظروا الفصل الأوّل ، لا سيما ص 6-7 و 14
49- خوجا ، ص 202-203
50- تصريح المكتب السياسي للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الأندونيسي ( مقتطفات ) ص 14 ، نشر من جديد ضمن كرّاس " شعب أندونيسيا ، لنتّحد و نناضل من أجل الإطاحة بالنظام "
51- المصدر السابق ، ص 15 ( التشديد مضاف )
52- المصدر السابق ، ص 42
53- خوجا ، ص 109 ( التشديد مضاف )
54- مجلّة " ألبانيا اليوم " عدد 2 ،1979 ، ص 62 ( الترجمة إلى الأنجليزية لنا )
55- ستالين ،" أسس اللينينيّة - حول مسائل اللينينيّة "، دار الينابيع للنشر والتوزيع دمشق ،كانون أوّل 1992، ص 86 .
56- خوجا ، ص 240
57- خوجا ، ص 242
58- خوجا ، ص 242
59- خوجا ، ص 243
60- خوجا ، ص 242
61- خوجا ص 247-250
62- أنظروا " ما العمل ؟ " ، الفصل الثالث ، فقرة ب ،" حكاية كيف عمّق مرتينوف بليخانوف " .
63- خوجا ، ص 253
64- خوجا ، ص 258-259
65- خوجا ، ص 52-53
66- خوجا ، ص 385-388 ( إستشهاد بلينين ضمن إسشتهاد خوجا و التشديد لخوجا .
67- خوجا ، ص 377 ( الجملة الأولى تشديها في الأصل )
68- خوجا ، ص 391-392
69- خوجا ، ص 229
70- خوجا ، ص 258-259 ( التشديد مضاف ) في الفقرة ألولى يستشهد بلينين و التشديد في كتاب خوجا .
71- خوجا ، ص 259-260 ( التشديد مضاف )
72- مجلّة " الثورة " جويلية – أوت 1979 تقدذ/ دليلا مفصّلا عن طريقة إستشهاد غير شريفة و إنتهازية يعتمدها خوجا. أنظروا مثلا ، ص 13- 17 -38 .
73- لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكى " ، دار التقدّم ، موسكو ، ص 69
74- لينين ، " بصدد كرّاس جونيوس " ضمن " كتاب ، " الحروب العادلة و الحروب غير العادلة " ، دار التقدّم موسكو ، ص 61.
75- نفس المصدر ، ص 61-62 . ( التشديد للينين )
76- خوجا ، ص 236-237
77- خوجا ، ص 269-270
78- خوجا ، ص 319
79- انظروا المقالات الثلاثة في مجلّة " الشيوعي " ( المجلّد 1، عدد1 و المجلّد 2 ، عدد 1 و المجلّد 2 عدد 2) التي تتطرّق لجذور الحرب العالمية الثانية و طبيعتها و نتائجها و دور الشيوعيين فيها .
80- خوجا ص 144-145( التشديد مضاف في الفقرة ألخيرة ، إستشهاد لينين تشديده في كتاب خوجا )
81- خوجا ، ص 26 و 28
82- خوجا ، ص 380 ( التشديد مضاف )
83- خوجا ، ص 301 ( التشديد مضاف )
84- خوجا ، ص 186-187 ( التشديد في الأصل للجملة الأولى )
85- أنظروا " الثورة " جويلية – أوت 1979 ، لا سيما ص 38-42 .
86- خوجا ، ص 101.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++