أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد














المزيد.....

باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعرف التاريخ كُله، قديمه وأوسطه وحديثه، أنظمة حُكم أكثر استبداداً وتعسفاً وقمعاً، وإفقاراً وإذلالاً وتجويعاً لشعوبها وحطاً من كرامتهم الطبيعية من الأنظمة الشيوعية كالتي مارسها كل من الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية وكل من حذي حذوهما طبقاً لأهوائه وظروفه الخاصة والوطنية مثل كوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا، ومن العالم العربي مصر والعراق وسوريا خلال العقدين الخامس والسادس من القرن الفائت. جميع هذه الأنظمة قد تأسست فوق قاعدة أساسية واحدة: تحقيق التوزيع العادل والمتساوي للثروة على المواطنين كافة دون تمييز على أُسس اقطاعية أو برجوازية أو دينية أو جنسية بين المرأة والرجل. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة لكن البعيدة- إذا لم تكن مستحيلة- المنال، قررت الدولة أن تحتكر الاقتصاد والإنتاج وتديرهما بنفسها. في الحقيقة، طالما كانت الأيديولوجيا الشيوعية لا ترى في أصحاب الأملاك والأصول الزراعية والعقارية والصناعية والتجارية الأثرياء أكثر من مصاصي دماء لمن دونهم حظاً وثروة من المستأجرين والعمال والفلاحين، فلا حل منطقي أمامها سوى بتخليص هؤلاء الفقراء المساكين من هذا الشر المستطير. لكن، إذا ما خَلَّصت عامة الشعب من هذه الكائنات الطُفيلية كما تراهم فعلاً، من سيحل محلهم ويؤدي وظيفتهم إذا كان ثَمَّةً وظيفة يؤدونها لشعوبهم حقاً؟! الدولة. وستؤديها بصورة صحيحة ومثالية تقضي تماماً على الظُلم والطبقية، تحقق عدالة التوزيع للجميع على قدم المساواة. لكن، في الواقع، لم يتحقق إلا العكس تماماً. لماذا؟

ببساطة لأن فلسفة الدولة كما تُجسدها الحكومة قد تأسست في الأصل على مبدأ الحُكم، لا التملك أو إدارة الاقتصاد. الحُكم يعني القرار النافذ. لكن، قرار مَنْ، مَنْ ينفذه، ومَنْ يفصل في الطُعون عليه؟ لذلك تأسست الحكومة فوق ركائز ثلاثة ذات حصانة واستقلال وتوازن محسوب من دون انفصال عن بعضها البعض: التشريعي، التنفيذي والقضائي. حيث يُفترض أن ينوب الأول عن كافة أفراد الشعب في صنع القرار، بينما ينوب عنهم الأخير في مراقبة الثاني، التنفيذي، خلال عملية التنفيذ وإجارتهم من تجاوزاته المحتملة. هذا القرار الذي حتماً ولابد ستلتقي عليه كل الأفرع الحكومية الثلاثة إذا ما أرادت تفادى إصابة الدولة بالشلل وتعطيل نشاطها وتهديد كيانها ذاته لا يقتصر على الحيز الاقتصادي فقط بل يشمل كل شيء يَمُس حياة الرجل والمرأة، من البيت والحقل ومكان العمل، وصولاً إلى المناصب العليا في الإدارة والحكم داخل بيروقراطية الدولة ذاتها. بالنتيجة، الحُكم يَعْني أن تُنفذ الحكومة قراراً قد اشتركت في صناعته مع زميلين آخرين- البرلمان والقضاء. على هذا الأساس يمكن تفسير أهمية الاقتصاد ودوره الحاسم في صناعة القرار الحكومي، وتحديداً في أنظمة الحكم ذات المنحى الاستبدادي كالشيوعية على سبيل المثال لا الحصر.

إن تراكم الثروات عبر أرجاء المجتمع يعمل كنقاط الضوء الوهاج التي ينجذب إليها ويلتف حولها بالضرورة عامة الأفراد طمعاً في إشباع الأغراض والمصالح الشخصية. وبفضل الالتقاء الطبيعي للمصالح المتشابهة سواء فيما بين هذه النقاط الثرية أو بينها وبين الأفراد المُعَلَّقة بها أرزاقهم، تتطور من الحيز الاقتصادي لترتقي إلى ’مراكز قوى‘ على صعيدي العمل الاجتماعي والسياسي. من مراكز القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هذه، بدعم مضمون وكاسح من القاعدة الشعبية العريضة المُعَلقة بها أرزاقهم، يأتي أفراد النخبة الذين سيجلسون في نهاية المطاف على مقاعد الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية المريحة والوثيرة على امتداد أجهزة الدولة المتعددة. ولما كان الفرع التنفيذي هو المنوط بممارسة قوة الدولة بتفويض إنفاذ قوانينها الداخلية وحمايتها من أعدائها الخارجيين، إلا أنه تحت ظروف مواتية (التي غالباً ما تتوفر بسخاء لدى أغلب الدول التقليدية غير الصناعية وفي القلب منها العربية) يستطيع أن يُسيء استغلال تفويضه الشرعي وبدلاً من أن يوجه سلاحه إلى أعداء الخارج يصوبه في رأس أعداء الداخل، هؤلاء الذين يسميهم الإقطاعيين والرأسماليين وأعوان الاستعمار والطابور الخامس والخونة والمتآمرين ضد الدولة وقلب نظام الحكم إلى آخر هذه الأسطوانة المعتادة.

مع ذلك، حتى لو طّهَّر التنفيذي الأعلى كل أجهزة الدولة من معارضيه وأعدائه بالنَفَر، هم لا يزالون قلة ضئيلة للغاية من جُملة الشعب ولا يوجد بعد ضمان ضد أن تنشأ بالأسفل عبر طبقات المجتمع نُخَبٌ جديدةٌ تصعد لكي تستخلف من قضوا، مُحملين ومُفوضين من ذات أغراض ومصالح وتطلعات عامة الشعب كسابقيهم. إن استبعاد الفرع التنفيذي لمعارضيه من الفرعين الزميلين التشريعي والتنفيذي يضمن له الانفراد الكامل بعملية صنع وتنفيذ ومراقبة القرار السياسي، وبالتالي اختطاف الحكومة واختزالها في شعبتها التنفيذية فقط. رغم ذلك، سيبقى الخطر ماثلٌ دائماً بتجمع نقاط ضوئية جديدة تلتف من حولها فئات الشعب المختلفة لتتحول إلى مراكز قوى قادرة على معارضته ومنافسته ومزاحمته على مقاعد الحكم الوثيرة طالما بقيت منابع توليد الثروة مبعثرة ومنتشرة عبر أرجاء المجتمع ولم تسيطر عليها الحكومة التي أصبحت بدورها رهينة القرار التنفيذي. الآن، بعدما تخلصت من النخبة المعارضة، أصبحت الحكومة على أتم القدرة والاستعداد لكي تستحوذ على منابع استقواء المعارضين لسياساتها. النتيجة، باسم الدولة وتحت ذريعة تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الثروة على أبنائها، احتكرت الحكومة العمل الاقتصادي. لماذا؟

لأن الحكومة بذلك ستُطفئ جميع نقاط التجمع والاستقواء المنتشرة عبر البلاد كلها ولن يتبقى سوى ضوء مشعلها الحكومي فقط عالياً وبعيداً بالمركز. وإلى هناك، يجب أن ينجذب ويتحلق من الآن فصاعداً كلُ من يطمع في لُقمة عيش حتى لو كانت مُغمَّسة بالغش، أو منصب حتى لو كان مُزركشاً بالنفاق.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنانية في المجتمع والدولة
- الأمة العربية والإسلامية لكن بزاوية نَظَر حادة
- الدين سلطان القلوب
- من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
- بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
- بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية
- جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25


المزيد.....




- مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو ...
- وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد ...
- تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في ...
- -ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف ...
- مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا ...
- خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا ...
- إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
- معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة ...
- روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد