حول كتاب كارل ماركس -المسألة اليهودية- وأحداث الحاضر
خليل اندراوس
2024 / 9 / 27 - 16:44
كتاب كارل ماركس عن المسألة اليهودية كتبه في عام 1843 ونشر لأول مرة عام 1844 في باريس تحت عنوان ألماني ZUR JUOENFRAGE في جريدة تسمى الحوليات الألمانية الفرنسية.
هذا الكتاب يعتبر ردا على برونو باور الذي استنكر على اليهود الألمان مطالبتهم بالتحرر، بينما الشعب الألماني كان يعاني الاستبداد الطبقي والاستغلال وحكم وسيطرة طبقة رأس المال. برونو باور طرح على اليهود ضرورة تخلصهم من يهوديتهم وتخلص الانسان بشكل عام من الدين. وكانت إجابة ماركس لبرونو باور بأن الحل لا يمكن في تخلي الناس عن الدين بل في تحرر الدولة وانعتاقها من الدين حتى ان كانت غالبية الشعب متدينة.
كانت "المسألة اليهودية" والتي كان يشار اليها باسم "المشكلة اليهودية" عبارة عن نقاش واسع النطاق في المجتمع الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين يتعلق بالوضع والمعالجة المناسبين لليهود في المجتمع.
استخدم مصطلح "المسألة اليهودية" لأول مرة في بريطانيا العظمى حوالي عام 1750 عندما ظهرت عبارة "المسألة اليهودية" خلال مناقشات مشروع القانون اليهودي في عام 1753. تمت مناقشة "المسألة اليهودية" مرة ثانية في فرنسا بعد الثورة الفرنسية ووصل هذا النقاش الى المانيا في عام 1843 عن طريق برونو باور الذي قال بأن اليهود لا يستطيعون تحقيق التحرر السياسي الا اذا تركوا وعيهم الديني لأن التحرر السياسي يتطلب دولة علمانية. وهو ما لا يفترض ان يترك اية "مساحة" للهويات الاجتماعية كالدين. ووفقا لباور المطالب الدينية تتعارض مع فكرة "حقوق الانسان" فالتحرر السياسي الحقيقي عند الفيلسوف برونو باور يتطلب الغاء الدين.
رد كارل ماركس على برونو باور في مقالته حول المسألة اليهودية في مقالة كتبها عام 183 وتم نشرها عام 1844، حيث تناقض موقف ماركس مع رأي باور بأن طبيعة الدين اليهودي تمنع استيعاب اليهود، وبدلا من ذلك ركز كارل ماركس على الدور الاجتماعي والاقتصادي المحدد للجماعة اليهودية في أوروبا- والذي حسب رأي ماركس- ضاع عندما استوعبت الرأسمالية الأساس المادي لليهودية، المجتمعات الأوروبية ككل.
وقال ماركس في مقاله هذا بأن برونو باور مخطئ في افتراضه انه في "الدولة العلمانية" لن يلعب الدين دورا بارزا في الحياة الاجتماعية، وعلى سبيل المثال، يشير الى انتشار الدين في الولايات المتحدة، والتي – على عكس روسيا- ليس لديها دين للدولة، ففي تحليل ماركس الدولة العلمانية لا تعارض الدين، ولكنها في الواقع تتطلب ذلك. فبموجب الطرح الماركسي فان إزالة المؤهلات الدينية أو الملكية للمواطنين لا يعني الغاء الدين أو الملكية، وانما يقدم فقط طريقة للتعامل مع الأفراد في التجرد منهم.
ويخلص ماركس ويقول: في حين يمكن للأفراد أن يكونوا "روحيا" و "سياسيا" أحرارا في دولة علمانية، إلا أنهم لا يزالون ملزمين بالقيود المادية على الحرية بسبب عدم المساواة الاقتصادية، وهذا الطرح الماركسي شكل لاحقا أساس انتقاداته للرأسمالية.
ويستمر ماركس ويقول في كتابه عن "المسألة اليهودية": أما الدولة الديمقراطية، الدولة الحقيقية فهي لا تحتاج الى الدين من أجل اكتمالها السياسي. وأكثر من ذلك فهي تستطيع أن تطرح جوانب كثيرة من الدين، لأن الأساس الإنساني للدين متحقق فيها بطريقة دنيوية، وعلى العكس يقف ما يسمى بالدولة المسيحية موقفا سياسيا إزاء الدين ودينيا إزاء السياسة. وحين تحط هذه الدولة من الاشكال السياسية ظاهريا فانها تحط من الدين ظاهريا بنفس القدر.
ويقول: التحرر السياسي من الدين يدع الدين قائما ولكن دون امتيازات. ان التناقض الذي يجد تابع دين معين نفسه فيه مع كونه مواطن دولة ما هو الا جزء فقط من التناقض الدنيوي العام بين الدولة السياسية والمجتمع البرجوازي. واكتمال الدولة المسيحية هو الدولة التي تقر بكونها دولة وتنفصل عن دين أعضائها. وتحرر الدولة من الدين ليس هو تحرر الانسان الحقيقي من الدين. ان امتياز العقيدة هو حق عام من حقوق الانسان"، "ان تحرر اليهود هو في معناه الأخير تحرر البشرية من اليهودية.
كتب باور في كتابه "المسألة اليهودية" ص 114 يقول: ان اليهودي الذي لا يقبل في فيينا مثلا الا على مضض، يتحكم من خلال سلطته المالية بمصير المملكة كلها. واليهودي الذي يمكن ان يكون بلا حقوق في أصغر دولة المانية يقرر مصير أوروبا. وبينما تبقى الطوائف المهنية والروابط مقفلة امام اليهودي او لا تميل اليه، تسخر شجاعة الصناعة من تعنت مؤسسات القرون الوسطى ويجيب ماركس في كتابه حول المسألة اليهودية على طرح باور ويقول: ليست هذه حقيقة وحيدة، لقد تحرر اليهودي على الطريقة اليهودية، ليس فقط بامتلاكه سلطة المال وانما أيضا بأن اصبح المال من خلاله وبدونه سلطة عالمية. وأصبحت روح اليهودي العملية الروح العملية للشعوب المسيحية. لقد تحرر اليهود بالقدر الذي اصبح فيه المسيحيون يهودا. (وفي عصرنا الحالي أصبحت طبقة رأس المال العربي الوسيط الكومبرادوري الحاكمة في الاستبداد الرجعي العربي لا بل الأمريكي صهيونية اكثر من الصهاينة).
ويكتب ماركس ويقول بأن العقيد هاملتون روى على سبيل المثال: ان ساكن إنكلترا الجديدة الورع والحر سياسيا هو نوع من الكاهن لاوكون، الذي لا يبذل اقل جهد ليتحرر من الافاعي التي تلتف حوله. ان عبد المال هو وثنها، انها لا تصلي له بالشفاه وحدها وانما بكل قوى اجسامها ومشاعرها. ليست الأرض في نظرها سوى بورصة، وهي مقتنعة ات لا قدر لها في هذه الدنيا سوى ان تصبح اغنى من جيرانها. لقد سيطرت التجارة على جميع افكارها، وأصبحت تسليتها الوحيدة تغيير الأشياء. تحمل حين تسافر امتعتها التافه أو مكتب تجارتها على ظهورها. ولا تتحدث عن شيء غير الفوائد والأرباح. واذا غابت تجارتها عن أعينها لحظة فانما يحدث ذلك فقط لتتجسس على الآخرين. (وهذا ما يقوم به الاخطبوط الصهيوني العنصري الشوفيني في عصرنا الحاضر الذي نشر جواسيسه حول العالم وخاصة في العالم "العربي" وما جرى في لبنان في الفترة الأخيرة لأكبر مثل على ذلك).
ويتابع ماركس ويقول: نعم لقد بلغت سلطة اليهودية (في عصرنا الحاضر الصهيونية خ.ا.) على العالم المسيحي في أمريكا الشمالية التعبير الطبيعي الذي لا لبس فيه حتى ان التبشير بالانجيل نفسه ووظيفة التبشير المسيحي اصبحا بضاعة يتاجر بها، والتاجر المفلس في الانجيل يفعل ما يفعله الإنجيلي الذي اصبح ثريا في التجارة، وكما كتب برونو باور فانه لوضع كاذب ان تحجب عن اليهودي الحقوق السياسية على الصعيد النظري، وبينما يملك في الواقع العملي قوة هائلة ويمارس تأثيره السياسي الكبير حتى لو كان محددا في التفاصيل (برونو باور المسألة اليهودية ص 114)، وهذا ما تقوم به الحركة الصهيونية العالمية واكبر مثل على ذلك منظمة ايباك، وهكذا أصبحت رأس الأفعى الولايات المتحدة عبارة عن ذنب لا بل مؤخرة تخدم الصهيونية العالمية، واليمين العنصري الشوفيني الإرهابي في إسرائيل التي تقوم بحرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وتقوم بالإرهاب الصهيوني في الضفة الغربية وبدعم لا بل وبمشاركة أمريكا مباشرة حيث قامت الولايات المتحدة – الشيطان الأكبر بامداد إسرائيل بكل أنواع السلاح وبمليارات الدولارات. ومنظمة ايباك اكبر مثل على ذلك.
ويستمر ماركس في كتابه "المسألة اليهودية" ويقول: ان التناقض بين السلطة السياسية العملية لليهودي وحقوقه السياسية هو التناقض بين السياسة وسلطة المال بشكل عام. فينما تحتل الأولى نظريا مكانا فوق الثانية، فانها في الواقع مستعبدة لها. (وفي عصرنا الحاضر ما حدث من استقبال رسمي في الكونغرس لرئيس حكومة إسرائيل اليميني المتطرف لأكبر دليل على ذلك).
ويستمر ماركس ويقول: لقد عاشت اليهودية الى جانب المسيحية ليست فقط كنقد ديني للمسيحية، ليس فقط كشك متضمن في الأصل الديني للمسيحية، وانما أيضا لأن الروح العملية اليهودية، لأان اليهودية بقيت في المجتمع المسيحي نفسه وحصلت حتى على أعلى نمو لها. فاليهودي الذي يعتبر عضوا خاصا في المجتمع البرجوازي ليس سوى الظاهرة الخاصة ليهودية المجتمع البرجوازي (وفي عصرنا الحاضر العصر الامبريالي اصبح العالم البرجوازي الغربي الامبريالي يخدم الأيديولوجية الصهيونية ويخدم اليمين الصهيوني في إسرائيل خ.ا.). ويستمر ماركس ويقول: لقد بقيت اليهودية ليس رغما عن التاريخ وانما من خلال التاريخ. فالمجتمع البرجوازي يولد من احشائه الخاصة اليهود دون انقطاع. ما هو أساس الدين اليهودي في ذاته؟ الحاجة العملية، الأنانية. ومن هنا فان توحيد اليهودي هو تعدد الالهة بتعدد الحاجات، وهو تعدد آلهة يجعل من بيت الخلاء نفسه موضوعا للقانون الالهي، الحاجة العملية، الانانية، هي مبدأ المجتمع البرجوازي، وتبرز على هذا النحو حالما يكون المجتمع البرجوازي قد أتم ولادة الدولة السياسية. إن إله الحاجات العملية والمصلحة الذاتية هو المال. المال هو إله إسرائيل المتحمس الذي لا ينبغي ان يوجد امامه إله أخر. يحط المال من قيمة جميع ألهة الانسان الأخرى ويحولها الى سلعة. المال هو القيمة العامة القائمة بذاتها لجميع الأشياء. ومن هنا فقد نهب من العالم كله، عالم الانسان والطبيعة قيمته الخاصة. المال هو الجوهر الغريب عن الانسان وعمله ووجوده، وهذا الجوهر الغريب لا يسيطر عليه وحسب، وانما يجعله يعبده. لقد أصبح إله اليهود دنيويا، وصارت الصيرفة هي الإله الحقيقي لليهودي. إله هو الصيرفة الوهمية وحسب. ويستمر ماركس ويقول: إن ما هو مجرد في الدين اليهودي هو احتقار النظرية والفن والتاريخ والانسان كغاية بحد ذاتها وهذا هو الموقف الحقيقي الواعي، فضيلة انسان المال. أما علاقة النوع ذاتها، العلاقة بين الرجل والمرأة.. إلخ فانها تصبح موضوعا للتجارة! تصبح المرأة بضاعة يتاجر بها. ان القومية الخرافية لليهودي هو قومية التاجر، انسان المال بشكل عام". وقانون اليهودي الذي لا أساس له ليس سوى الكاريكاتير الديني للأخلاقية التي لا أساس لها وللقانون بوجه عام وللطقوس الشكلية وحسب، تلك التي يحيط عالم المنفعة الذاتية نفسه بها. ان اليعقوبية اليهودية، اليعقوبية العملية نفسها التي يحيلنا باور اليها في التلمود، هي علاقة عالم المنفعة الذاتية بالقوانين السائدة فيه والتي يشكل الالتفاف الذكي عليها الفن الرئيسي في هذا العالم بلغت اليهودية نقطة الذروة باكتمال المجتمع البرجوازي، لكن المجتمع البرجوازي لا يكتمل الا في العالم المسيحي.
في ظل المسيحية فقط، التي تجعل جميع العلاقات الوطنية والطبيعية والأخلاقية والنظرية شيئا ظاهريا بالنسبة للإنسان استطاع المجتمع البرجوازي ان ينفصل عن حياة الدولة انفصالا تاما ويمزق جميع روابط النوع ويضع الانانية وحاجة المنفعة الذاتية مكان رابطة النوع ويحل عالم الانسان في عالم من أفراد مفتتين يعادي بعضهم بعض. لقد انبثقت المسيحية من اليهودية، ثم عادت وذابت في اليهودية. وهذا ما يجري في عالمنا المعاصر وخاصة في الولايات المتحدة حيث اصبح عدد كبير من الكنائس كنائس مسيحية صهيونية واكبر مثل على ذلك الكنائس الافنغالية وكنائس المحافظون الجدد كهنة الحرب، وكذلك اصبح غالبية الشعب في إسرائيل كالقطيع الذي يغطي وجهه بقناع الايدلوجية الصهيونية العنصرية الشوفينية ولا يرى الواقع. لا يرى ولا يعترف بتاريخ وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني لا بل يرتكب جرائم الحرب يرتكب حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، ولا يرى بأن السلام العادل والدائم هو خلاص وسلام ومستقبل مشترك لكلا الشعبين على ارض السلام على ارض فلسطين.
لقد أعاد الغرب الامبريالي منذ تشرتشل لا بل وقبله الكرة الى يد اليهودية الصهيونية وفي الوقت الحاضر خاصة الآن أصبح الغرب الامبريالي وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا "كرة" لا بل مؤخرة بيد الصهيونية العنصرية الشوفينية العالمية.
ويستمر ماركس ويقول: حالما ينجح المجتمع في التغلب على الجوهر العملي لليهودي، على التاجر وشروطه، يصبح وجود اليهودي مستحيلا، لأن وعيه لا يعود يملك موضوعا، ولأن القاعدة الذاتية لليهودية، وهي الحاجة العملية قد اتخذت طابعا إنسانيا، لأن النزاع بين الوجود الفردي المحسوس وبين وجود النوع البشري قد ألغي. إن التحرر الاجتماعي لليهودي هو تحرر المجتمع من اليهودية.
وأريد أن أنهي مقالي بتعليق على ما كتبه برونو باور وهو: ليس ثمة من هو متحرر سياسيا في ألمانيا. نحن أنفسنا لسنا أحرارا، فكيف نستطيع تحريركم؟ أنتم اليهود أنانيون. حين تطالبون لأنفسكم كيهود بانعتاق خاص، عليكم أن تعملوا كألمان من أجل انعتاق المانيا السياسي، وكبشر من اجل الاعتاق البشري. وألا تشعرون أن النوع الخاص لاضطهادكم ولذلكم استثناء عن القاعدة، وانما هو تأكيد لها. أم ترى أن اليهود يطالبون بالمساواة مع أبناء الرعية المسيحيين؟ إنهم يعترفون بذلك بشرعية الدولة المسيحية وطبقا لذلك بسلطة الاستعباد العام. لماذا يستهجنون نيرهم الخاص اذا كان النير العام يعجبهم! لماذا ينبغي للالماني ان يهتم بتحرير اليهود اذا كان اليهودي لا يهتم بتحرير الألماني؟ لا تعترف الدولة المسيحية إلا بالامتيازات، واليهودي يملك فيها امتياز كونه يهوديا. وله كيهودي حقوق ليست للمسيحيين. فلماذا يطالب بحقوق ليست له، يتمتع بها المسيحيون! حيث يريد اليهودي التحرر من الدولة المسيحية فانه يطالب ان تتخلى الدولة المسيحية عن حكمها الديني المسبق؟ أفيكون من حقه ان يطلب من غيره ان يتخلى عن الدين؟
لا تستطيع الدولة المسيحية تبعا بجوهرها ان تعتق اليهودي، ولكن لا يستطيع اليهودي أيضا من حيث جوهره أن ينعتق، كما يضيف باور. طالما بقيت الدولة مسيحية واليهودي يهوديا فان كليهما على السواء غير قادر على التحرر أو تلقيه.
ويهودية دولة إسرائيل التي تدعي الديمقراطية لا تستطيع ان تحرر الشعب الفلسطيني ولا ان تتلقى الحرية. دولة تمارس الاحتلال والاستيطان وتقوم بحرب إبادة الشعب في غزة هي غير ديمقراطية، لا بل دولة تمارس سياسات التمييز العنصري الشوفيني المتغطرس وديماغوغيا تدعي الديمقراطية. ووصف اسرائيل انها دولة يهودية، هو تعبير عن الدولة غير المكتملة. والدين بالنسبة لها تكملة وعلاج لنقصها، من هنا يصبح الدين بالنسبة لإسرائيل تكملة وعلاج لنقصها، ويصبح الدين بالنسبة لها لإسرائيل بالضرورة وسيلة، وهي دولة النفاق. أما الدولة الديمقراطية، الدولة الحقيقية فهي لا تحتاج الى الدين من أجل إكتمالها السياسي. وأكثر من ذلك فهي تستطيع أن تطرح جوانب كثيرة من الدين لأن الأساس الإنساني للدين متحقق فيها بطريقة دنيوية.