بالمال يحكم اللوبي الصهيوني قبضته على السياسة والرأي العام في بريطانيا والولايات المتحدة
سعيد مضيه
2024 / 9 / 18 - 09:58
ا بالمال يحكم اللوبي الصهيوني قبضته على السياسة والرأي العام في بريطانيا والولايات المتحدة
"يتم تنظيم الإبادة الجماعية على أرض الواقع من قبل العسكريين الإسرائيليين وسياسيي الدولة والتكنوقراط؛ لكن هذا ممكن فقط من خلال علاقتها بالأهداف الأكبر للقوى الراعية التي تعمل معًا لتحقيق أهداف الهيمنة المشتركة في المنطقة." كتب البروفيسور غيرالد سوسمان، الأستاذ بجامعة الدولة بورتلاند بالولايات امتحدة في مقال نشره بعنون "الصهيونية العالمية تنشط على ضفتي الأطلسي"وأضاف "تشجًّعَ إيباك (AIPAC) ، وقد انضم اليه رابطة مكافحة التشهير والمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل، وغيرهما من المجموعات الموسسة للوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة ، على جمع الأموال لشن حرب مالية ضد اي سياسي لا يسند بالكامل التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
في حرب الإبادة الجماعية بغزة، والتي تمددت الآن لتشمل الضفة الغربية، لم تقدم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الأسلحة الرئيسية للإبادة الجسدية فحسب، بل تتعاونان أيضًا مع شريكتهما الأصغر ،إسرائيل، في حرب التضليل والخداع العام؛ حتى الآن، أصبح من الواضح لمعظم المراقبين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن توفير الأسلحة المتقدمة لدولة الفصل العنصري، بما في ذلك الآلاف من القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات التي تزن 2000 رطل، وصواريخ هيلفاير جو-أرض الموجهة بدقة، و غيرها من أدوات الدمار الشامل، هي جزء من محاولة للقضاء على السكان المدنيين الفلسطينيين بالإبادة الجسدية والترحيل في نهاية المطاف. تزود شركة BAE العسكرية البريطانية إسرائيل بأجزاء من الطائرات المقاتلة من طراز F-35 إلى جانب "أنظمة الطائرات بدون طيار البحرية وتوجيه الصواريخ ومكونات الطائرات المقاتلة المستخدمة ضد الفلسطينيين في غزة" (Lee-Doktor 2024).
الحكومتان منفصلتان على نطاق واسع عن ناخبيهما؛ إذ بحلول مايو/أيار 2024، أشار استطلاع أجرته "بيانات من أجل التقدم" بالولايات المتحدة إلى أن 70% من الناخبين المحتملين، بمن فيهم 83% من الديمقراطيين، يؤيدون وقف دائم لإطلاق النار ووقف تصعيد العنف في غزة. وأظهر استطلاع مماثل أجرته مؤسسة يوجوف أن 56% من البريطانيين يفضلون قطع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل والوقف الفوري لإطلاق النار (66%). على الرغم من هذه النتائج، لم يتخذ أي من الأحزاب السياسية الرئيسة بالولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أي إجراء جدي لإنهاء المذابح البشرية في فلسطين (بيانات التقدم 2024؛ سميث 2024).
تحالف أنجلو أمريكي يتبع ا لصهيونية العالمية
ما الذي يفسر التحالفات السياسية المعاصرة بين الحكومتين الأمريكية والبريطانية مع إسرائيل، التي أصبحت دولة منبوذة في معظم أنحاء العالم؟ أول شيء يجب النظر إليه هو دور الطبقة السياسية وكيف تم تصميم سياستها الخارجية في الشرق الأوسط (غرب آسيا) لتحقيق الوضع المروع في غزة. يتم تنظيم الإبادة الجماعية على أرض الواقع من قبل العسكريين الإسرائيليين وسياسيي الدولة والتكنوقراط؛ لكن هذا ممكن فقط من خلال علاقتها بالأهداف الأكبر للقوى الراعية التي تعمل معًا لتحقيق أهداف الهيمنة المشتركة في المنطقة.
لاجدال في الوقت الراهن إن اللوبي الإسرائيلي، والذي يُسمى أيضًا اللوبي الصهيوني، يلعب دورا مركزيا في تمكين مصالح إسرائيل وكذلك مصالح كبار أثرياء اليهود بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، وفي توجيه السياسة الأنجلو-أمريكية بفلسطين، إن لم يكن على نطاق أوسع بالمنطقة. أزاح وولت وميرشايمر (2008) القناع عن اللوبي الإسرائيلي في السياسات الأمريكية في وقت لم يجرؤ سوى عدد قليل من الأكاديميين و الصحفيين على استكشاف الموضوع . تشجع إيباك (AIPAC) ، وقد انضم اليه رابطة مكافحة التشهير والمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل، وغيرهما من المجموعات الموسسة للوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة ، على جمع الأموال لشن حرب مالية ضد اي سياسي لا يسند بالكامل التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
مع حلول منتصف يونيو/حزيران 2024، بلغ إنفاق لجنة العمل السياسي المشتركة مع إيباك 14.5 مليون دولار لإفشال حملة جمال باومان بالتمهيدية (برايمري). هو حاليا عضو الكونجرس الديمقراطي لفترتين عن المنطقة السادسة عشرة بنيويورك . كان باومان قد جازف بالمقعد حين تجرأ على انتقاد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ودعا حكومة الولايات المتحدة إلى قطع المساعدات العسكرية عن ذلك البلد. وتعد "إيباك" والجماعات الصهيونية المرتبطة بها أيضًا من بين أكبر المساهمين للمرشحين السياسيين المفضلين، من البيت الأبيض نزولا حتى الانتخابات التشريعية للولايات، والذين يمكن الاعتماد عليهم كمؤثرين ودروع في خدمة الأجندة الإسرائيلية.
في نيويورك، أنفقت أيباك والمنظمات المتحالفة أموالها عن طريق "ملء شاشات التلفزيون، وتعبئة صناديق البريد، وسد خطوط الهاتف بهجمات لاذعة"، ما تسبب في خسارة باومان الانتخابات التمهيدية للحزب أمام ديمقراطي مؤيد لإسرائيل. كان هذا أكبر تجمع تمويل أنفقته أي مجموعة مصالح على الإطلاق في سباق سياسي، واحد تجمعات سعت أيباك من خلالها إفشال العودة ثانية للمقاعد التشريعية لمن اعتبروا غير ودودين لإسرائيل. وأقصيت كذلك من الانتخابات التمهيدية لمنطقة ولاية ميسوري الأولى كوري بوش، التي شغلت المقعد التقدمي للديمقراطيين، وذلك عن طريق تقديم إِيباك مساعدة مالية لمنافسها .
مهمتان متشابكتان
لإيباك وذراعها المالي، المشروع الديمقراطي المتحد (UDP)، شخصية مزدوجة؛ حيث لا يقتصر على ممارسة الضغوط لصالح إسرائيل، بل وكذلك إلحاق الهزيمة بالمرشحين اليساريين ممن يعارضون الفصل العنصري الإسرائيلي والشركات ذات السلطة الطاغية على السياسة الأمريكية (Marcetic 2024). من المهم إدراك هذه الرابطة، حيث أن نظام الأبارتهايد وداعميه يناهضون كلا من الشعب الفلسطيني والطبقة العاملة الأمريكية وعمال العالم اجمع (Fandos 2024). توصل أحد تحليلات AIPAC الى أن "الجهود الانتخابية التي يبذلها اللوبي تنسجم إلى حد كبير مع مصالح وول ستريت وغيره من الشركات الكبرى ذات النفوذ - نفس المصالح التي كافحت لعدة سنوات من أجل الحفاظ على الوضع القائم لأصولية السوق الحرة" (Marcetic 2024). .
بحلول مارس/آذار 2024، بلغ بالفعل إنفاق "إيباك" من خلال"لجنة العمل السياسي" التابعة لها، والمشروع الديمقراطي المتحد والجماعات المتحالفة معه، مبلغ 30 مليون دولار خلال الدورة الانتخابية للعام 2024 ، وذلك لإفشال حملات إعادة انتخاب النواب التقدميين ممن اتخذوا مواقفً مناهذضة لإسرائيل. كان متوقعا أن يصل المبلغ الذي أنفقه اللوبي الإسرائيلي للدورة الانتخابية 2023-2024 كاملة إلى 100 مليون دولار.
"أصبحت AIPAC قوة هائلة لجمع التبرعات في السنوات الأخيرة، حيث جمعت أموالًا للمرشحين أكثر من أي منظمة مماثلة في هذه الدورة" (Piper & Fuchs 2024). من الواضح أن اللوبي الصهيوني يضع كامالا هاريس تحت إشرافه، لأنها كانت فاترة في الرد على الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة المدعومة من الولايات المتحدة في غزة وعمليات القتل الجماعي والإرهاب بالضفة الغربية.
مصادر المال السياسي
يشغل ستيوارت رودن منصب مدير صندوق التحوط ورئيس شركة رأس المال الاستثماري الإسرائيلية ،Hetz Ventures، ومقرها تل أبيب، منح حزب العمال أكثر من نصف مليون جنيه استرليني قبل الانتخابات العامة في المملكة المتحدة [2024]، وهو جزء من مبلغ مليون جنيه استرليني تم التبرع به لحزب العمال منذ العام2023 ( بعد إبعاد جيريمي كوربين من قيادة الحزب) . رودن هو الممول الرئيس للبرنامج التعليمي الصهيوني، “I-gnite”، الذي يعلم الأطفال البريطانيين أن “قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) تتصرف بشكل متناسب في غزة” (McEvoy 2024c). في أكتوبر 2023، تم تصوير رودن وهو يواجه المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين؛ ولم توجه إليه تهمة التدخل في حقوق التعبير أو إهانة مشاعر الفلسطينيين .
من أين تحصل "إيباك" على أموالها؟ منظمة AIPAC خلال الفترة 2020-2021 ونظرا لتصميمها منظمة رعاية اجتماعية بموجب المادة 501 (ج) 4، شأن غيرها من منظمات العمل الاجتماعي الكبرى، غير مطالبة بالكشف عن المتبرعين لها. تفضل قوة الضغط هذه إبقاء هذه المعلومات طي الكتمان. غير أنه بناء على ما كتبته صحيفة "ذا فوروارد" اليهودية، ضمت قائمة الممولين الكبار لعام 2023 أصحاب الفرق الرياضية المحترفة، و"رؤساء شركات الأسهم الخاصة؛ طواغيت العقارات، عضو الكونجرس عن ولاية ماريلاند... الرئيس التنفيذي السابق لفيكتوريا سيكريت؛ المؤسس المشارك لشركة زومبيا لتمارين الرقص؛ ومبتكر لعبة سكويشميلوز الشهيرة للأطفال (برشاد 2024).
كما أشار بيرني ساندرز، يتم تمويل أيباك من قبل الشركات التي يسعدها دعم هزيمة أعضاء الكونجرس التقدميين، ممن يميلون للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحقوق العمال في أمريكا. ما يقرب من 60% من أموال أيباك تأتي من الرؤساء التنفيذيين للشركات وغيرهم من كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات فورتشن 500. أكبر متبرع منفرد لمشروع الديمقراطية المتحدة هو جان كوم، الملياردير والرئيس التنفيذي السابق لشركة واتساب في أغسطس 2024 والممول المنتطم للحزب الجمهوري. يأتي أكبر المساهمين المؤسسيين في UDP من قطاعات FIRE والتمويل/التأمين والعقارات (Marcetic 2024).
يستشهدون بإيباك في تطوير استراتيجية تطال المرشحين من كلا الحزبين، وهي تجربة يتوقع أن يقلدها الممولون من الشركات الكبرى في السنوات القادمة (Marcetic 2024)؛ هذا ينطوي على معنى هام لسياسة "تقوم على المال" حيث لا فرق يذكر بين الحزبين في المواقف بشأن إسرائيل وغيرها في مجالات السياسة الخارجية والداخلية الرئيسية. لا تقل رسالة هاريس عن رسالة ترامب، كلتاهما تتمحوران حول زيادة العسكرة، وزيادة الحروب، والمزيد من الرأسمالية النيوليبرالية، والمزيد من التكسير الهيدروليكي[ ضغط قوي لمادة سائلة داخل ضخور يحدث شقوقا يتسرب عبرها الغاز او النفط الى انابيب]. ما لم يتحقق تحول جذري، يرجح في السنوات القليلة القادمة تلاشي هذا الفرق الضئيل القائم بين الحزبين ، ما يفسح المجال أمام طقوس العربدة الأخيرة لتدمير الكوكب وسكانه.
بتقديسها أصولية السوق، شجعت إيديولوجيا الليبرالية الجديدة انهيار المعايير الاجتماعية الأخلاقية والمعنوية، ودمرت كل إحساس بالواقعية العامة، وتعاونت يدا بيد مع أجندة السياسة الخارجية للمحافظين الجدد. يصدق هذا على جانبي الأطلسي. على غرار الولايات المتحدة، ولو على نطاق أصغر، عادت بريطانيا إلى وعد بلفور، بتحالف مبرم مع القضية الصهيونية، التي تعاظم في السنوات الأخيرة نفوذها الهائل على البلاد من خلال وصول لوبيها الخاص إلى مجلس الوزراء، وتبرعاتها المقدمة للحزبين الرئيسيين ، والشراكة مع الرأسمال البريطاني والاضطهاد الناجح للرأي العام التقدمي بصدد إسرائيل.
الجبهة السياسية للصهيونية العالمية
حين كان زعيم المعارضة، أقدم كير ستارمر على تطهير حزب العمال من النواب المنتقدين لإسرائيل، بناءً على إشارات تلقاها من اللوبي الصهيوني، همش المنتقدين باعتبارهم "معاديين للسامية". قبل أشهر من توليه زعامة الحزب أعلن ستارمر نفسه "أنا أؤيد الصهيونية بدون تحفظ " (مندل 2020). وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا على إذاعة إل بي سي البريطانية، ذكر أن لإسرائيل الحق في حصارغزة، بما في ذلك قطع المياه والكهرباء (ماكشين 2023)، وهذا تأييد للإبادة الجماعية.
ومنذ أن أصبح رئيسًا للوزراء عام 2024، بدأ ستارمر تنفيذ المرحلة التالية من سياسته المؤيدة للصهيونية من خلال اعتقال المنتقدين البريطانيين لإسرائيل بالاستناد الى "قانون الإرهاب لعام 2000، القسم 12"؛ وهذا القانون أٌقرته حكومة توني بلير، ويشمل مجموعة من الجرائم، بما في ذلك ما ينشر على الانترنت من مواد تنتقد إسرائيل. اعتقلت في آب / أغسطس 2024 الصحفية والناشطة المؤيدة للفلسطينيين سارة ويلكنسون بموجب هذا القانون بعد مداهمة منزلها من قبل 12 شرطيًا ومصادرة جميع أجهزتها الإلكترونية (ويلكينز 2024). هددت بالسجن مدة طويلة إن نشرت تعليقات على الإنترنت حول الأسلوب "الذي لا يصدق " الذي مكن حماس من شن هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي شهر أغسطس أيضا ألقي القبض في مطار هيثرو على ريتشارد ميد هيرست، الصحفي البريطاني المستقل المعني بالشؤون الخارجية، والمتعاطف كذلك مع القضية الفلسطينية، ووجهت إليه التهم بموجب القانون الذي يحظر نشر كتابات تعتبر مؤيدة للمنظمات المحظورة، مثل حماس. لا يمكن تصور تطبيق هذا القانون على اليهود أو الإسرائيليين الذين يعيشون في بريطانيا والذين يعبرون عن موافقة مروعة على الإرهاب والقتل والتعذيب من جانب جيش الدفاع الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين (كوك 2024).
تمارس إسرائيل خطوط قوة مباشرة مع السياسة الانتخابية البريطانية والبرلمان من خلال مجموعات مثل أصدقاء إسرائيل في حزب العمال (LFI) وأصدقاء إسرائيل المحافظين (CFI)، وكلاهما ينشطان لصالح الدولة الصهيونية. بالنسبة لحزب المحافظين، مالاان ينتخب العضو للبرلمان حتى يصبح تلقائيا عضوًا في CFI. بات عضو مجلس الوزراء المحافظ يتوقع ان تأتيه تبرعات منتظمة من اللوبي، وتبلغ مئات آلاف الجنيهات الاسترلينية تمنح لما لا يقل عن ثلث الوزراء الحاليين أعضاء الحزب. كما أن أعداداً كبيرة من أعضاء البرلمان من حزب العمال تقدم لهم الإعانات. تسلم 20% من نواب حزب العمال الحاليين تبرعات قدمها لهم جماعات أو افراد مؤيدون لإسرائيل، منهم 15 عضوا تسلموا الأموال مباشرة من حكومة إسرائيل. وقبل الانتخابات العامة عام 2024، حصل 15 مرشحًا جديدًا لعضوية البرلمان على تمويل من أصدقاء إسرائيل العماليين LFI وأصدقاء إسرائيل المحافظين (McEvoy 2024d).
كشف فيلم وثائقي أعدته عام 2017 قناة الجزيرة بعنوان “اللوبي”، حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية، التي تعمل من خلال سفارتها في لندن، كان لها يد مباشرة في إدارة مجموعات أصدقاء إسرائيل المختلفة، بما في ذلك فروعها المتعددة بالمدن. وكشفت أيضًا أن اتحاد الطلاب اليهود في المملكة المتحدة، يتلقى أموالاً من السفارة الإسرائيلية، لتمويل زيارات وفود طلابية بقصد الدعاية (Oborne 2009 McEvoy, 2024a and 2024b).
لم يتردد مرشحو حزب العمال الاثني عشر الفائزون وثلاثة من المحافظين إلى قبول هذه المنح، مقابل إظهار تضامنهم مع السياسات الإسرائيلية وسياسات الإبادة الجماعية. منحت المنظمات المؤيدة لإسرائيل للمحافظين أكثر من 430 ألف جنيه إسترليني على شكل تبرعات أو هدايا ضيافة، بما في ذلك 187 رحلة إلى إسرائيل (McEvoy 2024b and 2024d). الانتخابات الأمريكية، وعلى غرارها ولو غلى أضيق نطاق، الانتخابات في بريطانيا تفتح الأبواب لتبرعات الأثرياء ونخب الشركات؛ يحتل اللوبي الصهيوني مقاعد في الصفوف الأمامية في استغلال هذه الفرص لمنع السياسيين الأنجلو أمريكيين من التذرع بمعايير حقوق الإنسان في دولة الفصل العنصري.
وكما كشف الفيلم الوثائقي أيضًا، فإن وحدة البروباغاندا الرئيسة في إسرائيل، وزارة الشؤون الإستراتيجية، تقوم بانتظام بتوجيه نقاط الحوار إلى أعضاء البرلمان البريطاني لحملهم على العمل كمتحدثين باسم المصالح الإسرائيلية، كما هو الحال أثناء وقت أسأل رئيس الوزراء. تقوم AIPAC أيضًا بتوجيه الأموال إلى الجامعات في بريطانيا لدعم بروباغاندا ينظمها مركز أبحاث Pinsker الموجود في الحرم الجامعي (حمل اسم زعيم صهيوني عاش في أواخر القرن التاسع عشر). يتمثل دور المركز في إنشاء سرديات عن تضحيات الطلاب اليهود، ويتحاشى توجيه كلمة تعزية للطلاب الفلسطينيين الذين يتعرض أقاربهم للتجويع والذبح على يد اليهود الإسرائيليين. وخارج الحرم الجامعي، تسعى أيباك لإنشاء معقل في البرلمان مماثل للسلطة التي تمارسها في الكونغرس. كما كشف "اللوبي" أيضًا عن مؤامرات نظمتها السفارة الإسرائيلية في لندن لإسقاط مسؤولين عموميين يُنظر إليهم على أنهم ينتقدون سياسة الفصل العنصري أو غير مؤيدين للصهيونية بشكل كافٍ.
تركت إسرائيل ومكابيوها السياسيون المعاصرون بصماتهم؛ وظف أصدقاء إسرائيل أعضاء حزب العمل بطاقة "اللاسامية" لقمع المعارضة؛ حققت نجاحا باهرا في تفريغ حزب العمال من النواب وأعضاء الحزب المؤيدين للفلسطينيين، خاصة خلال فترة قيادة جيريمي كوربين (2015-2020)، ودمغة "اللاسامية" تعادل كلمة "مهرطق" أثناء محاكم التفتيش الإسبانية. على الرغم من أن المهرطقين المعاصرين قد لا يحرقون على الخازوق، إلا أن الاحتمال قائم بتجريدهم من عضوية الحزب، أو فقدان الوظيفة ، أو الوضع الطلابي؛ يثير موقف LFI المتشدد الخوف والترويع لدى المعنيين بالعدالة الاجتماعية.
إيباك هي الأحدث بين عدد من التنظيمات المؤثرة المؤيدة لإسرائيل. تشمل هذه المنظمات مجلس القيادة اليهودية، والاتحاد الصهيوني، ومجلس نواب اليهود البريطانيين، وجميعها منظمات نخبوية بين السكان اليهود في بريطانيا البالغ عددهم 285.000 نسمة. في عهد توني بلير، عضو أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، بدأ اللوبي الإسرائيلي يحقق بجد تقدما سياسيا في مفاصل الحكومة، وفقًا لبرنامج ديسباتشيز الإخباري الاستقصائي للقناة الرابعة (المملكة المتحدة) عام 2009. وكشف التقرير أيضًا أن مجموعة تطلق على نفسها "التقارير النزيهة" ل"مراقبة" الصحافة نيابة عن إسرائيل، تتحدى بانتظام التغطية الإسرائيلية في صحيفة الغارديان وبي بي سي. يقع المقر الرئيسي للمجموعة في القدس ولها فرع آخر في مدينة نيويورك.
كان مدير تحريرها في ذلك الوقت، سيمون بلوسكر، قد عمل سابقًا في المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث (BICOM)، المعادل البريطاني لـ AIPAC، وفي المكتب الصحفي للجيش الإسرائيلي. تقوم بيكوم بصناعة رأي عام بريطاني، الى حد كبير من خلال إصدار بيانات صحفية لوسائل الإعلام البريطانية، وتمويل رحلات إلى إسرائيل للصحفيين البريطانيين، وتنظيم محادثات في الجامعات البريطانية. مصادر تمويل شركة بيكوم لها استثمارات كبيرة في الضفة الغربية المحتلة (أوبورن 2009)
لا تفرق إسرائيل كثيراً بين الحقائق والبروباغاندا ؛ بعد 7 أكتوبر، نشرت شركة ىطلق على نفسها الاسم Honest Reporting كذبًا أن الصحفيين الفلسطينيين كانوا على علم بالاعتداء مسبقًا، وهي كذبة اعترف بها مديرها التنفيذي بعد يوم واحد (Højberg 2023). ومن المحتمل جدًا أن يكون هذا قد تسبب في استهداف عشرات المراسلين الفلسطينيين وقتلهم على يد الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد أن كرر المتحدثون باسم نتنياهو هذا الادعاء غير المؤكد. غرد بيني غانتس، عضو حكومة نتنياهو الحربية، قائلا: "الصحفيون الذين تبين أنهم كانوا على علم بالمجزرة... لا يختلفون عن الإرهابيين ويجب معاملتهم على هذا النحو" (دارسي 2023؛ شامير 2023). في الفترة من 7 أكتوبر 2023 إلى 24 أغسطس 2024، قُتل على الأقل116 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام الفلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي، وفقًا للجنة حماية الصحفيين ومقرها الولايات المتحدة[ الرقم اعلى بكثير].
الحقيقة خلف جدران صماء
لم يول الصحفيون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سوى القليل من الاهتمام لما يحدث لزملائهم في فلسطين. وهذا مؤشر آخر على السلالة العنصرية بها تتحدد صفة الضحية لدى وسائل الإعلام الغربية. (انظر سوسمان 2022). يشكل مهزلة لفكرة "حرية الصحافة" تعاون ميديا الدولة والميديا الرئيسة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة مع أجهزة البروباغاندا الإسرائيلية والقائمين عليها في البلدين .
في كلا البلدين تعمل الرقابة ليس عامل قمع لمهنة الصحافة في المقام الأول، إنما على مستوى أعمق من الإلغاء[تأكيد الكاتب] - رفض حتى مناقشة أو تحليل مواضيع خارج نطاق الخطاب المهيمن المقبول. يجب تسجيل أيباك والعديد من الصحفيين عبر الأطلسي بحق عملاء أجانب للقدس الغربية. وحيث يعمل المراسلون البريطانيون والأمريكيون مختزلين ومروجين للأكاذيب الرسمية، يبقى الصحفيون المستقلون، وهم كثر، يمكن للباحثين عن الصحافة الصادقة أن يعتمدوا عليهم.
في فيلم "منطقة الاهتمام"، تقيم عائلة رودرولف هيس، النازي قائد قوات الأمن الخاصة بمنزل وسط مناظر طبيعية جميلة وطبيعة شاعرية معزول بجدار عن معسكر اعتقال أوشفيتز المجاور. باتت وظيفة مركزية للدولة منع المعلومات المناهضة للنظام من الوصول الى الجمهور. خارج معسكر الموت في غزة، ينشر الصحفيون في أمريكا وبريطانيا الأكاذيب بشكل عرضي حول الوضع ويتجاهلون مآسي الفلسطينيين والحقائق التاريخية للأبارتهايد والإبادة الجماعية الصهيونية بينما يستمتعون بامتيازات منطقة اهتمامهم المعزولة.