أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية















المزيد.....

رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد تكون الأصوات مرتفعة، الكلمات براقة والنظريات مُصْقَلة. كل هذا لا يَهم. المُهم، من قبل ومن بعد أي شيء آخر، هي الأفعال، هذه التي تُطابق الواقع وتُسَيِّره وتؤثر فيه. سواء كانت النظرية رأسمالية أو شيوعية، لا يَهم، طالما كانت نتائج الأفعال على الأرض محسوسة وتُحْدث أثرها. الدولة كانت شيوعية، خلعتها وتَبنت الرأسمالية، أو حتى كانت رأسمالية ثم جَنحت إلى الشيوعية، لا يَهم إطلاقاً. لا الشيوعية ولا الرأسمالية غايات بحد ذاتهما، هما مجرد وسائل لبلوغ وخدمة غايات إنسانية عُليا تُقرها وتعمل تحت غطائها كلٌ منهما. على هذا الأساس يمكن اختبار الاثنتين، أو أي نظرية أو أيديولوجية أخرى مهما كانت تَضعها أو تعمل تحت غطائها أي مجموعة من البشر. هل حققت الشيوعية عدالة ومساواة بين البشر كما وعدت؟ إلى أي حد، وبكم ثمن؟ هل نجحت الرأسمالية؟ على سبيل المثال، حين اعتنقت روسيا عقيدة الاقتصاد المركزي المُخطط المملوك للدولة، ثم الآن حين ارتضت العمل وفق آليات اقتصاد السوق الحُر، هل حدث فرق؟ هل من تغير جوهري في حقيقة الواقع الروسي يُكافئ هذا الانقلاب الجوهري في الأيديولوجيا؟

الأيديولوجيات يصنعها الرجال، لكن الأمم تحياها، كلٍ على طريقتها ووفقاً لظروفها وطبيعتها وشخصيتها الخاصة. هؤلاء الرجال لا يهبطون من الفضاء، بل ينضجون من وفي تربة أممهم ذاتها. والمعلوم أن البيئة الفكرية القيصرية لم تُنتج أي نظريات حداثية تُذكر، لا شيوعية ولا رأسمالية ولا ديمقراطية ولا ليبرالية ولا علمانية ولا أي شيء حداثي آخر؛ وأن حُلم التمتع بالأملاك بالمشاع العادل والمتساوي فيما بين الكافة قديم قدم البشرية ذاتها، حتى تبلور إلى رؤية واضحة المعالم في اليوتوبيا الأفلاطونية الحالمة، ليبلغ طور النظرية الحداثية المُصقلة على يد كارل ماركس، لكن في ألمانيا وليس في روسيا. مع ذلك، كان مقدراً لهذه الفكرة الإنسانية الأزلية أن تبدأ حياتها الفعلية فوق أراضي الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف، أو ما أصبح يُسمى ’الاتحاد السوفيتي‘. في الماضي كما في الحاضر، كانت روسيا ولا تزال بلدٌ تقليدي لا يفهم، ولا يَقدر على إنتاج، أي من مفاهيم أو نظريات الحداثة. هذه هي الحقيقة. لذلك، عندما استُزرعت نظرية حداثية- الشيوعية- عُنوةً في تربة روسية تقليدية، كانت العواقب وخيمة بالتأكيد. عندئذٍ لا عادت الشيوعية شيوعية، ولا بقيت روسيا تقليدية كما كانت من قبل. أدى الاندماج بين عُنصرين متنافرين إلى إنتاج غول ذّرْي ذو قدرة تدميرية جَبَّارة، نالت من قُدرات ومُقدرات حاضنتها الوطنية أكثر مما طالت أي أمة أخرى.

عندما يُهيمن اقتصاد الزراعة أو استخراج المواد الأولية على مكان، يترك ذلك بالضرورة بصمته المؤكدة على شخصية وذهنية القاطنين فيه. مثل هذه الأنشطة تُقوي العضلات على حساب الذهن، التقليد على حساب الابتكار، الريع على حساب الإنتاج وتُرسخ بين الأفراد والمجموعات علاقات السلطة والولاء على حساب النِدّية والمنافسة. في المقابل، الوضع مختلف كثيراً في كنف التصنيع والتجارة، حيث يَدُب في أوصال المجتمع حراكٌ يخلق بينهم منافسة تحفزهم على الابتكار، حرية تُعاند الانسياق الأعمى وراء التقاليد، وإنتاجية تُقزَّم بجوارها مداخيل الريع. لا جدال في أن روسيا كانت عبر التاريخ ولا تزال إلى اليوم قوة جبارة، لكنها كانت ولا تزال تقليدية تُعْلي من قيمة المجهود العضلي على العقلي، التقاليد الموروثة على الابتكار، الامتثال للأوامر على المنافسة. النتيجة، بقيت الدولة الروسية- في أفكارها وأفعالها معاً- قوة ضخمة لكن راكدة، تُعادي الحراك المجتمعي والتنافس العادل بين الأفراد والمجموعات، وتُقيد الحريات العامة والخاصة ذاتها التي قد تأسست من فوقها قيم الحداثة. روسيا حتى اليوم لا تستسيغ سوى مذاق القوة والتقاليد، ولا تُنتج غيرهما. حين يوضع مجتمع تحت قبضة قوة لا ترحم وتقاليد عفي عليها الزمن، لا تنتظر منه أبدأ أن يُنتج أي حداثة من أي نوع. روسيا كانت ولا تزال قوة تقليدية.

حين يفتقر المرء إلى القدرة على إنتاج شيء ينقصه، يستطيع بسهولة أن يشتريه طالما كان معروضاً في الأسواق. بعدما يصبح بين يديك وتحت تصرفك، يمكنك استخدامه حسب رغباتك ولخدمة أهدافك الخاصة وليس بالضرورة للأغراض الحقيقية التي أُنتج من أجلها. مثلما يمكنك اقتناء سكيناً ليس لأغراض الطهي وتناول الطعام لكن لتنفيذ جريمة قتل بشعة أو افتعال مشاجرة بالأسلحة البيضاء على الملأ وفي وضح النهار، يمكنك أيضاً تبني ديمقراطية ليس لأغراض تمكين الأفراد والمجموعات من حقوقهم الأساسية وتحقيق التداول السلمي للسلطة لكن لكي تُخفي تحت غطائها الحداثي بشاعة التسلط والاستبداد والانتهاكات لحقوق الإنسان؛ ويمكنك بالمثل أن تستورد شيوعية، ليس كما تدعي لكي تُقيم ميزان العدل والمساواة في توزيع الدخل بين المواطنين لكن كستار تستحوذ من ورائه باسم الدولة على ثرواتها ومقدراتها ثم تضعها تحت تصرف زُمرة من الرفقاء والأخوة والكوادر بعيداً عن أعين ومحاسبة جماهير الشعب. الأكثر لا يزال، يمكنك أن تشتري رأسمالية ليس لكي تُهيئ وتساوي ملعب النشاط الاقتصادي أمام المنافسة العادلة والفرص المتكافئة لكن من أجل تصفية وخصخصة وبيع أصول وموارد وأراضي الدولة وقطاعها العام في مناقصات فاسدة وبأسعار بخسة لفائدة الأقارب والمحاسيب والموالاة المقربين من النظام لكي تصنع منهم نُخبة أوليغارشية يمكنك التعويل عليها وقت الحاجة والشدة. واللافت أن الأوليغارشية الحالية هي ذاتها امتداد ووريث الأرستقراطية والاقطاعية والشيوعية الروسية في الماضي، من صنيعة القيصر أو الحزب الشيوعي أو الرئيس المنتخب، ولخدمتهم.

من قديم الزمان، أكثر ما يُخيف روسيا هو التغيير. في الوقت الراهن، لا تخاف روسيا من الجنود الأوكرانيين ولا من الأسلحة الغربية بقدر ما تخاف من التغيير الحداثي الداهم على حدودها الغربية. هذا التغيير الحقيقي المُتسلل إلى جارتها وشقيقتها الصغرى أوكرانيا إذا ما وطد مؤسساته هناك سيمتد حتماً وينسف من الجذور أسطورة يُقدسها ويُرددها الروس أباً عن جدٍ- مَجْد القوة وعراقة التقاليد. لا الشيوعية أو الرأسمالية أو الديمقراطية أو العلمانية أو حقوق الإنسان أو أي من هذا الهُراء الغربي يَعنيهم في شيء.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد
- الأنانية في المجتمع والدولة
- الأمة العربية والإسلامية لكن بزاوية نَظَر حادة
- الدين سلطان القلوب
- من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
- بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
- بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية


المزيد.....




- مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو ...
- وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد ...
- تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في ...
- -ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف ...
- مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا ...
- خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا ...
- إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
- معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة ...
- روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية