أكاد لا أُصدق ان الهرم الخامس مات


عصام محمد جميل مروة
2024 / 9 / 29 - 18:31     

من حوزة النجف في العراق او من حوزة قم في طهران او من مدرسة ولاية الفقيه ، فكان التكوين الثوري والفكري الثقافي يتنامى لدى السيد الثابت الذي لم ولن يزيح عن خط ونهج الإمام الحسين الذي انتفض ضد الظلم دعماً للمظلوم ، بناءً على نظرية الامام الاكبر و امير المؤمنين علي إبن ابي طالب عندما تعرض للإغتيال وكان ما زال لَهُ قدرة على التحدث قليلاً فجاد بما يُمليه ضميره وشعوره واحساسهِ بدنو الاخرة فقال لأبناءه الحسن والحسين بالحرف "" كونا عوناً للمظلوم على الظالم "" ، القوة تُحفز على إنتباه العدو مهما كان يحمل غطاءً دولياً كما تجلى في اروقة اهم مراكز المخابرات في العالم ، البنتاغون ، الكنيسيت ، ال سي أي إيه ،الموساد ، واجهزة مخابرات فرنسا وبريطانيا ودول اخرى تُعتبرُ مناصرة ،وغير مُعادية لخط المقاومة والممانعة ، التي قادتها طِوالاً ايران وما زالت ، روسيا ، والصين ، كان نمو سماحة السيد حسن نصرالله يتعافى ويتنامى ويظهر الى البزوغ في لغة ثوريَّة غير مسبوقة على ارض لبنان والجوار مباشرة بعد وصول اول اجتياح اسرائيلي واحتلال عاصمة عربية ، فكانت بيروت هي المُستهدفة لأسباب جوهريه اولها طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وهذا ما حصل بالضبط في الايام الاولى لخروج مجموعة من المجاهدين الذين ساهموا بطريقةٍ ما او بأخرى في شن هجمات ضد تجمعات قوات المارينز الامريكية قرب مطار بيروت المُطِلُ على ضاحية الفقراء والمقاومة حيثُ برزت تلك العمليات كدليل قاطع على ملاحقة المجرمين الذين رافقوا الجيش الاسرائيلي واعتقدوا ان نهاية المقاومة هي واقعة بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، فكانت افكار حزب الدعوة الذي فتح طريقًا مهما لدور المقاومة غداة تأسيس حزب الله اللبناني في اواسط الثمانينيات ، وكان سماحة السيد حسن نصرالله قد ساهم في تعزيز العلاقات بين المقاومين واتخذ مكاناً مهماً بعد عودتهِ الى لبنان من رحلة الابحاث في خبايا الافكار الجهادية التي خولتهُ وحولته الى قائداً ميدانياً بين الجميع ، ارض الجنوب وثكنات عسكرية تابعة للمقاومة كانت شاهدة على كل رحلة هنا او هناك في معسكرات التدريب الذي ساهم السيد حسن مع الاعزاء والاخوة الكبار الذين ساهموا في جعل حزب الله مشروع مقاومة لا يتراجع مهما تبدل الوقت والمكان ، فكان اول امين عام الحزب فضيلة الشيخ صبحي الطفيلي الذي كان واضحا ً مباشرة بعد تأسيس اعادة انتخابات اولى لبنانية رسمية بعد نهاية الحرب وكان اتفاق الطائف 1989 ترك او لم تتمكن الحكومة اللبنانية في تحديد حرية عمل المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان لأن من حق لبنان أن يدافع عن الجنوب فكان حزب الله بالمرصاد ، ومن ثم تم عودة السيد عباس الموسوي الذي حًَل مكان الشيخ صبحي الطفيلي ، فكانت النتيجة مهمة واثارت محاذير عدوانية كبيرة ضد إسرائيل والعملاء في الجيب الجنوبي الملاصق للحدود .
ولم يتراجع السيد عباس حينما كان مقاتلاً شرساً وخطيباً على منابر الجنوب والبقاع وبعلبك والهرمل ورفع من منسوب التحريض ضد الاحتلال الصهيوني ودعوة الشباب اللبناني الانخراط في المقاومة الاسلامية التي ابدت بلاءاً حسناً في شن غارات وعمليات ضد الاحتلال ، وكان بعد عودتهِ من مهرجان تشييع احد الشهداء في بلدة جبشيت الجنوبية القريبة من تواجد الاحتلال ، وكانت طائرات اسرائيلية لاحقته بعد نهاية المشاركة وتم اغتياله مع مجموعة قليلة من المرافقين اثناء توجههِ وعودته الى عرين الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية. لكن السيد حسن نصرالله كان من الخطباء واصحاب نهج مثير للجدل في إستقطاب المستمع اليه اثناء الرثاء ، واطالة فترة خطاباتهِ التي تُحسس المستمع كأنهُ يتلقى دعوة من القلب الى العقل في الانضمام الى افواج المقاومة واعتبار اليوم الاول بعد الانتساب بمثابة مشروع شهادة على درب الاحرار والثوار الرافعين قبضاتهم وسبباباتهم قسماً لا تراجع عنهِ في المسيرة ضد إسرائيل. لكن تسارع الاحداث وانخراط العمل السياسي في الداخل اللبناني جعل من حزب الله المساهمة في احياء مشروع الدولة من جهة ، وكانت سيادة الدولة ربما تختلف بعيداً عن حرية عمل المقاومة والجيش والشعب التي وصلت وصاياها بعد عدوان تموز عام 2006 الذي غير وجه الصراع ما بين المقاومة وإسرائيل. والمعهود ان سيد المقاومة لا ينقطع عن الجمهور حينما انغمس لبنان غداة مراحل عديدة في التخبط للمواقف السياسية والانشقاقات التي ساهمت في فتح كوة عبر جدار التحالف مع بيئة المقاومة والابتعاد عنها منذ اغتيال الشيخ رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان في 14 شباط 2005 ، وبداية انسحاب الجيش السوري من بيروت وتشكيل اقطاب "" 14 اذار وثورة الارز الموالية للغرب ولدول عربية تُعادى ايران وتوسعها - وحلف 8 اذار تحت لواء المقاومة المستمدة دعمها عبر ايران العراق سوريا وصولاً الى عرين حزب الله في الضاحية "" .
و سُجِل مُذاك حضوراً اسبوعياً للسيد حسن نصرالله كونه المسئول الاول والاخير عن قيادة المعارك على اكثر من صعيد ، وغداة عدوان تموز وخطابه الاول الذي اشار بسبابتهِ في النظر مباشرة وعلى الهواء الى صواريخ انطلقت ضد الفرقاطات العسكرية الصهيونية مقابل شواطئ بيروت ، وكانت تلك الواقعة دونت و حفرت تأجيجاً لافتاً مكونة علاقة عاطفية غير مسبوقة في تاريخ النزاع العربي الاسرائيلي وانتشرت خطبتهِ كالنار في الهشيم على مدار واسع داخل كامل الدول العربية والاسلامية ، وكانت إسرائيل وجهت انذارات متعددة ورسائل لم يعتادها القادة ألعرب من قبل في تهديد مباشر وشخصي لإغتيالهم ، رغم كل المراحل والتواريخ السابقة والتهديدات لم يتراجع عن خوضهِ غمار التواصل مع عائلات الشهداء والمناسبات الدينية خصوصاً ملحمة عاشوراء فتعرف من خلال خطاباتهِ الجيل الصاعد من ابناء ألشعب اللبناني الذي عاني الامرين من الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان ، وكانت الضاحية الجنوبية مقراً وممراً لكل مجاهد قابل للاستمرار في مقاتلة هذا الوحش الصهيوني. وسُجل للسيد حسن نصرالله موقفاً مُغايراً بعد ابلاغه انه ارتفع الى رتبة والد شهيد بعد نبأ استشهاد ابنهِ هادي نصرالله على درب القدس والتحرير في نيسان 1997 - لكن عزيمة السيد وكظمه الغيظ الإيجابي ، وإخفاء الحزن وهذا حقاً طبيعياً وابوياً كان دافعاً في رفع الصوت عالياً بعد كل اشتراكه في رسائل متلفزة عن تشييع الشهداء .ربما الحرب الحالية التي ساهم سيد المقاومة في التأسيس لها في مد ودعم الحركات الاسلامية والممانعة داخل بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء إلتحاماً مع الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس الذي كان شاهداً على درب القدس .
السيد حسن لا ينقطع ولا يتأخر عن قيادة المعركة .
قالوا المقربين جداً من فريق عمله اليومي انهُ مُبتسم و مُمازحاً ويتذكر كل اخٍ واخت منذ بداية انطلاق حزب الله ولهُ مزاج في متابعة الحلقات الثقافية التي تهتم بالشعر والادب اللبناني والعربي وإن كان المكشوف من اطلالاته التلفزيونية بعد كل خضّة ومحنة فكان موقفه جديراً بإحترام البيئة التي يتحدث بإسمها .
ماذا أحدثكم عن سيد المقاومة ، إنهُ محبوب الجماهير التي قالت عَنْهُ وليٌ و فقيه ومحاضر مُلفت في اقناع الاخر عن بُعد ، انهُ الفتى الوسيم الخجول الذي خرج نازحاً مع اهلهِ من برج حمود الكرنتينا والنبعة ، وكانت عائلته نازحة من جبل عامل في البازورية ، ايام انقسام بيروت مطلع الحرب الاهلية 13 نيسان 1975 ، كان شجاع ، كان ذكي ، كان مؤمن ، كان لماح من غير غضب ، كان مُلهم من الداخل قبل بروز دوره قائداً إستولى على قلوب الملايين ، حينما كان مُعلماً وموجهاً ومقدامًا .
جذور الاصالة يا ابو هادي كانت بوادرها وبشائرها لا تحتاج الى تفصيل ممل دلالة عن دورك المجيد في لهجة محاكاة مَنْ يستمع اليك وكأنك جالساً معهُ بمفردك ، سيدي ومولاي يعجز اللسان عن تطيب خواطر الملايين الذين استمتعوا بسموَّ وعذوبة لهجتك المسموعة والمرئية والمقروءة عبر جلوسك خلف الكواليس لإيصال فكرة المقاومة في تحديدها اما النصر المُبين المؤكد - او الشهادة وإن نلتها الأن سوف تكون وساماً على محراب مقامك الابدي الذي نحتاج الى زياراتهِ لاحقًا للتعلم والاستلهام من صبرك الفياض الذي قل نظيرهُ في قادة العصر الحديث .
اخيراً اتصورك واتخيلك تطلب وباللهجة المحكية اللبنانية "" لفوَّلي عروسة زعتر وصبولوي كباية شاي - بعد جفاف ونشفان ريقك مَنْ طيلة ساعات الاجتماعات وإن كانت خواتمها وصلت اصداؤها الى ما وراء التوقعات "" .
قضية السيد حسن طائرة وعابرة فوق بساط الريح .
إنك الشهيد الحى .
انك موجود في دواخلنا وفي الأجنه التي سوف تتوالد وتسأل عن عطر سيرتك وشهامتك وتضحيتك .

عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 29 ايلول - سبتمبر / 2024 / ..