الحرب و النزوح و تحريم زواج المسلمة من المسيحي؟ ما هو مصدره ؟ و على ماذا يستند مرجعيًا منهجيًا و أخلاقيًا؟

عبير سويكت

الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 21:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

‎الحرب و النزوح و تحريم زواج المسلمة من المسيحي؟ ما هو مصدره و على ماذا يستند مرجعيًا منهجيًا و أخلاقيًا؟

‎عبير المجمر(سويكت)

‎كمهتمة بدراسة الفرد والمجموعة وكيفية رصد القضايا الاجتماعية الشائكة في مختلف المجتمعات والثقافات والشعوب، وكمهتمة بصورة أكثر تفصيلاً بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاحظت أن التساؤلات تتكرر وتعيد نفسها خاصة في الجوانب
الدينية مثل زواج المسلمة من المسيحي، وهذا الموضوع قد كتبت فيه العديد من المقالات منذ سنين عدة، يبدو أن هذه القضية ما زالت مثيرة للجدل، دون ذكر الأسماء أو الإشارة إلى تفاصيل عن هوية الشخصية النسائية لدواعي أمنية وتأدباً بآداب وأخلاقيات المهنة، قد طرحت أخت مسلمة من ثقافة عربية سؤالاً طالبةً النصح والاستشارة موضحةً أنها في حالة نزوح نسبةً للحرب التي اندلعت مؤخراً في وطنها الأم، وقد تقدم لخطبتها شاب هو الآخر نازح من الحرب من نفس بلدها، وكعادة وتقاليد مجتمعها يتم السؤال والاستفسار عن المتقدم لخطبة البنت قبل إعطاء رد بالموافقة أو الرفض، وبالفعل قد كان وتم السؤال عن الشاب المتقدم في المنطقة التي نزح منها بسبب الحرب، وكان رد أهالي المنطقة وجيرانه أن الشاب وأهله أناس طيبون وعلى خلق ولم يروا منهم شيئاً سيئاً، لكن لم يتطرقوا قط لموضوع ديانته، وبعد الزواج بيومين اكتشفت الزوجة المسلمة أنها تزوجت من مسيحي مؤكدةً أنه لم يخبرها بحقيقة ديانته ولم يذكر موضوع الديانة، وعندما عرفت بحقيقة ديانته وضح لها أنه يحب دينه المسيحي بشدة وليس على استعداد لتغيير دينه، فكان سؤالها على النحو الآتي: ما هو حكم الدين في زواج المسلمة من المسيحي؟ وهل من المفترض أن تطلقه أم لا على العلم أنه مصرّ على عدم تغيير دينه؟

‎مما لفت انتباهي أمر آخر أنه من ضمن التعليقات على موضوعها هناك من اتهموها بالكذب في ادعاء عدم معرفة حقيقة دين الزوج قبل عقد الزواج موضحين أنه عادةً في الأوراق الثبوتية أو بالتحديد الرقم الوطني هناك خانة مخصصة للديانة توضح ديانة حامل الرقم الوطني، وقد لفت هذا الأمر انتباهي لأنه منذ سنين وأنا أكتب في أهمية إجراء تعديلات تصحيحية في السجل المدني السوداني ولا بد من إلغاء خانة الديانة، وكذلك سبق و لفتنا الانتباه الى اهمية رفع الحظر في جواز السفر الذي ينص على إمكانية سفر حامل الجواز إلى كل أنحاء العالم عدا إسرائيل.

‎و للرد على سؤال هذه السيدة الكريمة المتمثل
‎في:
‎ما هو حكم الدين في زواج المسلمة من المسيحي؟ وهل من المفترض أن تطلقه أم لا على العلم أنه مصرّ على عدم تغيير دينه؟ و للرد على سؤالها نرد عليها بسؤال موازي له: من الذي حرم زواج المسلمة من المسيحي؟ ما هي الشرعية التي يرتكزون عليها في تحريم زواج المسلمة من المسيحي؟ ما هو مصدرهم؟ وهل هو قابل للنقاش أم لا؟ ولماذا يعتقدون في تحريم زواج المسلمة من المسيحي بينما يبيحون ويحلون زواج المسلم من المسيحية؟ ومن مِن حقه أن يتحدث في مثل هذه المواضيع التي تخصنا كأفراد ومجموعة؟ وبناءً على ماذا؟

‎و سنرد على جميع هذه التساؤلات في سلسلة مقالات محورية، يبدو أن من يزعمون أن زواج المسلمة من المسيحي حرام يعتمدون في ذلك على مدى فهمهم لبعض الآيات القرآنية على النحو الآتي: سورة البقرة، 221، وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، ويبدو أنهم يستندون على تحريم زواج المسلمة من المسيحي في اعتقادهم أن المسيحي "مشرك بالله" أي من المشركين الذين يحرم على المسلمين نكاحهم، إذا كان الأمر كذلك، بدءاً قبل أن نخوض في تعريف من هم المشركون؟ الأسهل من ذلك أن نسأل أنفسنا في هذه الآية وصفة "مشركين" وهي جمع وليست مفرد، من المقصود بها ؟رجالاً أو نساءً أو الاثنين على حد سواء؟ وإذا تابعنا في قراءة الآيات حتى نستبين، يتضح لنا أن صفة "المشركين" هنا مقصود بها رجالاً ونساءً على حد سواء، والدليل على ذلك من نص الآية ذاتها في نفس الوقت الذي يحرم فيه القرآن زواج المسلمات من الرجال المشركين وإن أعجبوهن، في ذات السياق يحرم على "الرجال المسلمين الزواج من المشركات وإن أعجبوهم، فإن اعتبرن أن المشركات المقصود بهن النساء من أهل الكتاب أي اليهود والمسيحيين، إذن في هذه الحالة كيف يحلل الإسلام للرجل المسلم الزواج بنساء أهل الكتاب في آيات أخرى المائدة، 5 ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) وفي هذه الآية دليل واضح على تحليل زواج المسلم من نساء أهل الكتاب بل ويصفهم الإسلام بالمؤمنات، فهل الإسلام يناقض نفسه ويصف أهل الكتاب تارة بالمشركين وتارة أخرى يصفهم بالمؤمنين؟ ولكن حقيقة الأمر أن التناقض هو نتاج قراءات الأشخاص المختلفة وتأويلاتهم، ولكن صفة المشركين والمشركات في الإسلام ليس المقصود منها أهل الكتاب، ولكن من أشرك بالله، أما أهل الكتاب فهم موصوفون في الإسلام بالمؤمنين، ولا يمكن أن نفسر أن صفة المؤمنين "يخص بها نساء أهل الكتاب دوناً عن رجالهم"، لأن
‎ ليس في ذلك منطق عقلاني يجعل المرأة من اهل الكتاب مؤمنة بينما الرجل من اهل الكتاب يصنف مشرك غير مؤمن بالله!!!، و عليه بما ان هذه الاية التي يعتمد عليها البعض لتحريم زواج المسلمة من المسيحي لا يمكن اعتمادها لانها لا تتحدث عن اهل الكتاب و لا تخصهم بل تتحدث عن المشركين و آيات اخرى في القران تبين بصورة واضحة ان اهل الكتاب يوصفون بالمؤمنين و كان هناك تأكيد واضح على تحليل زواج المسلم من اهل الكتاب و بذات المستوى لم تذكر و لا آية واحدة تحرم زواج المسلمة من المسيحي. اما الاية الاخرى التي يعتمد عليها البعض في تحريم زواج المسلمة من المسيحي هي الآية 10 من سورة الممتحنة (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)، و هنا حديث عن شريحة النساء في تأكيد على أن علمتموهن مؤمنات مع العلم ان في آيات اخرى اتضح لنا نهج الإسلام في توصيف المؤمن و المؤمنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم من اهل الكتاب المؤمنين. اذن حتي الان ليس هناك نص من القران او السنة يوضح تحريم زواج المسلمة من المسيحي.

‎و نتابع للحديث بقية

#عبير_سويكت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين