التوتاليتارية بين الدين السياسي والتنزيل - ص
طلعت خيري
2024 / 9 / 25 - 09:41
قلنا في المقالة السابق كتوافق سياسي ما بين الأديان السياسية وميثولوجيا تعدد الآلهة والاعتقادات الاسترولوجية والكسمولوجية برز معتقد الملائكة بنات الله ، كمعتقد إبراهيمي فرضته الزعامة المكية على الطوائف والأديان تحت اسم ملة إبراهيم ، لفرض إرادتها السياسية على الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمعيشية ، فأصبحت مكة في القرن السادس الميلادي مركزا عالميا لكل الديانات والاعتقادات ، فميثولوجيا الملائكة بنات الله عبارة عن تحالف سياسي شاركت فيه الأحزاب الدينية السياسية للحفاظ على ديموغرافيا المصالح السياسية ولاقتصادية المشتركة ، تصدى تحالف الأحزاب الدينية السياسية للدعوة القرآنية بشتى وسائل القمع والاضطهاد والقتل، طالت المؤمنين بالله واليوم الأخر،أطلق عليه اسم توتاليتارية الأحزاب الدينية ، ولو ان مصطلح التوتاليتارية أطلق على زعماء الفاشية والنازية والدكتاتورية ، إلا أني اذكره لان المقالة القادمة سوف توضح المعتقدات الدينية التي انبثقت منها الزعامة الدينية ، فان كانت التوتاليتارية قد حكمت المجتمعات بشمولية القوانين الاقتصادية والسياسية ،أيضا توتاليتارية الأحزاب الدينية السياسية حكمت المجتمع المكي بشمولية الاعتقادات الدينية وتعدد الآلهة ، ظهرت التوتاليتارية في المجتمع المكي تلقائيا ، نتيجة التراكمات الفكرية للتراث والتاريخ الرجعي الذي بلور ثقافة انغلاقية متقوقعة حول تعدد الآلهة، فأعطى المجتمع لنفسه فرصة سانحة للاستبداد والتسلط السلطوي الديني، في فرض الشمولية عليه ، التي طالت الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والتاريخية
سورة صاد من السور التي نزلت في مكة بشكل كامل ، والتي دعت توتاليتارية الأحزاب الدينية السياسية المنغلقة بالكف عن استخدام النفوذ السلطوي في التصدي للدعوة القرآنية ، ( ص ) والقران ذي الذكر ، صاحب الذكر لأنه سيذكر المجتمع المكي وطوائفه واعتقاداته ، ليضعه أمام اختيارين أما الإيمان بالله واليوم الأخر وإما الكفر به،تصدى زعماء التوتاليتارية المكية للذكر بأقسى العبارات السلطوية الاستبدادية ، بل الذين كفروا في عزة، عزة كبرياء ، وشقاق، شقاق منع الأفراد بالقوة من الاستجابة للتغير العقائدي الجديد، ما لا يقبل الشك ان وراء كل بعثه رسول تغير شامل على كافة الأصعدة ، لذا اطلع التنزيل الأحزاب الدينية السياسية على التغير الشمولي الذي طال الأمم السابقة، للانتباه الى المستقل لان التغير قادم لا محال، كم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ، التقدير ليس الحينُ إنما حينَ مناص في وقت لا يجدون مخلصا ولا مهربا من العذاب
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ{1} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ{2} كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ{3}
شمولية تعدد الآلهة والتحريف التاريخي لدعوات الرسل والأنبياء، كبل المجتمع المكي بقيود وأغلال الخرافات والأساطير، التي استغلها زعماء الأحزاب الدينية السياسية لمصالحهم الاقتصادية ، فلما جاء محمد بالذكر ليلغي شمولية تعدد الآلهة استغربوا مما جاء به، لان الأحزاب تنسب اعتقاداتها الى الله ، بما ان الذكر هو من الله يتعارض مع المصالح السياسية والاقتصادية ، اتهمت الأحزاب محمد بالسحر والكذب ، وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون ، الكافرون زعماء الأحزاب الدينية هذا ساحر كذاب
وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ{4}
ان تراكم التراث والتاريخ للاعتقادات بلورة الانغلاقية الفكرية التي وجدت فيه الأحزاب الدينية السياسية الأرض الخصبة لتحقيق مصالحها الاقتصادية ، فأي تغبر عقائدي يلغي شمولية تعدد الآلهة تتصدى له ، لتبقى إرادتها السياسية مسيطرة على مفاصل الحياة بأكملها ، فعندما ألغى الذكر شمولية تعدد الإلهة كان رد الأحزاب ، اجعل الآلهة آلها واحدا ان هذا لشيء عجاب
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{5}
رفضت الأحزاب الدينية السياسية المكية فكرة الإله الواحد جملة وتفصيلا، لأنها تقيد شمولية تعدد الآلهة ، موصية ببعض التوصيات السياسية لتعزيز الثقة بالآلهة ، مع تجاهل التغير الشمولي المستقبلي الذي حذر الله منه ، وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشيء يراد
وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ{6}
تراكم التراث والتاريخ الديني الرجعي للاعتقادات غيب الأفكار التقدمية التي جاء بها الأنبياء والرسل، كالإيمان بالله واليوم الأخر، فلما طرح الذكر فكرة الإله الواحد كفكر تقدمي، لجاء زعماء الأحزاب الدينية السياسية الى الماضي الرجعي دين الآباء، كجيوثقافية تخدم المصالح الرأسمالية ،ومصدر سياسي للنفوذ السلطوي الذي خول الزعماء بالتصدي لقول الحق ، قالوا ما سمعنا بهذا في ملة الآخرة ، ان هذا إلا اختلاف، اختلاف شمولي على كافة الأصعدة السياسية والعقائدية والتاريخية والتراثية والفكرية
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ{7}
طرح زعماء الأحزاب الدينية السياسية على القاعدة الجماهيرية المكية طرحا سياسيا يهدف الى بث الشك في اختيارية محمد للرسالة ، قالوا أأنزل عليه الذكر من بيننا ، الأبعاد السياسية للطرح للتشكيك بالذكر الذي خص المجتمع المكي، بل هم في شك من ذكري ، فمن أهداف الذكر تحذير المكذبين من عواقب التغير الشمولي القادم ، ولكن متى سيشعرون به لما يذوقوا العذاب ، بل لما يذوقوا عذاب ، ان تساؤل اختيار محمد للرسالة، أأنزل عليه الذكر من بيننا ، رد عليه التنزيل بأنه اختيار من الله، فلا احد يمنع خزائن رحمته ، أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقبوا في الأسباب
أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ{8} أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ{9} أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ{10}
عندما يريد الله ان يحدث تغير شامل في جغرافية معينة ، يبعث فيها رسول يدعوهم الى للإيمان بالله واليوم الأخر ، فأفضل وسيلة لاستيعاب الإيمان، تذكير المجتمع بالمصير المخزي للأمم السابقة ، لان مصيرهم يضع المخاوف أمام الموقنين بشمولية التغير المستقبلي، لذا اطلع التنزيل الأحزاب الدينية السياسية المكية على المصير المخزي لأحزاب مثلهم ، رفضت الاستجابة للتغير الشمولي القادم
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ{11} كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ{12} وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ{13} إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ{14} وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ{15} وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ{16}