أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث والثلاثون)















المزيد.....

جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث والثلاثون)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 00:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بدون شك، في هذه الحالة، ضمن تاريخ اللاهوت المسيحي منذ بداياته، بلغت مشكلة الحرية عمقا خاصا، عن ذلك ترتبت عدة حوافز إيجابية أو سلبية، كما أن التأويل اللاهوتي لم يكن بإمكانه أن يكتمل دون تأثير التأويل الفلسفي (القديس بول، القديس اوغسطين، لوثر). وقد كان توصيف الحرية السلبية كمستقلة عن الله كافيا ليحيلنا إلى الرابطة الوثقى بين السؤال اللاهوتي والسؤال الفلسفي. لكننا لن نتحدث عن ذلك في هذه اللحظة، حسبنا في هذه الحالة أن نأخذ المفهوم الكانطي عن للحرية، فقط باعتباره مثالا يجب أن يسمح لنا بتوضيح الحرية الإيجابية ومفهومها، وهذا مرة أخرى حتى نكتسب نظرة واضحة عن المنظور الأبعد لمشكلة الحرية وعن مهمتنا.
يتصور كانط، كما قلنا، الحرية كقوة لتحديد الذات ضد الميول الطبيعية، أو باعتبارها "نشاطا ذاتيا مطلقا". بالنسبة إلى هايدجر، في هذا التعريف أو ذاك لا شيء سلبي. بالتأكيد ومع ذلك فهما لا يعنيان نفس الشيء ولهذا السبب ميز كانط بين الحرية "بالمعنى الكوني" والحرية "بالمعنى العملي". يؤكد هايدجر على أن هذا التمييز الكانطي لا يتقاطع بأي حال من الأحوال مع الفارق بين الحرية السلبية والحرية الإيجابية، بل هو بدوره يقع على جانب الحرية الإيجابية، أو اللاسلبية أفضل. لننتقل الٱن إلى تأويل كانط للحرية الكونية والحرية العملية. لنتساءل أولاً: ماذا يعني كانط بالحرية الكونية والحرية العملية؟ هو أجاب على هذا السؤال كما يلي: «إنني أقصد بالحرية بالمعنى الكوني القدرة على المبادرة من تلقاء الذات لحالة (حرية) التي لا تخضع سببيتها بدورها، وفق قانون الطبيعة، لسبب آخر يحددها بالنسبة إلى الزمن. والحرية بهذا المعنى أ فكرة متعالية خالصة. الحرية تعني إذن: قوة المبادرة الذاتية لحالة. هذا ما يشرح لنا المفهوم الكانطي عن الحرية المذكور أعلاه، باعتبارها "نشاطا ذاتيا مطلقا": المبادرة من تلقاء الذات، بشكل عفوي، العطاء من تلقاء الذات بحرية، العطاء بعفوية مطلقة.
الحرية باعتبارها عفوية مطلقة هي الحرية بالمعنى الكوني – فكرة متعالية خالصة. ما تعنيه هذه التحديدات الأخيرة سيتم توضيحه لاحقا. لكن قبل ذلك دعونا نطرح السؤال الثاني: ماذا تعني الحرية "بالمعنى العملي"؟ نقصد بالحرية بمعناها العملي استقلال الإرادة في مواجهة إكراه ميول الحساسية. الحرية بالمعنى العملي هي الاستقلال، هذا بالضبط ما تذرعنا بانه سمة من سمات المفهوم السلبي للحرية. لكن ألم نقل إن المفهومين الكانطيين عن الحرية --- المتعالية والعملية --- لم يكونا سلبيين؟ بالتأكيد؛ لكن التعريف المذكور للحرية العملية يأخذ بدون منازع هذه الأخيرة بمعنى سلبي. إذا نظرنا عن كثب، نرى أن كانط يفسر كذلك الحرية بالمعنى العملي من خلال استدعاء اللحظات التي اتينا على ذكرها أولاً عند تسمية المفهوم الكانطي عن الحرية. “إن إرادة الإنسان… [حرة]، لأن الحساسية لا تجعل أفعالها ضرورية، ولكن لأن في الإنسان قدرة على أن يتحدد من تلقاء نفسه، بمعزل عن إكراه الميول الحساسية". "الإرادة" (Willkür) لا تعني هنا غياب الفرامل والقانون، ولكن تعني قوة الإرادة. تم هنا ذكر الحرية السلبية، ولكنها أيضا شيء آخر: القدرة على التعين من تلقاء الذات. لكن أليست هي شيء واحد متحد مع العفوية، وبالتالي مع المفهوم الكوني للحرية؟ في هذه الحالة قد يمثل المفهوم الإيجابي، والمفهوم العملي، على العكس من ذلك، الاستقلال عن الحساسية، قد يمثل المفهوم السلبي.
لكن هايدجر يخبرنا بأن الأمر ليس كذلك. ولا شك في أننا لن نلاحظ ان كانط، في تعريفه للحرية بالمعنى العملي، يذكر الاستقلال عن الميول الحسية. ليس بدون سبب أن يوجد تحليله بأكمله في "نقد العقل الخالص"؛ أي في المؤلف الذي موضوعه الفهم الخالص، القوة النظرية للإنسان، و ليس الفهم العملي، البراكسيس بمعنى العمل الأخلاقي والسياسي. تبعا لذلك، قبل اختزال الموقف الكانطي في التعريف المذكور للحرية العملية باعتبارها استقلالاً عن المحسوس، فمن المناسب أن نسأل: كيف يحدد كانط الحرية بالمعنى العملي بينما هو يتعامل موضوعاتبا مع البراكسيس، مع الأخلاق، وبالتالي مع"نقد العقل العملي"؟ وبعبارة أكثر حدة: كيف يدرك كانط الحرية العملية، الأخلاقية، بينما أصبح العنصر الأخلاقي بالنسبة إليه مشكلة ميتافيزيقية في كتابه "أسس ميتافيزيقا الأخلاق"؟ بالفعل، في بداية القسم الثالث من هذا المصتف، يكتب كانط: “الإرادة نوع من سببية الكائنات الحية، باعتبارها معقولة، وستكون الحرية
الخاصية التي للسببية لتكون قادرة على التصرف بشكل مستقل عن الأسباب الخارجية التي تحددها؛ كما أن الضرورة الطبيعية هي الخاصية التي لسببية كل الكائنات الفاقدة للعقل لتكون محددة للتصرف تحت تأثير الأسباب الخارجية".
في هذا النص يظهر "الاستقلال" من جديد. ومع ذلك، يؤكد هايدجر، يعبر كانط الآن عن نفسه بشكل أكثر وضوحا، مضيفا: "التعريف الذي تم تقديمه للتو سلبي، وبالتالي فهو، من أجل فهم جوهره، عقيم؛ لكن ينتج عنه مفهوم إيجابي عن الحرية اكثر غنى وخصبا". نرى ذلك هنا بوضوح: إذا كان يتعين الآن أن ندرك أن مفهوما إيجابيا عن الحرية تم ربحه، فمن الواضح أنه سيكون مفهوما عمليا. لنتساءل: “فيم تتمثل حقا حرية الإرادة، إن لم تتمثل في الاستقلال الذاتي، أي في الخاصية التي لإرادة الوجود لتكون هي نفسها قانونها"؟ المفهوم الإيجابي للحرية يعني: استقلالية الإرادة، تشريعا ذاتيا. والحرية بالمعنى العملي ليست سالب الحرية بالمعنى المتعالي، بل هي نفس الحرية بمعناها العملي وقد انقسمت إلى حرية سلبية وحرية إيجابية؛ حرية إزاء الميول الطبيعية وتشريع ذاتي. ولكن، يتساءل هايدجر، ماذا عن الحرية بالمعنى المتعالي، عن العفوية المطلقة، إن لم تكن هي الحرية العملية إيجابا مقابل الحرية العملية سلبا؟ العفوية المطلقة، ألسنا هنا أمام معادل للاستقلال الذاتي؟ سواء في هذه أو تلك، هناك، بالفعل، ذات، هوية ذاتية، تلقاء نفس، إلخ.. . يتيح لنا هيدجر أن ندرك أن الحريتين كلتيهما مترابطتان بشكل واضح، لكنهما لا يمتزجان. لنلق نظرة فاحصة.
العفوية المطلقة، تعني... قدرة على مبادرة ذاتية لحالة واستقلالا ذاتيا: تشريعا ذاتيا لإرادة عاقلة. في العفوية المطلقة (الحرية المتعالية) لا يتعلق الأمر بإرادة وقانون، بل بمبادرة ذاتية لحالة؛ أما في الاستقلال الذاتي، على العكس من ذلك، فالأمر يتعلق بموجود محدد، إلى جوهره تنتمي الإرادة والبراكسيس. لذلك لا يتم الخلط بين أحدهما والآخر، ومع ذلك، هناك هوية ذاتية على كلا الجانبين: إنهما ينتميان إلى بعضهما البعض. ولكن كيف؟ وبماذا يكون هذا الانتماء المشترك واضحا؟ بهذا المعنى يكون التحديد من تلقاء النفس عند التصرف كتشريع ذاتي، مبادرة-من-تلقاء-الذات لحالة في مجال معين لتصرف إنساني من كائن عاقل بشكل عام.. وهذه الحرية هي أساس إمكان الفعل الأخلاقي. وبالتالي فإن الاستقلال الذاتي نوع من العفوية المطلقة، تحدد الثانية الجوهر العام للأولى. إنما على أساس هذه السمة الأساسية للعفوية المطلقة، كما يؤكد هايدجر، يكون الاستقلال الذاتي ممكنا. بعبارة أخرى، العفوية المطلقة هي مفهوم أوسع بكثير من مفهوم الاستقلال الذاتي. إذا لم تكن هناك عفوية، فلن يكون هناك استقلال ذاتي أيضاً. يتأسس الاستقلال الذاتي، في إمكانه، على العفوية المطلقة، والحرية العملية على الحرية المتعالية. بهذا المعنى يقول كانط نفسه بصريح العبارة في كتابه “نقد العقل الخالص": "من الجدير بالملاحظة قبل كل شيء أن على هذه الفكرة المتعالية عن الحرية يرتكز المفهوم العملي لهذه الحرية، وأن الحرية المتعالية هي التي تشكل، في الحرية العملية، النقطة الدقيقة للصعوبات التي أحاطت حتى الآن بمسألة إمكانها".
(يتبع)
نفس المرجع



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقيه بن صالح: كونفدراليو قطاع الفوسفاط يؤكدون استعدادهم لل ...
- قطاع الفواكه الحمراء بالمغرب: زيادة في الصادرات ومقاومة للتح ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الخروج الإعلامي لفاطمة الزهراء المنصوري بصدد -الهروب الكبير- ...
- هل ربحت النقابات معركة مشروع القانون رقم 54.23 ضد الحكومة؟
- اللجنة الوطنية للقطاع الحقوقي للاشتراكي الموحد تعتبر الهروب ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- فاس: النقابة الديمقراطية للعدل تدعو منخرطيها إلى المشاركة غد ...
- ترامب يعاتب بايدن وهاريس بعد استهدافه بمحاولة اغتيال جديدة
- جمعية عزبز غالي تدخل على خط الهروب الكبير لٱلاف الشباب ...
- قراءة متبصرة للأحداث التي وقعت في هذا الأسبوع
- شذرات متفرقات وومضات مختلفات
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الحزب الاشتراكي الموحد يحدد موقفه من عدة قضايا وطنية وإقليمي ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- حصيلة محينة للخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الأمطار العا ...
- الجزائر: تبون يضمن ولاية ثانية كرئيس للبلاد بعد نجاحه في الا ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تستعد لتخليد مرو ...
- سوريا: أب يقتل ابنته القاصر وصديقها في بلدة قنوات


المزيد.....




- ?? مباشر: حزب الله يؤكد مقتل القائد العسكري محمد سرور في غار ...
- تايلاند: استعدادات طارئة بعد ارتفاع منسوب نهر بينغ نتيجة إعص ...
- -لن نرحل-.. شعار RT يضيء واجهة السفارة الأمريكية بموسكو (فيد ...
- لافروف: الثقة بين قادة روسيا وكوريا الشمالية تقوم على التواف ...
- مسيرة للتحالف الدولي تناور بشكل خطير أمام مقاتلة روسية في سم ...
- مراسلنا: مقتل 9 مدنيين من عائلة واحدة بغارة إسرائيلية استهدف ...
- تقرير إسرائيلي: نتانياهو دعم فكرة -الممر الآمن- للسنوار
- مراسلنا: مقتل 9 مدنيين من عائلة واحدة بغارة إسرائيلية استهدف ...
- الطريق الذي كلّف الملايين بين الصين وميانمار، وتحوّل إلى ساح ...
- معالجه متطور وكاميراته ممتازة.. مواصفات هاتف iQOO الجديد


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث والثلاثون)