في اليوم العالمي للمساواة في الأجر.. نفس الأجر لنفس العمل
سناء المحيدلي
2024 / 9 / 21 - 17:56
يتزامن اليوم الدولي للمساواة في الأجور (18 سبتمبر من كل عام)، مع ازدياد فجوات الأجور على مستوى العالم. وتزايد التمييز ضد النساء العاملات من جانب الدولة وأصحاب الأعمال. لم يقتصر التمييز بحق النساء من خلال علاقات النظام الرأسمالي الذي يعتبر النساء من العمالة التي تتقاضى أجورًا أقل ضمن سياقات الاستغلال والاضطهاد بحق النساء، بل إن بعضًا من المعلمات في مصر لم يسمح لهن بالعمل، لأسباب تمييزية تتعلق بالبدانة وظروف الحمل، بعد الاختبارات التي أجرتها الكلية الحربية للمعلمين.
وتتزايد الفجوات في الدخول بشكل عام، حيث يقل نصيب العمال من توزيع الدخل القومي، في مقابل أنصبة رأس المال (أرباح الأسهم والفوائد والأرباح)، مما يجعل الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون غنى. في حين تطاردنا الإعلانات في التلفزيونات عن الشقق الفارهة، والفلل والقصور التي تقدر قيمتها بملايين الجنيهات، والتي يقبل عليها مئات الآلاف من الطبقة التي تستحوذ على مقدرات مصر، وتأبى أن تُبقي للعمال منتجي الثروة حتى الفتات.
لا نستطيع أن نرصد تلك الهوة الكبيرة بين من هم في قمة جبل المرتبات والدخول، ومن في أسفله، لأن الحكومة لا توفر أي إحصائيات بهذا الشأن، حيث المتوفر في الإحصائيات هو متوسطات الأجور للعاملين بأجر – دون الدخول- لجزء من العمالة من العاملين بالقطاع الخاص داخل المنشآت، والعاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام. متوسطات الأجور تغطي على الفجوة ما بين المديرين التنفيذيين والعاملين الذين يحصلون على الحد الأدنى للأجور.
طبقاً لورقة بحثية، صدرت عن منصة العدالة الاجتماعية بعنوان “التمييز المسكوت عنه في الأجور- كيف تطور عبر عشر سنوات؟”، فإن هناك فجوات واسعة بين متوسطات الأجور في القطاع الخاص والقطاع العام، وصلت إلى 70% في عام 2022، مما يعني أن كل جنيه يتلقاه عمال القطاع العام، يتلقى في المقابل عمال القطاع الخاص فقط 30 قرشاً، فقد كان متوسط أجر الساعة للعاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام 60 جنيهاً، بينما كان أجر عمال القطاع الخاص 18.3 جنيه في الساعة.
كما توصلت الدراسة إلى أن هناك فجوة مرجحة أيضاً بين النساء والرجال العاملين في 3 مهن رئيسية تتجمع فيهن النساء، وصلت في عام 2021 إلى 21.8%. الأخطر كان التمييز الصارخ ضد عاملات المصانع والتي تعدت الـ 50% في عام 2019، مما يعني أن العاملات في تلك السنة كانوا يتقاضون أقل من نصف ما يتقاضاه العمال.
إلا أن الأكثر بؤساً أن كلا من الرجال والنساء، العاملين والعاملات في القطاع العام والخاص قد انخفضت قيمة أجورهم الحقيقية على مدار عشرة سنوات. تقدر قيمة ما فقده العاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام 5% من قيمة أجورهم الحقيقية خلال العشرة سنوات، بينما خسر العاملين والعاملات في القطاع الخاص 25% من قيمة أجورهم الحقيقية، ففي ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار، خلال العشرة سنوات السابقة، حيث كان سعر الدولار في عام 2014 هو 7.1 جنيه، أصبح يقارب الخمسين جنيهاً- مع كل محاولات التقشف، ومنع استيراد وسائل الإنتاج أو الأدوية وغيرهم. ناهيك عن بيع الأراضي سواء داخل مصانع وشركات القطاع العام، أو الأراضي التي يعيش عليها مواطنين كجزيرة الوراق، أو رأس الحكمة وغيرهما، وقد رأينا في العام الماضي حينما ترك بدون تدخل وصول قيمة الدولار لسبعين جنيهاً، وكان صاعداً لولا محاولات لجمه.
وبما أننا أصبحنا نستورد كل شيء، حتى أننا نستورد كل ما يدخل في عملية الإنتاج، حتى تربية الدواجن نستورد غذائها، فإن ارتفاع أسعار الدولار تؤثر بشكل مباشر فيما نشتريه لكي نعيش. وقد تضاعف سعر الدولار الرسمي سبع مرات، وفي السوق الموازية تضاعف عشرة مرات.
هذا في الوقت الذي كان معدل التغير في أجور العاملين بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام خلال الفترة (2013-2022) 167%، بينما كان معدل التغير في أجور العاملين بالقطاع الخاص 110% فقط، وذلك طبقاً لورقة منصة العدالة الاجتماعية السابق ذكرها. فقد كان متوسط أجور العاملين بالقطاع العام في بداية الفترة هو 964 جنيه أسبوعياً، وأصبح في نهايتها 2575 جنيه. بينما في القطاع الخاص كان متوسط أجر العامل في بداية الفترة 439 جنيه أسبوعياً، وأصبح 920 جنيه في نهايتها.
لمدة سبع سنوات، منذ عام 2014، وحتى عام 2021، فيما كانت الاسعار تقفز كما رأينا. لم يكن للعاملين بالقطاع الخاص سوي هذا وقد ترك النظام الحاكم لأصحاب الأعمال أن يمتنعوا عن زيادة أجور العاملين بالقطاع الخاص لمجارات الارتفاع في الأسعار ما نص عليه قانون العمل بشأن العلاوة الدورية وقدرها 7% على الأقل على الأجر الأساسي.
وحتى العلاوة الدورية استكثرها أصحاب الأعمال على العمال، فقد اشترطوا، للموافقة على إقرار حد أدنى لعمال القطاع الخاص عام 2021، أن يتم انتقاص قيمة العلاوة الدورية لتصبح ما لا يقل عن 3%، وذلك بموجب قرار وزيرة التخطيط رقم 57 لسنة 2021، مما يعني أن حقوق 9.4 مليون عامل بالقطاع الخاص داخل المنشآت، بخلاف 12.1 مليون خارج المنشآت قد تم التعدي على العلاوة الدورية لها بخصم أكثر من نصفها. فبدلاً من الحديث عن علاوات متدرجة لكل فئات الأجور، حتى يتحرك سلم الأجور ليلحق على الأقل بالأسعار، قاموا بانتفاص ما هو موجود وقليل.
وهو ما استمر فيما تلى ذلك من قرارات للحد الأدنى، إلا أن الخدعة الكبرى كانت في قرار وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية رقم 27 لسنة 2024، بشأن جعل الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص 6000 جنيه. حيث تم تضمين كل ما يتقاضاه العامل من حوافز وبدلات وأرباح ومزايا عينية ونقدية وغيرهم ضمن هذا المبلغ، كما تم تضمين حصة صاحب العمل، بالإضافة لحصة العامل في التأمينات الاجتماعية، وهما معاً 30% من الأجر. مما يعني أن ما تم إقراره هو أن أقصي ما يصل ليد العامل كحد أدنى للأجور هو 4200 جنيه شهرياً، وليس 6000 جنيه، هذا إذا تم تنفيذ القرار.
وللأسف فإن هذا المبلغ لا يوفر للعامل وأسرته حياة كريمة، كما يدعون، حيث أن إحدى الدراسات قد احتسبت خط الفقر المدقع في أغسطس 2023، بعد أن كشفت الحكومة عن إعلانه، فكان علي التوالي 5557 جنيه و3556 جنيه في الشهر.
وقد كان معدل التضخم في أغسطس 2024 هو 25.6%، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مما يعني أن قيمة خط الفقر وخط الفقر المدقع على التوالي في أغسطس 2024 هما: 6980 جنيه شهرياً، 4466 جنيه شهرياً، أي أن الحد الأدنى الذي أقرته وزيرة التخطيط مؤخراً على اعتبار أنه نتيجة التفاوض في المجلس القومي للأجور ثلاثي الأطراف، يضع العامل تحت خط الفقر المدقع، فأي مفاوضة تلك، التي من الممكن أن تنتج ذلك. مما يظهر أن كلا من الحكومة ومن وضَعتهم لتمثيل العمال لم يتمكنوا، وربما لم يهتموا، من أن يقروا حدا أدني للأجور يكفل للعامل وأسرته حياة كريمة، بل أن هذا الحد الأدنى والذي فتحت له بموجب القرار كل الأبواب للإفلات من تنفيذه يجعل العامل وأسرته لا يستطيعون أن يأكلوا فقط!
كل هذه المشاكل في الحد الأدنى للأجور الذي تصدره الحكومة، جعل المنظمات يرونه خطوة للأمام، مما أدى إلى تصعيد مصر في “مؤشر الالتزام بالحد من انعدام المساواة لعام 2022″، والذي تصدره منظمة أوكسفام والمنظمة الدولية لتمويل التنمية.
هذا يحيلنا إلى اعتماد النظام الحاكم على تغطية الأنظمة الدولية على ما يرتكب من جرائم، فتارة لكونه يحاول شراء سكوتهم عبر صفقات السلاح والطائرات، وأخرى تسكت عن جرائمه لكونه الحارس الأمين لحدودهم الجنوبية في البحر المتوسط، ضد الهجرة غير الشرعية. وثالثة لمواقفه المتخاذلة من المذابح في غزة، وسكوته حتى بعد التعدي على الحدود المصرية.