على تركيا أن تتوقف عن منع ذهاب أسطول الحرية إلى غزة
دلير زنكنة
2024 / 9 / 21 - 22:14
بقلم ساي إنجليرت
لقد ظل اسطول الحرية الذي يحمل خمسة آلاف طن من المساعدات إلى غزة محتجزا في ميناء تركي لمدة ستة أشهر تقريبا. وتزعم الحكومة التركية أنها تدعم الفلسطينيين ـ ولكنها خضعت للضغوط الغربية بدلا من السماح للمساعدات الحيوية بالوصول إلى سكان غزة المحاصرين.
منذ شهر إبريل/نيسان، علق أسطول الحرية في ميناء حيدر باشا التركي. ويتكون الأسطول من ثلاث سفن، وعلى متنه خمسمائة ناشط متضامن مع فلسطين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل خمسة آلاف طن من المساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب الفلسطيني في غزة. ولكن الحكومة التركية، التي تستسلم للضغوط التي تمارسها عليها إسرائيل وحلفاؤها في أوروبا والولايات المتحدة، تمنع السفن من الإبحار.
لا يوجد أساس قانوني لهذا القرار. في الواقع، فإن تصرفات تركيا تجعلها تنتهك بشكل مباشر اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تضمن حرية الملاحة، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يلزم جميع المشاركين الموقعين بضمان عدم عرقلة أو إعاقة أو منع كيانات المجتمع المدني بشكل غير ملائم في مهامها السلمية والإنسانية. وفي السياق الحالي للإبادة الجماعية في غزة، والأوامر المتكررة من محكمة العدل الدولية ، يجب تقديم كل الدعم الممكن لأولئك الذين يحاولون تقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني بشكل عاجل.
ومما زاد الطين بلة أن السلطات التركية رفضت السماح لسفينة أخرى - سفينة الضمير - بالمغادرة في جولة تضامنية في الموانئ الأوروبية، بل وهددت باعتقال طاقمها. ولا يزال هذا الوضع مستمرا منذ أكثر من خمسين يوما، على الرغم من أن السفينة اجتازت بنجاح الفحوصات الأمنية اللازمة وتلتزم بجميع اللوائح ذات الصلة.
في الرابع من سبتمبر/أيلول، اضطر الناشطون إلى تقييد أنفسهم بالميناء، كملاذ أخير، لمنع إجلائهم واحتمال اعتقالهم من قبل الشرطة التركية. ومنذ ذلك الحين، بدأوا في "مراقبة الحرية" ـ لحماية السفن من قمع الشرطة ودعوة الدولة التركية إلى السماح للأسطول بإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني في غزة. وقد نظم تحالف من المحامين في تركيا احتجاجات، ومؤخراً قام الناشطون بتعطيل خطاب عام للرئيس رجب طيب أردوغان، مطالبين بالسماح للأسطول بالإبحار.
ورغم أن الحكومة التركية تروج لنفسها خطابياً على المسرح العالمي باعتبارها حليفاً للشعب الفلسطيني، فإن رفض الحكومة السماح لأسطول الحرية بمغادرة الميناء يكشف عن الفارق بين لغتها الرسمية و موقفها العملي بشأن فلسطين.
إن إيصال هذه المساعدات إلى غزة أمر ملح بشكل خاص في الوقت الحالي بالنظر إلى تعليق الأمم المتحدة المستمر لتوزيع المساعدات داخل غزة، مما يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة جهود إسرائيل لتجويعهم ومنعهم من تلقي الإمدادات الطبية. إن الوضع في غزة مروع إلى حد لا يمكن وصفه بالكلمات. في يوليو/تموز، قدرت دراسة مفصلة في مجلة لانسيت إجمالي عدد القتلى نتيجة للهجمات العسكرية المباشرة، فضلاً عن المجاعة اللاحقة وانتشار الأمراض على نطاق واسع، بنحو 186 ألف شخص.
ولم يهدأ الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة منذ ذلك الحين، ويبدو الآن أن ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل قد تجاوزوا ثلث المليون. ورغم هذا فإن المنظمات الإنسانية الدولية لا تزال تدق ناقوس الخطر بشأن عجزها عن العمل في القطاع، فضلاً عن النقص الحاد في الإمدادات الطبية والغذاء والمياه. والواقع أن الآثار التراكمية المترتبة على الإبادة الجماعية التي استمرت قرابة عام، مثل تدمير البنية الأساسية، وعدم القدرة على رعاية المرضى والقتلى على النحو اللائق، والضغط المتزايد على الموارد، تعني أن عواقبها تتزايد بشكل كبير.
إن كل يوم تفشل فيه المساعدات في الوصول إلى القطاع، يؤدي الى استمرار تدهور الوضع . ولهذا السبب، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل مرتين ـ ضمن العديد من المحاولات الدولية الأخرى لمحاسبة إسرائيل ـ بالسماح للمساعدات بالدخول إلى القطاع دون عوائق.
ومن خلال رفض السماح لأسطول الحرية بالإبحار وكسر الحصار، فإن الدولة التركية لا تحول نفسها إلى امتداد لحملة الإبادة الجماعية القاتلة التي تشنها إسرائيل فحسب. بل إنها تخالف بشكل مباشر واجبها الدولي في منع الإبادة الجماعية ووقف الأعمال غير القانونية التي ترتكبها إسرائيل، بما في ذلك الحصار المفروض على غزة.
ولكن من المؤسف أن طول فترة الجمود الحالي لا يترك مجالاً للشك في نوايا أردوغان وحكومته. والواقع أن الموقف بلغ ذروته لأول مرة في إبريل/نيسان ، عندما فرضت السلطات التركية، على الرغم من دعمها الخطابي المتكرر للشعب الفلسطيني وتنديدها بالإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة، عقبات إدارية متكررة على الأسطول، مما أجبره على البقاء في الميناء.
وفي الوقت نفسه، أدت الضغوط الإسرائيلية والأميركية على غينيا بيساو ـ الدولة التي كانت سفن الأسطول ستبحر تحت ولايتها القضائية ـ إلى نزع أعلامها، الأمر الذي أدى فعلياً إلى توقف العملية برمتها. ويبدو أن الزيارات المتكررة من قِبَل المسؤولين الألمان والأميركيين إلى تركيا في هذه الفترة كانت مدفوعة جزئياً برغبة في الضغط على حكومة البلاد لحملها على الإبقاء على رفضها. ومن المتوقع أن تتصرف الدول الغربية على هذا النحو الإجرامي، وهي الدول التي تمول بشكل مباشر الحملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، في حين توفر لها في الوقت نفسه غطاءً دبلوماسياً على الساحة الدولية. ولكن من المقلق للغاية أن تذعن الدول التي تقدم نفسها على أنها صديقة للشعب الفلسطيني لإملاءات الدول الغربية. والآن ليس الوقت المناسب لكلمات الدعم، ولا للأفكار والصلوات. بل هو الوقت المناسب لاتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة.
وعلى حد تعبير بهشتي إسماعيل، عضو اللجنة التوجيهية لأسطول الحرية:
"مع اقترابنا من الذكرى السنوية الأولى للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، فإننا لا نتحدث إلى الحكومة التركية فحسب، بل إلى كل عضو في كل مؤسسة سياسية في مختلف أنحاء العالم عندما نقول: إن أي عقبات سياسية توضع في طريقنا هي بمثابة جدران لابد من التغلب عليها وهدمها. ولن يكون بوسع أولئك الذين يبنون هذه الجدران أن يقدموا دفاعًا عن أفعالهم أمام ضمير العالم."
إن المطالب التي تواجهها السلطات التركية لا يمكن أن تكون أبسط من ذلك. فهي لا تطلب منها اتخاذ أي إجراء أو تحمل المسؤولية عن الأسطول. بل على العكس من ذلك. فقد أمضى مئات الناشطين من أربعين دولة مختلفة جزءاً كبيراً من العام الماضي في تنظيم جهد تضامن دولي غير عادي، وهم الآن على استعداد للإبحار وكسر الحصار وتقديم المساعدة العاجلة للسكان المحاصرين في غزة. ويتطلب الموقف من الجميع، وكل دولة وكل مؤسسة تأخذ على محمل الجد أهوال الإبادة الجماعية، أن تتخذ كل الإجراءات الممكنة لوقفها. ولا ينبغي لنا أن نتوقع من أولئك الذين يزعمون أنهم حلفاء للفلسطينيين أن يقفوا في طريق أولئك الذين يفعلون ذلك.
………
ساي إنجليرت SAI ENGLERT ناشط اشتراكي ومحاضر في جامعة لايدن. وهو مؤلف كتاب " الاستعمار الاستيطاني: مقدمة" ويرأس هيئة تحرير مجلة "المادية التاريخية" و "ملاحظات من الأسفل"
المصدر
جاكوبن
Jacobin.com