المشهد الأشد بشاعة وقذارة في سياسة الولايات المتحدة


سعيد مضيه
2024 / 10 / 25 - 20:48     

القانون الدولي يدين دعم الاحتلال وحروب إسرائيل

الدور الذي لعبته دولتنا في الإبادة الجماعية الفلسطينية يجب أن يهز ضمائرنا ويدفعنا للتشكيك في قيمنا الأخلاقية . هل حقوق الإنسان والعدالة مفيدة للبعض وغير مفيدة لغيرهم ؟ وهل يمكننا الإقرار بتواطؤنا في هذه الإبادة الجماعية والإحجام عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لها؟ يتساءل البروفيسور غاري فيلدز ، أستاذ دائرة الاتصالات بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومؤلف كتاب عن " المناظر الطبيعية الفلسطينية في مرآة التاريخ ":


في توبيخ شديد لدولة إسرائيل، دحضت محكمة العدل الدولية في مذكرتها المؤلفة من 83 صفحة المزاعم الإسرائيلية بأن الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسيطرتها هي "متنازع عليها" وليست محتلة. والأهم من ذلك، قررت المحكمة أن نظام الاحتلال الذي أقامته إسرائيل في هذه المناطق الثلاث، والذي تعتبره "وحدة إقليمية واحدة"، [ص. 27] ينتهك عددًا لا يحصى من مواد القانون الدولي.
بدءًا من القيود المفروضة على الحقوق الأساسية في حرية التنقل، إلى قوانين المرور الخاصة للفلسطينيين، وعمليات الهدم التعسفي والمنهجي لمنازل الفلسطينيين، والتمييز العلني ضد الفلسطينيين كمجموعة، يصنفه رأي محكمة العدل الدولية نمطًا واسع النطاق من الانتهاكات التي ترتكبها دولة إسرائيل باعتبارها قوة احتلال، وتنتهك أبسط حقوق الإنسان للفلسطينيين الذين تحكمهم. وفي الختام، تشير المحكمة إلى أن "الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي المحتلة هو أمر غير قانوني". [ص. 72 وما يليها].
من هذا الحكم، لا تبدو إسرائيل إلا كدولة منبوذة، على غرار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ذلك المنتهك سيئ السمعة لحقوق الإنسان.
ووفقاً للمحكمة، أنشأت إسرائيل في الأراضي الخاضعة لاحتلالها نظاماً من القوانين والسياسات والممارسات أدى إلى الفصل العنصري والمعاملة القانونية التمييزية ضد الفلسطينيين. ومن خلال هذه التدابير، فإن مثل هذا النظام يشبه نظام الأبارنهايد ، أي النظام الذي يُخضع الناس لمجموعات مختلفة من القوانين والسياسات والممارسات وفقا للجنس أو العرق أو الدين.
منذ عدة سنوات، أدانت منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان، إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري.

والآن، ولأول مرة، أكدت المحكمة الدولية التي تفصل في سلوك الدول، هذا الخلاف حول الفصل العنصري الإسرائيلي، حيث كتبت في رأيها "أن التشريعات والتدابير الإسرائيلية تشكل انتهاكاً للمادة 3 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" [الاتفاقية للقضاء على الفصل العنصري]. تشير المادة 3 من الاتفاق إلى عدم شرعية "الفصل العنصري والأبارتهايد، وتلزم الدول الموقعة على الاتفاقية "بالتعهد بمنع وحظر واستئصال جميع الممارسات من هذا النوع". [ص. 64-65] خرق المادة 3 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري يعني أن البلاد تنتهك الاتفاقية الدولية بشأن الفصل العنصري والأبارتهايد.
بلا شك يعتبر هذا الجزء من حكم محكمة العدل الدولية الأ شد إحراجا للولايات المتحدة. إذا كانت إسرائيل، وفقًا للسلطة القانونية الدولية البارزة في العالم، قد دخلت المنطقة القانونية التي كانت تحتلها جنوب إفريقيا ذات يوم، فإن أعضاء الهيئة الدولية الخاضعين لولايتها القضائية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمون بعدم مساعدة وتحريض مثل هذا النظام كما كان الحال مع جنوب أفريقيا. أمريكا متورطة بعمق في عمليات الإبادة الجماعية المحتمل التي يرتكبها نظام االأبارتهايد حاليا . وفي الوقت نفسه، هناك مشكلة أكثر إلحاحاً، وأكثر إثارة للقلق في العديد من النواحي بالنسبة للولايات المتحدة.
خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المحاصر، المشرعين في الولايات المتحدة، بالكونجرس. قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذا الدور في مناسبات متعددة ، وكما في الاستعراضات السابقة، تم تكريمه من قبل مجموعة من المشرعين المعجبين والمطيعين في الغالب الذين منحوه مكانة قدسية مع تصفيقات متعددة ودعوات استحسان صاخبة؛ وفي هذا قدر من القذارة . تخيل أن زعيم دولة يحمل الآن التصنيف القانوني لنظام منبوذ ومنتهك لاتفاقية الفصل العنصري، وهو على رأس جيش يرتكب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة - مع احتمال ان تسلط على رأسه تهمة مجرم حرب – يتم الاحتفاء به والتصفيق له كما لو كان الأم تريزا. ومن الصعب أن نتصور مشهدا أشد بشاعة.
أخيراً، تشكل هذه الدعوة الموجهة إلى الزعيم الإسرائيلي والعلاقة مع إسرائيل بشكل عام مشكلة شائكة بالنسبة للمرشحة الديمقراطية لمنصب الرئاسة.
كامالا هاريس محامية ومدعية عامة سابقة. لا شك أنها مطلعة على الأقل على الخطوط العريضة للتشابكات القانونية التي تجتاح الآن أقوى حلفاء أميركا. كمدعي عام، تبدو هاريس متأكدًة من فهم عواقب مساعدة وتحريض الكيانات والأفراد المصنفين كمجرمين. في أوقات معينة، أظهرت نائبة الرئيس أن لديها حقا ضميرًا وبعض التعاطف تجاه أولئك الذين تخلى عنهم الحظ السعيد. ومع ذلك، فيما يتعلق بالأبعاد الأخلاقية للمجزرة الجارية حاليا في غزة، التزمت كامالا هاريس الصمت إلى حد كبير؛ وفي الأيام الفادمة سيتم اختبار ضميرها وحسها الأخلاقي مثلما حدث في المشهد الاستعراضي بالولايات المتحدة. ينعقد الكونجرس استباقا لشهر نوفمبر، وربما في المستقبل أيضًا إذا توافق القدر والحظ بطريقة معينة.

المليارت لحروب إسرائيل والحروب العدوانية الأميركية وتقتير على الضرورات الحياتية للأميركيين

تقدر تكاليف الحرب طبقا لإحصائية جامعة براون أن الولايات المتحدة انفقت، خلال العام الماضي، ما لا يقل عن 22.76 مليار دولار؛ وهناك تكاليف عدوان إسرائيل على غزة وغيره من العمليات العسكرية التي ستقوم بها الولايات المتحدة في المناطق المحيطة. في شهر أغسطس/آب الماضي، وافقت إدارة بايدن على مبيعات أسلحة إضافية لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار.
يضاف لهذا كله 3.8 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة على شكل أسلحة ترسلها إسرائيل بالفعل مساعدات عسكرية كل عام. يمكن لنفس لهذا المبلغ وحده- 3.8 مليار دولار سنويًا - وفقًا لمشروع الأولويات الوطنية، سداد تكاليف 29,915 ممرضًا مسجلاً، أو 394,738 وحدة سكنية عامة، أو 39,158 معلمًا في المدارس الابتدائية،
مع استمرار انهيار شبكة الأمان الخاصة، كما تبين في مرحلة ما بعد كورونا، أصبح المزيد من الناس غير قادرين على تحمل تكاليف السكن والرعاية الصحية والبقالة والتعليم وغير ذلك من الضروريات الأساسية. وما يزيد من تفاقم هذه التحديات أن المزيد من الدول تكافح الكوارث المناخية. ونحن بحاجة ماسة إلى تلك الأموال في الداخل، وليس لتمويل الحروب و انتهاك القانون بالخارج.
ومع ذلك، فإن العديد من المسؤولين المنتخبين لدينا يفضلون دعم المجمع الصناعي العسكري بدلاً من دعم ناخبيهم. و مثالٌ صارخ بشكل خاص، ظهر السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام مؤخرًا على قناة فوكس نيوز يطالب بمساعدات أمريكية إضافية من الأسلحة لإسرائيل، وذلك بعيد إعصار هيلين، الذي دمر ولايته كارولينا الجنوبية.
فوق مجرد الإحصائيات والقانون والسياسة، فإن الدور الذي لعبته دولتنا في الإبادة الجماعية الفلسطينية يجب أن يهز ضمائرنا ويدفعنا للتشكيك في قيمنا الأخلاقية . هل حقوق الإنسان والعدالة مفيدة للبعض وغير مفيدة لغيرهم ؟ وهل يمكننا الإقرار بتواطؤنا في هذه الإبادة الجماعية والإحجام عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لها؟
.