الديانة الإبراهيمية بين مكة وأمريكا – الصافات صفا


طلعت خيري
2024 / 9 / 17 - 10:45     

بعد الانقلاب العقائدي الذي طال مملكة سبأ ، والتحول من عبادة الله الى عبادة الجن ، بما يسمى ميثولوجيا غيبية عام الجن ، والانشقاق التاريخي لكتاب الإنجيل في القرن الثالث الميلادي ، وظهور ميثولوجيا عيسى ابن الله ، كانت سببا في تغير حنيفة إبراهيم في مكة ، حيث نقلت القوافل التجارية والسياحة الدينية القادمة من بلاد الشام ومن مملكة سبأ ميثولوجيا الديانات والطوائف إليها ، مما انعكس ذلك سلبا على عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر التي أرساها ابرأهيم ، وكتوافق سياسي ما بين الأديان السياسية وميثولوجيا الآلهة والاعتقادات الاسترولوجية والكسمولوجية برز معتقد الملائكة بنات الله ، كمعتقد إبراهيمي فرضته الزعامة المكية على الطوائف والأديان تحت اسم ملة إبراهيم لفرض إرادتها السياسية على الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمعيشية ، فأصبحت مكة في القرن السادس الميلادي مركزا عالميا لكل الديانات والاعتقادات ، فميثولوجيا الملائكة بنات الله عبارة عن تحالف سياسي شاركت فيه الديانات العالمية للحفاظ على ديموغرافيا المصالح السياسية ولاقتصادية المشتركة ، وبالرغم من الاختلاف الفكري والعقائدي ما بين الديانات والطوائف إلا ان الزعماء والمنظرين والكهنة والرأسماليين والسياسيين التفوا حول الديانة الإبراهيمية المكية ، فمكة في القرن السادس الميلادي كأمريكا اليوم التي تسعى الى جمع الديانات والطوائف حول مشروعها الامبريالي التوسعي بما يسمى الديانة الإبراهيمية،الذي ستشارك فيه أديان وطوائف الشرق الأوسط تحت اسم الديمقراطية للحفاظ على مصالحها ولاقتصادية التجارية في المنطقة ، أما سياسيا هو لجمع الملل ولاعتقادات والطوائف والأديان السياسية حول المسيح ابن الله أو المسيح هو الله ، فمثلما وحدت مكة الديانات والاعتقادات حول ميثولوجيا الملائكة بنات الله بما يسمى الديانة الإبراهيمية ، أمريكا تسعى لنفس الهدف جمع الديانات والطوائف حول ميثولوجيا المسيح ابن الله - أطلق عليه اسم الديانة الإبراهيمية الأمريكية ، ولكي يفكك التنزيل التحالف السياسي للديانة الإبراهيمية المكية ، بدا عقائديا بتفكيك عقيدة الملائكة بنات الله

تنسب ميثولوجيا الملائكة بنات الله ، لله الولد والولد يطلق على المولود سواء ان كان ذكرا أو أنثى ، فميثولوجيا البنات فكر سياسي يوطد روح الاعتقاد ما بين بنات الله في السماء ، وما بين أوثان الأرض، فرضه الفكر الوثني الشركي لأهل مكة على الطوائف والديانات لأهداف اقتصادية نفعية تحت اسم الديانة الإبراهيمية ، فالاعتقاد المكي ادعى ان الله ناسب الجن فأنجبوا له البنات ، ونظرا لعدم وجود لله ابنا مع بناته كره البنات بشكل عام، ذلك مما انعكس سلبا على المجتمع المكي معطيا أفضلية للبنين على البنات، ان راديكالية اصطفاء البنات بلور سيكولوجية إجرامية بحقهن فوصل الحال الى التستر على ولادتهن ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ، بل لجا البعض منهم الى قتلهن ، وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ، ان راديكالية اصطفاء البنات جعلت المجتمع المكي يتعامل بازدواجية مع الإنجاب ، فكانوا ينسبون ولادة البنات الى الله لأنه يكرههن ، وهم على كرهه كرهوا البنات ، بينما نسبوا ولادة البنين الى أوثان الأرض ، ما معناه البنات من الله والبنين من الأوثان ، الإبعاد الاقتصادية من انساب البنين الى أوثان الأرض للاستفادة الريعية من النذور والهدايا والقرابين والقلائد والنحر التي يقدمها الأزواج للآلهة بغية الحصول على الذكر، فكلما قدم الزوج عطاء كثير للآلهة سيحصل على ذكر قال الله ، فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ، أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون، إلا أنهم من افكهم ليقولون، ولد الله وأنهم لكاذبون ، اصطفى البنات على البنين ، ما لكم كيف تحكمون، أفلا تذكرون، أم لكم سلطان مبين، دليل قولي من الله ، فان قلتم نعم ، فاتوا بكتابكم ان كنتم صادقين

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ{149} أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ{150} أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ{151} وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{152} أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ{153} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{154} أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ{156} فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{157}

معتقد ميثولوجيا الملائكة بنات الله معتقد سياسي إبراهيمي، شاركت فيه ثلاثة اعتقادات تدعي أنها على ملة إبراهيم ، منها عبادة الجن، واسترولوجيا الكواكب، والدين السياسي لأهل الكتاب، فالتنزيل تصدى لجوهر الديانة الإبراهيمية القائم على راديكالية اصطفاء البنات، الذي فرضته الزعامة المكية كإرادة سياسية على الطوائف والأديان بشكل عام، ادعى فيها الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ان الله ناسب الجن فأنجبوا له البنات تحت ما يسمى الملائكة بنات الله، طبعا هذا اعتقاد سماوي ولتحقيق روحية البنات على الأرض جعلوا لهن أوثانا ليتقربوا إليها، الأهداف السياسية من صناعة الشريك مع الله لحمل الخطيئة عن البشر عبر طقوس دينية مكفرة لها، لأباحت الحريات الشخصية الرغبوية دون عائق ، فالشريك مع الله يلغي خالق السماوات والأرض والبعث والنشور، لتستحوذ الآلهة على المسخرات السماوية والأرضية للتحكم الاقتصادي بمفاصل الحياة والأنشطة المعيشية بشكل كامل قال الله ، وجعلوا بينه أي بين الله وبين الجنة الجن نسبا، بمعنى ان الله تزوج من الجن فأنجبوا له البنات، ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون، محضرون للعذاب الأخروي، سبحان الله عما يصفون تنزه الله عن هذا الوصف الجائر، بما ان معتقد الملائكة بنات الله انبثق من اعتقاد عالم الجن، إذن هم يعبدون الجن، استثنى الله من الحضور للعذاب الأخروي المخلصين من عالمي الجن والأنس، فقال إلا عباد الله المخلصين، فأنكم وما تعبدون، وهنا المقصود العبادة المشتركة ما بين الملائكة والجن، وما انتم عليه بفاتنين، بحارفين إلا من هو على شاكلتكم، إلا من هو صال الجحيم، ولكي يفكك التنزيل راديكالية اصطفاء الملائكة بنات الله نقل ما قالوه عن أنفسهم لتوضيح ماهيتهم قالوا وما منا إلا له مقام معلوم محدد وثابت، وإنا لنحن الصافون، الصافون جاءت من الصفاء وليس من الاصطفائية، وإنا لنحن المسبحون مسبحون لله إذن الملائكة عباد الله وليس بناته

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ{158} سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ{159} إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ{160} فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ{161} مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ{162} إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ{163} وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ{164} وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ{165} وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ{166}

بعد ان فكك التنزيل عقائديا مزاعم اصطفاء البنات وميثولوجيا الديانة الإبراهيمية ، اخذ زعماء مكة بالتصدي للنصوص القرآنية دفعا عن ديموغرافيا المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة للطوائف والأديان المتحالفة معهم ، مستعينين بالماضي الرجعي دين الآباء لإلغاء حاضر الدعوة القرآنية فقالوا ، وان كانوا ليقولون لو عندنا ذكر من الأولين ، أي لو عندنا معلومة تاريخية تؤكد على صدق القران ورسالة الأنبياء وانتصارهم في نهاية المطاف، لكنا عباد الله المخلصين ، الأبعاد السياسية من طرح فقدان المعلومة التاريخية هو للكفر بما انزل الله ، فكفروا به فسوف يعلمون ، رد التنزيل على طرح فقدان المعلومة التاريخية بمعلومة تاريخية أكدت على رسالة الأنبياء وانتصارهم في نهاية المطاف فقال، ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، أنهم لهم المنصورون ، وان جندنا لهم الغالبون

وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ{167} لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ{168} لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ{169} فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{170} وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ{171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ{172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{173}

رفض أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والمنتفعين من تجارة اصطفاء البنات معتقدي ميثولوجيا الديانة الإبراهيمية للتغير العقائدي بكل إشكاله ، فأمر الله محمد بالكف عنهم قائلا، فتول عنهم حتى حين ، حين فترة زمنية قريبة ، وأبصرهم بمعنى أوعدهم بما سيحل بهم من عذاب ، فسوف يبصرون سوف يشاهدون عذابنا ، أفبعذابنا يستعجلون ، فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ، وتول عنهم حتى حين ، حين فترة زمنية قريبة وأبصر لتشاهد يا محمد عذابنا ، فسوف يبصرون سوف يشاهدونه بأعينهم ، كان فتح مكة في سنة ثمانية للهجرة نهاية التحالف السياسي للديانة الإبراهيمية رافقه انهيار اقتصادي وتجاري وثقافي شمل كافة الطوائف والأديان المتحالفة فما حل بالديانة الإبراهيمية المكية سيحل بالديانة الإبراهيمية الأمريكية لا محال ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ{174} وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ{175} أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ{176} فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ{177} وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ{178} وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ{179} سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ{180} وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ{181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{182}